تفسير سورة التكوير

الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم

تفسير سورة سورة التكوير من كتاب الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم
لمؤلفه الكَازَرُوني . المتوفي سنة 923 هـ

لما ذكر بعض أهوال القيامة أردفه ببعض أهوالها الأخر فقال: ﴿ بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ * إِذَا ٱلشَّمْسُ كُوِّرَتْ ﴾: لفت كالعمامة، أو أظلمت ﴿ وَإِذَا ٱلنُّجُومُ ٱنكَدَرَتْ ﴾: أظلمت، أو تناثرت ﴿ وَإِذَا ٱلْجِبَالُ سُيِّرَتْ ﴾: في الهواء كالهباء ﴿ وَإِذَا ٱلْعِشَارُ ﴾: جمع عشراء، ناقة بلغ حملها الشهر العاشر ﴿ عُطِّلَتْ ﴾: تركت مع أنها أحب الأموال إلى العرب ﴿ وَإِذَا ٱلْوُحُوشُ حُشِرَتْ ﴾: للقصاص ﴿ وَإِذَا ٱلْبِحَارُ سُجِّرَتْ ﴾: أوْقدَت وصارت نارا، أو ملئت بجعل الكل واحدا ﴿ وَإِذَا ٱلنُّفُوسُ زُوِّجَتْ ﴾: قرنت بجنسها في العمل، أو بأبدانها ﴿ وَإِذَا ﴾: الجارية ﴿ ٱلْمَوْءُودَةُ ﴾: المدفونة حِيَّة ﴿ سُئِلَتْ ﴾: توبيخا لقاتلها ﴿ بِأَىِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ * وَإِذَا ٱلصُّحُفُ ﴾: للأعمال ﴿ نُشِرَتْ ﴾: للحساب ﴿ وَإِذَا ٱلسَّمَآءُ كُشِطَتْ ﴾: كشط جلد الذبيح بمعنى كشفت وأزيلت عما فوقها من الجنة والعرش ﴿ وَإِذَا ٱلْجَحِيمُ سُعِّرَتْ ﴾: أوقتدت نهاية ﴿ وَإِذَا ٱلْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ ﴾: قربت للمؤمنين، واعلم أن الستة الأولى منها في مبادئ القيامة، والستة الأخيرة في آخرها ﴿ عَلِمَتْ ﴾: وقت هذه الأشياء وهو القيامة ﴿ نَفْسٌ ﴾: أي: لكل نفس ﴿ مَّآ أَحْضَرَتْ ﴾: من خير وشر ﴿ فَلاَ ﴾: صلة ﴿ أُقْسِمُ بِٱلْخُنَّسِ ﴾: الرواجع من الكواكب إلى أول المنزل ﴿ ٱلْجَوَارِ ﴾: بالاستقامة في المنازل ﴿ ٱلْكُنَّسِ ﴾: المخفية تحت ضوء الشمس، أو تحت ما هو على ذلك فوقه عند القِرَن معه، من كنس الوحش إذا دخل كناسه أي: بيته، يعني الخمسة المسخرة ﴿ وَٱللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ ﴾: أقبل أو أدبر ﴿ وَٱلصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ ﴾: أضاء والظرفان مُؤوّلان بنحو: عظمت الليل إذا أدبر ﴿ إِنَّهُ ﴾: القرآن ﴿ لَقَوْلُ رَسُولٍ ﴾: عنا ﴿ كَرِيمٍ ﴾: علينا، يعني جبريل ﴿ ذِي قُوَّةٍ ﴾: كما مر ﴿ عِندَ ذِي ٱلْعَرْشِ مَكِينٍ ﴾: ذكر مكانة ﴿ مُّطَاعٍ ثَمَّ ﴾: في مكانته ﴿ أَمِينٍ ﴾: على الوحي ﴿ وَمَا صَاحِبُكُمْ ﴾: محمدٌ صلى الله عليه وسلم ﴿ بِمَجْنُونٍ ﴾: كما زعمتم، استدل من يفضل جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم بمناقبها هنا ﴿ وَ ﴾: الله ﴿ لَقَدْ رَآهُ ﴾: أي محمد جبريل ﴿ بِٱلأُفُقِ ٱلْمُبِينِ ﴾: الأعلى من المشرق ﴿ وَمَا هُوَ ﴾: أي: محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ عَلَى ٱلْغَيْبِ بِضَنِينٍ ﴾ متهم، وبالضاد أي: ببخيل كما يضنُّ الكاهن رغبة في الحلوان، بل ﴿ وَمَا هُوَ ﴾: أي: القرآن ﴿ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ ﴾: كزعمكم ﴿ فَأيْنَ تَذْهَبُونَ ﴾: في هذه النسب إليه، أي: أنهم ضالون فيها ﴿ إِنْ ﴾: أي: ما ﴿ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ ﴾ عظة ﴿ لِّلْعَالَمِينَ * لِمَن ﴾: بدل عنه ﴿ شَآءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ ﴾: على الحق ﴿ وَمَا تَشَآءُونَ ﴾: الاستقامة ﴿ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾: وحسبنا الله ونعم الوكيل، وصلى الله عليه سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
سورة التكوير
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (التَّكْوير) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (المَسَد)، وهي من السُّوَر التي شيَّبتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم؛ كما صح في الأثر؛ وذلك لِما أخبَرتْ عنه من الأهوال التي تسبق يومَ القيامة؛ تخويفًا للكفار من عذاب الله الواقع بهم إن بَقُوا على كفرهم، وقد خُتِمت بحقيقةِ الوحي، وإثباتِ مجيئه من عند الله عز وجل.

ترتيبها المصحفي
81
نوعها
مكية
ألفاظها
104
ترتيب نزولها
7
العد المدني الأول
29
العد المدني الأخير
29
العد البصري
29
العد الكوفي
29
العد الشامي
29

* سورة (التَّكْوير):

سُمِّيت سورة (التَّكْوير) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {إِذَا اْلشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1].

سورة (التَّكْوير) من السُّوَر التي شيَّبتْ رسول الله صلى الله عليه وسلم:

عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «قال أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه لرسولِ اللهِ: يا رسولَ اللهِ، أراكَ قد شِبْتَ! قال: «شيَّبتْني هُودٌ، والواقعةُ، والمُرسَلاتُ، و{عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ}، و{إِذَا اْلشَّمْسُ كُوِّرَتْ}». أخرجه الحاكم (3314).

* سورة (التَّكْوير) من السُّوَر التي وصفت أحداثَ يوم القيامة بدقة؛ لذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الصحابةَ إلى قراءتها:

عن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن سَرَّه أن ينظُرَ إلى يومِ القيامةِ كأنَّه رأيَ عينٍ، فَلْيَقرأْ: {إِذَا اْلشَّمْسُ كُوِّرَتْ}، و{إِذَا اْلسَّمَآءُ اْنفَطَرَتْ}، و{إِذَا اْلسَّمَآءُ اْنشَقَّتْ}». أخرجه الترمذي (٣٣٣٣).

1. حقيقة القيامة (١-١٤).

2. حقيقة الوحي (١٥-٢٩).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /49).

يقول ابنُ عاشور رحمه الله: «اشتملت على تحقيقِ الجزاء صريحًا، وعلى إثبات البعث، وابتُدئ بوصفِ الأهوال التي تتقدمه، وانتُقل إلى وصف أهوال تقع عَقِبَه.

وعلى التنويه بشأن القرآن الذي كذَّبوا به؛ لأنه أوعَدهم بالبعث؛ زيادةً لتحقيقِ وقوع البعث إذ رمَوُا النبيَّ صلى الله عليه وسلم بالجنون، والقرآنَ بأنه يأتيه به شيطانٌ». "التحرر والتنوير" لابن عاشور (30 /140).