ﰡ
عن رسول الله ﷺ «من قرأ سورة عبس وتولى جاء يوم القيامة ووجهه ضاحك مستبشر «٢» ».
سورة التكوير
مكية، وآياتها ٢٩ [نزلت بعد المسد] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة التكوير (٨١) : الآيات ١ الى ١٤]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (١) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (٢) وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ (٣) وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ (٤)وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (٥) وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ (٦) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (٧) وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (٩)
وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (١٠) وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ (١١) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (١٢) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (١٣) عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ (١٤)
في التكوير وجهان: أن يكون من كوّرت العمامة إذا لففتها، أى: يلف ضوءها لفا فيذهب
(٢). أخرجه الثعلبي والواحدي وابن مردويه باسنادهم إلى أبى بن كعب.
أبصر خربان فضاء فانكدر «١»
ويروى في الشمس والنجوم: أنها تطرح في جهنم ليراها من عبدها، كما قال إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ. سُيِّرَتْ أى على وجه الأرض وأبعدت. أو سيرت في الجوّ تسيير السحاب كقوله وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ. والعشار في جمع عشراء، كالنفاس في جمع نفساء:
وهي التي أتى على حملها عشرة أشهر، ثم هو اسمها إلى أن تضع لتمام السنة، وهي أنفس ما تكون عند أهلها وأعزها عليهم عُطِّلَتْ تركت مسيبة مهملة. وقيل: عطلها أهلها عن الحلب والصر، لاشتغالهم بأنفسهم. وقرئ: عطلت، بالتخفيف حُشِرَتْ جمعت من كل ناحية. قال قتادة:
يحشر كل شيء حتى الذباب للقصاص. وقيل: إذا قضى بينها ردّت ترابا فلا يبقى منها إلا ما فيه سرور لبنى آدم وإعجاب بصورته، كالطاوس ونحوه. وعن ابن عباس رضى الله عنهما: حشرها موتها.
يقال: إذا أجحفت السنة بالناس وأموالهم حشرتهم السنة. وقرئ: حشرت، بالتشديد سُجِّرَتْ قرئ بالتخفيف والتشديد، من سجر التنور: إذا ملأه بالحطب، أى: ملئت وفجر بعضها إلى بعض حتى تعود مجرا واحدا. وقيل: ملئت نيرانا تضطرم لتعذيب أهل النار. وعن الحسن:
يذهب ماؤها فلا تبقى فيها قطرة زُوِّجَتْ قرنت كل نفس بشكلها. وقيل: قرنت الأرواح
إذا الكرام ابتدروا الباع بدر | تقضى البازي إذا البازي كسر |
«انى جناحيه من الطود فمر | أبصر خربان فضاء فانكدر |
لقد سما ابن معمر حين اعتمر | مغزى بعيدا من بعيد وضبر |
ومنّا الّذى منع الوائدات | فأحيا الوئيد فلم توأد «١» |
وعن عمر رضى الله عنه أنه كان إذا قرأها قال: إليك يساق الأمر يا ابن آدم. وعن النبي ﷺ أنه قال: «يحشر الناس عراة حفاة» فقالت أمّ سلمة: كيف بالنساء؟ فقال: شغل الناس يا أمّ سلمة» قالت: وما شغلهم؟ قال: نشر الصحف فيها مثاقيل الذرّ ومثاقيل الخردل «١» ويجوز أن يراد: نشرت بين أصحابها، أى فرقت بينهم. وعن مرثد بن وداعة: إذا كان يوم القيامة تطايرت الصحف من تحت العرش، فتقع صحيفة المؤمن في يده في جنة عالية، وتقع صحيفة الكافر في يده في سموم وحميم أى مكتوب فيها ذلك، وهي صحف غير صحف الأعمال كُشِطَتْ كشفت وأزيلت، كما يكشط الإهاب عن الذبيحة، والغطاء عن الشيء. وقرأ ابن مسعود: قشطت. واعتقاب الكاف والقاف كثير. يقال: لبكت الثريد ولبقته، والكافور والقافور سُعِّرَتْ أو قدت إيقادا شديدا. وقرئ: سعرت بالتشديد للمبالغة. قيل: سعرها عضب الله تعالى وخطايا بنى آدم أُزْلِفَتْ أدنيت من المتقين، كقوله تعالى وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ قيل: هذه اثنتا عشرة خصلة. ست منها في الدنيا، وست في الآخرة.
وعَلِمَتْ: هو عامل النصب في إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وفيما عطف عليه. فإن قلت: كل نفس تعلم ما أحضرت، كقوله يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً لا نفس واحدة. فما معنى قوله عَلِمَتْ نَفْسٌ؟ قلت: هو من عكس كلامهم الذي يقصدون به الإفراط فيما بعكس عنه. ومنه قوله عز وجل: رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ ومعناه: معنى كم وأبلغ منه. وقول القائل:
قد أترك القرن مصفرّا أنامله «٢»
وتقول لبعض قوّاد العساكر: كم عندك من الفرسان؟ فيقول: رب فارس عندي. أولا تعدم عندي فارسا، وعنده المقانب «٣»، وقصده بذلك التمادي في تكثير فرسانه، ولكنه أراد
(٢). تقدم شرح هذا الشاهد بالجزء الأول صفحة ٢٠٢ فراجعه إن شئت اه مصححه.
(٣). قوله «وعنده المقانب في الصحاح «المقنب» : ما بين لثلاثين إلى الأربعين من الخيل. (ع)
[سورة التكوير (٨١) : الآيات ١٥ الى ١٨]
فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (١٥) الْجَوارِ الْكُنَّسِ (١٦) وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ (١٧) وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ (١٨)
بِالْخُنَّسِ الرواجع، بينا ترى النجم في آخر البرج إذ كرّ راجعا إلى أوله. والْجَوارِ السيارة. والْكُنَّسِ «١» الغيب من كنس الوحشي: إذا دخل كناسه. قيل: هي الدراري
أى تطلع في أماكنها، كالوحش في كنسها. عسعس الليل وسعسع: إذا أدبر. قال العجاج:
حتّى إذا الصّبح لها تنفّسا | وانجاب عنها ليلها وعسعسا «٢» |
أقبل بإقباله روح ونسيم، فجعل ذلك نفسا له على المجاز. وقيل: تنفس الصبح.
[سورة التكوير (٨١) : الآيات ١٩ الى ٢١]
إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (١٩) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (٢٠) مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (٢١)
إِنَّهُ الضمير للقرآن لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ هو جبريل صلوات الله عليه «٣» ذِي قُوَّةٍ
(٢). العجاج. وتنفس الصبح: اتساع ضوئه، أو إقباله بضوء ونسيم. وضمير «لها» الشمس، وقيل:
للمفازة. وانجاب: انقطع وانفصل عنها ظلام الليل. وعسعس: ولى مدبرا وزال ظلامه، فهو توكيد لما قبله.
ويجوز أن الضمير لبقرة وحشية مثلا.
(٣). قال محمود: «المراد بالرسول الكريم: جبريل عليه السلام. وقوله عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ ليدل على عظم منزلته ومكانته، وثم إشارة إلى الظرف المذكور يعنى عند ذى العرش الخ» قال أحمد: ما كان جبريل صلوات الله عليه يرضى منه هذا التفسير المنطوى على التقصير في حق البشير النذير عليه أفضل الصلاة والسلام، ولقد اتبع الزمخشري هواه في تمهيد أصول مذهبه الفاسد، فأخطأ على الأصل والفرع جميعا، ونحن فبين ذلك بحول الله وقوته فنقول: أولا اختلف أهل التفسير، فذهب منهم الجم الغفير إلى أن المراد بالرسول الكريم هاهنا إلى آخر النعوت:
محمد صلى الله عليه وسلم. فإن يكن كذلك والله أعلم فذلك فضل الله المعتاد على نبيه، وإن كان المراد جبريل عليه السلام فقد اختلف الناس في المفاضلة بين الملائكة والرسل، والمشهور عن أبى الحسن: تفضيل الرسل. ومذهب المعتزلة: تفضيل الملائكة، إلا أن المختلفين أجمعوا على أنه لا يسوغ تفضيل أحد القبيلين الجليلين بما يتضمن تنقيص معين من الملائكة ومعين من الرسل، لأن التفضيل وإن كان ثابتا إلا أن في التعيين إيذاء للمفضول، وعليه حمل الحذاق قوله ﷺ «لا تفضلوني على يونس بن متى» أى لا تعينوا مفضولا على التخصيص، لأن التفضيل على لتعميم ثابت بإجماع المسلمين، أى تفضيل النبي ﷺ على النبيين أجمعين، وكان جدي رحمه الله يوضح ذلك بمثال فيقول: لو قلت بحضرة جماعة من الفقهاء: فلان أفضل أهل عصره، لكان في الجماعة احتمال لهذا التفضيل وإن لزم اندراجهم في المفضولين، ولو عينت واحدا منهم وقلت: فلان أفضل منك وأتقى لله، لأسرع به الأذى إلى بعضك. وإذا تقرر لك أنه لا يلزم من اعتقاد التفضيل على التعميم جواز إطلاق التفضيل على التخصيص، علمت أن الزمخشري أخطأ على أصله لأنه بتقدير أن تكون الملائكة أفضل كما يعتقد، لا يجوز أن يقال أحد من الملائكة على التخصيص أنه أفضل من أحد الأنبياء على التخصيص، لا سيما في سيد ولد آدم عليه أفضل الصلاة والسلام، ثم يعود الكلام على الآية بعد تسليم أن المراد جبريل، وبعد أن نكله في تعيينه النبي ﷺ وعده مفضولا إلى الله فنقول: لم يذكر فيها نعت إلا والنبي ﷺ مثله، أولها: رسول كريم، فقد قال في حقه ﷺ في آخر سورة الحاقة إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وقد قيل أيضا: إن المراد جبريل، إلا أنه يأباه قوله وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ وقد وافق الزمخشري على ذلك فيما تقدم، فهذا أول النعوت وأعظمها. وأما قوله ذِي قُوَّةٍ فليس محل الخلاف، إذ لا نزاع في أن لجبريل عليه السلام فضل القوة الجسمية ومن يقتلع المدائن بريشة من جناحه، لا مراء في فضل قوته على قوة البشر. وقد قيل هذا في تفسير قوله ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى وقوله عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطاعٍ ثَمَّ فقد ثبت طاعة الملائكة أيضا لنبينا صلى الله عليه وسلم، ورد أن جبريل عليه السلام قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يقرئك السلام، وقد أمر ملك الجبال أن يطيعك عند ما آذته قريش فسلم عليه الملك وقال: إن أمرتنى أن أطبق عليهم الأخشبين فعلت، فصبر النبي ﷺ واحتسب.
وأعظم من ذلك وأشرف: مقامه المحمود في الشفاعة الكبرى يوم لا يتقدمه أحد، إذ يقول الله تعالى له: ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعطه واشفع تشفع. وأما أمين فقد قال وهو الصادق المصدوق: والله إنى لأمين في الأرض أمين في السماء، وحسبك قوله: وما هو على الغيب بظنين. إن قرأته بالظاء فمعناه أنه ﷺ أمين على الغيب غير متهم، وإن قرأته بالضاد رجع إلى الكرم، فكيف يذهب إلى التفضيل بالنعوت المشتركة بين الفاضل والمفضول سواء، وما لي مباحثة في أصل المسألة، ولكن الرد عليه في خطئه على كل قول يتعين، وإلا فالمسئلة في غير هذا الكتاب. فنسأل الله أن يثبتنا على الايمان به وبملائكته وكتبه ورسله، وعلى القول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأن يعمر قلوبنا بحبهم، وأن يجعل توسلنا إليه بهم، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ ليدل على عظم منزلته ومكانته ثَمَّ إشارة إلى الظرف المذكور، أعنى:
عند ذى العرش، على أنه عند الله مطاع في ملائكته المقرّبين يصدرون عن أمره ويرجعون إلى رأيه. وقرئ: ثم، تعظيما للأمانة، وبيانا لأنها أفضل صفاته المعدودة.
[سورة التكوير (٨١) : آية ٢٢]
وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (٢٢)
وَما صاحِبُكُمْ يعنى: محمدا ﷺ بِمَجْنُونٍ كما تبهته الكفرة «١»، وناهيك بهذا دليلا على جلالة مكان جبريل عليه السلام وفضله على الملائكة، ومباينة منزلته «٢» أفضل الإنس محمد صلى الله عليه وسلم: إذا وازنت بين الذكرين حين قرن بينهما، وقايست بين قوله إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ وبين قوله وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ.
(٢). قوله «ومباينة منزلته... الخ» يعنى ارتفاع منزلته على منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مبنى على مذهب المعتزلة من تفضيل الملك على البشر. ومذهب أهل السنة: تفضيل رؤساء البشر. وإنما ذكر جبريل بتلك الصفات واقتصر على نفى الجنون عن النبي ﷺ لأن جبريل مجهول لهم، بخلاف محمد ﷺ فاقه صاحبهم، ولذا اقتصر على نفى ما بهتوه به. (ع)
[سورة التكوير (٨١) : الآيات ٢٣ الى ٢٥]
وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (٢٣) وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (٢٤) وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (٢٥)وَلَقَدْ رَآهُ ولقد رأى رسول الله ﷺ جبريل بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ بمطلع الشمس الأعلى وَما هُوَ وما محمد على ما يخبر به من الغيب من رؤية جبريل والوحى إليه وغير ذلك بِضَنِينٍ بمتهم من الظنة وهي التهمة. وقرئ: بضنين، من الضنّ وهو البخل أى: لا يبخل بالوحي فيزوى بعضه غير مبلغه، أو يسأل تعليمه فلا يعلمه، وهو في مصحف عبد الله بالظاء، وفي مصحف أبىّ بالضاد. وكان رسول الله ﷺ يقرأ بهما.
وإتقان الفصل بين الضاد والظاء: واجب. ومعرفة مخرجيهما مما لا بد منه للقارئ، فإنّ أكثر العجم لا يفرّقون بين الحرفين، وإن فرقوا ففرقا غير صواب، وبينهما بون بعيد، فإن مخرج الضاد من أصل حافة اللسان وما يليها من الأضراس من يمين اللسان أو يساره، وكان عمر بن الخطاب رضى الله عنه أضبط يعمل بكلتا يديه، وكان يخرج الضاد من جانبي لسانه، وهي أحد الأحرف الشجرية أخت الجيم والشين، وأما الظاء فمخرجها من طرف اللسان وأصول الثنايا العليا، وهي أحد الأحرف الذولقية أخت الذال والثاء. ولو استوى الحرفان لما ثبتت في هذه الكلمة قراءتان اثنتان واختلاف بين جبلين من جبال العلم والقراءة، ولما اختلف المعنى والاشتقاق والتركيب فإن قلت: فإن وضع المصلى أحد الحرفين مكان صاحبه. قلت: هو كواضع الذال مكان الجيم، والثاء مكان الشين، لأن التفاوت بين الضاد والظاء كالتفاوت بين أخواتهما وَما هُوَ وما القرآن بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ أى بقول بعض المسترقة للسمع، وبوحيهم إلى أوليائهم من الكينة.
[سورة التكوير (٨١) : الآيات ٢٦ الى ٢٩]
فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (٢٦) إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٢٧) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٢٩)
فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ استضلال لهم كما يقال لتارك الجادّة اعتسافا أو ذهابا في بنيات الطريق «١» :
أين تذهب، مثلت حالهم بحاله في تركهم الحق وعدولهم عنه إلى الباطل لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ بدل من العالمين وإنما أبدلوا منهم لأنّ الذين شاءوا الاستقامة بالدخول في الإسلام هم المنتفعون بالذكر، فكأنه لم يوعظ به غيرهم وإن كانوا موعظين جميعا وَما تَشاؤُنَ الاستقامة يا من
سورة التكوير
سورة (التَّكْوير) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (المَسَد)، وهي من السُّوَر التي شيَّبتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم؛ كما صح في الأثر؛ وذلك لِما أخبَرتْ عنه من الأهوال التي تسبق يومَ القيامة؛ تخويفًا للكفار من عذاب الله الواقع بهم إن بَقُوا على كفرهم، وقد خُتِمت بحقيقةِ الوحي، وإثباتِ مجيئه من عند الله عز وجل.
ترتيبها المصحفي
81نوعها
مكيةألفاظها
104ترتيب نزولها
7العد المدني الأول
29العد المدني الأخير
29العد البصري
29العد الكوفي
29العد الشامي
29* سورة (التَّكْوير):
سُمِّيت سورة (التَّكْوير) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {إِذَا اْلشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1].
سورة (التَّكْوير) من السُّوَر التي شيَّبتْ رسول الله صلى الله عليه وسلم:
عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «قال أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه لرسولِ اللهِ: يا رسولَ اللهِ، أراكَ قد شِبْتَ! قال: «شيَّبتْني هُودٌ، والواقعةُ، والمُرسَلاتُ، و{عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ}، و{إِذَا اْلشَّمْسُ كُوِّرَتْ}». أخرجه الحاكم (3314).
* سورة (التَّكْوير) من السُّوَر التي وصفت أحداثَ يوم القيامة بدقة؛ لذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الصحابةَ إلى قراءتها:
عن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن سَرَّه أن ينظُرَ إلى يومِ القيامةِ كأنَّه رأيَ عينٍ، فَلْيَقرأْ: {إِذَا اْلشَّمْسُ كُوِّرَتْ}، و{إِذَا اْلسَّمَآءُ اْنفَطَرَتْ}، و{إِذَا اْلسَّمَآءُ اْنشَقَّتْ}». أخرجه الترمذي (٣٣٣٣).
1. حقيقة القيامة (١-١٤).
2. حقيقة الوحي (١٥-٢٩).
ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /49).
يقول ابنُ عاشور رحمه الله: «اشتملت على تحقيقِ الجزاء صريحًا، وعلى إثبات البعث، وابتُدئ بوصفِ الأهوال التي تتقدمه، وانتُقل إلى وصف أهوال تقع عَقِبَه.
وعلى التنويه بشأن القرآن الذي كذَّبوا به؛ لأنه أوعَدهم بالبعث؛ زيادةً لتحقيقِ وقوع البعث إذ رمَوُا النبيَّ صلى الله عليه وسلم بالجنون، والقرآنَ بأنه يأتيه به شيطانٌ». "التحرر والتنوير" لابن عاشور (30 /140).