تفسير سورة التكوير

معاني القرآن

تفسير سورة سورة التكوير من كتاب معاني القرآن
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم.
قوله عز وجل :﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ﴾ ذهب ضوءُها.
وقوله تبارك وتعالى :[ ١٢٨/ا ] ﴿ وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ ﴾.
أي : انتثرت وقعت على وجه الأرض.
وقوله جل وعز :﴿ وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ ﴾.
والعشار : لُقُح الإبل عطلها أهلها لاشتغالهم بأنفسهم.
وقوله عز وجل :﴿ وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ﴾.
[ حدثنا أبو العباس قال : حدثنا محمد قال ] حدثنا الفراء قال : حدثني أبو الأحوص سلام ابن سليم عن سعيد بن مسروق عن عكرمة قال : حشرها : موتها.
وقوله عز وجل :﴿ وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ ﴾.
أفضى بعضها إلى بعض فصارت بحرا واحدا.
وقوله جل وعز :﴿ وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ﴾.
[ حدثنا أبو العباس قال : حدثنا محمد قال ] حدثنا الفراء قال : حدثني أبو الأحوص سلام ابن سليم عن سعيد بن مسروق أبي سفيان عن عكرمة في قوله :﴿ وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ﴾ قال : يقرن الرجل بقرينه الصالح في الدنيا في الجنة، ويقرن الرجل الذي كان يعمل العمل السيء بصاحبه الذي كان يعينه على ذلك في النار، فذلك تزويج الأنفس. قال الفراء : وسمعت بعض العرب يقول : زوجت إبلي، ونهي الله أن يقرن بين اثنين، وذلك أن يقرن البعير بالبعير فيعتلفان معا، ويرحلان معا.
[ حدثنا أبو العباس قال : حدثنا محمد قال ] حدثنا الفراء قال : حدثني حِبَّان عن الكلبي عن أبي صالح عن أبيه عن ابن عباس، وحدثني علي بن غراب عن ابن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس أنه قرأ :﴿ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأي ذَنبٍ قُتِلَتْ ﴾ وقال : هي التي تسأل ولا تسأل.
وقد يجوز أن يَقرأ :﴿ بِأي ذَنبٍ قُتِلَتْ ﴾، والمعنى : بأي ذنب قُتِلْتُ. كما تقول في الكلام : عبد الله بأي ذنب ضرِبَ، وبأي ذنب ضُرِبْتُ. وقد مرّ له نظائر من الحكاية، من ذلك [ ١٢٨/ب ] قول عنترة :
الشاتِمي عِرضي ولم أشتمها والناذرين إذا لقيتهما دمي
والمعنى : أنهما كانا يقولان : إذا لقينا عنترة لنقتلنه. فجرى الكلام في شعره على هذا المعنى واللفظ مختلف، وكذلك قوله
رَجْلان من ضَبة أخبرانا إنا رأينا رجلا عريانا
والمعنى : أخبرانا أنهما، ولكنه جرى على مذهب القول، كما يقول : قال عبد الله : إنه لذاهب وإني ذاهب، والذهاب له في الوجهين جميعا.
ومن قرأ :﴿ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ ﴾ ففيه وجهان : سئلتْ : فقيل لها :«بِأي ذَنب قُتلتِ » ثم يجوز قُتلتْ. كما جاز في المسألة الأولى، ويكون سئلت : سئل عنها الذين وأدُوها. كأنك قلت : طلبتْ منهم، فقيل : أين أولادُكم ؟ وبأي ذنب قتلتموهم ؟ وكل الوجوه حسنٌ بيّنٌ إِلاَّ أن الأكثر ( سُئلتْ ) فهو أحبُّها إليّ.
وقوله عز وجل :﴿ وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ﴾.
شدّدها يحيى بن وثاب، وأصحابه، وخففها آخرون من أهل المدينة وغيرهم. وكلٌّ صواب، قال الله جل وعز :﴿ صُحُفاً مُّنَشَّرَةً ﴾، فهذا شاهد لمن شدّد، ومنشورة عربي، والتشديد فيه والتخفيف لكثرته، وأنه جمع ؛ كما تقول : مررت بكباش مذبّحة، ومذبوحةٍ، فإذا كان واحدا لم يجز إلا التخفيف، كما تقول : رجل مقتول، ولا تقول : مُقَتَّل.
وقوله جل وعز :﴿ وَإِذَا السَّماء كُشِطَتْ ﴾.
نُزعت وطويت، وفي [ ١٢٩/ا ] قراءة عبد الله :«قشطت » بالقاف، وهما لغتان، والعرب تقول : القافور والكافور، والقَفُّ والكَفُّ إذا تقارب الحرفان في المخرج تعاقبا في اللغات : كما يقال : جدف، وجدث، تعاقبت الفاء الثاء في كثير من الكلام، كما قيل : الأثافي والأثاثي، وثوب فُرْقبى وثُرقبى، ووقعوا في عاثورِ شَرّ، وعافور شر.
وقوله عز وجل :﴿ وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ ﴾.
خففها الأعمش وأصحابه، وشددها الآخرون.
وقوله تبارك وتعالى :﴿ عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ ﴾.
جواب لقوله :﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ﴾ ولما بعدها، ﴿ وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ ﴾ قربت.
وقوله عز وجل :﴿ فَلاَ أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ ﴾.
وهي النجوم الخمسة تَخنُس في مجراها، ثم ترجع وتكنِس : تستتر كما تكنس الظباء في المغار، وهو الكِناسُ. والخمسة : بَهرام، وزُحَل، وعُطارد، والزُّهَرة، والمشترى.
وقال الكلبي : البِرْجيس : يعني المشترى.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥:وقوله عز وجل :﴿ فَلاَ أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ ﴾.
وهي النجوم الخمسة تَخنُس في مجراها، ثم ترجع وتكنِس : تستتر كما تكنس الظباء في المغار، وهو الكِناسُ. والخمسة : بَهرام، وزُحَل، وعُطارد، والزُّهَرة، والمشترى.
وقال الكلبي : البِرْجيس : يعني المشترى.

وقوله عز وجل :﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ ﴾.
اجتمع المفسرون : على أن معنى «عسعس » : أدبر، وكان بعض أصحابنا يزعم أن عسعس : دنا من أوله وأظلم، وكان أبو البلاد النحوي ينشد فيه
عَسْعَسَ حتى لو يشاء ادّنا كان له من ضوئهِ مَقْبسُ
يريد : إذ دنا، ثم يلقى همزة إذ، ويُدغم الذال في الدال، وكانوا يرون أن هذا البيت مصنوع.
وقوله :﴿ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ ﴾.
إذا ارتفع النهار، فهو تنفس الصبح.
وقوله عز وجل :﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَريمٍ ﴾.
يعني : جبريل صلى الله عليه، وعلى جميع الأنبياء.
وقوله :﴿ وَما هُوَ على الْغَيْبِ بِضَنِينٍ ﴾ [ ١٢٩/ب ].
[ حدثنا أبو العباس قال : حدثنا محمد قال ] حدثنا الفراء قال : حدثني قيس بن الربيع عن عاصم ابن أبي النجود عن زر بن حبيش قال : أنتم تقرءون :( بضنين ) ببخيل، ونحن نقرأ ( بظنين ) بِمتَّهم. وقرأ عاصم وأهل الحجاز وزيد بن ثابت ( بضنين ) وهو حسن، يقول : يأتيه غيب السماء، وهو منفوس فيه فلا يضن به عنكم، فلو كان مكان : على عن صلح أو الباء كما تقول : ما هو بضنين بالغيب. والذين قالوا : بظنين. احتجوا بأن على تقوّي قولهم، كما تقول : ما أنت على فلان بمتهم، وتقول : ما هو على الغيب بظنين : بضعيف، يقول : هو محتمل له، والعرب تقول للرجل الضعيف أو الشيء القليل : هو ظنون. سمعت بعض قضاعة يقول : ربما دلّك على الرأي الظنون، يريد : الضعيف من الرجال، فإن يكن معنى ظنين : ضعيفاً، فهو كما قيل : ماء شريب، وشروب، وقروني، وقريني، وسمعت : قروني وقريني، وقرُونتي وقرينتي إلا أنّ الوجه ألاّ تدخِل الهاء. وناقة طعوم وطعيم، وهي التي بين الغثّة والسمينة.
وقوله عز وجل :﴿ فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ ﴾.
العرب تقول : إلى أينَ تذهب ؟ وأينَ تذهب ؟ ويقولون : ذهبت الشامَ، وذهبت السوق، وانطلقت الشام، وانطلقت السوق، وخرجت الشام سمعناه في هذه الأحرف الثلاثة : خرجت، وانطلقت، وذهبت. وقال الكسائي : سمعت العرب تقول : انطُلِقَ به الفورَ، فتنصب على معنى إلقاء الصفة، وأنشدني بعض بني عُقَيل.
تَصيحُ بنا حَنيفةُ إذ رأتنا وأي الأرض تذهبُ للصِّياح
يريد : إلى أي الأرض تذهب [ ١٣٠/ا ] واستجازوا في هؤلاء الأحرف إلقاءَ ( إلى ) لكثرة استعمالهم إياها.
سورة التكوير
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (التَّكْوير) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (المَسَد)، وهي من السُّوَر التي شيَّبتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم؛ كما صح في الأثر؛ وذلك لِما أخبَرتْ عنه من الأهوال التي تسبق يومَ القيامة؛ تخويفًا للكفار من عذاب الله الواقع بهم إن بَقُوا على كفرهم، وقد خُتِمت بحقيقةِ الوحي، وإثباتِ مجيئه من عند الله عز وجل.

ترتيبها المصحفي
81
نوعها
مكية
ألفاظها
104
ترتيب نزولها
7
العد المدني الأول
29
العد المدني الأخير
29
العد البصري
29
العد الكوفي
29
العد الشامي
29

* سورة (التَّكْوير):

سُمِّيت سورة (التَّكْوير) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {إِذَا اْلشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1].

سورة (التَّكْوير) من السُّوَر التي شيَّبتْ رسول الله صلى الله عليه وسلم:

عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «قال أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه لرسولِ اللهِ: يا رسولَ اللهِ، أراكَ قد شِبْتَ! قال: «شيَّبتْني هُودٌ، والواقعةُ، والمُرسَلاتُ، و{عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ}، و{إِذَا اْلشَّمْسُ كُوِّرَتْ}». أخرجه الحاكم (3314).

* سورة (التَّكْوير) من السُّوَر التي وصفت أحداثَ يوم القيامة بدقة؛ لذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الصحابةَ إلى قراءتها:

عن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن سَرَّه أن ينظُرَ إلى يومِ القيامةِ كأنَّه رأيَ عينٍ، فَلْيَقرأْ: {إِذَا اْلشَّمْسُ كُوِّرَتْ}، و{إِذَا اْلسَّمَآءُ اْنفَطَرَتْ}، و{إِذَا اْلسَّمَآءُ اْنشَقَّتْ}». أخرجه الترمذي (٣٣٣٣).

1. حقيقة القيامة (١-١٤).

2. حقيقة الوحي (١٥-٢٩).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /49).

يقول ابنُ عاشور رحمه الله: «اشتملت على تحقيقِ الجزاء صريحًا، وعلى إثبات البعث، وابتُدئ بوصفِ الأهوال التي تتقدمه، وانتُقل إلى وصف أهوال تقع عَقِبَه.

وعلى التنويه بشأن القرآن الذي كذَّبوا به؛ لأنه أوعَدهم بالبعث؛ زيادةً لتحقيقِ وقوع البعث إذ رمَوُا النبيَّ صلى الله عليه وسلم بالجنون، والقرآنَ بأنه يأتيه به شيطانٌ». "التحرر والتنوير" لابن عاشور (30 /140).