تفسير سورة التكوير

تفسير غريب القرآن للكواري

تفسير سورة سورة التكوير من كتاب تفسير غريب القرآن - الكواري المعروف بـتفسير غريب القرآن للكواري.
لمؤلفه كَامِلَة بنت محمد الكَوارِي .

﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾ أي: لُفَّتْ وذهبَ بِنُورِهَا، وَأَصْلُ التَّكْوِيرِ: الجَمْعُ مَأخُوذٌ من: كَارَ العِمَامَةَ إذا جَمَعَهَا وَلَفَّهَا.
﴿النُّجُومُ انكَدَرَتْ﴾ تَنَاثَرَتْ في السماءِ وَتَسَاقَطَتْ في الفَضَاءِ.
﴿الْجِبَالُ سُيِّرَتْ﴾ سَيَّرَهَا اللهُ فَصَارَتْ كَثِيبًا مَهِيلًا، ثم صَارَتْ كَالْعِهْنِ المَنْفُوشِ، ثم تَغَيَّرَتْ وَصَارَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا، وَأُزِيلَتْ عَنْ أَمَاكِنِهَا.
﴿الْعِشَارُ عُطِّلَتْ﴾ جَمْعُ عُشَرَاءَ وهي الحواملُ من الإِبِلِ التي أَتَى عليها عَشَرَةُ أَشْهُرٍ مِنْ حَمْلِهَا، وَخُصَّتْ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا أَعَزُّ ما تَكُونُ عِنْدَ العَرَبِ: ﴿عُطِّلَتْ﴾: تَرَكَهَا أَهْلُهَا وَأَهْمَلُوهَا لمَا جَاءَهُمْ مِنْ أَهْوَالِ يَوْمِ القِيَامَةِ.
﴿الْوُحُوشُ حُشِرَتْ﴾ جُمِعَتْ لِيَقْتَصَّ اللهُ مِنْ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ، وَيَرَى العِبَادُ كَمَالَ عَدْلِهِ حَتَّى إنه يَقْتَصُّ للشَّاةِ الجَمَّاء مِنَ الشَّاةِ القَرْنَاءِ، ثم يُقَالُ لها: كُونِي تُرَابًا.
﴿الْبِحَارُ سُجِّرَتْ﴾ فُجِّرَتْ، فَصَارَتْ بَحْرًا وَاحِدًا، وقيل: احْتَرَقَتْ حتى صَارَتْ نَارًا، يُقَالُ: سَجرْتُ التَّنُّورَ: إِذَا أَحْمَيْتَهُ، والمسجورُ والساجرُ في اللغةِ: المَلْآنُ، تقول: سَجرْتُ الحوضَ: إذا مَلَأْتَهُ.
﴿النُّفُوسُ زُوِّجَتْ﴾ أي: قُرِنَ كُلُّ صَاحِبِ عَمَلٍ مَعَ نَظِيرِهِ، فَجُمِعَ الأبرارُ مع الأبرارِ، والفُجَّارُ مَعَ الفُجَّارِ.
﴿المَوْءُودَةُ سُئِلَتْ﴾ أي: البنتُ التي تُدْفَنُ حَيَّةً خَوْفَ العارِ والحَاجَةِ، ومن المعلوم أنها ليس لها ذَنْبٌ، ولكن هذا فيه توبيخٌ وتقريعٌ لِقَاتِلِهَا.
﴿الصُّحُفُ نُشِرَتْ﴾ أي: صُحُفُ الأَعْمَالِ فُتِحَتْ وَفُرقَتْ عَلَى أَهْلِهَا، فَآخِذٌ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، وَآخِذٌ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ أَوْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ.
﴿السَّمَاءُ كُشِطَتْ﴾ نُزِعَتْ وجُذِبَتْ ثُمَّ طُوِيَتْ كما قال تعالى: ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ﴾ وقوله تعالى: ﴿وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾.
﴿الجَحِيمُ سُعِّرَتْ﴾ أي: أُوقِدَ عَلَيْهَا فَاسْتَعَرَتْ وَالْتَهَبَتِ الْتِهَابًا لم يَكُنْ لها قَبْلَ ذَلِكَ.
﴿الجَنَّةُ أُزْلِفَتْ﴾ قُرِّبَتْ وأُدْنِيتْ لِأَهْلِهَا لِيَدْخُلُوهَا.
﴿مَا أَحْضَرَتْ﴾ مِنْ خَيْرٍ فَتَصِيرُ بِهِ إلى الجَنَّةِ، أو مِنْ شَرٍّ فَتَصِيرُ بِهِ إلى النارِ.
﴿بِالخُنَّسِ﴾ وَصْفٌ لمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ هي النُّجُومُ، وهو جَمْعُ خَانِسٍ يقال لغةً: خَنِسَ يَخْنَسُ: إذا انْقَبَضَ وَتَأَخَّرَ، وقيل: إذا رَجَعَ.
﴿الجَوَارِ الْكُنَّسِ﴾ جَمْعُ جَارِيَةٍ، وَحُذِفَتِ اليَاءُ اخْتِصَارًا، والكُنَّسُ: جَمْعُ كَانِسٍ أو كَانِسَةٍ، وهو الظبيُ إذا دَخَلَ كُنَاسَهُ وهو موضعٌ في الشجرِ يَسْتَتِرُ فيه، وأصلُ الكَنْسِ: كَسْحُ القُمَامَةِ عَنْ وَجْهِ الأرضِ، فَمِنْ صِفَاتِ النجومِ أنها خُنَّسٌ، وَأَنَّهَا جَوَارٍ، وأنها كُنَّسٌ.
أما الخُنُوسُ: اخْتِفَاؤُهَا في النهارِ مَعَ وُجُودِهَا في مَنَازِلِهَا كما تختفي الظِّبَاءُ بَيْنَ الأشجارِ في أَكْنِسَتِهَا عن أَعْيُنِ طلابِ صَيْدِهَا، ففي الآيةِ تَشْبِيهُ اخْتِفَاءِ النُّجُومِ في النهارِ باختفاءِ الظباءِ في أَكْنِسَتِهَا، وَتَشْبِيهُ مواقعِ النجومِ بِأَكْنِسَةِ الظباءِ، وهي نجومٌ تَخْنَسُ بالنَّهَارِ وَتَظْهَرُ بالليلِ، وَتَكْنِسُ وَقْتَ غُرُوبِهَا؛ أي: تَسْتَتِرُ كما تَكْنِسُ الظباءُ في المغارِ وهو الكِنَاسُ.
(١٧ - ١٨) ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ﴾: أي: أَقْبَلَ بظلامه أو أَدْبَرَ؛ لأن عَسْعَسَ من أسماءِ الأضدادِ، إلا أن المناسبَ هنا يكون المرادُ به إقبالَ الظلامِ؛ لمقابلته بالصبحِ إذا تَنَفَّسَ، أي: أَضَاءَ وَأَسْفَرَ وَتَبَلَّجَ.
﴿رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾ أي: جِبْرِيلٌ، كَرِيمٌ عَلَى اللهِ تعالى، وَأُضِيفَ إليه القرآنُ لِنُزُولِهِ به.
﴿ذِي قُوَّةٍ﴾ شَدِيدُ القُوَى.
﴿عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ﴾ عند اللهِ تعالى ذي مكانةٍ فوقَ منازلِ الملائكةِ كلِّهم.
﴿مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ﴾ أَيْ جِبْرِيلُ مُطَاعٌ في المَلَأِ الأعلى؛ لأنه من الملائكةِ المُقَرَّبِينَ، نافذٌ فيهم أَمْرُهُ مُطَاعٌ رَأْيُهُ.
﴿وَلَقَدْ رَأَىهُ بِالْأفُقِ المُبِينِ﴾ أي: رَأَى محمدٌ - ﷺ - جبريلَ عَلَيْهِ السلامُ بالأفقِ المبينِ الَّذِي هُوَ أَعْلَى ما يلوحُ لِلْبَصَرِ.
﴿عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ﴾ أي: وما هُوَ عَلَى ما أَوْحَاهُ اللهُ تعالى إليه بِشَحِيحٍ يَكْتُمُ بَعْضَهُ، بل هُوَ - ﷺ - أَمِينُ أهلِ السماءِ وأهلِ الأرضِ، الَّذِي بلَّغَ رسالاتِ رَبِّهِ البلاغَ المبينَ فَلَمْ يَشُحَّ بِشَيْءٍ منه.
﴿بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ﴾ أي: ليس القرآنُ بقولِ شيطانٍ مُسْتَرِقٍ للسمعِ مَرْجُومٍ.
25
سُورة الِانْفِطَار
سورة التكوير
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (التَّكْوير) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (المَسَد)، وهي من السُّوَر التي شيَّبتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم؛ كما صح في الأثر؛ وذلك لِما أخبَرتْ عنه من الأهوال التي تسبق يومَ القيامة؛ تخويفًا للكفار من عذاب الله الواقع بهم إن بَقُوا على كفرهم، وقد خُتِمت بحقيقةِ الوحي، وإثباتِ مجيئه من عند الله عز وجل.

ترتيبها المصحفي
81
نوعها
مكية
ألفاظها
104
ترتيب نزولها
7
العد المدني الأول
29
العد المدني الأخير
29
العد البصري
29
العد الكوفي
29
العد الشامي
29

* سورة (التَّكْوير):

سُمِّيت سورة (التَّكْوير) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {إِذَا اْلشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1].

سورة (التَّكْوير) من السُّوَر التي شيَّبتْ رسول الله صلى الله عليه وسلم:

عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «قال أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه لرسولِ اللهِ: يا رسولَ اللهِ، أراكَ قد شِبْتَ! قال: «شيَّبتْني هُودٌ، والواقعةُ، والمُرسَلاتُ، و{عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ}، و{إِذَا اْلشَّمْسُ كُوِّرَتْ}». أخرجه الحاكم (3314).

* سورة (التَّكْوير) من السُّوَر التي وصفت أحداثَ يوم القيامة بدقة؛ لذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الصحابةَ إلى قراءتها:

عن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن سَرَّه أن ينظُرَ إلى يومِ القيامةِ كأنَّه رأيَ عينٍ، فَلْيَقرأْ: {إِذَا اْلشَّمْسُ كُوِّرَتْ}، و{إِذَا اْلسَّمَآءُ اْنفَطَرَتْ}، و{إِذَا اْلسَّمَآءُ اْنشَقَّتْ}». أخرجه الترمذي (٣٣٣٣).

1. حقيقة القيامة (١-١٤).

2. حقيقة الوحي (١٥-٢٩).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /49).

يقول ابنُ عاشور رحمه الله: «اشتملت على تحقيقِ الجزاء صريحًا، وعلى إثبات البعث، وابتُدئ بوصفِ الأهوال التي تتقدمه، وانتُقل إلى وصف أهوال تقع عَقِبَه.

وعلى التنويه بشأن القرآن الذي كذَّبوا به؛ لأنه أوعَدهم بالبعث؛ زيادةً لتحقيقِ وقوع البعث إذ رمَوُا النبيَّ صلى الله عليه وسلم بالجنون، والقرآنَ بأنه يأتيه به شيطانٌ». "التحرر والتنوير" لابن عاشور (30 /140).