تفسير سورة المدّثر

أحكام القرآن

تفسير سورة سورة المدثر من كتاب أحكام القرآن
لمؤلفه ابن الفرس . المتوفي سنة 595 هـ
وهي مكية. وفيها موضع واحد وهو :

– قوله تعالى :﴿ وثيابك فطهر ( ٤ ) والرجز فاهجر ( ٥ ) ولا تمنن تستكثر ( ٦ ) ولربك فاصبر ( ٧ ) ﴾ :
اختلف في معنى قوله تعالى :﴿ وثيابك فطهر ( ٤ ) ﴾ فقيل هو أمر بتطهير الثياب حقيقة، قاله ابن زياد وابن سيرين والشافعي وغيرهم. واستدل الشافعي بهذه الآية على إيجاب غسل النجاسات من الثوب ورد به قول مالك وأصحابه وأهل المدينة أن ذلك ليس بواجب. وفي المذهب قولان : أحدهما : إزالة النجاسة للصلاة فرض. والثاني : أنها سنة. ودليل مالك من تابعه على أنها سنة الإجماع على جواز الصلاة بالاستجمار من غير غسل. قال الباجي : والدليل على وجوب الإزالة قوله تعالى :﴿ وثيابك فطهر ( ٤ ) ﴾ ولا خلاف أنه ليس هنا طهارة واجبة للثياب غير طهارة النجاسة ١. فإن قيل إن الثياب هنا القلب بدليل أن هذه الآية أول ما نزل من القرآن قبل الأمر بالصلاة والوضوء، وإزالة النجاسة إنما هو لأجل الصلاة، فالجواب أن الثياب أظهر في القياس فيجب أن يحمل عليه ويجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم خص بذلك في أول الإسلام وفرض عليه دون أمته. ثم ورد الأمر بذلك لأمته. وجواب ثان : وهو أن شرع من قبلنا شرع لنا فيحتمل أن يكون قد اتسع في الصلاة شرع من قبلنا من النبيين فوجب بذلك اتباعهم وتأخر الأمر به بنص شرعنا عن ذلك الوقت، فلا يمتنع أن يكون قد أمر على الوجهين بتطهير الثياب للصلاة في أول الأمر ثم ورد عليه بعد ذلك نص بالأمر بالصلاة. وقيل تطهير الثياب هنا استعارة لتنقية الأفعال والنفس والعرض كما تقول : فلان طاهر الثوب، وهو قول الجمهور. وقال طاووس المعنى : قصر ثيابك وشمرها فإن لك طهرة للثياب. وهذا يأتي على قول النبي صلى الله عليه وسلم : " إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه ما أسفل من ذلك ففي النار " ٢. وقوله : " لا ينظر الله تعالى يوم القيامة إلى من يجر إزاره بترا " ٣ ونهيه عن إسبال الإزار، والأحاديث في مثل هذا كثيرة. وقيل معناه : وقلبك فطهر فكنى بالثياب عن القلب ٤.
١ راجع أحكام القرآن للكيا الهراسي ٤/ ٤٢٧..
٢ الحديث رواه مالك في الموطأ، كتاب الجامع، باب: ما جاء في إسبال الرجل ثوبه ٢/ ٢٤٧..
٣ والحديث رواه مالك عن أبي هريرة في الموطأ، كتاب الجامع، باب: ما جاء في إسبال الرجل ثوبه ٢/ ٢٤٦..
٤ وقد ذكر القرطبي في ذلك ثمانية أقوال فراجعها في الجامع لأحكام القرآن ١٩/ ٦٢- ٦٦..
قوله تعالى :﴿ والرجز فاهجر ( ٥ ) ﴾ اختلف في معناه. فقيل يعني الأوثان، قاله مجاهد وعكرمة ورفعه جابر إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل يعني الإثم، قاله النخعي. وقيل يعني أسافا ونائلة، قاله قتادة فيما ذكر المهدوي عنه. وقيل يعني العذاب أي عمل الرجز والهجر محذوف المضاف ١ قاله ابن عباس وقيل يعني النتن والنقائص وفجور الكفار ونحوه، قاله قتادة فيما ذكره بعض المفسرين عنه. قال ومن قرأ بالضم فهما الصنمان أسافا ونائلة. وقيل كل معصية رجز.
١ "قاله قتادة فيما ذكر المهدوي عنه... إلى: المضاف" كلام ساقط في (ح)..
وقوله تعالى :﴿ ولا تمنن تستكثر ( ٦ ) ﴾ :
اختلف في معناه. فقال ابن عباس وغيره معناه لا تعط عطاء لتعطي أكثر منه فهو من قولهم من إذا أعطى. قال الضحاك وهو خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم ومباح لأمته. قال مكي وهذا معنى قوله تعالى :﴿ وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله ﴾ [ الروم : ٣٩ ]. وقال ابن عباس أيضا فيما روي عنه معناه : لا تقل دعوت فلم أجب. وقال قتادة معناه : لا تدل بعملك. ففي تحريض على الجد وتخويف. وقال ابن زيد : معناه لا تمنن على الناس بنبوتك تستكثر أجرا أو كسبا تطلبه منهم. وقال مجاهد معناه : ولا تضعف، من قولهم حبل متين أي ضعيف. أي لا تضعف تستكثر ما حملناك من أعباء الرسالة أو تستكثر من الخير. وقال الحسن بن أبي الحسن معناه : ولا تمنن على الله بجدك تستكثر أعمالك ويقع لك بها إعجاب فهذا من المن الذي هو ذكر اليد وتعديدها.
وقوله تعالى :﴿ ولربك فاصبر ( ٧ ) ﴾ :
اختلف في معناه. فقال النخعي معناه : إذا عملت عملا صالحا فاصبر حتى تثاب عليه. وعنه أيضا اصبر على عطيتك لا تعطيها لتأخذ أكثر منها. وقال مجاهد المعنى اصبر على ما أوذيت به، يعني ما لقيه من قومه ومن اليهود. وقيل المعنى اصبر لوجه ربك وطلب رضاه كما تقول فعلت ذلك لله عز وجل. والله تعالى أعلم١.
١ "والله تعالى أعلم" كلام ساقط في غير (ح)..
سورة المدثر
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (المُدثِّر) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (المُزمِّل)، وقد جاء فيها أمرُ النبي صلى الله عليه وسلم بدعوة الخَلْقِ إلى الإيمان، وتقريرُ صعوبة يوم القيامة على أهل الكفر والعصيان، وتهديدُ الوليد بن المغيرة بنقضِ القرآن، وبيانُ عدد زبانية النِّيران، وأن كلَّ أحد رهنُ الإساءة والإحسان، ومَلامةُ الكفار على إعراضهم عن الإيمان، وذِكْرُ وعدِ الكريم بالرحمة والغفران.

ترتيبها المصحفي
74
نوعها
مكية
ألفاظها
256
ترتيب نزولها
4
العد المدني الأول
55
العد المدني الأخير
55
العد البصري
56
العد الكوفي
56
العد الشامي
55

قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلْمُدَّثِّرُ ١ قُمْ فَأَنذِرْ ٢ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 1-3]:

عن جابرِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنهما، قال: «قال ﷺ: جاوَرْتُ بحِرَاءٍ، فلمَّا قضَيْتُ جِواري، هبَطْتُ، فنُودِيتُ، فنظَرْتُ عن يميني فلَمْ أرَ شيئًا، ونظَرْتُ عن شِمالي فلَمْ أرَ شيئًا، ونظَرْتُ أمامي فلَمْ أرَ شيئًا، ونظَرْتُ خَلْفي فلَمْ أرَ شيئًا، فرفَعْتُ رأسي فرأَيْتُ شيئًا، فأتَيْتُ خديجةَ، فقلتُ: دَثِّرُوني، وصُبُّوا عليَّ ماءً باردًا، قال: فدثَّرُوني، وصَبُّوا عليَّ ماءً باردًا، قال: فنزَلتْ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلْمُدَّثِّرُ ١ قُمْ فَأَنذِرْ ٢ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 1-3]». أخرجه البخاري (٤٩٢٢).

* قوله تعالى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدٗا} [المدثر: 11]:

عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما: «أنَّ الوليدَ بنَ المُغيرةِ جاء إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقرَأَ عليه القرآنَ، فكأنَّه رَقَّ له، فبلَغَ ذلك أبا جهلٍ، فأتاه فقال: يا عَمِّ، إنَّ قومَك يرَوْنَ أن يَجمَعوا لك مالًا، قال: لِمَ؟ قال: ليُعطُوكَه؛ فإنَّك أتَيْتَ مُحمَّدًا لِتَعرَّضَ لِما قِبَلَه، قال: قد عَلِمتْ قُرَيشٌ أنِّي مِن أكثَرِها مالًا! قال: فقُلْ فيه قولًا يبلُغُ قومَك أنَّك مُنكِرٌ له، أو أنَّك كارهٌ له، قال: وماذا أقول؟! فواللهِ، ما فيكم رجُلٌ أعلَمُ بالأشعارِ منِّي، ولا أعلَمُ برَجَزِه ولا بقَصِيدِه منِّي، ولا بأشعارِ الجِنِّ، واللهِ، ما يُشبِهُ الذي يقولُ شيئًا مِن هذا، وواللهِ، إنَّ لِقولِه الذي يقولُ حلاوةً، وإنَّ عليه لَطلاوةً، وإنَّه لَمُثمِرٌ أعلاه، مُغدِقٌ أسفَلُه، وإنَّه لَيعلو، وما يُعلَى، وإنَّه لَيَحطِمُ ما تحته، قال: لا يَرضَى عنك قومُك حتى تقولَ فيه، قال: فدَعْني حتى أُفكِّرَ، فلمَّا فكَّرَ، قال: هذا سِحْرٌ يُؤثَرُ، يأثُرُه مِن غيرِه؛ فنزَلتْ: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدٗا} [المدثر: 11]». أخرجه الحاكم (3872).

* سورة (المُدثِّر):

سُمِّيت سورة (المُدثِّر) بهذا الاسم؛ لوصفِ الله نبيَّه بهذا اللفظ في أوَّل السورة.

و(المُدثِّر): هو لابِسُ الدِّثار، وفي ذلك إشارةٌ إلى حديثِ جابرِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنهما، قال: «قال ﷺ: جاوَرْتُ بحِرَاءٍ، فلمَّا قضَيْتُ جِواري، هبَطْتُ، فنُودِيتُ، فنظَرْتُ عن يميني فلَمْ أرَ شيئًا، ونظَرْتُ عن شِمالي فلَمْ أرَ شيئًا، ونظَرْتُ أمامي فلَمْ أرَ شيئًا، ونظَرْتُ خَلْفي فلَمْ أرَ شيئًا، فرفَعْتُ رأسي فرأَيْتُ شيئًا، فأتَيْتُ خديجةَ، فقلتُ: دَثِّرُوني، وصُبُّوا عليَّ ماءً باردًا، قال: فدثَّروني، وصَبُّوا عليَّ ماءً باردًا، قال: فنزَلتْ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلْمُدَّثِّرُ ١ قُمْ فَأَنذِرْ ٢ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 1-3]». أخرجه البخاري (٤٩٢٢).

1. إرشاد النبيِّ صلى الله عليه وسلم في بَدْءِ الدعوة (١-١٠).

2. تهديد زعماءِ الكفر (١١-٣٠).

3. الحِكْمة في اختيار عدد خَزَنة جهنَّم (٣١-٣٧).

4. الحوار بين أصحاب اليمين وبين المجرِمين (٣٨-٥٦).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /454).

يقول ابن عاشور عما جاء فيها من مقاصدَ:

«تكريمُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، والأمر بإبلاغ دعوة الرسالة.
وإعلان وَحْدانية الله بالإلهية.
والأمر بالتطهُّر الحِسِّي والمعنوي.
ونبذ الأصنام.
والإكثار من الصدقات.
والأمر بالصبر.
وإنذار المشركين بهول البعث.
وتهديد مَن تصدى للطعن في القرآن، وزعم أنه قولُ البشر.
ووصف أهوال جهنَّم.
والرد على المشركين الذين استخَفُّوا بها، وزعموا قلةَ عدد حفَظتِها.
وتَحدِّي أهل الكتاب بأنهم جهلوا عددَ حفَظتِها.
وتأييسهم من التخلص من العذاب.
وتمثيل ضلالهم في الدنيا.
ومقابلة حالهم بحال المؤمنين أهلِ الصلاة، والزكاة، والتصديق بيوم الجزاء». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (29 /293).