تفسير سورة سورة المدثر من كتاب نظم الدرر في تناسب الآيات والسور
المعروف بـنظم الدرر.
لمؤلفه
برهان الدين البقاعي
.
المتوفي سنة 885 هـ
سورة المدثر١
مقصودها الجد والاجتهاد في الإنذار بدار البوار لأهل الاستكبار، وإثبات البعث في أنفس المكذبين الفجار، والإشارة بالبشارة لأهل الادكار، بحلم العزيز/الغفار، واسمها المدثر٢ أدل ما فيها على ذلك، وذلك واضح لمن تأمل النداء٣ والمنادى به والسبب ﴿ بسم الله ﴾ ٤الملك الأعلى الواحد القهار ﴿ الرحمن ﴾ الذي عم بنعمتي الإيجاد والبيان الأبرار والفجار ﴿ الرحيم* ﴾ الذي خص أهل أصفيائه بالاستبصار، والتوفيق إلى ما يوصل إلى دار القرار.
مقصودها الجد والاجتهاد في الإنذار بدار البوار لأهل الاستكبار، وإثبات البعث في أنفس المكذبين الفجار، والإشارة بالبشارة لأهل الادكار، بحلم العزيز/الغفار، واسمها المدثر٢ أدل ما فيها على ذلك، وذلك واضح لمن تأمل النداء٣ والمنادى به والسبب ﴿ بسم الله ﴾ ٤الملك الأعلى الواحد القهار ﴿ الرحمن ﴾ الذي عم بنعمتي الإيجاد والبيان الأبرار والفجار ﴿ الرحيم* ﴾ الذي خص أهل أصفيائه بالاستبصار، والتوفيق إلى ما يوصل إلى دار القرار.
١ الرابعة والسبعون من سور القرآن الكريم، مكية، وعدد آيها ست وخمسون..
٢ زيد في الأصل و ظ: على، ولم تكن الزيادة في م فحذفناها..
٣ من م، وفي الأصل و ظ: النداز..
٤ زيد في الأصل: أي، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها..
٢ زيد في الأصل و ظ: على، ولم تكن الزيادة في م فحذفناها..
٣ من م، وفي الأصل و ظ: النداز..
٤ زيد في الأصل: أي، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها..
ﰡ
ولما ختمت «المزمل» بالبشارة لأرباب البصارة بعدما بدئت بالاجتهاد في الخدمة المهيىء للقيام بأعباء الدعوة، افتتحت هذه بمحط حكمة الرسالة وهي النذارة لأصحاب الخسارة، فقال معبراً بما فيه بشارة بالسعة في المال والرجال والصلاح وحسن الحال في الحال والمآل، ومعرفاً بأن المخاطب في غاية اليقظة بالقلب وإن
39
ستر القالب: ﴿يا أيها المدثر *﴾ المشتمل بثوبه، من تدثر بالثوب: اشتمل به، والدثار - بالكسر ما فوق الشعار من الثياب، والشعار ما لاصق البدن «الأنصار شعار والناس دثار» والدثر: المار الكثير، ودثر الشجر: أورق، وتدثير الطائر: إصلاحه عشه، والتعبير بالأداة الصالحة للقرب والبعد يراد به غاية القرب بما عليه السياق وإن كان التعبير بالأداة فيه نوع ستر لذلك مناسبة للتدثر، واختير التعبير بها لأنه لا يقال بعدها إلى ما جل وعظم من الأمور، وكان الدثار لم يعم بدنه الشريف بما دل عليه التعبير بالإدغام دون الإظهار الدال على المبالغة لأن المراد إنما كان ستر العين ليجتمع القلب، فيكفي في ذلك ستر الرأس وما قاربه من البدن، والإدغام شديد المناسبة للدثار.
ولما كان في حال تدثره قد لزم موضعاً واحداً فلزم من ذلك إخفاء نفسه الشريفة، أمره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالقيام، وسبب عنه الإنذار إشارة إلى أن ما يراد به من أنه يكون أشهر الخلق بالرسالة العامة مقتض لتشمير الذيل والحمل على النفس بغاية الجد والاجتهاد اللازم عنه كثرة الانتشار، فهو مناف للتدثر بكل اعتبار فقال: ﴿قم﴾ أي مطلق قيام، ولا سيما من محل تدثرك بغاية العزم والجد.
ولما كان في حال تدثره قد لزم موضعاً واحداً فلزم من ذلك إخفاء نفسه الشريفة، أمره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالقيام، وسبب عنه الإنذار إشارة إلى أن ما يراد به من أنه يكون أشهر الخلق بالرسالة العامة مقتض لتشمير الذيل والحمل على النفس بغاية الجد والاجتهاد اللازم عنه كثرة الانتشار، فهو مناف للتدثر بكل اعتبار فقال: ﴿قم﴾ أي مطلق قيام، ولا سيما من محل تدثرك بغاية العزم والجد.
40
ولما كان الأمر عند نزول هذه السورة في أوله والناس قد عمهم الفساد، ذكر أحد وصفي الرسالة إيذاناً بشدة الحاجة إليه فقال مسبباً عن قيامه: ﴿فأنذر﴾ أي فافعل الإنذار لكل من يمكن إنذاره فأنذر من كان راقداً في غفلاته، متدثراً بأثواب سكراته، لاهياً عما أمامه من أهوال يوم القيامة، وكذا من كان مستيقظاً ولكنه متدثر بأثواب تشويفاته وأغشيته فتراته، فإنه يجب على كل مربوب أن يشكر ربه وإلا عاقبه بعناده له أو غفلته عنه بما أقله الإعراض عنه، وحذف المفعول إشارة إلى عموم الإنذار لكل من يمكن منه المخالفة عقلاً وهم جميع الخلق، وذلك أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان نزل عليه جبريل عليه السلام ب ﴿اقرأ باسم ربك﴾ [العلق: ١] ونحوها فكان بذلك نبياً ثم نزلت عليه هذه الآية فكان بها رسولاً، وذلك أنه نودي وهو في جبل حراء، فلما سمع الصوت نظر يميناً وشمالاً فلم ير شيئاً، فرفع رأسه فإذا جبريل عليه الصلاة والسلام جالس على عرش بين السماء والأرض، ففرق من ذلك أشد الفرق،
41
فبادر المجيء إلى البيت ترجف بوادره وقال:
«دثروني دثروني، لقد خشيت على نفسي، صبوا عليّ ماءً بارداً».
ولما كان الإنذار يتضمن مواجهة الناس بما يكرهون، وذلك عظيم على الإنسان، وكان المفتر عن اتباع الداعي أحد أمرين: تركه مما يؤمر به، وطلبه عليه الأجر، كما أن الموجب لاتباعه عمله بما دعا إليه، وبعده عن أخذ الأجر عليه، أمره بتعظيم من أرسله سبحانه فإنه إذا عظم حق تعظيمه صغر كل شيء دونه، فهان عليه الدعاء وكان له معيناً على القبول فقال: ﴿وربك﴾ أي المربي لك خاصة ﴿فكبر *﴾ أي وقم فتسبب عن قيامك بغاية الجد والاجتهاد أن تصفه وحده بالكبرياء قولاً واعتقاداً على كل حال، وذلك تنزيهه عن الشرك أول كل شيء، وكذا عن كل ما لا يليق به من وصل وفصل، ومن سؤال غيره، والاشتغال بسواه.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: ملاءمتها لسورة المزمل واضحة، واستفتاح السورتين من نمط واحد، وما ابتدئت به كل واحدة منهما من جليل خطابه عليه الصلاة والسلام وعظيم تكريمه ﴿يا أيها المزمل﴾ [المزمل: ١] ﴿يا أيها المدثر﴾ [المدثر: ١] والأمر فيهما بما يخصه ﴿قم الّيل إلا قليلاً نصفه﴾ [المزمل: ٢ - ٣] الآي، وفي الآخرى {قم فانذر
«دثروني دثروني، لقد خشيت على نفسي، صبوا عليّ ماءً بارداً».
ولما كان الإنذار يتضمن مواجهة الناس بما يكرهون، وذلك عظيم على الإنسان، وكان المفتر عن اتباع الداعي أحد أمرين: تركه مما يؤمر به، وطلبه عليه الأجر، كما أن الموجب لاتباعه عمله بما دعا إليه، وبعده عن أخذ الأجر عليه، أمره بتعظيم من أرسله سبحانه فإنه إذا عظم حق تعظيمه صغر كل شيء دونه، فهان عليه الدعاء وكان له معيناً على القبول فقال: ﴿وربك﴾ أي المربي لك خاصة ﴿فكبر *﴾ أي وقم فتسبب عن قيامك بغاية الجد والاجتهاد أن تصفه وحده بالكبرياء قولاً واعتقاداً على كل حال، وذلك تنزيهه عن الشرك أول كل شيء، وكذا عن كل ما لا يليق به من وصل وفصل، ومن سؤال غيره، والاشتغال بسواه.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: ملاءمتها لسورة المزمل واضحة، واستفتاح السورتين من نمط واحد، وما ابتدئت به كل واحدة منهما من جليل خطابه عليه الصلاة والسلام وعظيم تكريمه ﴿يا أيها المزمل﴾ [المزمل: ١] ﴿يا أيها المدثر﴾ [المدثر: ١] والأمر فيهما بما يخصه ﴿قم الّيل إلا قليلاً نصفه﴾ [المزمل: ٢ - ٣] الآي، وفي الآخرى {قم فانذر
42
وربك فكبر} [المدثر: ٢ - ٣] أتبعت في الأولى بقوله: ﴿فاصبر على ما يقولون﴾ [المزمل: ١٠] وفي الثانية بقوله ﴿ولربك فاصبر﴾ [المدثر: ٧] وكل ذلك قصد واحد، واتبع أمره بالصبر في الزمل بتهديد الكفار ووعيدهم ﴿وذرني والمكذبين﴾ [المزمل: ١١] الآيات، وكذلك في الأخرى ﴿ذرني ومن خلقت وحيداً﴾ [المدثر: ١١] الآيات، فالسورتان واردتان في معرض واحد وقصد متحد - انتهى.
ولما كان تنزيه العبد عن الأدناس لأجل تنزيه المعبود، قال آمراً بتطهير الظاهر والباطن باستكمال القوة النظرية في تعظيمه سبحانه ليصلح أن يكون من أهل حضرته وهو أول مأمور به من رفض العادات المذمومة: ﴿وثيابك فطهر *﴾ أي وقم فخص ثيابك الحسية بإبعادها عن النجاسات بمجانبة عوائد المتكبرين من تطويلها، وبتطهيرها لتصلح للوقوف في الخدمة بالحضرة القدسية، والمعنوية وهي كل ما اشتمل على العبد من الأخلاق المذمومة والعوائد السقيمة من الفترة عن الخدمة والضجر والاسترسال مع شيء من عوائد النفس، وذلك يهون باستكمال القوة النظرية.
ولما أمر بمجانبة الذر في الثياب وأراد الحسية والمعنوية، وكان ذلك ظاهراً في الحسية، وجعل ذلك كناية عن تجنب الأقذار كلها لأن من جنب ذلك ملبسه أبعده عن نفسه من باب الأولى،
ولما كان تنزيه العبد عن الأدناس لأجل تنزيه المعبود، قال آمراً بتطهير الظاهر والباطن باستكمال القوة النظرية في تعظيمه سبحانه ليصلح أن يكون من أهل حضرته وهو أول مأمور به من رفض العادات المذمومة: ﴿وثيابك فطهر *﴾ أي وقم فخص ثيابك الحسية بإبعادها عن النجاسات بمجانبة عوائد المتكبرين من تطويلها، وبتطهيرها لتصلح للوقوف في الخدمة بالحضرة القدسية، والمعنوية وهي كل ما اشتمل على العبد من الأخلاق المذمومة والعوائد السقيمة من الفترة عن الخدمة والضجر والاسترسال مع شيء من عوائد النفس، وذلك يهون باستكمال القوة النظرية.
ولما أمر بمجانبة الذر في الثياب وأراد الحسية والمعنوية، وكان ذلك ظاهراً في الحسية، وجعل ذلك كناية عن تجنب الأقذار كلها لأن من جنب ذلك ملبسه أبعده عن نفسه من باب الأولى،
43
حقق العموم وأكد فقال: ﴿والرجز﴾ أي كل قذر فإنه سبب الدنايا التي هي سبب العذاب، قال في القاموس: الرجز بالكسر والضم: القذر وعبادة الأوثان والعذاب والشرك. ﴿فاهجر *﴾ أي جانب جهاراً وعبادة، ليحصل لك الثواب كما كنت تجانبها سراً وعادة، فحصل لك الثناء الحسن حتى أن قريشاً إنما تسميك الأمين ولا تناظر لك أحداً منها.
ولما بدأ بأحد سببي القبول، أتبعه الثاني المبعد عن قاصمة العمل من الإعجاب والرياء والملل فقال: ﴿ولا تمنن﴾ أي على أحد بدعائك له أو بشيء تعطيه له على جهة الهبة أو القرض بأن تقطع لذة من أحسنت إليه بالتثقيل عليه بذكرك على جهة الاستعلاء والاستكثار بما فعلته معه، أو لا تعط شيئاً حال كونك ﴿تستكثر *﴾ أي تطلب أن تعطي أجراً أو أكثر مما أعطيت - قاله ابن عباس رضي الله عنهما، وهو من قولهم، منَّ - إذا أعطى، وذلك لأنه الأليق بالمعطي من الخلق أن يستقل ما أعطى، ويشكر الله الذي وفقه له، وبالآخذ أن يستكثر ما أخذ، فأمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن لا يفعل شيئاً لعلة أصلاً، بل لله خالصاً، فإنه إذا زال الاستكثار حصل الإخلاص، لأنه لا يتعلق همه بطلب الاستمثال، فكيف بالاستقلال، فيكون العمل في غاية الخلوص لا يقصد به ثواباً أصلاً، ولا يراد لغير وجه الله تعالى، وهذا هو النهاية في الإخلاص.
ولما بدأ بأحد سببي القبول، أتبعه الثاني المبعد عن قاصمة العمل من الإعجاب والرياء والملل فقال: ﴿ولا تمنن﴾ أي على أحد بدعائك له أو بشيء تعطيه له على جهة الهبة أو القرض بأن تقطع لذة من أحسنت إليه بالتثقيل عليه بذكرك على جهة الاستعلاء والاستكثار بما فعلته معه، أو لا تعط شيئاً حال كونك ﴿تستكثر *﴾ أي تطلب أن تعطي أجراً أو أكثر مما أعطيت - قاله ابن عباس رضي الله عنهما، وهو من قولهم، منَّ - إذا أعطى، وذلك لأنه الأليق بالمعطي من الخلق أن يستقل ما أعطى، ويشكر الله الذي وفقه له، وبالآخذ أن يستكثر ما أخذ، فأمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن لا يفعل شيئاً لعلة أصلاً، بل لله خالصاً، فإنه إذا زال الاستكثار حصل الإخلاص، لأنه لا يتعلق همه بطلب الاستمثال، فكيف بالاستقلال، فيكون العمل في غاية الخلوص لا يقصد به ثواباً أصلاً، ولا يراد لغير وجه الله تعالى، وهذا هو النهاية في الإخلاص.
44
ولما كان الإنذار شديداً على النفوس يحصل به من المعالجات ما الموت دونه، لأن ترك المألوفات أصعب شيء على النفوس، وكذا ترك الفوائد، قال أمراً بالتحلي بالعاصم بعد التخلي عن القاصم، معلماً بأن الأذى من المنذرين أمر لا بد منه فيدخل في الطاعة على بصيرة، فاقتضى الحال لذلك أن الإنذار يهون بالغنى عن الفانين والكون مع الباقي وحده، فأشار إلى ذلك بتقديم الإله معبراً عنه بوصف الإحسان ترغيباً فقال: ﴿ولربك﴾ أي المحسن إليك، المربي لك، المدبر لجميع مصالحك وحده ﴿فاصبر *﴾ أي على مشاق التكاليف أمراً ونهياً وأذى المشركين وشظف العيش وجميع البلايا، فإنه يجزل عطاءك من خير الدارين بحيث لا يحوجك إلى أحد، ويحوج الناس إليك، ويهون عليك حمل المشاق في الدارين ولا سيما أمر يوم البعث، فإن من حمل العمل في الدنيا حمله العمل في الآخرة.
ولما كان المقام للإنذار، وكان من رد الأوامر تكذيباً كفر، ومن تهاون بها ما أطاع ولا شكر، حذر من الفتور عنها بذكر
ولما كان المقام للإنذار، وكان من رد الأوامر تكذيباً كفر، ومن تهاون بها ما أطاع ولا شكر، حذر من الفتور عنها بذكر
45
ما للمكذب بها، فقال مسبباً عن ذلك باعثاً على اكتساب الخيرات من غير كسل ولا توقف، مذكراً بأن الملك التقم القرن وأصغى بجبهته انتظاراً للأمر بالنفخ، مشيراً بالبناء للمفعول إلى هوانه لديه وخفته عليه مؤذناً بأداة التحقق أنه لا بد من وقوعه: ﴿فإذا نقر﴾ أي نفخ وصوّت بشدة وصلابة ونفوذ وإنكاء ﴿في الناقور *﴾ أي الصور وهو القرن الذي إسرافيل عليه السلام ملتقمه الآن وهو مصغ لانتظار الأمر بالنفخ فيه للقيامة، ويجوز أن يراد الأيام التي يقضي فيها بالذل على الكافرين كيوم بدر والفتح وغيرهما كما جعلت الساعة والقيامة كناية عن الموت، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«من مات فقد قامت قيامته» عبر عنه بالنقر إشارة إلى أنه في شدته كالنقر في الصلب فيكون عنه صوت هائل، وأصل النقر القرع الذي هو سبب الصوت فهو أشد من صدعك لهم بالإنذار للحذار من دار البوار، فهنالك ترد الأرواح إلى أجسادها، فيبعث الناس فيقومون من قبورهم كنفس واحدة، وترى عاقبة الصبر، ويرى أعداؤك عاقبة الكبر، والتعبير فيه بصيغة المبالغة وجعله فاعلاً كالجاسوس إشارة إلى زيادة العظمة حتى كأنه هو الفاعل على هيئة هي في غاية الشدة والقوة، وحذر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه رضي الله عنهم من النفخ في
«من مات فقد قامت قيامته» عبر عنه بالنقر إشارة إلى أنه في شدته كالنقر في الصلب فيكون عنه صوت هائل، وأصل النقر القرع الذي هو سبب الصوت فهو أشد من صدعك لهم بالإنذار للحذار من دار البوار، فهنالك ترد الأرواح إلى أجسادها، فيبعث الناس فيقومون من قبورهم كنفس واحدة، وترى عاقبة الصبر، ويرى أعداؤك عاقبة الكبر، والتعبير فيه بصيغة المبالغة وجعله فاعلاً كالجاسوس إشارة إلى زيادة العظمة حتى كأنه هو الفاعل على هيئة هي في غاية الشدة والقوة، وحذر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه رضي الله عنهم من النفخ في
46
الصور وقربه فقالوا: «كيف نقول يا رسول الله؟ قال: قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل» ويجوز أن يكون التسبب عن الأمر بالصبر، أي اصبر فلنأخذن بثأرك في ذلك اليوم بما يقر عينك، فيكون تسلية له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتهديداً لهم.
ولما ذكر هذا الشرط هل (؟) الذي صوره بصوره هائلة، أجابه بقوله: ﴿فذلك﴾ أي الوقت الصعب الشديد العظيم الشدة جداً البالغ في ذلك مبلغاً يشار إليه إشارة ما هو أبعد بعيد، وهو وقت النقر، ثم أبدل من هذا المبتدأ زيادة في تهويله قوله: ﴿يومئذ﴾ أي وقت إذ يكون النقر الهائل ﴿يوم عسير *﴾ أي بالغ العسر ﴿على الكافرين﴾ أي الذين كانوا يستهينون بالإنذار ويعرضون عنه لأنهم راسحون في الكفر الذي هو ستر ما يجب إظهاره من دلائل الوحدانية، ولما كان العسر قد يطلق على الشيء وفيه يسر من بعض الجهات أو يعالج فيرجع يسيراً، بين أنه ليس كذلك بقوله: ﴿غير يسير *﴾ فجمع فيه بين إثبات الشيء ونفي ضده تحقيقاً لأمره ودفعاً للمجاز عنه وتأييداً لكونه ولأنه غير منقطع بوجه، وتقييده بالكافرين يشعر بتيسره على المؤمنين.
ولما ذكر هذا الشرط هل (؟) الذي صوره بصوره هائلة، أجابه بقوله: ﴿فذلك﴾ أي الوقت الصعب الشديد العظيم الشدة جداً البالغ في ذلك مبلغاً يشار إليه إشارة ما هو أبعد بعيد، وهو وقت النقر، ثم أبدل من هذا المبتدأ زيادة في تهويله قوله: ﴿يومئذ﴾ أي وقت إذ يكون النقر الهائل ﴿يوم عسير *﴾ أي بالغ العسر ﴿على الكافرين﴾ أي الذين كانوا يستهينون بالإنذار ويعرضون عنه لأنهم راسحون في الكفر الذي هو ستر ما يجب إظهاره من دلائل الوحدانية، ولما كان العسر قد يطلق على الشيء وفيه يسر من بعض الجهات أو يعالج فيرجع يسيراً، بين أنه ليس كذلك بقوله: ﴿غير يسير *﴾ فجمع فيه بين إثبات الشيء ونفي ضده تحقيقاً لأمره ودفعاً للمجاز عنه وتأييداً لكونه ولأنه غير منقطع بوجه، وتقييده بالكافرين يشعر بتيسره على المؤمنين.
47
ولما آذن هذا بأن أكثر الخلق يوافى يوم القيامة على كفره وخبث طويته وسوء أمره وكان ذلك مما يهم لشفقته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
47
على الخلق، ولما يعلم من نصبهم للعداوة، هون أمرهم عليه وحقر شأنهم لديه بوعده بالكفاية بقوله مستأنفاً منبهاً على أسباب الهلاك التي أعظمها الغرور وهو شبهة زوجتها شهوة: ﴿ذرني﴾ أي أتركني على أي حالة اتفقت ﴿ومن﴾ أي مع كل من ﴿خلقت﴾ أي أوجدت من العدم وأنشأت في أطوار الخلقة، حال كونه ﴿وحيداً *﴾ لا مال له ولا ولد ولا شيء، وحال كوني أنا واحداً شديد الثبات في صفة الوحدانية لم يشاركني في صنعه أحد فلم يشكر هذه النعمة بل كفرها بالشرك بالله سبحانه القادر على إعدامه بعد إيجاده.
ولما كان المطغى للإنسان المكنة التي قطب دائرتها المال قال: ﴿وجعلت له﴾ أي بأسباب أوجدتها أنا وحدي لا حول منه ولا قوة بدليل أن غيره أقوى منه بدناً وقلباً وأوسع فكراً وعقلاً وهو دونه في ذلك ﴿مالاً ممدوداً *﴾ أي مبسوطاً واسعاً نامياً كثيراً جداً عاماً لجميع أوقات وجوده، والمراد به كما يأتي الوليد بن المغيرة، قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان له بين مكة والطائف إبل وحجور ونعم وجنان وعبيد وجوار.
ولما كان المطغى للإنسان المكنة التي قطب دائرتها المال قال: ﴿وجعلت له﴾ أي بأسباب أوجدتها أنا وحدي لا حول منه ولا قوة بدليل أن غيره أقوى منه بدناً وقلباً وأوسع فكراً وعقلاً وهو دونه في ذلك ﴿مالاً ممدوداً *﴾ أي مبسوطاً واسعاً نامياً كثيراً جداً عاماً لجميع أوقات وجوده، والمراد به كما يأتي الوليد بن المغيرة، قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان له بين مكة والطائف إبل وحجور ونعم وجنان وعبيد وجوار.
48
ولما كان أول ما يمتد إليه النفس بعد كثرة المال الولد، وكان أحب الولد الذكر، قال: ﴿وبنين﴾ ولما كان الاحتياج إلى فراقهم ولو زمناً يسيراً شاقاً، وكان ألزمهم له وأغناهم عن الضرب في الأرض نعمة أخرى قال: ﴿شهوداً *﴾ أي حضوراً معه لغناه عن الأسفار بكثرة المال وانتشار الخدم وقوة الأعوان، وهم مع حضورهم في الذروة من الحضور بتمام العقل وقوة الحذق، فهم في غاية المعرفة بما يزيدهم الاطلاع عليه حيثما أرادهم وجدهم وتمتع بلقياهم، ومع ذلك فهم أعيان المجالس وصدور المحافل كأنه لا شاهد بها غيرهم، منهم خالد الذي من الله بإسلامه، فكان سيف الله تعالى وسيف رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ولما كان هذا كناية عن سعة الرزق وعظم الجاه، وكان من بسط له في المال والولد والجاه تتوق نفسه إلى إتمام ذلك بالحفظ والتيسير، قال مستعطفاً لما كان هكذا بالتذكير بنعمه: ﴿ومهدت﴾ أي بالتدريج والمبالغة ﴿له﴾ أي وطأت وبسطت وهيأت في الرئاسة بأن جمعت له إلى ملك الأعيان ملك المعاني التي منها القلوب، وأطلت عمره، وأزلت عنه موانع الرغد في العيش، ووفرت أسباب الوجاهة له حتى دان لذلك الناس، وأقام ببلده مطمئناً يرجع إلى رأيه الأكابر، قال ابن عباس رضي الله عنهما:
ولما كان هذا كناية عن سعة الرزق وعظم الجاه، وكان من بسط له في المال والولد والجاه تتوق نفسه إلى إتمام ذلك بالحفظ والتيسير، قال مستعطفاً لما كان هكذا بالتذكير بنعمه: ﴿ومهدت﴾ أي بالتدريج والمبالغة ﴿له﴾ أي وطأت وبسطت وهيأت في الرئاسة بأن جمعت له إلى ملك الأعيان ملك المعاني التي منها القلوب، وأطلت عمره، وأزلت عنه موانع الرغد في العيش، ووفرت أسباب الوجاهة له حتى دان لذلك الناس، وأقام ببلده مطمئناً يرجع إلى رأيه الأكابر، قال ابن عباس رضي الله عنهما:
49
وسعت له ما بين اليمن إلى الشام فأكملت له من سعادة الدنيا ما أوجب التفرد في زمانه من أهل بيته وفخذه بحيث كان يسمى الوحيد وريحانة قريش فلم يزع هذه النعمة العظيمة: وأكد ذلك بقوله: ﴿تمهيداً *﴾.
ولما كان قد فعل به ذلك سبحانه، فأورثته هذه النعمة من البطر والاستكبار على من خوله فيها ضد ما كان ينبغي له من الشكر والازدجار، قال محققاً أنه سبحانه هو الذي وهبها له وهو الواحد القهار، مشيراً بأداة التراخي إلى استبعاد الزيادة له على حالته هذه من عدم الشكر: ﴿ثم﴾ أي بعد الأمر العظيم الذي ارتكبه من تكذيب رسولنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿يطمع﴾ أي بغير سبب يدلي به إلينا مما جعلناه سبب المزيد من الشكر: ﴿أن أزيد *﴾ أي فيما آتيته من دنياه أو آخرته وهو يكذب رسولي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ولما كان التقدير: إنه ليطمع في ذلك لأن المال والجاه يجران الشرف والعظمة بأيسر سعي، هذا هو المعروف المتداول المألوف، استأنف زجره عن ذلك بمجامع الزجر: علماً من أعلام النبوة، وبرهاناً قاطعاً على صحة الرسالة، فقال ما لا يصح أن يقوله غيره سبحانه
ولما كان قد فعل به ذلك سبحانه، فأورثته هذه النعمة من البطر والاستكبار على من خوله فيها ضد ما كان ينبغي له من الشكر والازدجار، قال محققاً أنه سبحانه هو الذي وهبها له وهو الواحد القهار، مشيراً بأداة التراخي إلى استبعاد الزيادة له على حالته هذه من عدم الشكر: ﴿ثم﴾ أي بعد الأمر العظيم الذي ارتكبه من تكذيب رسولنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿يطمع﴾ أي بغير سبب يدلي به إلينا مما جعلناه سبب المزيد من الشكر: ﴿أن أزيد *﴾ أي فيما آتيته من دنياه أو آخرته وهو يكذب رسولي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ولما كان التقدير: إنه ليطمع في ذلك لأن المال والجاه يجران الشرف والعظمة بأيسر سعي، هذا هو المعروف المتداول المألوف، استأنف زجره عن ذلك بمجامع الزجر: علماً من أعلام النبوة، وبرهاناً قاطعاً على صحة الرسالة، فقال ما لا يصح أن يقوله غيره سبحانه
50
لأنه مع أنه لا تردد فيه ولا افتراء طابق الواقع، فلم يزد بعد ذلك شيئاً، بل لم يزل في نقصان حتى هلك وتمت كلمات ربك صدقاً وعدلاً، لا مبدل لكلماته ﴿كلا﴾ أي وعزتنا وجلالنا لا تكون له زيادة على ذلك أصلاً، وأما النقصان فسيرى إن استمر على تكذيبه فليرتدع عن هذا الطمع، وليزدجر وليرتجع، فإنه حمق محض وزخرف بحت، وغرور صرف، ولما ردعه هذا الردع المقتضي ولا بد للإذعان وصادق الإيمان ممن لم يستول عليه الحرمان، علله بقوله مؤكداً لإنكارهم العناد والمعاد: ﴿إنه﴾ أي هذا الموصوف ﴿كان﴾ بخلق كأنه جبلة له وطبع لا يقدر على الانفكاك عنه ﴿لآياتنا﴾ على ما لها من العظمة خاصة لكونها هادية إلى الوحدانية، لا لغيرها من الشبه القائدة إلى الشرك ﴿عنيداً *﴾ أي بالغ العناد على وجه لا يعد عناده لغيرها بسبب مزيد قبحه عناداً، والعناد - كما قال الملوي: من كبر في النفس أو يبس في الطبع أو شراسة في الأخلاق أو خبل في العقل، وقد جمع ذلك كله إبليس، لأنه خلق من نار. وهي من طبعها اليبوسة وعدم الطواعية، وحقيقته ميل عن الجادة، ومجاوزة للحد مع الإصرار واللزوم، ومنه مخالفة الحق مع المعرفة بأنه حق.
ولما كان هذا محراً للتشوف إلى بيان هذا الردع، وكان العناد غلظة في الطبع وشكاسة في الخلق يوجب النكد والمشقة جعل
ولما كان هذا محراً للتشوف إلى بيان هذا الردع، وكان العناد غلظة في الطبع وشكاسة في الخلق يوجب النكد والمشقة جعل
51
جزاءه من جنسه فقال: ﴿سأرهقه﴾ أي ألحقه بعنف وغلظة وقهر إلحاقاً يغشاه ويحيط به بوعيد لا خلف فيه ﴿صعوداً *﴾ أي شيئاً من الدواهي والأنكاد كأنه عقبة، فإن الصعود لغة العقبة شاق المصعد جداً، وروى الترمذي عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه جبل من نار يتصعد فيه سبعين خريفاً ثم يهوي، وفي رواية: أنه كلما وضع يده في معالجة الصعود ذابت، فإذا رفعها عادت وكذا رجله، وقال الكلبي: إنه صخرة ملساء في النار يكلف أن يصعدها بجذب من أمامه بسلاسل الحديد، ويضرب من خلفه بمقامع الحديد فيصعدها في أربعين عاماً، فإذا بلغ ذروتها أسقط إلى أسفلها ثم يكلف أن يصعدها، فذلك دأبه أبداً.
52
ولما حصل التشوف إلى بعض ما عاند به الآيات، قال مبيناً لذلك مؤكداً لاستبعاد العقلاء لما صنع لبعده عن الصواب ومعرفة كل ذي لب أنه كذب: ﴿إنه﴾ أي هذا العنيد ﴿فكر﴾ أي ردد فكره وأداره تابعاً لهواه لأجل الوقوع على شيء يطعن به في القرآن ﴿وقدر*﴾ أي أوقع تقديراً للأمور التي يطعن بها فيه وقايتها
52
في نفسه ليعلم أيها أقرب إلى القبول. ولما كان تفكيره وتقديره قد أوقع غيره في الهلاك بمنعه من حياة الإيمان أصيب هو بما منعه من حياة نافعة في الدارين، وذلك هو الهلاك الدائم. ولما كان الضار إنما هو الهلاك لا كونه من معين، سبب عن ذلك بانياً للمفعول قوله مخبراً وداعياً دعاءً مجاباً لا يمكن تخلفه: ﴿فقتل﴾ أي هلك ولعن وطرد في دنياه هذه. ولما كان التقدير غاية التفكير، وكان التفكير ينبغي أن يهديه إلى الصواب فقاده إلى الغي، عجب منه فقال منكراً عليه معبراً بأداة الاستفهام إشارة إلى أنه مما يتعجب منه ويسأل عنه: ﴿كيف قدر *﴾ أي على أي كيفية أوقع تقديره هذا، وإذا أنكر مطلق الكيفية لكونها لا تكاد لبطلانها تتحقق، كان إنكار الكيف أحق.
ولما كان وقوعه في هذا الطعن عظيماً جداً لما فيه من الكذب المفضوح ومن معاندة من هو القوي المتين المنتقم القهار العظيم ومن غير ذلك من الوجوه المبعدة عن الوقوع فيه، أكد المعنى زجراً عن مثله وحثاً على التوبة منه، فقال معبراً بأداة البعد دلالة على عظمة هذا القتل بالتعبير بها وبالتكرار: ﴿ثم قتل﴾ أي هلك ولعن هذا العنيد هلاكاً ولعناً هو في غاية العظمة فيما بعد الموت في البرزخ والقيامة ﴿كيف قدر *﴾ ولما كان الماهر بالنظر إذا فكر وصحح فكره نظر في
ولما كان وقوعه في هذا الطعن عظيماً جداً لما فيه من الكذب المفضوح ومن معاندة من هو القوي المتين المنتقم القهار العظيم ومن غير ذلك من الوجوه المبعدة عن الوقوع فيه، أكد المعنى زجراً عن مثله وحثاً على التوبة منه، فقال معبراً بأداة البعد دلالة على عظمة هذا القتل بالتعبير بها وبالتكرار: ﴿ثم قتل﴾ أي هلك ولعن هذا العنيد هلاكاً ولعناً هو في غاية العظمة فيما بعد الموت في البرزخ والقيامة ﴿كيف قدر *﴾ ولما كان الماهر بالنظر إذا فكر وصحح فكره نظر في
53
لوازمه قال مشيراً إلى طول ترويه: ﴿ثم نظر *﴾ أي فيما يدفع به أمر القرآن مرة بعد أخرى، وفي ذلك إشارة إلى قبح أفعاله، فظهور الحق له مع إصراره فإن تكرار النظر في الحق لا يزيده على كل حال إلا ظهوراً وفي الباطل لا يزيده إلا ضعفاً وفتوراً.
ولما كان من فعل كذلك فظهر له فساد رأيه ووقف مع حظ نفسه يصير يعبس ويفعل أشياء تتغير لها خلقته من غير اختياره قال: ﴿ثم عبس﴾ أي قطب وجهه وكلح فتربد وجهه مع تقبض جلده ما بين العينين بكراهة شديدة كالمتهم المتفكر في شيء وهو لا يجد فيه فرجاً لأنه ضاقت عليه الحيل لكونه لم يجد فيما جاء به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مطعناً ﴿وبسر *﴾ اتباع لعبس تأكيداً لها، وربما أفهمت أنه سبر ما قاله ووزنه بميزان الفكر وتتبعه تتبعاً مفرطاً حتى رسخت فيه قدمه، كذا قالوا إنها اتباع إن أريد به التأكيد وإلا فقد وردت مفردة، قال في القاموس: بسر - إذا عبس، وبسر الحاجة: طلبها في غير أوانها، وبسر الدين: تقاضاه قبل محله، فكأنه لما طال عليه التفكير صار يستعجل حصوله إلى مراده، ويقال: بسر - إذا ابتدأ الشيء، فكأنه لما عبس خطر له السحر فابتدأ في إبداء ما سنح له من أمره، قال ابن برجان:
ولما كان من فعل كذلك فظهر له فساد رأيه ووقف مع حظ نفسه يصير يعبس ويفعل أشياء تتغير لها خلقته من غير اختياره قال: ﴿ثم عبس﴾ أي قطب وجهه وكلح فتربد وجهه مع تقبض جلده ما بين العينين بكراهة شديدة كالمتهم المتفكر في شيء وهو لا يجد فيه فرجاً لأنه ضاقت عليه الحيل لكونه لم يجد فيما جاء به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مطعناً ﴿وبسر *﴾ اتباع لعبس تأكيداً لها، وربما أفهمت أنه سبر ما قاله ووزنه بميزان الفكر وتتبعه تتبعاً مفرطاً حتى رسخت فيه قدمه، كذا قالوا إنها اتباع إن أريد به التأكيد وإلا فقد وردت مفردة، قال في القاموس: بسر - إذا عبس، وبسر الحاجة: طلبها في غير أوانها، وبسر الدين: تقاضاه قبل محله، فكأنه لما طال عليه التفكير صار يستعجل حصوله إلى مراده، ويقال: بسر - إذا ابتدأ الشيء، فكأنه لما عبس خطر له السحر فابتدأ في إبداء ما سنح له من أمره، قال ابن برجان:
54
البسور هيئة في الوجه تدل على تحزن في القلب.
ولما كان هذا النظر على هذا الوجه أمدح شيء للمنظور فيه إذا لم يوصل منه إلى طعن، وكان ظاهره إنه لتطلب الحق، فكان الإصرار معه على الباطل في غاية البعد، قال دالاً على ذلك من المدح وعدم وجدان الطعن معبراً بأداة البعد: ﴿ثم﴾ أي بعد هذا التروي العظيم ﴿أدبر﴾ أي عما أداه إليه فكره من الإيمان بسلامة المنظور فيه وعلوه عن المطاعن، فحاد عن وجوه الأفكار إلى أقفائها ﴿واستكبر *﴾ أي وأوجد الكبر عن الاعتراف بالحق إيجاد من هو في غاية الرغبة فيه، وكان هذا غاية العناد، فكان معنى العنيد ﴿فقال﴾ أي عقب ما جره إليه طبعه الخبيث من إيقاع الكبر على هذا الوجه لكونه رآه نافعاً لهم في الدنيا ولم يفكر في عاقبة ذلك من جهة الله، وأنه سبحانه لا يهدي كيد الخائنين ولا ينجح مراد الكاذبين، ونحو هذا مما جربوه في دنياهم فكيف رقى نظره إلى أمر الآخرة، وأكد الكلام لما يعلم من إنكار من يسمعه فقال: ﴿إن﴾ أي ما ﴿هذا﴾ أي الذي أتى به محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿إلا سحر﴾ أي أمور تخييلية لا حقائق لها، وهي لدقتها بحيث تخفى أسبابها.
ولما كان من المعلوم لهم أن محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما سحر قط ولا تعلم سحراً، فكان من ادعى ذلك علم كذبه بأدنى نظر بعد
ولما كان هذا النظر على هذا الوجه أمدح شيء للمنظور فيه إذا لم يوصل منه إلى طعن، وكان ظاهره إنه لتطلب الحق، فكان الإصرار معه على الباطل في غاية البعد، قال دالاً على ذلك من المدح وعدم وجدان الطعن معبراً بأداة البعد: ﴿ثم﴾ أي بعد هذا التروي العظيم ﴿أدبر﴾ أي عما أداه إليه فكره من الإيمان بسلامة المنظور فيه وعلوه عن المطاعن، فحاد عن وجوه الأفكار إلى أقفائها ﴿واستكبر *﴾ أي وأوجد الكبر عن الاعتراف بالحق إيجاد من هو في غاية الرغبة فيه، وكان هذا غاية العناد، فكان معنى العنيد ﴿فقال﴾ أي عقب ما جره إليه طبعه الخبيث من إيقاع الكبر على هذا الوجه لكونه رآه نافعاً لهم في الدنيا ولم يفكر في عاقبة ذلك من جهة الله، وأنه سبحانه لا يهدي كيد الخائنين ولا ينجح مراد الكاذبين، ونحو هذا مما جربوه في دنياهم فكيف رقى نظره إلى أمر الآخرة، وأكد الكلام لما يعلم من إنكار من يسمعه فقال: ﴿إن﴾ أي ما ﴿هذا﴾ أي الذي أتى به محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿إلا سحر﴾ أي أمور تخييلية لا حقائق لها، وهي لدقتها بحيث تخفى أسبابها.
ولما كان من المعلوم لهم أن محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما سحر قط ولا تعلم سحراً، فكان من ادعى ذلك علم كذبه بأدنى نظر بعد
55
الأمر بقدر استطاعته فقال: ﴿يؤثر *﴾ أي من شأنه أن ينقله السامع له من غيره، فهو لقوة سحريته وإفراطها في بابها يفرق بمجرد الرواية بين المرء وزوجه وبين المرء وأبيه وابنه إلى غير ذلك من العجائب التي تنشأ عنه. ولما كان السامع يجوز أن يكون مأثوراً عن الله فيوجب له ذلك الرغبة فيه، قال من غير عاطف كالمبين للأول والمؤكد له، وساقه على وجه التأكيد بالحصر لعلمه أن كل ذي بصيرة ينكر كلامه: ﴿إن﴾ أي ما ﴿هذا﴾ أي القرآن ﴿إلا قول البشر *﴾ أي ليس فيه شيء عن الله فلا يغتر أحد به ولا يعرج عليه، وقد مدحه بهذا الذم بعد هذا التفكير كله من حيث إنه أثبت أنه معجوز عنه لأغلب الناس كما يعجزون عن السحر فسكت ألفاً ونطق خلفاً، فكان شبيهاً من بعض الوجوه بما قاله بعضهم:
وهكذا كل حق يجد المبالغ في ذمه لا ينفك ذمه عن إفهام مدح له
لو قيل «كم خمس وخمس» لاغتدى | يوماً وليلته يعد ويحسب |
ويقول معضلة عجيب أمرها | ولئن عجبت لها الأمري أعجب |
حتى إذا خدرت يداه وعورت | عيناه مما قد يخط ويكتب |
أوفى على شرف وقال ألا انظروا | ويكاد من فرح يجن ويسلب |
خمس وخمس ستة أو سبعة | قولان قالهما الخليل وثعلب |
56
ينقض كلامه، ولكن أين النقاد المعدود من الأفراد بين العباد، وهذا الكلام صالح لعموم كل من خلقه سبحانه هكذا في الروغان من الحق لما تفضل الله به عليه من الرئاسة لأن أهل العظمة في الدنيا هم في الغالب القائمون في رد الحق والتعاظم على أهله كما ذكر هنا ولا ينافي ذلك ما قالوه: إنها نزلت في الوليد بن المغيرة المخزومي، بل ذلك من إعجاز كلام الله تعالى أن تنزل الآية في شخص فتبين حاله غاية البيان ويعم غيره ذلك البيان، قالوا: كان للوليد هذا عشرة من البنين، كل واحد منهم كبير قبيلة، ولهم عبيد يسافرون في تجاراتهم ويعملون احتياجاتهم، ولا يحوجونهم إلى الخروج من البلد لتجارة ولا غيرها، وأسلم منهم ثلاثة: الوليد بن الوليد وخالد وهشام، وقيل: إنه لما نزل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أول سورة غافر إلى قوله: ﴿المصير﴾ [غافر: ٣] أو أول «فصلت» قرأها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المسجد والوليد يسمعه، فأعاد القراءة فانطلق الوليد حتى أتى مجلس قومه بني مخزوم، والله لقد سمعت من محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آنفاً كلاماً ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن، إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمعذق، وإنه ليعلو ولا يعلى، ثم انصرف
57
فقالت قريش: صبا والله الوليد، والله لتصبون قريش كلها، وكان يقال للوليد ريحانة قريش، فقال ابن أخيه أبو جهل: أنا أكفيكموه، فقعد إلى جنب الوليد حزيناً، فقال الوليد: ما لي أراك حزيناً يا ابن أخي؟ قال: وما يمنعني وهذه قريش تجمع لك نفقة تعينك بها على كبر سنك وتزعم أنك صبوت، لتدخل على ابن أبي كبشة وابن أبي قحافة لتنال من فضل طعامهم، فغضب الوليد وقال: ألم تعلم قريش أني من أكثرها مالاً وولداً، وهل شبع محمد وأصحابه من الطعام فيكون لهم فضل؟ ثم قام مع أبي جهل حتى أتى مجلس قومه وأداروا الرأي فيما يقولونه في القرآن فقالوا له: ما تقول في هذا الذي جاء به محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: قولوا أسمع لكم، قالوا: شعر، قال: ليس بشعر، قد علمنا الشعر كله، وفي رواية: هل رأيتموه يتعاطى شعراً؟ قالوا: كهانة، قال: ليس بكهانة، هل رأيتموه يتكهن؟ فعدوا أنواع البهت التي رموا بها القرآن فردها، وأقام الدليل على ردها، وقال: لا تقولوا شيئاً من ذلك إلا أعلم أنه كذب، قالوا: فقل أنت وأقم لنا فيه رأياً نجتمع عليه، قال: أقرب ذلك إليه السحر، هو يفرق بين المرء وأبيه وبين المرء وزوجه وعشيرته، فافترقوا على ذلك، وكان
58
قوله هذا سبب هلاكه فكان كما قال بعضهم:
احفظ لسانك أيها الإنسان | لا يلدغنك إنه ثعبان |
كم في المقابر من قتيل لسانه | كانت تخاف لقاءة الشجعان |
أبعد الذي بالنعف نعف كويكب | رهينة رمس ذي تراب وجندل |
ولما كان الرهن تارة يفك وتارة يغلق، وكان أكثر الخلق هالكاً، جعل رهينة بمعنى هالكة، ثم استثنى الممدوح فقال: ﴿إلا أصحاب اليمين *﴾ أي الذين تقدم وصفهم وهم الذين تحيزوا إلى الله فائتمروا بأوامره وانتهوا بنواهيه، فإنهم لا يرتهنون بأعمالهم، بل يرحمهم الله فيقبل حسناتهم ويتجاوز عن سيئاتهم.
ولما أخرجهم عن حكم الارتهان الذي أطلق على الإهلاك لأنه
71
سببه، استأنف بيان حالهم فقال: ﴿في جنات﴾ أي بساتين في غاية العظم لأنهم أطلقوا أنفسهم وفكوا رقابهم فلم يرتهنوا، فالآية من الاحتباك: أثبت أولاً الارتهان دليلاً على حذف ضده ثانياً، وأثبت ثانياً الجنة دليلاً على حذف ضدها أولاً.
ولما كان السؤال عن حال الغير دالاً دلالة واضحة على الراحة والفراغ عن كل ما يهم النفس، عبر عن راحتهم في أجل وعظ وألطف تحذير بقوله: ﴿يتساءلون *﴾ أي فيما بينهم يسأل بعضهم بعضاً ﴿عن المجرمين *﴾ أي أحوال العريقين في قطع ما أمر الله به أن يوصل.
ولما كان السؤال عن حال الغير دالاً دلالة واضحة على الراحة والفراغ عن كل ما يهم النفس، عبر عن راحتهم في أجل وعظ وألطف تحذير بقوله: ﴿يتساءلون *﴾ أي فيما بينهم يسأل بعضهم بعضاً ﴿عن المجرمين *﴾ أي أحوال العريقين في قطع ما أمر الله به أن يوصل.
72
ولما كان يوم القيامة في غاية الصعوبة وكان أحد مشغولاً بنفسه، فكان لا علم له بتفاصيل ما يتفق لغيره، وكان أولياء الله إذا دخلوا دار كرامته أرادوا العلم بما فعل بأعدائهم فيه سبحانه، فتساءلوا عن حالهم فقال بعضهم لبعض: لا علم لنا، فكشف الله - لهم عنهم حتى رأوهم في النار وهي تسعر بهم ليقر الله أعينهم بعذابهم، زيادة في نعيمهم وثوابهم، كما تقدم في الصافات عند قوله ﴿قال قائل منهم إني كان لي قرين﴾ [الصافات: ٥١] وكان بساط - الكلام دالاً على هذا كله، أشار لنا سبحانه إليه بقوله حكاية عما يقول لهم أولياؤهم توبيخاً
72
وتعنيفاً وشماتة وتقريعاً تصديقاً لقوله تعالى ﴿فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون﴾ [المطففين: ٣٤] الآية، ولتكون حكاية ذلك موعظة للسامعين وذكرى للذاكرين: ﴿ما﴾ هي محتملة للتوبيخ والتعجيب ﴿سلككم﴾ أي أدخلكم أيها المجرمون إدخالاً هو في غاية الضيق حتى كأنكم السلك في الثقب ﴿في سقر *﴾ فكان هذا الخطاب مفهماً لأنهم لما تساءلوا نفوا العلم عن أنفسهم، وكان من المعلوم أن نفي العلم لأنهم شغلوا عن ذلك بأنفسهم وأنهم ما شغلوا - مع كونهم من أهل السعادة - إلا لأن ذلك اليوم عظيم الشواغل، وكان من المعلوم أنه إذا تعذر عليهم علم أحوالهم من أهل الجنة وهم غير مريدين الشفاعة فيهم فلم يبق لهم طريق إلى علم ذلك لا يظن به التعريض للشفاعة إلا السؤال منهم عن أنفسهم في أنهم يخاطبونهم بذلك فيعلمون علمهم ليزدادوا بذلك غبطة وسروراً بما نجاهم الله من مثل حالهم ويكثروا من الثناء على الله تعالى بما وفقهم له وليكون ذلك عظة لنا بسماعنا إياه فحكى الله أنهم لما سألوهم ﴿قالوا﴾ ذاكرين علة دخولهم النار بإفساد قوتهم العملية في التعظيم لأمر الله فذلكة لجميع ما تقدم من
73
مهمات السورة بما حاصله أنهم لم يتحلوا بفضيلتين ولم يتخلوا عن رذيلتن تعريفاً بأنهم كانوا مخاطبين بفروع الشريعة، وفي البداءة بالعمل تنبيه على أنه يجب على العاقل المبادرة إلى ما يأمره به الصادق لأنه المصدق لحسن الاعتقاد، والمبادرة إلى التلبس بالعمل أسهل من المبادرة إلى التلبس بالعلم، لأن العمل له صورة وحقيقة، ومطلق التصوير أسهل من التحقيق، ومن صور شيئاً كان أقرب إلى تحقيقه ممن لم يصوره، فكان أجدر بتحقيقه ممن لم يباشر تصويره، ففيه حث على المسابقة إلى الأعمال الصالحة وإن لم تكن النية خالصة، وإيذان بأن من أدمن ترك الأعمال قاده إلى الانسلاخ من حسن الاعتقاد، وورطه في الضلال، ﴿لم نك﴾ حذفوا النون دلالة على ما هم فيه من الضيق عن النطق حتى بحرف يمكن الاغتناء عنه، ودلالة على أنه لم يكن لهم نوع طبع جيد يحثهم على الكون في عداد الصالحين، وكان ذلك مشيراً إلى عظيم ما هم فيه من الدواهي الشاغلة بضد ما فيه أهل الجنة من الفراغ الحامل لهم على السؤال عن أحوال غيرهم، وكان ذلك منبهاً على فضيلة العلم: ﴿من المصلين *﴾ أي
74
صلاة يعتد بها، فكان هذا تنبيهاً على أن رسوخ القدم في الصلاة مانع من مثل حالهم، وعلى أنهم يعاقبون على فروع الشريعة وإن كانت لا تصح منهم، فلو فعلوها قبل الإيمان لم يعتد بها، وعلى أن الصلاة أعظم الأعمال، وأن الحساب بها يقدم على غيرها.
ولما نفوا الوصلة بالخالق، أتبعوه إفساد القوة العملية بعدم وصلة الخلائق بترك الشفقة على خلق الله فقالوا: ﴿ولم نك﴾ بحذف النون أيضاً لما هم فيه من النكد ونفياً لأدنى شيء من الطبع الجيد ﴿نطعم المسكين *﴾ أي لأجل مسكنته، نفوا هنا وجود إطعامه لأنهم إن اتفق إطعامهم له فلعلة أخرى غير المسكنة، وأما الصلاة فهم يوجدونها لله بزعمهم، لكن لما كانت على غير ما أمروا به لم تكن مقبولة فلم يكونوا من الراسخين في وصفها. ولما سلبهم التحلي بلباس الأولياء أثبت لهم التحلي بلباس الأشقياء بإفساد القوة النطقية جامعاً القول إلى الفعل فقالوا: ﴿وكنا﴾ أي بما جبلنا عليه من الشر ﴿نخوض﴾ أي نوجد الكلام الذي هو في غير مواقعه ولا علم لنا به إيجاد المشي من الخائض في ماء غمر
ولما نفوا الوصلة بالخالق، أتبعوه إفساد القوة العملية بعدم وصلة الخلائق بترك الشفقة على خلق الله فقالوا: ﴿ولم نك﴾ بحذف النون أيضاً لما هم فيه من النكد ونفياً لأدنى شيء من الطبع الجيد ﴿نطعم المسكين *﴾ أي لأجل مسكنته، نفوا هنا وجود إطعامه لأنهم إن اتفق إطعامهم له فلعلة أخرى غير المسكنة، وأما الصلاة فهم يوجدونها لله بزعمهم، لكن لما كانت على غير ما أمروا به لم تكن مقبولة فلم يكونوا من الراسخين في وصفها. ولما سلبهم التحلي بلباس الأولياء أثبت لهم التحلي بلباس الأشقياء بإفساد القوة النطقية جامعاً القول إلى الفعل فقالوا: ﴿وكنا﴾ أي بما جبلنا عليه من الشر ﴿نخوض﴾ أي نوجد الكلام الذي هو في غير مواقعه ولا علم لنا به إيجاد المشي من الخائض في ماء غمر
75
﴿مع الخائضين *﴾ بحيث صار لنا هذا وصفاً راسخاً فنقول في القرآن: إنه سحر، وإنه شعر، وإنه كهانة وغير هذا من الأباطيل، لا نتورع عن شيء من ذلك، ولا نقف مع عقل، ولا نرجع إلى صحيح نقل، فليأخذ الذين يبادرون إلى الكلام في كل ما يسألون عنه من أنواع العلم من غير تثبت منزلتهم من هنا.
ولما كان الإدمان على الباطل يجر إلى غلبة الهزء والسخرية، وغلبه ذلك ولا بد توجب إفساد القوة العلمية بتصديق الكذب وتكذيب الصدق، قالوا بياناً لاستحبابهم الخلود: ﴿وكنا نكذب﴾ أي بحيث صار لنا ذلك وصفاً ثابتاً ﴿بيوم الدين *﴾ ولما كان التقدير: واستمر تكذيبنا لصيرورته لنا أوصافاً ثابتة. بنوا عليه قولهم: ﴿حتى أتانا﴾ أي قطعاً ﴿اليقين *﴾ أي بالموت أو مقدماته التي قطعتنا عن دار العمل فطاح الإيمان بالغيب.
ولما أقروا على أنفسهم بما أوجب العذاب الدائم، فكانوا ممن فسد مزاجه فتعذر علاجه، سبب عنه قوله: ﴿فما تنفعهم﴾ أي في حال اتصافهم بهذه الصفات وهي حالة لازمة لهم دائماً ﴿شفاعة الشافعين *﴾ أي لو شفعوا فيهم. ولما كان هذا الإخبار بنعيم المنعم وعذاب المعذب
ولما كان الإدمان على الباطل يجر إلى غلبة الهزء والسخرية، وغلبه ذلك ولا بد توجب إفساد القوة العلمية بتصديق الكذب وتكذيب الصدق، قالوا بياناً لاستحبابهم الخلود: ﴿وكنا نكذب﴾ أي بحيث صار لنا ذلك وصفاً ثابتاً ﴿بيوم الدين *﴾ ولما كان التقدير: واستمر تكذيبنا لصيرورته لنا أوصافاً ثابتة. بنوا عليه قولهم: ﴿حتى أتانا﴾ أي قطعاً ﴿اليقين *﴾ أي بالموت أو مقدماته التي قطعتنا عن دار العمل فطاح الإيمان بالغيب.
ولما أقروا على أنفسهم بما أوجب العذاب الدائم، فكانوا ممن فسد مزاجه فتعذر علاجه، سبب عنه قوله: ﴿فما تنفعهم﴾ أي في حال اتصافهم بهذه الصفات وهي حالة لازمة لهم دائماً ﴿شفاعة الشافعين *﴾ أي لو شفعوا فيهم. ولما كان هذا الإخبار بنعيم المنعم وعذاب المعذب
76
موجباً للتذكر، سبب عنه الإنكار عليهم فقال: ﴿فما﴾ أي أيّ شيء يكون ﴿لهم﴾ حال كونهم ﴿عن التذكرة﴾ أي التذكر العظيم خاصة بالقرآن خصوصاً وبغيره عموماً ﴿معرضين *﴾ وعلى الباطل وحده مقبلين، وذلك من أعجب العجب، لأن طبع الإنسان إذا حذر من شيء حذره أشد الحذر كما لو حذر المسافر من سبع في طريقه فإنه يبذل جهده في الحيدة عنه والحذر منه وإن كان المخبر كاذباً، فكيف يعرضون عن هذا المحذور الأعظم والمخبر أصدق الصادقين، فإعراضهم هذا دليل على اختلال عقولهم واختبال فهومهم، وزاد ذلك عجباً شدة نفارهم حتى ﴿كأنهم﴾ في إعراضهم عن التذكرة من شدة النفرة والإسراع في الفرة ﴿حمر﴾ أي من حمر الوحش وهي أشد الأشياء نفاراً، ولذلك كان أكثر تشبيهات العرب في وصف الإبل بسرعة السير بالحمر في عدوها إذا وردت ماء فأحست عليه ما يريبها، وفي تشبيه الكفرة بالحمر ولا سيما في هذه الحالة مذمة ظاهرة وتهجين لحالهم بين، وشهادة عليهم بالبله وقلة العقل وعدم التثبت ﴿مستنفرة *﴾ أي موجدة للنفار
77
بغاية الرغبة فيه حتى كأنها تطلبه من أنفسها لأنه من شأنها وطبعها - هذا على قراءة الجماعة، وقرأ أهل المدينة والشام بالفتح بمعنى أنه نفرها منفر.
78
ولما كان ذلك لا يكون إلا لسبب عظيم يتشوف إليه، استأنف قوله: ﴿فرت من قسورة *﴾ أي أسد شديد القسر عظيم القهر فنشبت في حبائل سقر أو صيادين.
ولما كان الجواب قطعاً: لا شيء لهم في إعراضهم هذا، أضرب عنه بقوله: ﴿بل يريد﴾ أي على دعواهم وبزعمهم ﴿كل امرىء منهم﴾ أي المعرضين، مع ادعائه الكمال في المروءة ﴿أن يؤتى﴾ أي من السماء بناه للمفعول لأن مرادهم معروف ﴿صحفاً﴾ أي قراطيس مكتوبة ﴿منشرة *﴾ أي كثيرة جداً وكل واحد منها منشور لا مانع من قراءته وأخذه، وذلك أنهم قالوا للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لن نتبعك حتى تأتي كلاًّ منا بكتاب من السماء فيه: من الله إلى فلان اتبع محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ولما كان ذلك إنما هو تعنت، لا أنه على حقيقته قال: ﴿كلا﴾ أي ليس لهم غرض في الاتباع بوجه من الوجوه لا بهذا الشرط ولا بغيره: ﴿بل﴾ علتهم الحقيقية في هذا الإعراض أنهم ﴿لا يخافون﴾ أي في زمن من الأزمان ﴿الآخرة *﴾ ولما كان
ولما كان الجواب قطعاً: لا شيء لهم في إعراضهم هذا، أضرب عنه بقوله: ﴿بل يريد﴾ أي على دعواهم وبزعمهم ﴿كل امرىء منهم﴾ أي المعرضين، مع ادعائه الكمال في المروءة ﴿أن يؤتى﴾ أي من السماء بناه للمفعول لأن مرادهم معروف ﴿صحفاً﴾ أي قراطيس مكتوبة ﴿منشرة *﴾ أي كثيرة جداً وكل واحد منها منشور لا مانع من قراءته وأخذه، وذلك أنهم قالوا للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لن نتبعك حتى تأتي كلاًّ منا بكتاب من السماء فيه: من الله إلى فلان اتبع محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ولما كان ذلك إنما هو تعنت، لا أنه على حقيقته قال: ﴿كلا﴾ أي ليس لهم غرض في الاتباع بوجه من الوجوه لا بهذا الشرط ولا بغيره: ﴿بل﴾ علتهم الحقيقية في هذا الإعراض أنهم ﴿لا يخافون﴾ أي في زمن من الأزمان ﴿الآخرة *﴾ ولما كان
78
فعلهم هذا فعل من يعتقد في القرآن أنه ليس بوعظ صحيح يستحق أن يتبع، قال رادعاً لهم عن هذا اللازم: ﴿كلا﴾ أي ليس الأمر قطعاً كما تزعمون من أن هذا القرآن لا يستحق الإقبال، ثم أستأنف قوله مؤكداً لأجل ما تضمن هذا الفعل من إنكارهم: ﴿إنه﴾ أي القرآن ﴿تذكرة *﴾ أي موضع وعظ عظيم يوجب إيجاباً عظيماً اتباعه وعدم الانفكاك عنه بوجه فليس لأحد أن يقول: أنا معذور لأني لم أجد مذكراً ولا معرفاً فإن عنده أعظم مذكر وأشرف مفرق.
ولما كان في غاية السهولة والحلاوة لكل من عرفه بوجه من الوجوه، وكان الله سبحانه قد خلق القوى والقدر، وجعل للعبد اختياراً، قال مسبباً عن كونه موضعاً للتذكر: ﴿فمن شاء﴾ أي أن يذكره ﴿ذكره *﴾ فثبت في صدره وعلم معناه وتخلق به، فليس أحد يقدر أن يقول: إنه صعب التركيب عظيم التعقيد عسر الفهم، يحتاج في استخراج المعاني منه إلى علاج كبير وممارسة طويلة فأنا معذور في الوقوف عنه، بل هو كالبحر الفرات، من شاء اغترف، لأنه خوطب به أمة أمية لا ممارسة لها لشيء من العلوم، فسهل في لفظه ومعناه غاية السهولة مع أنه لا يوصل إلى قراره ولا
ولما كان في غاية السهولة والحلاوة لكل من عرفه بوجه من الوجوه، وكان الله سبحانه قد خلق القوى والقدر، وجعل للعبد اختياراً، قال مسبباً عن كونه موضعاً للتذكر: ﴿فمن شاء﴾ أي أن يذكره ﴿ذكره *﴾ فثبت في صدره وعلم معناه وتخلق به، فليس أحد يقدر أن يقول: إنه صعب التركيب عظيم التعقيد عسر الفهم، يحتاج في استخراج المعاني منه إلى علاج كبير وممارسة طويلة فأنا معذور في الوقوف عنه، بل هو كالبحر الفرات، من شاء اغترف، لأنه خوطب به أمة أمية لا ممارسة لها لشيء من العلوم، فسهل في لفظه ومعناه غاية السهولة مع أنه لا يوصل إلى قراره ولا
79
يطمع في مناظرة أثر من آثاره، بل كلما زاد الإنسان فيه تأملاً زاده معاني.
ولما كان هذا ربما أوهم أن للعبد استقلالاً بالتصرف، قال معلماً بأن هذا إنما هو كناية عما له من السهولة والحلاوة والعذوبة التي توجب عشقه لكل ذي لب منبهاً على ترك الإعجاب وإظهار الذل والالتجاء والافتقار إلى العزيز الغفار في طلب التوفيق لأقوم طريق: ﴿وما يذكرون﴾ أي ولا واحد منكم هذا القرآن ولا غيره في وقت من الأوقات ﴿إلا أن يشاء الله﴾ أي الملك الأعظم الذي لا أمر لأحد معه، وهو صريح في أن فعل العبد من المشيئة، وما ينشأ عنها إنما هو بمشيئة الله.
ولما ثبت أنه سبحانه الفعال لما يريد وأنه لا فعل لغيره بدون مشيئته، وكان من المعلوم أن أكثر أفعال العباد مما لا يرضيه، فلولا حلمه ما قدروا على ذلك، وكان عفو القادر مستحسناً، قال مبيناً لأنه أهل للرهبة والرغبة: ﴿هو﴾ أي وحده ﴿أهل التقوى﴾ أي أن يتقوه عباده ويحذروا غضبه بكل ما تصل قدرتهم إليه لما له من الجلال والعظمة والقهر، ويجوز أن يكون الضمير للمتقي ﴿وأهل المغفرة *﴾
ولما كان هذا ربما أوهم أن للعبد استقلالاً بالتصرف، قال معلماً بأن هذا إنما هو كناية عما له من السهولة والحلاوة والعذوبة التي توجب عشقه لكل ذي لب منبهاً على ترك الإعجاب وإظهار الذل والالتجاء والافتقار إلى العزيز الغفار في طلب التوفيق لأقوم طريق: ﴿وما يذكرون﴾ أي ولا واحد منكم هذا القرآن ولا غيره في وقت من الأوقات ﴿إلا أن يشاء الله﴾ أي الملك الأعظم الذي لا أمر لأحد معه، وهو صريح في أن فعل العبد من المشيئة، وما ينشأ عنها إنما هو بمشيئة الله.
ولما ثبت أنه سبحانه الفعال لما يريد وأنه لا فعل لغيره بدون مشيئته، وكان من المعلوم أن أكثر أفعال العباد مما لا يرضيه، فلولا حلمه ما قدروا على ذلك، وكان عفو القادر مستحسناً، قال مبيناً لأنه أهل للرهبة والرغبة: ﴿هو﴾ أي وحده ﴿أهل التقوى﴾ أي أن يتقوه عباده ويحذروا غضبه بكل ما تصل قدرتهم إليه لما له من الجلال والعظمة والقهر، ويجوز أن يكون الضمير للمتقي ﴿وأهل المغفرة *﴾
80
أي لأن يطلب غفرانه للذنوب لا سيما إذا اتقاه المذنب لأن له الجمال واللطف وهو قادر ولا قدرة لغيره ولا ينفعه شيء ولا يضره شيء، فهو الحقيق بأن يجعل موضع الإنذار الذي أمر به أول السورة البشارة، ويوفق عباده لتكبيره وهجران الرجز، وكذا فعل سبحانه بقوم هذا النبي الكريم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، روى أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه والطبراني في الأوسط والحاكم وأبو يعلى والبغوي والبزار عن أنس رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أنه قرأ هذه الآية ثم قال: يقول الله: أنا أهل أن أتقي، فمن اتقى أن يشرك بي غيري فأن أهل أن أغفر له» وقال الترمذي وابن عدي والطبراني: تفرد به سهل بن أبي حزم القطعي، فقد رجع آخر السورة على أولها، وانطبق مفصلها على موصلها، بضم البشارة إلى النذارة، وصار كأنه قيل: أنذر العاصي فإنه أهل لأن يرجع إلى طاعاته، فيكون سبحانه أهلاً لأن يعود عليه بستر زلاته.
81
(سورة القيامة)
مقصودها الدلالة على عظمة المدثر المأمور بالإنذار (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لعظمة مرسله سبحانه وتمام اقتداره بأنه كشف له العلوم حتى صار إلى الأعيان بعد الرسوم بشرح آخر سورته من أن هذا القرآن تذكرة عظيمة لما أودعه الله من وضوح المنعاني وعذوبة الألفاظ وجلالة النظوم ورونق السبك وعلو المقاصد، فهو لذلك معشوق لكل طبع، معلوم ما خفي من أسراره وإشاراته بصدق النية وقوة العزم بحيث يصير بعد كشفه إذا أثر كأنه كان منسيا بعد حفظه فذكر) فمن شاء ذكر هـ) [عبس: ١٢] فحفظه وعلم معانيه وتخلق بها، وإنما المانع عن ذلك مشيئة الله تعالى، فمن شاء حجبه عنه أصلا رأسا، ومن شاء كشف عنة الحجاب وجعلة يمينة على
مقصودها الدلالة على عظمة المدثر المأمور بالإنذار (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لعظمة مرسله سبحانه وتمام اقتداره بأنه كشف له العلوم حتى صار إلى الأعيان بعد الرسوم بشرح آخر سورته من أن هذا القرآن تذكرة عظيمة لما أودعه الله من وضوح المنعاني وعذوبة الألفاظ وجلالة النظوم ورونق السبك وعلو المقاصد، فهو لذلك معشوق لكل طبع، معلوم ما خفي من أسراره وإشاراته بصدق النية وقوة العزم بحيث يصير بعد كشفه إذا أثر كأنه كان منسيا بعد حفظه فذكر) فمن شاء ذكر هـ) [عبس: ١٢] فحفظه وعلم معانيه وتخلق بها، وإنما المانع عن ذلك مشيئة الله تعالى، فمن شاء حجبه عنه أصلا رأسا، ومن شاء كشف عنة الحجاب وجعلة يمينة على
82
على اعظم صواب دون شك ولا ارتياب، وجلى عليه أوانسه وعرائسه وحباه جواهره ونفائسه، وحلاه به، فكان ملكه وسائسه، كما كان المدثر (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) حين كان خلقه القرآن، واسمها القيامة واضح في ذلك جدا، وليس فيها ما يقوم بالدلالة عليه غيره إذا تؤملت الآية مع ما أشارت إليه " لا " النافية للقسم أو المؤكدة مع أنها في الوضوح في حد لا يحتاج إلى الأقسام عليه لأنه لا يوجد أحد يدع من تحت يده يعدو بعضهم على بعض، ويتصرفون فيما خولهم فيه منه غير حساب، فكيف بأحكم الحاكمين الذي وكل عبيده أضعافهم من الملائكة فهم يديرون كل لحظة فيهم كؤوس المنايا، ويأخذون من أمرهم به سبحانه إلى داره البرزخ للتهئية للعرض ويسوقونهم زمرا بعد زمر إلى العود في الأرض حتى ينتهي الجمع في القبور، ويقيمهم بالنقر في الناقور، والنفخ في الصور، إلى ساحة الحساب للثواب والعقاب، ولم يحجب عن علم ذلك حتى ضل عنه أكثر الخلق إلا مشيئته سبحانه بتغليب النفس الأمارة حتى صارت اللوامة منهمكة في الشر شديدة اللوم عن الإقصار عن شيء منه كمت أن ما جلاه لنبيه محمد (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) حتى كان خلقه، ولمن أراد من أتباعه إلا إرادته سبحانه
83
بتغليب المطمئنة حتى صار الكل روحا صرفا ونورا خالصا بحتا) بسم
الله (الذي شرف رسوله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فأعجز الخلق بكتابه بما له من الجلال) الرحمن (الذي عم بنعمتي الإيجاد والبيان أهل الهدى والضلال) الرحيم (الذي خص أهل العناية بالسداد في الأقوال والأفعال.
الله (الذي شرف رسوله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فأعجز الخلق بكتابه بما له من الجلال) الرحمن (الذي عم بنعمتي الإيجاد والبيان أهل الهدى والضلال) الرحيم (الذي خص أهل العناية بالسداد في الأقوال والأفعال.
84