تفسير سورة المدّثر

الوجيز للواحدي

تفسير سورة سورة المدثر من كتاب الوجيز في تفسير الكتاب العزيز المعروف بـالوجيز للواحدي.
لمؤلفه الواحدي . المتوفي سنة 468 هـ
مكية وهي خمسون آية

﴿يا أيها المدثر﴾ أي: المتدثر في ثوبه
﴿قم فأنذر﴾ النَّاس
﴿وربك فكبر﴾ فصفه بالتَّعظيم
﴿وثيابك فطهر﴾ لا تلبسها على معصيةٍ ولا على غدر فإنَّ الغادر والفاجر يُسمَّى دنس الثِّياب
﴿والرجز فاهجر﴾ أي: الأوثان فاهجر عبادتها وكذلك كلَّ ما يؤدي إلى العذاب
﴿ولا تمنن تستكثر﴾ لا تعظ شيئاً لتأخذَ أكثر منه وهذا خاصة للنبي ﷺ لأنَّه مأمورٌ بأجلِّ الأخلاق وأشرفِ الآداب
﴿ولربك فاصبر﴾ اصبر لله على أوامره ونواهيه وما يمتحنك به حتى يَكون هو الذي يُثيبك عليها
﴿فإذا نقر في الناقور﴾ نُفخ في الصُّور الآية وقوله:
﴿فذلك يومئذ يوم عسير﴾
﴿على الكافرين غير يسير﴾
﴿ذرني ومن خلقت وحيداً﴾ أَيْ: لا تهتمَّ لشأنه فإني أكفيك أمره أَي: الوليد بن المغيرة يقول: خلقته وحيداً لا ولد له ولا مال
﴿وجعلت له مالاً ممدوداً﴾ دائماً لا ينقطع عنه من الزَّرع والضَّرع والتّجارة
﴿وبنين شهوداً﴾ حضوراً معه بمكَّة وكانوا عشرةً
﴿ومهدت له تمهيداً﴾ بسطت له في العيش والمال بسطاً
﴿ثم يطمع أن أزيد﴾ يرجو أن أزيده مالاً وولداً
﴿كلا﴾ قطعٌ لرجائه ﴿إنَّه كان لآياتنا عنيداً﴾ للقرآنِ معانداُ غير مطيعٍ
﴿سأرهقه صعوداً﴾ سأغشيه مشقَّةً من العذاب
﴿إنَّه فكر وقدَّر﴾ وذلك أنَّ قريشاً سألته ما تقول في محمَّد؟ فتفكَّر في نفسه وقدَّر القول في محمد عليه السلام والقرآن ماذا يمكنه أن يقول فيهما
﴿فقتل﴾ لُعن وعُذِّب ﴿كيف قدَّر﴾ ؟ استفهامٌ على طريق التعجب
﴿ثم قتل كيف قدر﴾
﴿ثم نظر﴾ ﴿ثم عبس وبسر﴾ كلح وجهه
﴿ثم عبس وبسر﴾
﴿ثمَّ أدبر واستكبر﴾ عن الإِيمان
﴿فقال إن هذا﴾ ما هذا الذي يقرؤه محمد ﴿إلاَّ سحرٌ يؤثر﴾ يُروى عن السَّحرة
﴿إن هذا إلاَّ قول البشر﴾ كما قالوا: ﴿إنَّما يُعلِّمه بشرٌ﴾ قال الله تعالى
﴿سأصليه سقر﴾ سأُدخله جهنَّم ثمَّ أعلم عظم شأن سقر من العذاب فقال:
﴿وما أدراك ما سقر﴾ ما أعلمك أيُّ شيءٍ سقر!
﴿لا تبقي ولا تذر﴾
﴿لواحة للبشر﴾ محرّقةٌ للجلد حتى تُسوِّده
﴿عليها تسعة عشر﴾ من الخزنة الواحد منهم يدفع بالدُّفعة الواحدة في جهنَّم أكثر من ربيعة ومضر فلمَّا نزلت هذه الآية قال بعض المشركين: أنا أكفيكم منهم سبعة عشر فاكفوني اثنين فأنزل الله:
﴿وما جعلنا أصحاب النار إلاَّ ملائكة﴾ لا رجالاً فمن ذا يغلب الملائكة؟ ﴿وما جعلنا عدتهم﴾ عددهم في القلَّة ﴿إلاَّ فتنة للذين كفروا﴾ لأنَّهم قالوا: ما أعون محمَّدٍ إلاَّ تسعة عشر ﴿ليستيقن الذين أوتوا الكتاب﴾ ليعلموا أنَّ ما أتى به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم موافقٌ لما في كتبهم ﴿ويزداد الذين آمنوا﴾ لأنَّهم يُصدِّقون بما أتى به الرَّسول عليه السَّلام وبعدد خزنة النَّار ﴿ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون﴾ أَيْ: لا يشكُّون في أنَّ عددهم على ما أخبر به محمد عليه السَّلام ﴿وليقول الذين في قلوبهم مرض﴾ شكٌّ ﴿والكافرون: ماذا أراد الله بهذا مثلاً﴾ أيُّ شيءٍ أراد الله بهذا العدد وتخصيصه؟ ﴿كذلك﴾ كما أضلَّهم الله بتكذيبهم ﴿يضلُّ الله مَنْ يشاء ويهدي من يشاء وما يعلم جنود ربك إلاَّ هو﴾ هذا جوابٌ لقولهم: ما أعوانه إلاَّ تسعة عشر ﴿وما هي﴾ أي: النَّار ﴿إلاَّ ذكرى للبشر﴾ أَيْ: إنَّها تُذكِّرهم في الدُّنيا النّار في الآخرة
﴿كلا﴾ ليس الأمر على ما ذكروا من التَّكذيب له ﴿والقمرِ﴾ قسمٌ
﴿والليل إذ أدبر﴾ جاء بعد النَّهار
﴿والصبح إذا أسفر﴾ أضاء
﴿إنها لإِحدى الكبر﴾ إنَّ سقر لإِِحدى الأمور العظام
﴿نذيراً﴾ إنذاراً ﴿للبشر﴾
﴿لمن شاء منكم أن يتقدَّم﴾ فيما أُمِرَ به ﴿أو يتأخر﴾ عنه فقد أُنذرتم
﴿كل نفس بما كسبت رهينةٌ﴾ مأخوذةٌ بعملها
﴿إلاَّ أصحاب اليمين﴾ يعني: أهل الجنَّة فهم لا يزتهنون بذنوبهم ولكن الله يغفر لهم وقيل: أصحاب اليمين ها هنا أطفال المسلمين وقوله:
﴿في جنات يتساءلون﴾
﴿عن المجرمين﴾
﴿ما سلككم في سقر﴾ أَيْ: ما أدخلكم جهنَّم؟
﴿قالوا لم نك من المصلين﴾
﴿ولم نك نطعم المسكين﴾
﴿وكنا نخوض مع الخائضين﴾ ندخل الباطل مع مَنْ دخله
﴿وكنا نكذب بيوم الدين﴾ بيوم الجزاء
﴿حتى أتانا اليقين﴾ الموت
﴿فما تنفعهم شفاعة الشافعين﴾
﴿فما لهم عن التذكرة معرضين﴾ ما لهم يُعرضون عن تذكيرك إيَّاهم
﴿كأنهم حمر مستنفرة﴾
﴿فرَّت من قسورة﴾ أي: الأسد وقيل: الرُّماة الصَّيَّادون
﴿بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صحفا منشرة﴾ وذلك أنهم قالوا: إن سرَّك أن نتَّبعك فأت كلَّ واحدٍ منا بكتابٍ من ربِّ العالمين نؤمر فيه بابتاعك كما قالوا: ﴿لن نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ﴾ الآية
﴿كلا﴾ ردٌّ لما قالوا ﴿بل لا يخافون الآخرة﴾ حيث يقترحون أن يُؤتوا صحفاً منشرة
﴿كلا إنه تذكرة﴾ إنَّ القرآن تذكيرٌ للخلق وليس بسحرٍ
﴿فمن شاء ذكره﴾
﴿وما يذكرون إلاَّ أن يشاء الله هو أهل التقوى﴾ أهلٌ أن يُتَّقى عقابه ﴿وأهل المغفرة﴾ أهلٌ أنْ يعمل بما يُؤدِّي إلى مغفرته
سورة المدثر
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (المُدثِّر) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (المُزمِّل)، وقد جاء فيها أمرُ النبي صلى الله عليه وسلم بدعوة الخَلْقِ إلى الإيمان، وتقريرُ صعوبة يوم القيامة على أهل الكفر والعصيان، وتهديدُ الوليد بن المغيرة بنقضِ القرآن، وبيانُ عدد زبانية النِّيران، وأن كلَّ أحد رهنُ الإساءة والإحسان، ومَلامةُ الكفار على إعراضهم عن الإيمان، وذِكْرُ وعدِ الكريم بالرحمة والغفران.

ترتيبها المصحفي
74
نوعها
مكية
ألفاظها
256
ترتيب نزولها
4
العد المدني الأول
55
العد المدني الأخير
55
العد البصري
56
العد الكوفي
56
العد الشامي
55

قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلْمُدَّثِّرُ ١ قُمْ فَأَنذِرْ ٢ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 1-3]:

عن جابرِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنهما، قال: «قال ﷺ: جاوَرْتُ بحِرَاءٍ، فلمَّا قضَيْتُ جِواري، هبَطْتُ، فنُودِيتُ، فنظَرْتُ عن يميني فلَمْ أرَ شيئًا، ونظَرْتُ عن شِمالي فلَمْ أرَ شيئًا، ونظَرْتُ أمامي فلَمْ أرَ شيئًا، ونظَرْتُ خَلْفي فلَمْ أرَ شيئًا، فرفَعْتُ رأسي فرأَيْتُ شيئًا، فأتَيْتُ خديجةَ، فقلتُ: دَثِّرُوني، وصُبُّوا عليَّ ماءً باردًا، قال: فدثَّرُوني، وصَبُّوا عليَّ ماءً باردًا، قال: فنزَلتْ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلْمُدَّثِّرُ ١ قُمْ فَأَنذِرْ ٢ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 1-3]». أخرجه البخاري (٤٩٢٢).

* قوله تعالى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدٗا} [المدثر: 11]:

عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما: «أنَّ الوليدَ بنَ المُغيرةِ جاء إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقرَأَ عليه القرآنَ، فكأنَّه رَقَّ له، فبلَغَ ذلك أبا جهلٍ، فأتاه فقال: يا عَمِّ، إنَّ قومَك يرَوْنَ أن يَجمَعوا لك مالًا، قال: لِمَ؟ قال: ليُعطُوكَه؛ فإنَّك أتَيْتَ مُحمَّدًا لِتَعرَّضَ لِما قِبَلَه، قال: قد عَلِمتْ قُرَيشٌ أنِّي مِن أكثَرِها مالًا! قال: فقُلْ فيه قولًا يبلُغُ قومَك أنَّك مُنكِرٌ له، أو أنَّك كارهٌ له، قال: وماذا أقول؟! فواللهِ، ما فيكم رجُلٌ أعلَمُ بالأشعارِ منِّي، ولا أعلَمُ برَجَزِه ولا بقَصِيدِه منِّي، ولا بأشعارِ الجِنِّ، واللهِ، ما يُشبِهُ الذي يقولُ شيئًا مِن هذا، وواللهِ، إنَّ لِقولِه الذي يقولُ حلاوةً، وإنَّ عليه لَطلاوةً، وإنَّه لَمُثمِرٌ أعلاه، مُغدِقٌ أسفَلُه، وإنَّه لَيعلو، وما يُعلَى، وإنَّه لَيَحطِمُ ما تحته، قال: لا يَرضَى عنك قومُك حتى تقولَ فيه، قال: فدَعْني حتى أُفكِّرَ، فلمَّا فكَّرَ، قال: هذا سِحْرٌ يُؤثَرُ، يأثُرُه مِن غيرِه؛ فنزَلتْ: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدٗا} [المدثر: 11]». أخرجه الحاكم (3872).

* سورة (المُدثِّر):

سُمِّيت سورة (المُدثِّر) بهذا الاسم؛ لوصفِ الله نبيَّه بهذا اللفظ في أوَّل السورة.

و(المُدثِّر): هو لابِسُ الدِّثار، وفي ذلك إشارةٌ إلى حديثِ جابرِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنهما، قال: «قال ﷺ: جاوَرْتُ بحِرَاءٍ، فلمَّا قضَيْتُ جِواري، هبَطْتُ، فنُودِيتُ، فنظَرْتُ عن يميني فلَمْ أرَ شيئًا، ونظَرْتُ عن شِمالي فلَمْ أرَ شيئًا، ونظَرْتُ أمامي فلَمْ أرَ شيئًا، ونظَرْتُ خَلْفي فلَمْ أرَ شيئًا، فرفَعْتُ رأسي فرأَيْتُ شيئًا، فأتَيْتُ خديجةَ، فقلتُ: دَثِّرُوني، وصُبُّوا عليَّ ماءً باردًا، قال: فدثَّروني، وصَبُّوا عليَّ ماءً باردًا، قال: فنزَلتْ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلْمُدَّثِّرُ ١ قُمْ فَأَنذِرْ ٢ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 1-3]». أخرجه البخاري (٤٩٢٢).

1. إرشاد النبيِّ صلى الله عليه وسلم في بَدْءِ الدعوة (١-١٠).

2. تهديد زعماءِ الكفر (١١-٣٠).

3. الحِكْمة في اختيار عدد خَزَنة جهنَّم (٣١-٣٧).

4. الحوار بين أصحاب اليمين وبين المجرِمين (٣٨-٥٦).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /454).

يقول ابن عاشور عما جاء فيها من مقاصدَ:

«تكريمُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، والأمر بإبلاغ دعوة الرسالة.
وإعلان وَحْدانية الله بالإلهية.
والأمر بالتطهُّر الحِسِّي والمعنوي.
ونبذ الأصنام.
والإكثار من الصدقات.
والأمر بالصبر.
وإنذار المشركين بهول البعث.
وتهديد مَن تصدى للطعن في القرآن، وزعم أنه قولُ البشر.
ووصف أهوال جهنَّم.
والرد على المشركين الذين استخَفُّوا بها، وزعموا قلةَ عدد حفَظتِها.
وتَحدِّي أهل الكتاب بأنهم جهلوا عددَ حفَظتِها.
وتأييسهم من التخلص من العذاب.
وتمثيل ضلالهم في الدنيا.
ومقابلة حالهم بحال المؤمنين أهلِ الصلاة، والزكاة، والتصديق بيوم الجزاء». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (29 /293).