تفسير سورة المدّثر

جهود القرافي في التفسير

تفسير سورة سورة المدثر من كتاب جهود القرافي في التفسير
لمؤلفه القرافي . المتوفي سنة 684 هـ

١٢٧٠- لما أنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم :﴿ يا أيها المدثر قم فأنذر ﴾ كان هذا رسالة، لأنه تكليف يتعلق بغير الموحى إليه، فتقدمت نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم على رسالته بمدة، ولذلك قال العلماء : كل رسول نبي، وليس كل نبي رسولا، لأن كل رسول مكلف تكليفا خاصا به، وهو تبليغ ما أوحى إليه. ( الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام : ١٠٤-١٠٥ )
١٢٧١- أي : لا تعط شيئا لتأخذ أكثر منه لشرف منصبه عليه السلام عن ذلك لما فيه من المسكنة. ( الذخيرة : ٦/٢٧٣ )
١٢٧٢- ما معنى الجعل في الموضعين ؟ وهل هو واحد أو مختلف ؟ وما معنى الصحبة هاهنا ؟ وكيف تكون العدة فتنة ؟ وما المستثنى والمستثنى منه في الموضعين ؟
والجواب : قال أبو علي الفارسي : جعل لها خمسة معان :
المعنى الأول : صبر، نحو قوله تعالى :﴿ وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا ﴾١.
وضابطه انتقال الحقيقة إلى صفة زائدة على ذاتها، كجعل الطين خزفا.
والمعنى الثاني : سمي، كقوله تعالى :﴿ وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمان إناثا ﴾٢ أي : سموهم، إذ لا قدرة لهم على التصرف في ذوات الملائكة، فلم يبق إلا التسمية.
والثالث : جعل بمعنى خلق، وهو يتعدى على مفعول واحد بخلاف الأولين، كقوله تعالى :﴿ وجعل الظلمات والنور ﴾٣ أي : خلقهما.
﴿ وما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ﴾٤ أي : لم يشرع.
والرابع : بمعنى دخل في الفعل، نحو : " جعل زيد يقوم " أي : شرع في القيام.
والخامس : بمعنى ألقى، تقول : " جعلت متاعك بعضه على بعض "، أي : ألقيت بعضه على بعض. فالمناسب للآية أن يكون " جعل " من باب فعل، أي : ما خلقنا أصحاب النار إلا ملائكة وفائدة هذا الإخبار الرد على المشركين، لما سمعوا أن عليها تسعة عشر استهزؤوا بذلك وقالوا هذا العدد لا يغلبنا، فأخبر الله تعالى أنه خلقهم ملائكة لا يقدر البشر على رؤيتهم، فضلا عن مقابلتهم. وكذلك جعل الثاني بمعنى فعل ويكون المعنى : " وما ذكرنا عدتهم إلا فتنة "، فالجعلان واحد. وأما الصحبة هاهنا فهي الملازمة لا المصادقة، ولذلك قيل للمعذبين أنهم أصحاب النار، لأجل الملازمة.
وأما العدة تكون فتنة، فمعناه : اختبار أهل يستهزئ بها الكفار أم لا ؟
والمستثنى منه في الموضعين مختلف. ففي الأول : من الصفات ؛ أي : لم يخلقهم في صفة الجان لا الإنس، في صفة أخرى هي صفة الملائكة. فكل صفة منفية إلا صفة الملائكة.
وأما المستثنى منه في الثاني : فهو مفعول من أجله لا من الصفات والأحوال والمعنى : ما ذكرنا العدة لمعنى لا من المعاني ولا لسبب من الأسباب إلا لسبب الفتنة والاختبار. فالمستثنى والمستثنى منه في الموضعين مختلف. ( الاستغناء : ٢٤٥-٢٤٦ )
١ - سورة النبأ : ١٠-١١..
٢ - سورة الزخرف : ١٨..
٣ - سورة الأنعام : ١..
٤ - سورة المائدة : ١٠٣..
١٢٧٣- المراد الماهية بقيد الوحدة، وإلا لكانت هي الكبر كلها وذلك محال، ولكن الكلام في سياق الثبوت. ( العقد المنظوم : ١/٤١٨ )
١٢٧٤- في هذه الآية من المسائل : هل المراد بكل نفس العموم أم لا ؟ وما معنى رهينة ؟ وما معنى الهاء في " رهينة " ؟ وهل الاستثناء متصل أم منقطع ؟.
والجواب : قال الضحاك وغيره : " المعنى في الآية : كل نفس حقت عليها كلمة العذاب ولا يرتهن بعمله أحد من أهل الجنة إن شاء الله تعالى " ١ فعلى هذا يكون الاستثناء منقطعا، ويكون العام مخصوصا. ( الاستغناء : ٤٠١-٤٠٢ )
ومعنى الرهن هاهنا، أن النفس تكون كالرهن في الدين، والوفاء بحقوق الله تعالى هو الدين، والواقع هو التفريط في حقوق الله تعالى، لا سيما والله تعالى يقول في حق جميع الخلق :﴿ وما قدروا الله حق قدره ﴾٢.
وإذا فرط العبد في حقوق الله تعالى أخذت نفسه للعذاب، كما يؤخذ الرهن للبيع ويحال بين صاحبه وبين الانتفاع بنفسه. وهذا إليه الإشارة بقوله تعالى :﴿ أولئك الذين خسروا أنفسهم ﴾٣ وعلى هذا تكون تسمية هذا المعنى رهنا مجازا من باب الاستعارة والتشبيه، ويتجه أيضا على هذا قول المفسرين : إن المراد من حقت عليه كلمة العذاب، فإنه هو الذي حيل بينه وبين الانتفاع بنفسه، وأما من دخل الجنة فقد مكن من الانتفاع بنفسه.
قال المفسرون : والهاء في " رهينة " للمبالغة ولأجل تأنيث لفظ النفس، والأصل أن نقول : كل نفس بما كسبت رهين، نظرا للفظ، " كل "، فإنه مفرد.
وقال علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- : " أصحاب اليمين في هذه الآية أطفال المسلمين٤.
وقال ابن عباس : الملائكة٥.
وقال الضحاك٦ : هم الذين سبقت لهم منا الحسنى٧.
وقال ابن كيسان٨ : هم المسلمون المخلصون وأن هؤلاء كلهم ليسوا بمرتهنين، ويتعين الانقطاع في الاستثناء حينئذ. والله أعلم٩.
١ - ن : جامع البيان : ١٢/٣١٨..
٢ - سورة الأنعام : ٩١..
٣ - سورة هود : ٢١..
٤ -ن : جامع البيان : ١٢/٣١٨- والدر المنثور : ٦/٤٥٩..
٥ - جامع البيان : ١٢/٣١٨..
٦ هو الضحاك بن مزاحم البلخي الخراساني، أبو القاسم، تابعي، مفسر. (ت : ١٠٠هج) ن : ميزان الاعتدال : ١/٤٧١- الأعلام : ٣/٢١٥- تهذيب التهذيب : ٤/٤٥٣..
٧ لم أعثر على هذا النص في كتب التفسير بالمأثور التي استطعت الإطلاع عليها..
٨ - هو محمد بن أحمد بن إبراهيم، أبو الحسن، المعروف بابن كيسان، لغوي، أخذ عن المبرد وعن ثعلب (ت: ٢٩٩هج) ن : الأعلام : ٥/٣٠٨...
٩ - الدر المنثور : ٦/٤٥٩ بتصرف..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٨:١٢٧٤- في هذه الآية من المسائل : هل المراد بكل نفس العموم أم لا ؟ وما معنى رهينة ؟ وما معنى الهاء في " رهينة " ؟ وهل الاستثناء متصل أم منقطع ؟.
والجواب : قال الضحاك وغيره :" المعنى في الآية : كل نفس حقت عليها كلمة العذاب ولا يرتهن بعمله أحد من أهل الجنة إن شاء الله تعالى " ١ فعلى هذا يكون الاستثناء منقطعا، ويكون العام مخصوصا. ( الاستغناء : ٤٠١-٤٠٢ )
ومعنى الرهن هاهنا، أن النفس تكون كالرهن في الدين، والوفاء بحقوق الله تعالى هو الدين، والواقع هو التفريط في حقوق الله تعالى، لا سيما والله تعالى يقول في حق جميع الخلق :﴿ وما قدروا الله حق قدره ﴾٢.
وإذا فرط العبد في حقوق الله تعالى أخذت نفسه للعذاب، كما يؤخذ الرهن للبيع ويحال بين صاحبه وبين الانتفاع بنفسه. وهذا إليه الإشارة بقوله تعالى :﴿ أولئك الذين خسروا أنفسهم ﴾٣ وعلى هذا تكون تسمية هذا المعنى رهنا مجازا من باب الاستعارة والتشبيه، ويتجه أيضا على هذا قول المفسرين : إن المراد من حقت عليه كلمة العذاب، فإنه هو الذي حيل بينه وبين الانتفاع بنفسه، وأما من دخل الجنة فقد مكن من الانتفاع بنفسه.
قال المفسرون : والهاء في " رهينة " للمبالغة ولأجل تأنيث لفظ النفس، والأصل أن نقول : كل نفس بما كسبت رهين، نظرا للفظ، " كل "، فإنه مفرد.
وقال علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- :" أصحاب اليمين في هذه الآية أطفال المسلمين٤.
وقال ابن عباس : الملائكة٥.
وقال الضحاك٦ : هم الذين سبقت لهم منا الحسنى٧.
وقال ابن كيسان٨ : هم المسلمون المخلصون وأن هؤلاء كلهم ليسوا بمرتهنين، ويتعين الانقطاع في الاستثناء حينئذ. والله أعلم٩.
١ - ن : جامع البيان : ١٢/٣١٨..
٢ - سورة الأنعام : ٩١..
٣ - سورة هود : ٢١..
٤ -ن : جامع البيان : ١٢/٣١٨- والدر المنثور : ٦/٤٥٩..
٥ - جامع البيان : ١٢/٣١٨..
٦ هو الضحاك بن مزاحم البلخي الخراساني، أبو القاسم، تابعي، مفسر. (ت : ١٠٠هج) ن : ميزان الاعتدال : ١/٤٧١- الأعلام : ٣/٢١٥- تهذيب التهذيب : ٤/٤٥٣..
٧ لم أعثر على هذا النص في كتب التفسير بالمأثور التي استطعت الإطلاع عليها..
٨ - هو محمد بن أحمد بن إبراهيم، أبو الحسن، المعروف بابن كيسان، لغوي، أخذ عن المبرد وعن ثعلب (ت: ٢٩٩هج) ن : الأعلام : ٥/٣٠٨...
٩ - الدر المنثور : ٦/٤٥٩ بتصرف..

سورة المدثر
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (المُدثِّر) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (المُزمِّل)، وقد جاء فيها أمرُ النبي صلى الله عليه وسلم بدعوة الخَلْقِ إلى الإيمان، وتقريرُ صعوبة يوم القيامة على أهل الكفر والعصيان، وتهديدُ الوليد بن المغيرة بنقضِ القرآن، وبيانُ عدد زبانية النِّيران، وأن كلَّ أحد رهنُ الإساءة والإحسان، ومَلامةُ الكفار على إعراضهم عن الإيمان، وذِكْرُ وعدِ الكريم بالرحمة والغفران.

ترتيبها المصحفي
74
نوعها
مكية
ألفاظها
256
ترتيب نزولها
4
العد المدني الأول
55
العد المدني الأخير
55
العد البصري
56
العد الكوفي
56
العد الشامي
55

قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلْمُدَّثِّرُ ١ قُمْ فَأَنذِرْ ٢ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 1-3]:

عن جابرِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنهما، قال: «قال ﷺ: جاوَرْتُ بحِرَاءٍ، فلمَّا قضَيْتُ جِواري، هبَطْتُ، فنُودِيتُ، فنظَرْتُ عن يميني فلَمْ أرَ شيئًا، ونظَرْتُ عن شِمالي فلَمْ أرَ شيئًا، ونظَرْتُ أمامي فلَمْ أرَ شيئًا، ونظَرْتُ خَلْفي فلَمْ أرَ شيئًا، فرفَعْتُ رأسي فرأَيْتُ شيئًا، فأتَيْتُ خديجةَ، فقلتُ: دَثِّرُوني، وصُبُّوا عليَّ ماءً باردًا، قال: فدثَّرُوني، وصَبُّوا عليَّ ماءً باردًا، قال: فنزَلتْ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلْمُدَّثِّرُ ١ قُمْ فَأَنذِرْ ٢ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 1-3]». أخرجه البخاري (٤٩٢٢).

* قوله تعالى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدٗا} [المدثر: 11]:

عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما: «أنَّ الوليدَ بنَ المُغيرةِ جاء إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقرَأَ عليه القرآنَ، فكأنَّه رَقَّ له، فبلَغَ ذلك أبا جهلٍ، فأتاه فقال: يا عَمِّ، إنَّ قومَك يرَوْنَ أن يَجمَعوا لك مالًا، قال: لِمَ؟ قال: ليُعطُوكَه؛ فإنَّك أتَيْتَ مُحمَّدًا لِتَعرَّضَ لِما قِبَلَه، قال: قد عَلِمتْ قُرَيشٌ أنِّي مِن أكثَرِها مالًا! قال: فقُلْ فيه قولًا يبلُغُ قومَك أنَّك مُنكِرٌ له، أو أنَّك كارهٌ له، قال: وماذا أقول؟! فواللهِ، ما فيكم رجُلٌ أعلَمُ بالأشعارِ منِّي، ولا أعلَمُ برَجَزِه ولا بقَصِيدِه منِّي، ولا بأشعارِ الجِنِّ، واللهِ، ما يُشبِهُ الذي يقولُ شيئًا مِن هذا، وواللهِ، إنَّ لِقولِه الذي يقولُ حلاوةً، وإنَّ عليه لَطلاوةً، وإنَّه لَمُثمِرٌ أعلاه، مُغدِقٌ أسفَلُه، وإنَّه لَيعلو، وما يُعلَى، وإنَّه لَيَحطِمُ ما تحته، قال: لا يَرضَى عنك قومُك حتى تقولَ فيه، قال: فدَعْني حتى أُفكِّرَ، فلمَّا فكَّرَ، قال: هذا سِحْرٌ يُؤثَرُ، يأثُرُه مِن غيرِه؛ فنزَلتْ: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدٗا} [المدثر: 11]». أخرجه الحاكم (3872).

* سورة (المُدثِّر):

سُمِّيت سورة (المُدثِّر) بهذا الاسم؛ لوصفِ الله نبيَّه بهذا اللفظ في أوَّل السورة.

و(المُدثِّر): هو لابِسُ الدِّثار، وفي ذلك إشارةٌ إلى حديثِ جابرِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنهما، قال: «قال ﷺ: جاوَرْتُ بحِرَاءٍ، فلمَّا قضَيْتُ جِواري، هبَطْتُ، فنُودِيتُ، فنظَرْتُ عن يميني فلَمْ أرَ شيئًا، ونظَرْتُ عن شِمالي فلَمْ أرَ شيئًا، ونظَرْتُ أمامي فلَمْ أرَ شيئًا، ونظَرْتُ خَلْفي فلَمْ أرَ شيئًا، فرفَعْتُ رأسي فرأَيْتُ شيئًا، فأتَيْتُ خديجةَ، فقلتُ: دَثِّرُوني، وصُبُّوا عليَّ ماءً باردًا، قال: فدثَّروني، وصَبُّوا عليَّ ماءً باردًا، قال: فنزَلتْ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلْمُدَّثِّرُ ١ قُمْ فَأَنذِرْ ٢ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 1-3]». أخرجه البخاري (٤٩٢٢).

1. إرشاد النبيِّ صلى الله عليه وسلم في بَدْءِ الدعوة (١-١٠).

2. تهديد زعماءِ الكفر (١١-٣٠).

3. الحِكْمة في اختيار عدد خَزَنة جهنَّم (٣١-٣٧).

4. الحوار بين أصحاب اليمين وبين المجرِمين (٣٨-٥٦).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /454).

يقول ابن عاشور عما جاء فيها من مقاصدَ:

«تكريمُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، والأمر بإبلاغ دعوة الرسالة.
وإعلان وَحْدانية الله بالإلهية.
والأمر بالتطهُّر الحِسِّي والمعنوي.
ونبذ الأصنام.
والإكثار من الصدقات.
والأمر بالصبر.
وإنذار المشركين بهول البعث.
وتهديد مَن تصدى للطعن في القرآن، وزعم أنه قولُ البشر.
ووصف أهوال جهنَّم.
والرد على المشركين الذين استخَفُّوا بها، وزعموا قلةَ عدد حفَظتِها.
وتَحدِّي أهل الكتاب بأنهم جهلوا عددَ حفَظتِها.
وتأييسهم من التخلص من العذاب.
وتمثيل ضلالهم في الدنيا.
ومقابلة حالهم بحال المؤمنين أهلِ الصلاة، والزكاة، والتصديق بيوم الجزاء». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (29 /293).