تفسير سورة المدّثر

تفسير الجلالين

تفسير سورة سورة المدثر من كتاب تفسير الجلالين المعروف بـتفسير الجلالين.
لمؤلفه المَحَلِّي . المتوفي سنة 864 هـ

﴿يَا أَيّهَا الْمُدَّثِّر﴾ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْله الْمُتَدَثِّر أُدْغِمَتْ التَّاء فِي الدَّال أَيْ الْمُتَلَفِّف بِثِيَابِهِ عِنْد نُزُول الْوَحْي عَلَيْهِ
﴿قُمْ فَأَنْذِرْ﴾ خَوِّفْ أَهْل مَكَّة النَّار إنْ لَمْ يُؤْمِنُوا
﴿وَرَبّك فَكَبِّرْ﴾ عَظِّمْ عَنْ إشْرَاك الْمُشْرِكِينَ
﴿وَثِيَابك فَطَهِّرْ﴾ عَنْ النَّجَاسَة أَوْ قَصِّرْهَا خِلَاف جَرّ الْعَرَب ثِيَابهمْ خُيَلَاء فَرُبَّمَا أَصَابَتْهَا نَجَاسَة
﴿وَالرُّجْز﴾ فَسَّرَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَوْثَانِ ﴿فَاهْجُرْ﴾ أَيْ دُمْ عَلَى هَجْره
﴿وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِر﴾ بِالرَّفْعِ حَال أَيْ لَا تُعْطِ شَيْئًا لِتَطْلُب أَكْثَر مِنْهُ وَهَذَا خَاصّ بِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ مَأْمُور بِأَجْمَل الْأَخْلَاق وَأَشْرَف الْآدَاب
﴿وَلِرَبِّك فَاصْبِرْ﴾ عَلَى الْأَوَامِر وَالنَّوَاهِي
﴿فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُور﴾ نُفِخَ فِي الصُّور وَهُوَ الْقَرْن النَّفْخَة الثَّانِيَة
﴿فَذَلِكَ﴾ أَيْ وَقْت النَّقْر ﴿يَوْمئِذٍ﴾ بَدَل مِمَّا قَبْله الْمُبْتَدَأ وَبُنِيَ لِإِضَافَتِهِ إلَى غَيْر مُتَمَكِّن وَخَبَر الْمُبْتَدَأ ﴿يَوْم عَسِير﴾ وَالْعَامِل فِي إذَا مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْجُمْلَة اشْتَدَّ الْأَمْر
١ -
﴿عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْر يَسِير﴾ فِيهِ دَلَالَة عَلَى أَنَّهُ يَسِير عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي عُسْره
١ -
﴿ذَرْنِي﴾ اُتْرُكْنِي ﴿وَمَنْ خَلَقْت﴾ عَطْف عَلَى الْمَفْعُول أَوْ مَفْعُول مَعَهُ ﴿وَحِيدًا﴾ حَال مِنْ مَنْ أَوْ مِنْ ضَمِيره الْمَحْذُوف مِنْ خَلَقْت مُنْفَرِدًا بِلَا أَهْل وَلَا مَال هُوَ الْوَلِيد بْن المغيرة المخزومي
١ -
﴿وَجَعَلْت لَهُ مَالًا مَمْدُودًا﴾ وَاسِعًا مُتَّصِلًا مِنْ الزُّرُوع وَالضُّرُوع وَالتِّجَارَة
١ -
﴿وَبَنِينَ﴾ عَشَرَة أَوْ أَكْثَر ﴿شُهُودًا﴾ يَشْهَدُونَ الْمَحَافِل وتسمع شهاداتهم
١ -
﴿وَمَهَّدْت﴾ بَسَطْت ﴿لَهُ﴾ فِي الْعَيْش وَالْعُمُر وَالْوَلَد ﴿تمهيدا﴾
١ -
﴿ثم يطمع أن أزيد﴾
١ -
﴿كَلَّا﴾ لَا أَزِيدهُ عَلَى ذَلِكَ ﴿إنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا﴾ الْقُرْآن ﴿عَنِيدًا﴾ مُعَانِدًا
١ -
﴿سَأُرْهِقُهُ﴾ أُكَلِّفهُ ﴿صَعُودًا﴾ مَشَقَّة مِنْ الْعَذَاب أَوْ جَبَلًا مِنْ نَار يَصْعَد فِيهِ ثُمَّ يَهْوِي أبدا
١ -
﴿إنَّهُ فَكَّرَ﴾ فِيمَا يَقُول فِي الْقُرْآن الَّذِي سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿وَقَدَّرَ﴾ فِي نَفْسه ذَلِكَ
١ -
﴿فَقُتِلَ﴾ لُعِنَ وَعُذِّبَ ﴿كَيْفَ قَدَّرَ﴾ عَلَى أَيّ حال كان تقديره
٢ -
﴿ثم قتل كيف قدر﴾
٢ -
﴿ثُمَّ نَظَرَ﴾ فِي وُجُوه قَوْمه أَوْ فِيمَا يَقْدَح بِهِ فِيهِ
٢ -
﴿ثُمَّ عَبَسَ﴾ قَبَضَ وَجْهه وَكَلَّحَهُ ضِيقًا بِمَا يَقُول ﴿وَبَسَرَ﴾ زَادَ فِي الْقَبْض وَالْكُلُوح
٢ -
﴿ثُمَّ أَدْبَرَ﴾ عَنْ الْإِيمَان ﴿وَاسْتَكْبَرَ﴾ تَكَبَّرَ عَنْ اتِّبَاع النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
٢ -
﴿فَقَالَ﴾ فِيمَا جَاءَ بِهِ ﴿إنْ﴾ مَا ﴿هَذَا إلَّا سِحْر يُؤْثَر﴾ يُنْقَل عَنْ السَّحَرَة
776
٢ -
777
﴿إنْ﴾ مَا ﴿هَذَا إلَّا قَوْل الْبَشَر﴾ كَمَا قَالُوا إنَّمَا يُعَلِّمهُ بشر
٢ -
﴿سَأُصْلِيهِ﴾ أُدْخِلهُ ﴿سَقَر﴾ جَهَنَّم
٢ -
﴿وما أدراك ما سقر﴾ تعظيم لشأنها
٢ -
﴿لَا تُبْقِي وَلَا تَذَر﴾ شَيْئًا مِنْ لَحْم وَلَا عَصَب إلَّا أَهْلَكَتْهُ ثُمَّ يَعُود كما كان
٢ -
﴿لَوَّاحَة لِلْبَشَرِ﴾ مُحَرِّقَة لِظَاهِرِ الْجِلْد
٣ -
﴿عَلَيْهَا تِسْعَة عَشَر﴾ مَلَكًا خَزَنَتهَا قَالَ بَعْض الْكُفَّار وَكَانَ قَوِيًّا شَدِيد الْبَأْس أَنَا أَكْفِيكُمْ سَبْعَة عَشَر وَاكْفُونِي أَنْتُمْ اثْنَيْنِ قَالَ تَعَالَى
٣ -
﴿وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَاب النَّار إلَّا مَلَائِكَة﴾ أَيْ فَلَا يُطَاقُونَ كَمَا يَتَوَهَّمُونَ ﴿وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتهمْ﴾ ذَلِكَ ﴿إلَّا فِتْنَة﴾ ضَلَالًا ﴿لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ بِأَنْ يَقُولُوا لِمَ كَانُوا تِسْعَة عَشَر ﴿لِيَسْتَيْقِن﴾ لِيَسْتَبِينَ ﴿الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب﴾ أَيْ الْيَهُود صِدْق النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَوْنهمْ تِسْعَة عَشَر الْمُوَافِق لِمَا فِي كِتَابهمْ ﴿وَيَزْدَاد الَّذِينَ آمَنُوا﴾ مِنْ أَهْل الْكِتَاب ﴿إيمَانًا﴾ تَصْدِيقًا لِمُوَافَقَتِهِ مَا أَتَى بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا فِي كِتَابهمْ ﴿وَلَا يَرْتَاب الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ مِنْ غَيْرهمْ فِي عَدَد الْمَلَائِكَة ﴿وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض﴾ شَكّ بِالْمَدِينَةِ ﴿وَالْكَافِرُونَ﴾ بِمَكَّة ﴿مَاذَا أَرَادَ اللَّه بِهَذَا﴾ الْعَدَد ﴿مَثَلًا﴾ سَمَّوْهُ لِغَرَابَتِهِ بِذَلِكَ وَأُعْرِبَ حَالًا ﴿كَذَلِكَ﴾ أَيْ مِثْل إضْلَال مُنْكِر هَذَا الْعَدَد وَهَدَى مُصَدِّقه ﴿يُضِلّ اللَّه مَنْ يَشَاء وَيَهْدِي مَنْ يَشَاء وَمَا يَعْلَم جُنُود رَبّك﴾ أَيْ الْمَلَائِكَة فِي قُوَّتهمْ وَأَعْوَانهمْ ﴿إلَّا هُوَ وَمَا هي﴾ أي سقر ﴿إلا ذكرى للبشر﴾
٣ -
﴿كلا﴾ استفتاح بمعنى ألا ﴿والقمر﴾
٣ -
﴿والليل إذا﴾ بفتح الذال ﴿دبر﴾ جاء بعد النهار وفي قراءة إذ أَدْبَرَ بِسُكُونِ الذَّال بَعْدهَا هَمْزَة أَيْ مَضَى
٣ -
﴿وَالصُّبْح إذَا أَسْفَرَ﴾ ظَهَرَ
٣ -
﴿إنَّهَا﴾ أَيْ سَقَر ﴿لَإِحْدَى الْكُبَر﴾ الْبَلَايَا الْعِظَام
٣ -
﴿نَذِيرًا﴾ حَال مِنْ إحْدَى وَذُكِّرَ لِأَنَّهَا بِمَعْنَى العذاب ﴿للبشر﴾
٣ -
﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ﴾ بَدَل مِنْ الْبَشَر ﴿أَنْ يَتَقَدَّم﴾ إلَى الْخَيْر أَوْ الْجَنَّة بِالْإِيمَانِ ﴿أَوْ يَتَأَخَّر﴾ إلَى الشَّرّ أَوْ النَّار بِالْكُفْرِ
٣ -
﴿كُلّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَة﴾ مَرْهُونَة مَأْخُوذَة بِعَمَلِهَا فِي النَّار
٣ -
﴿إلَّا أَصْحَاب الْيَمِين﴾ وَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ فَنَاجُونَ مِنْهَا كائنون
٤ -
﴿فِي جَنَّات يَتَسَاءَلُونَ﴾ بَيْنهمْ
٤ -
﴿عَنْ الْمُجْرِمِينَ﴾ وَحَالهمْ وَيَقُولُونَ لَهُمْ بَعْد إخْرَاج الموحدين من النار
٤ -
﴿ما سلككم﴾ أدخلكم {في سقر
777
٤ -
778
﴿قالوا لم نك من المصلين﴾
٤ -
﴿ولم نك نطعم المسكين﴾
٤ -
﴿وكنا نخوض﴾ في الباطل ﴿مع الخائضين﴾
٤ -
﴿وَكُنَّا نُكَذِّب بِيَوْمِ الدِّين﴾ الْبَعْث وَالْجَزَاء
٤ -
﴿حَتَّى أَتَانَا الْيَقِين﴾ الْمَوْت
٤ -
﴿فَمَا تَنْفَعهُمْ شَفَاعَة الشَّافِعِينَ﴾ مِنْ الْمَلَائِكَة وَالْأَنْبِيَاء وَالصَّالِحِينَ وَالْمَعْنَى لَا شَفَاعَة لَهُمْ
٤ -
﴿فَمَا﴾ مُبْتَدَأ ﴿لَهُمْ﴾ خَبَره مُتَعَلِّق بِمَحْذُوفٍ انْتَقَلَ ضَمِيره إلَيْهِ ﴿عَنْ التَّذْكِرَة مُعْرِضِينَ﴾ حَال مِنْ الضَّمِير وَالْمَعْنَى أَيّ شَيْء حَصَلَ لَهُمْ فِي إعْرَاضهمْ عَنْ الِاتِّعَاظ
٥ -
﴿كَأَنَّهُمْ حُمُر مُسْتَنْفِرَة﴾ وَحْشِيَّة
٥ -
﴿فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَة﴾ أَسَد أَيْ هَرَبَتْ مِنْهُ أشد الهرب
٥ -
﴿بَلْ يُرِيد كُلّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَة﴾ أَيْ مِنْ اللَّه تَعَالَى بِاتِّبَاعِ النَّبِيّ كَمَا قَالُوا لَنْ نُؤْمِن لَك حَتَّى تُنَزِّل عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ
٥ -
﴿كَلَّا﴾ رَدْع عَمَّا أَرَادُوهُ ﴿بَلْ لَا يَخَافُونَ الْآخِرَة﴾ أَيْ عَذَابهَا
٥ -
﴿كَلَّا﴾ اسْتِفْتَاح ﴿إنَّهُ﴾ أَيْ الْقُرْآن ﴿تَذْكِرَة﴾ عِظَة
٥ -
﴿فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ﴾ قَرَأَهُ فَاتَّعَظَ بِهِ
٥ -
﴿وَمَا يَذْكُرُونَ﴾ بِالْيَاءِ وَالتَّاء ﴿إلَّا أَنْ يَشَاء اللَّه هُوَ أَهْل التَّقْوَى﴾ بِأَنْ يُتَّقَى ﴿وَأَهْل الْمَغْفِرَة﴾ بأن يغفر لمن اتقاه = ٧٥ سورة القيامة
سورة المدثر
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (المُدثِّر) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (المُزمِّل)، وقد جاء فيها أمرُ النبي صلى الله عليه وسلم بدعوة الخَلْقِ إلى الإيمان، وتقريرُ صعوبة يوم القيامة على أهل الكفر والعصيان، وتهديدُ الوليد بن المغيرة بنقضِ القرآن، وبيانُ عدد زبانية النِّيران، وأن كلَّ أحد رهنُ الإساءة والإحسان، ومَلامةُ الكفار على إعراضهم عن الإيمان، وذِكْرُ وعدِ الكريم بالرحمة والغفران.

ترتيبها المصحفي
74
نوعها
مكية
ألفاظها
256
ترتيب نزولها
4
العد المدني الأول
55
العد المدني الأخير
55
العد البصري
56
العد الكوفي
56
العد الشامي
55

قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلْمُدَّثِّرُ ١ قُمْ فَأَنذِرْ ٢ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 1-3]:

عن جابرِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنهما، قال: «قال ﷺ: جاوَرْتُ بحِرَاءٍ، فلمَّا قضَيْتُ جِواري، هبَطْتُ، فنُودِيتُ، فنظَرْتُ عن يميني فلَمْ أرَ شيئًا، ونظَرْتُ عن شِمالي فلَمْ أرَ شيئًا، ونظَرْتُ أمامي فلَمْ أرَ شيئًا، ونظَرْتُ خَلْفي فلَمْ أرَ شيئًا، فرفَعْتُ رأسي فرأَيْتُ شيئًا، فأتَيْتُ خديجةَ، فقلتُ: دَثِّرُوني، وصُبُّوا عليَّ ماءً باردًا، قال: فدثَّرُوني، وصَبُّوا عليَّ ماءً باردًا، قال: فنزَلتْ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلْمُدَّثِّرُ ١ قُمْ فَأَنذِرْ ٢ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 1-3]». أخرجه البخاري (٤٩٢٢).

* قوله تعالى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدٗا} [المدثر: 11]:

عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما: «أنَّ الوليدَ بنَ المُغيرةِ جاء إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقرَأَ عليه القرآنَ، فكأنَّه رَقَّ له، فبلَغَ ذلك أبا جهلٍ، فأتاه فقال: يا عَمِّ، إنَّ قومَك يرَوْنَ أن يَجمَعوا لك مالًا، قال: لِمَ؟ قال: ليُعطُوكَه؛ فإنَّك أتَيْتَ مُحمَّدًا لِتَعرَّضَ لِما قِبَلَه، قال: قد عَلِمتْ قُرَيشٌ أنِّي مِن أكثَرِها مالًا! قال: فقُلْ فيه قولًا يبلُغُ قومَك أنَّك مُنكِرٌ له، أو أنَّك كارهٌ له، قال: وماذا أقول؟! فواللهِ، ما فيكم رجُلٌ أعلَمُ بالأشعارِ منِّي، ولا أعلَمُ برَجَزِه ولا بقَصِيدِه منِّي، ولا بأشعارِ الجِنِّ، واللهِ، ما يُشبِهُ الذي يقولُ شيئًا مِن هذا، وواللهِ، إنَّ لِقولِه الذي يقولُ حلاوةً، وإنَّ عليه لَطلاوةً، وإنَّه لَمُثمِرٌ أعلاه، مُغدِقٌ أسفَلُه، وإنَّه لَيعلو، وما يُعلَى، وإنَّه لَيَحطِمُ ما تحته، قال: لا يَرضَى عنك قومُك حتى تقولَ فيه، قال: فدَعْني حتى أُفكِّرَ، فلمَّا فكَّرَ، قال: هذا سِحْرٌ يُؤثَرُ، يأثُرُه مِن غيرِه؛ فنزَلتْ: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدٗا} [المدثر: 11]». أخرجه الحاكم (3872).

* سورة (المُدثِّر):

سُمِّيت سورة (المُدثِّر) بهذا الاسم؛ لوصفِ الله نبيَّه بهذا اللفظ في أوَّل السورة.

و(المُدثِّر): هو لابِسُ الدِّثار، وفي ذلك إشارةٌ إلى حديثِ جابرِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنهما، قال: «قال ﷺ: جاوَرْتُ بحِرَاءٍ، فلمَّا قضَيْتُ جِواري، هبَطْتُ، فنُودِيتُ، فنظَرْتُ عن يميني فلَمْ أرَ شيئًا، ونظَرْتُ عن شِمالي فلَمْ أرَ شيئًا، ونظَرْتُ أمامي فلَمْ أرَ شيئًا، ونظَرْتُ خَلْفي فلَمْ أرَ شيئًا، فرفَعْتُ رأسي فرأَيْتُ شيئًا، فأتَيْتُ خديجةَ، فقلتُ: دَثِّرُوني، وصُبُّوا عليَّ ماءً باردًا، قال: فدثَّروني، وصَبُّوا عليَّ ماءً باردًا، قال: فنزَلتْ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلْمُدَّثِّرُ ١ قُمْ فَأَنذِرْ ٢ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 1-3]». أخرجه البخاري (٤٩٢٢).

1. إرشاد النبيِّ صلى الله عليه وسلم في بَدْءِ الدعوة (١-١٠).

2. تهديد زعماءِ الكفر (١١-٣٠).

3. الحِكْمة في اختيار عدد خَزَنة جهنَّم (٣١-٣٧).

4. الحوار بين أصحاب اليمين وبين المجرِمين (٣٨-٥٦).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /454).

يقول ابن عاشور عما جاء فيها من مقاصدَ:

«تكريمُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، والأمر بإبلاغ دعوة الرسالة.
وإعلان وَحْدانية الله بالإلهية.
والأمر بالتطهُّر الحِسِّي والمعنوي.
ونبذ الأصنام.
والإكثار من الصدقات.
والأمر بالصبر.
وإنذار المشركين بهول البعث.
وتهديد مَن تصدى للطعن في القرآن، وزعم أنه قولُ البشر.
ووصف أهوال جهنَّم.
والرد على المشركين الذين استخَفُّوا بها، وزعموا قلةَ عدد حفَظتِها.
وتَحدِّي أهل الكتاب بأنهم جهلوا عددَ حفَظتِها.
وتأييسهم من التخلص من العذاب.
وتمثيل ضلالهم في الدنيا.
ومقابلة حالهم بحال المؤمنين أهلِ الصلاة، والزكاة، والتصديق بيوم الجزاء». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (29 /293).