تفسير سورة المدّثر

أسباب نزول القرآن - الواحدي

تفسير سورة سورة المدثر من كتاب أسباب نزول القرآن - الواحدي
لمؤلفه .

قوله تعالى: ﴿يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ﴾ [١].
أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن إبراهيم المقرىء، أخبرنا عبد الملك بن الوليد، قال: أخبرني أبي، حدَّثنا الأوْزَاعي، حدَّثنا يحيى بن أبي كثِير، قال: سمعت أبا سَلمةَ، عن جابر، قال:
حدَّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "جَاوَرْتُ بحِرَاء شهراً، فلما قضَيتُ جِوارِي نزلتُ فاسْتَبْطَنْتُ بَطْنَ الوادي، فنُودِيتُ فنظرتُ أمَامي وخَلْفي وعن يميني وعن شمالي، فلم أر أحداً. ثم نُوديتُ فرفعتُ رأسي، فإذا هو على العرش في الهواء - يعني جبريلَ عليه السلام - فقلت: دَثِّرُوني دَثِّروني، فصَبُّوا عليَّ ماء، فأنزل الله عز وجل: ﴿يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾.
رواه [مسلم عن] زُهير بن حرب، عن الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي.
قوله تعالى: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً...﴾ [١١-٢٤].
أخبرنا أبو القاسم الحذامي، حدَّثنا محمد بن عبد الله بن نُعيم، أخبرنا محمد بن علي الصَّغَاني، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم الدِّبَرِيَّ، حدَّثنا عبد الرزاق، عن مَعْمَرٍ، عن أيوبَ السِّختِياني، عن عِكْرِمَةَ، عن ابن عباس:
أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه القرآن، وكأنه رَقَّ له، فبلغ ذلك أبا جهل، فقال له: يا عم إن قومك يُريدون أن يجمعوا لك مالاً. لِيُعْطُوكَهُ، فإنك أتيتَ محمداً تتعرضُ لِمَا قِبَلَه. فقال: قد علمتْ قريشٌ أني مِنْ أكثرها مالاً. قال: فقل فيه قولاً يُبلغُ قومَك أنك منكرٌ له وكاره. قال: وماذا أقول؟ فوالله ما فيكم رجلٌ أعلمُ بالأشعار مني، ولا أعلمُ بِرَجَزِها وبقَصِيدِها مني؛ والله ما يُشْبِهُ الذي يقول شيئاً من هذا، والله إن لِقولِه الذي يقولُ حلاوةً، وإن عليه لَطَلاَوة؛ وإنه لَمُثْمِرٌ أعلاه، مُغْدِق أسفلُه، وإنه لَيْعلُو وما يُعْلَى. قال: لا يرضَى عنك قومُك حتى تقولَ فيه. قال: فدَعْنِي حتى أفكرَ فيه، فقال: هَذَا سِحْرٌ يُؤثَرُ يأثُرُه عن غيره. فنزلت: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً﴾ الآيات كلها.
وقال مجاهد: إن الوليد بن المُغيرة كان يغَشَى النبيَّ صلى الله عليه وسلم أبا بكر حتى حسبتْ قريشٌ أنه يُسلم، فقال له أبو جهل، إن قريشاً تزعم أنك إنما تأتي محمداً وابنَ أبي قُحَافَةَ تُصِيبُ من طعامهما. فقال الوليد لقريشٍ: إنكم ذَوُو أحساب، وذوُو أحلام، وإنكم تزعمون أن محمداً مجنون، وهل رأيتموه [يُجَنُّ قط؟ قالوا: اللهم لا. قال: تزعمون أنه كاهن، وهل رأيتموه] يتكَهَّنُ قطُّ؟ قالوا: اللهم لا قال: تزعمون أنه شاعر، هل رأيتموه يَنطقُ بشعر قطُّ؟ قالوا: لا. قال: فتزعموا أنه كذاب، فهل جَرَّبتم عليه شيئاً من الكذب؟ قالوا: لا. قالت قريش للوليد: فما هو؟ [فتفكر في نفسه ثم نظر وعبس]، فقال: ما هو إلا ساحرٌ، وما يقولُه سحرٌ. فذلك قول: ﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ﴾ إلى قوله تعالى: ﴿إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ﴾.
سورة المدثر
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (المُدثِّر) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (المُزمِّل)، وقد جاء فيها أمرُ النبي صلى الله عليه وسلم بدعوة الخَلْقِ إلى الإيمان، وتقريرُ صعوبة يوم القيامة على أهل الكفر والعصيان، وتهديدُ الوليد بن المغيرة بنقضِ القرآن، وبيانُ عدد زبانية النِّيران، وأن كلَّ أحد رهنُ الإساءة والإحسان، ومَلامةُ الكفار على إعراضهم عن الإيمان، وذِكْرُ وعدِ الكريم بالرحمة والغفران.

ترتيبها المصحفي
74
نوعها
مكية
ألفاظها
256
ترتيب نزولها
4
العد المدني الأول
55
العد المدني الأخير
55
العد البصري
56
العد الكوفي
56
العد الشامي
55

قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلْمُدَّثِّرُ ١ قُمْ فَأَنذِرْ ٢ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 1-3]:

عن جابرِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنهما، قال: «قال ﷺ: جاوَرْتُ بحِرَاءٍ، فلمَّا قضَيْتُ جِواري، هبَطْتُ، فنُودِيتُ، فنظَرْتُ عن يميني فلَمْ أرَ شيئًا، ونظَرْتُ عن شِمالي فلَمْ أرَ شيئًا، ونظَرْتُ أمامي فلَمْ أرَ شيئًا، ونظَرْتُ خَلْفي فلَمْ أرَ شيئًا، فرفَعْتُ رأسي فرأَيْتُ شيئًا، فأتَيْتُ خديجةَ، فقلتُ: دَثِّرُوني، وصُبُّوا عليَّ ماءً باردًا، قال: فدثَّرُوني، وصَبُّوا عليَّ ماءً باردًا، قال: فنزَلتْ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلْمُدَّثِّرُ ١ قُمْ فَأَنذِرْ ٢ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 1-3]». أخرجه البخاري (٤٩٢٢).

* قوله تعالى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدٗا} [المدثر: 11]:

عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما: «أنَّ الوليدَ بنَ المُغيرةِ جاء إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقرَأَ عليه القرآنَ، فكأنَّه رَقَّ له، فبلَغَ ذلك أبا جهلٍ، فأتاه فقال: يا عَمِّ، إنَّ قومَك يرَوْنَ أن يَجمَعوا لك مالًا، قال: لِمَ؟ قال: ليُعطُوكَه؛ فإنَّك أتَيْتَ مُحمَّدًا لِتَعرَّضَ لِما قِبَلَه، قال: قد عَلِمتْ قُرَيشٌ أنِّي مِن أكثَرِها مالًا! قال: فقُلْ فيه قولًا يبلُغُ قومَك أنَّك مُنكِرٌ له، أو أنَّك كارهٌ له، قال: وماذا أقول؟! فواللهِ، ما فيكم رجُلٌ أعلَمُ بالأشعارِ منِّي، ولا أعلَمُ برَجَزِه ولا بقَصِيدِه منِّي، ولا بأشعارِ الجِنِّ، واللهِ، ما يُشبِهُ الذي يقولُ شيئًا مِن هذا، وواللهِ، إنَّ لِقولِه الذي يقولُ حلاوةً، وإنَّ عليه لَطلاوةً، وإنَّه لَمُثمِرٌ أعلاه، مُغدِقٌ أسفَلُه، وإنَّه لَيعلو، وما يُعلَى، وإنَّه لَيَحطِمُ ما تحته، قال: لا يَرضَى عنك قومُك حتى تقولَ فيه، قال: فدَعْني حتى أُفكِّرَ، فلمَّا فكَّرَ، قال: هذا سِحْرٌ يُؤثَرُ، يأثُرُه مِن غيرِه؛ فنزَلتْ: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدٗا} [المدثر: 11]». أخرجه الحاكم (3872).

* سورة (المُدثِّر):

سُمِّيت سورة (المُدثِّر) بهذا الاسم؛ لوصفِ الله نبيَّه بهذا اللفظ في أوَّل السورة.

و(المُدثِّر): هو لابِسُ الدِّثار، وفي ذلك إشارةٌ إلى حديثِ جابرِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنهما، قال: «قال ﷺ: جاوَرْتُ بحِرَاءٍ، فلمَّا قضَيْتُ جِواري، هبَطْتُ، فنُودِيتُ، فنظَرْتُ عن يميني فلَمْ أرَ شيئًا، ونظَرْتُ عن شِمالي فلَمْ أرَ شيئًا، ونظَرْتُ أمامي فلَمْ أرَ شيئًا، ونظَرْتُ خَلْفي فلَمْ أرَ شيئًا، فرفَعْتُ رأسي فرأَيْتُ شيئًا، فأتَيْتُ خديجةَ، فقلتُ: دَثِّرُوني، وصُبُّوا عليَّ ماءً باردًا، قال: فدثَّروني، وصَبُّوا عليَّ ماءً باردًا، قال: فنزَلتْ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلْمُدَّثِّرُ ١ قُمْ فَأَنذِرْ ٢ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 1-3]». أخرجه البخاري (٤٩٢٢).

1. إرشاد النبيِّ صلى الله عليه وسلم في بَدْءِ الدعوة (١-١٠).

2. تهديد زعماءِ الكفر (١١-٣٠).

3. الحِكْمة في اختيار عدد خَزَنة جهنَّم (٣١-٣٧).

4. الحوار بين أصحاب اليمين وبين المجرِمين (٣٨-٥٦).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /454).

يقول ابن عاشور عما جاء فيها من مقاصدَ:

«تكريمُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، والأمر بإبلاغ دعوة الرسالة.
وإعلان وَحْدانية الله بالإلهية.
والأمر بالتطهُّر الحِسِّي والمعنوي.
ونبذ الأصنام.
والإكثار من الصدقات.
والأمر بالصبر.
وإنذار المشركين بهول البعث.
وتهديد مَن تصدى للطعن في القرآن، وزعم أنه قولُ البشر.
ووصف أهوال جهنَّم.
والرد على المشركين الذين استخَفُّوا بها، وزعموا قلةَ عدد حفَظتِها.
وتَحدِّي أهل الكتاب بأنهم جهلوا عددَ حفَظتِها.
وتأييسهم من التخلص من العذاب.
وتمثيل ضلالهم في الدنيا.
ومقابلة حالهم بحال المؤمنين أهلِ الصلاة، والزكاة، والتصديق بيوم الجزاء». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (29 /293).