تفسير سورة النبأ

معاني القرآن

تفسير سورة سورة النبأ من كتاب معاني القرآن
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم.
قوله عز وجل :﴿ عَمَّ يَتَسَاءلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ ﴾.
يقال : عن أي شيء يتساءلون ؟ يعني : قريشا، ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : يتساءلون عن النبأ العظيم، يعني : القرآن. ويقال : عم يتحدث به قريش في القرآن. ثم أجابَ، فصارت : عم يتساءلون، كأنها [ في معنى ] : لأي شيء يتساءلون عن القرآن.
ثم إنه أخبر فقال :﴿ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ ﴾ بين مصدّق ومكذّب، فذلك اختلافهم.
واجتمعت القراء على الياء في قوله :﴿ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ ﴾. وقرأ الحسن وحده :«كلا ستعلمون » وهو صواب. وهو مثل قوله وإن لم يكن قبله قول :﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ ﴾ وسَيُغْلَبُون.
وقوله :﴿ ثَجَّاجاً ﴾ كالعَزَالِي.
وقوله عز وجل :﴿ وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً ﴾.
مثل :﴿ إِذَا السَّماء انْشَقَّتْ ﴾ ﴿ وإذا السماء فُرِجَتْ ﴾ معناه واحد، والله أعلم. بذلك جاء التفسير.
[ ١٢٣/ا ] وقوله عز وجل :﴿ لاَّبِثِينَ فِيها أَحْقَاباً ﴾.
حُدِّثت عن الأعمش أنه قال : بلغنا عن علقمة أنه قرأ «لَبِثين » وهي قراءة أصحاب عبد الله. والناس بعد يقرءون :( لابثين )، وهو أجود الوجهين ؛ لأن ( لابثين ) إذا كانت في موضع تقع فتنصب كانت بالألف، مثل : الطامع، والباخل عن قليل. واللّبِثُ : البطيء، وهو جائز، كما يقال : رجل طمِعٌ وطامع. ولو قلت : هذا طمِعٌ فيما قبلك كان جائزاً، وقال لبيد :
أوْ مِسْحَلٌ عَملٌ عضادةَ سَمْحَجٍ *** بسَرَاتِها نَدَبٌ له وكُلومُ
فأوقع عمل على العضادة، ولو كانت عاملا كان أبين في العربية، وكذلك إذا قلت للرجل : ضرّابٌ، وضروبٌ فلا توقعنهما على شيء لأنهما مدح، فإذا احتاج الشاعر إلى إيقاعهما فَعَل، أنشدني بعضهم :
وبالفأسِ ضرَّابٌ رءوس الكرانفِ ***...
واحدها : كِرنافة، وهي أصول السقف. ويقال : الحُقْبُ ثمانون سنة، والسنة ثلاثمائة وستون يوما، اليوم منها ألف سنة من عدد أهل الدنيا.
وقوله عز وجل :﴿ لاَّ يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلاَ شَرَاباً ﴾.
[ حدثنا أبو العباس قال ] : حدثنا محمد قال : حدثنا الفراء قال : حدثني حِبَّان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : لا يذوقون فيها برد الشراب ولا الشراب، وقال بعضهم : لا يذوقون فيها برداً، يريد : نوما، قال الفراء : وإن النوم ليبردُ صاحبه. وإن العطشانَ لينامَ ؛ فيبرد بالنوم.
وقوله عز وجل :﴿ جَزَاءً وِفَاقاً ﴾.
وفقا لأعمالهم.
وقوله عز وجل :﴿ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنا كِذَّاباً ﴾.
خففها على بن أبي طالب رحمه الله :«كِذَابا »، وثقلها عاصم والأعمش وأهل المدينة والحسن البصري.
وهي لغة يمانية فصيحة يقولون : كذبت به كِذَّابا، وخرّقت القميص خِرّاقا، وكل فعّلت فمصدره فِعّال في لغتهم مشدد، قال لي أعرابي منهم [ ١٢٣/ب ] : على المروة : آلحلقُ أحب إليك أم القِصَّار ؟ يستفتيني.
وأنشدني بعض بني كلاب :
لقدْ طالَ ما ثَبَّطْتَنِي عنْ صَحابتيِ وعن حِوَجٍ قِضَّاؤها من شِفائيا
وكان الكسائي يخفف :﴿ لا يَسْمَعون فِيها لغْوا ولا كِذَاباً ﴾ ؛ لأنها ليست بمقيدة بفعل يصيرها مصدرا. ويشدّد :﴿ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنا كِذَّاباً ﴾ ؛ لأن كذبوا يقيّد الكذِابَ بالمصدر، والذي قال حَسَن. ومعناه : لا يسمعون فيها لغوا. يقول : باطلاً، ولا كذابا لا يكذب بعضهم بعضا.
وقوله عز وجل :﴿ رَّبِّ السَّماوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾.
يخفض في لفظ الإعراب، ويرفع، وكذلك :﴿ الرَّحْمنِ لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً ﴾ يرفع «الرحمنُ » ويخفض في الإعراب. والرفع فيه أكثر. قال والفراء يخفض :( ربِّ )، ويرفع «الرحمنُ ».
سورة النبأ
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (النَّبأ) من السُّوَر المكية، وقد جاءت بإثباتِ وقوع يوم القيامة، ودلَّلتْ على صدقِ ذلك بالآيات الكونية التي تملأ هذا الكونَ؛ فالله الذي خلَق هذا الكون بآياته العظام وسيَّره بأبدَعِ نظام قادرٌ على بعثِ الناس، ومجازاتهم على أعمالهم؛ فللعاصين النارُ جزاءً وِفاقًا، وللمتقين الجنةُ جزاءً من ربك عطاءً حسابًا، وسورة (النبأ) من السُّوَر التي شيَّبتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم؛ لما ذكَرتْ من مشاهدِ يوم القيامة.

ترتيبها المصحفي
78
نوعها
مكية
ألفاظها
174
ترتيب نزولها
80
العد المدني الأول
40
العد المدني الأخير
40
العد البصري
41
العد الكوفي
40
العد الشامي
40

* سورة (النَّبأ):

سُمِّيت سورة (النَّبأ) بهذا الاسم؛ لوقوع لفظ (النَّبأ) في فاتحتها؛ وهو: خبَرُ الساعة والبعث الذي يسأل الناسُ عن وقوعه.

* وتُسمَّى كذلك بسورة (عمَّ)، أو (عمَّ يتساءلون)، أو (التساؤل)؛ لافتتاحِها بها.

سورة (النَّبأ) من السُّوَر التي شيَّبتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم:

عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «قال أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه لرسولِ اللهِ: يا رسولَ اللهِ، أراكَ قد شِبْتَ! قال: «شيَّبتْني هُودٌ، والواقعةُ، والمُرسَلاتُ، و{عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ}، و{إِذَا اْلشَّمْسُ كُوِّرَتْ}». أخرجه الحاكم (3314).

1. تساؤل المشركين عن النبأ (١-٥).

2. الآيات الكونية (٦-١٦).

3. أحداث يوم القيامة (١٧-٣٠).

4. جزاء المتقين (٣١-٤٠).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /4).

يقول البقاعي: «مقصودها: الدلالةُ على أن يوم القيامة الذي كانوا مُجمِعين على نفيه، وصاروا بعد بعثِ النبي صلى الله عليه وسلم في خلافٍ فيه مع المؤمنين: ثابتٌ ثباتًا لا يحتمل شكًّا ولا خلافًا بوجه؛ لأن خالقَ الخَلْقِ - مع أنه حكيمٌ قادر على ما يريد - دبَّرهم أحسنَ تدبير، وبنى لهم مسكنًا وأتقَنه، وجعلهم على وجهٍ يَبقَى به نوعُهم من أنفسهم، بحيث لا يحتاجون إلى أمرٍ خارج يرونه، فكان ذلك أشَدَّ لأُلفتهم، وأعظَم لأُنْسِ بعضهم ببعض، وجعَل سَقْفَهم وفراشهم كافلَينِ لمنافعهم، والحكيم لا يترك عبيدَه - وهو تامُّ القدرة، كامل السلطان - يَمرَحون، يَبغِي بعضهم على بعض، ويأكلون خيرَه ويعبدون غيرَه، فكيف إذا كان حاكمًا؟! فكيف إذا كان أحكَمَ الحاكمين؟!
هذا ما لا يجوز في عقلٍ، ولا يخطر ببالٍ أصلًا؛ فالعلم واقع به قطعًا.
وكلٌّ من أسمائها واضحٌ في ذلك؛ بتأمُّل آيته، ومبدأ ذكرِه وغايته». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /151).