تفسير سورة المدّثر

جهود ابن عبد البر في التفسير

تفسير سورة سورة المدثر من كتاب جهود ابن عبد البر في التفسير
لمؤلفه ابن عبد البر . المتوفي سنة 463 هـ

٥١٤- أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المومن، قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن بكر بن محمد بن عبد الرزاق التمار، قال : حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني، قال : حدثنا محمد بن خالد الدمشقي، قال : حدثنا عمر بن عبد الواحد عن الأوزاعي، قال : حدثنا يحيى بن أبي كثير، قال : سألت أبا سلمة ابن عبد الرحمان : أي القرآن أنزل أول ؟ فقال : سألت جابر بن عبد الله، أي القرآن أنزل قبل :﴿ يا أيها المدثر ﴾ أو ﴿ اقرأ باسم ربك الذي خلق ﴾ ؟ فقال جابر : ألا أحدثكم بما حدثني به رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- :( إني جاورت بحراء شهرا، فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت بطن الوادي، فنوديت فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وشمالي فلم أر شيئا، ثم نظرت إلى السماء، فإذا هو على العرش في الهواء، فأخذتني رجفة، فأتيت خديجة فأمرتهم فدثروني١، ثم صبوا علي الماء، فأنزل الله- عز وجل- :﴿ يا أيها المدثر قم فأندر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجس فاهجر ﴾٢. ( الدرر في اختصار المغازي والسير : ٣٠-٣١ )
١ قال ابن منظور: تدثر بالثوب: اشتمل به داخلا فيه... وفي الحديث: كان إذا نزل عليه الوحي يقول: دثروني دثروني، أي غطوني بما أدفأ به. اللسان مادة "دثر": ٤/٢٧٦..
٢ أخرجه الإمام مسلم في الإيمان، باب بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: ١/١٤٤-١٤٥..
٥١٥- حدثنا عبد الوارث، حدثنا أحمد بن دحيم، حدثنا إبراهيم١، حدثنا إسماعيل، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن عبد الله ومحمود بن خداش، قالوا : حدثنا جرير بن عبد الحميد، عن منصور، عن أبي رزين في قوله :﴿ وثيابك فطهر ﴾، قال : عملك أصلحه، قال : كان الرجل إذا كان حسن العمل، قيل : فلان طاهر الثياب. ( ت : ٢٢/٢٣٥ )
٥١٦- روي في قول الله تبارك وتعالى :﴿ وثيابك فطهر ﴾، قالوا : وخلقك فحسن. ( بهجة المجالس : ٢/٥٩٧ )
١ هناك إبراهيم بن محمد بن عرفة المعروف بنفطويه. وإبراهيم بن حماد بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد بن زيد بن درهم. أبو إسحاق الأزدي. وكلاهما روى عن إسماعيل بن إسحاق، وقد ولدا في سنة واحدة ٢٤٠ه، وتوفيا في سنة واحدة وهي سنة ٣٢٣هـ. ولعل المقصود هو الثاني؛ لأنه ابن أخي إسماعيل بن إسحاق. انظر المنتظم: ٦/١٧٧-٢٧٨. وطبقات المفسرين للداودي: ١/١٠٧..
٥١٧- قد يكون الرجس والرجز سواء، والرجز : النجاسة، والرجز عبادة الأوثان، دليل ذلك قوله عز وجل ﴿ والرجز فاهجر ﴾. ( ت : ١٢/٢٥٨ )
٥١٨- روينا عن علي بن أبي طالب- ولا مخالف له في ذلك من الصحابة- أنه قال في قول الله- عز وجل- :﴿ كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين ﴾، قال : هم أطفال المسلمين. حدثنا خلف ابن أحمد، قال : حدثنا أحمد بن سعيد وأحمد بن مطرف، قالا : حدثنا سعيد بن عثمان الأعناقي، قال : حدثنا إسحاق بن إسماعيل الأيلي، قال حدثنا المؤمل بن إسماعيل، عن سفيان، عن الأعمش، عن عثمان بن موهب، عن زاذان١، عن علي في قوله :﴿ كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين ﴾، قال : أصحاب اليمين : أطفال المسلمين، ورواه وكيع عن سفيان بإسناده مثله بمعناه٢. ( ت : ٦/٣٥١-٣٥٢. وانظر س : ٨/٣٢٦ و ٣٩٦ )
١ هو أبو عمر الكندي، مولاهم، الكوفي البزاز الضرير أحد العلماء الكبار، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم- وشهد خطبة عمر بالجابية، روى عن علي وعبد الله وسليمان والبراء بن عازب، وعبد الله بن عمر... وحدث عنه أبو صالح السمان، وعمرو بن مرة، وعطاء بن السائب وآخرون، توفي بالكوفة أيام الحجاج بن يوسف سنة ٨٢هـ انظر طبقات ابن سعد: ٦/١٧٨-١٧٩. وسير أعلام النبلاء: ٤/٢٨٠-٢٨١..
٢ أورد في الدر المنثور: ٨/٣٣٦..
سورة المدثر
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (المُدثِّر) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (المُزمِّل)، وقد جاء فيها أمرُ النبي صلى الله عليه وسلم بدعوة الخَلْقِ إلى الإيمان، وتقريرُ صعوبة يوم القيامة على أهل الكفر والعصيان، وتهديدُ الوليد بن المغيرة بنقضِ القرآن، وبيانُ عدد زبانية النِّيران، وأن كلَّ أحد رهنُ الإساءة والإحسان، ومَلامةُ الكفار على إعراضهم عن الإيمان، وذِكْرُ وعدِ الكريم بالرحمة والغفران.

ترتيبها المصحفي
74
نوعها
مكية
ألفاظها
256
ترتيب نزولها
4
العد المدني الأول
55
العد المدني الأخير
55
العد البصري
56
العد الكوفي
56
العد الشامي
55

قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلْمُدَّثِّرُ ١ قُمْ فَأَنذِرْ ٢ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 1-3]:

عن جابرِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنهما، قال: «قال ﷺ: جاوَرْتُ بحِرَاءٍ، فلمَّا قضَيْتُ جِواري، هبَطْتُ، فنُودِيتُ، فنظَرْتُ عن يميني فلَمْ أرَ شيئًا، ونظَرْتُ عن شِمالي فلَمْ أرَ شيئًا، ونظَرْتُ أمامي فلَمْ أرَ شيئًا، ونظَرْتُ خَلْفي فلَمْ أرَ شيئًا، فرفَعْتُ رأسي فرأَيْتُ شيئًا، فأتَيْتُ خديجةَ، فقلتُ: دَثِّرُوني، وصُبُّوا عليَّ ماءً باردًا، قال: فدثَّرُوني، وصَبُّوا عليَّ ماءً باردًا، قال: فنزَلتْ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلْمُدَّثِّرُ ١ قُمْ فَأَنذِرْ ٢ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 1-3]». أخرجه البخاري (٤٩٢٢).

* قوله تعالى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدٗا} [المدثر: 11]:

عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما: «أنَّ الوليدَ بنَ المُغيرةِ جاء إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقرَأَ عليه القرآنَ، فكأنَّه رَقَّ له، فبلَغَ ذلك أبا جهلٍ، فأتاه فقال: يا عَمِّ، إنَّ قومَك يرَوْنَ أن يَجمَعوا لك مالًا، قال: لِمَ؟ قال: ليُعطُوكَه؛ فإنَّك أتَيْتَ مُحمَّدًا لِتَعرَّضَ لِما قِبَلَه، قال: قد عَلِمتْ قُرَيشٌ أنِّي مِن أكثَرِها مالًا! قال: فقُلْ فيه قولًا يبلُغُ قومَك أنَّك مُنكِرٌ له، أو أنَّك كارهٌ له، قال: وماذا أقول؟! فواللهِ، ما فيكم رجُلٌ أعلَمُ بالأشعارِ منِّي، ولا أعلَمُ برَجَزِه ولا بقَصِيدِه منِّي، ولا بأشعارِ الجِنِّ، واللهِ، ما يُشبِهُ الذي يقولُ شيئًا مِن هذا، وواللهِ، إنَّ لِقولِه الذي يقولُ حلاوةً، وإنَّ عليه لَطلاوةً، وإنَّه لَمُثمِرٌ أعلاه، مُغدِقٌ أسفَلُه، وإنَّه لَيعلو، وما يُعلَى، وإنَّه لَيَحطِمُ ما تحته، قال: لا يَرضَى عنك قومُك حتى تقولَ فيه، قال: فدَعْني حتى أُفكِّرَ، فلمَّا فكَّرَ، قال: هذا سِحْرٌ يُؤثَرُ، يأثُرُه مِن غيرِه؛ فنزَلتْ: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدٗا} [المدثر: 11]». أخرجه الحاكم (3872).

* سورة (المُدثِّر):

سُمِّيت سورة (المُدثِّر) بهذا الاسم؛ لوصفِ الله نبيَّه بهذا اللفظ في أوَّل السورة.

و(المُدثِّر): هو لابِسُ الدِّثار، وفي ذلك إشارةٌ إلى حديثِ جابرِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنهما، قال: «قال ﷺ: جاوَرْتُ بحِرَاءٍ، فلمَّا قضَيْتُ جِواري، هبَطْتُ، فنُودِيتُ، فنظَرْتُ عن يميني فلَمْ أرَ شيئًا، ونظَرْتُ عن شِمالي فلَمْ أرَ شيئًا، ونظَرْتُ أمامي فلَمْ أرَ شيئًا، ونظَرْتُ خَلْفي فلَمْ أرَ شيئًا، فرفَعْتُ رأسي فرأَيْتُ شيئًا، فأتَيْتُ خديجةَ، فقلتُ: دَثِّرُوني، وصُبُّوا عليَّ ماءً باردًا، قال: فدثَّروني، وصَبُّوا عليَّ ماءً باردًا، قال: فنزَلتْ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلْمُدَّثِّرُ ١ قُمْ فَأَنذِرْ ٢ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 1-3]». أخرجه البخاري (٤٩٢٢).

1. إرشاد النبيِّ صلى الله عليه وسلم في بَدْءِ الدعوة (١-١٠).

2. تهديد زعماءِ الكفر (١١-٣٠).

3. الحِكْمة في اختيار عدد خَزَنة جهنَّم (٣١-٣٧).

4. الحوار بين أصحاب اليمين وبين المجرِمين (٣٨-٥٦).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /454).

يقول ابن عاشور عما جاء فيها من مقاصدَ:

«تكريمُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، والأمر بإبلاغ دعوة الرسالة.
وإعلان وَحْدانية الله بالإلهية.
والأمر بالتطهُّر الحِسِّي والمعنوي.
ونبذ الأصنام.
والإكثار من الصدقات.
والأمر بالصبر.
وإنذار المشركين بهول البعث.
وتهديد مَن تصدى للطعن في القرآن، وزعم أنه قولُ البشر.
ووصف أهوال جهنَّم.
والرد على المشركين الذين استخَفُّوا بها، وزعموا قلةَ عدد حفَظتِها.
وتَحدِّي أهل الكتاب بأنهم جهلوا عددَ حفَظتِها.
وتأييسهم من التخلص من العذاب.
وتمثيل ضلالهم في الدنيا.
ومقابلة حالهم بحال المؤمنين أهلِ الصلاة، والزكاة، والتصديق بيوم الجزاء». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (29 /293).