تفسير سورة النبأ

حومد

تفسير سورة سورة النبأ من كتاب أيسر التفاسير المعروف بـحومد.
لمؤلفه أسعد محمود حومد .

﴿النبإ﴾
(٢) - إِنَّهُمْ يَسْأَلُونَ عَنِ الخَبَرِ العَظِيمِ الهَائِلِ خَبَرِ البَعْثِ الذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ؟
(٣) - الذِي اخْتَلَفُوا فِي أَمْرِهِ، فَمِنْ قَائِلٍ إِنَّهُ مُسْتَحِيلُ الوُقُوعِ، وَمِنْ شَاكٍّ فِي أَمْرِهِ.
(٤) - يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى: أَنَّ الأَمْرَ لَيْسَ كَمَا زَعَمَ هَؤُلاَءِ المُشْرِكُونَ مِنْ أَنَّهُ لاَ بَعْثَ بَعْدَ المَوْتِ، وَلاَ نُشُورَ (كَلاَّ) فَهُنَاكَ بَعْثٌ، وَهُنَاكَ حِسَابٌ.
وَيَتَهَدَّدُ اللهُ تَعَالَى المُنْكِرِينَ المُكَذِّبِينَ بِأَنَّهُمْ سَيَعْلَمُونَ حَقِيقَةَ مَا كَانُوا يُنْكِرُونَ، حِينَما يُعَاينُونَهُ بِأَنْفُسِهِمْ، وَحِينَ يُسْأَلُ كُلُّ إِنْسَانٍ عَمَّا اكْتَسَبَ مِنْ عَمَلٍ فِي الحِيَاةِ الدُّنْيَا.
كَلاَّ - رَدْعٌ وَزَجْرٌ عَنِ الاخْتِلاَفِ فِيهِ.
(٥) - ثُمَّ كَرَّرَ اللهُ تَعَالَى تَهْدِيدَهُ لِهَؤُلاَءِ المُكَذِّبِينَ بِأَنَّهُمْ سَيَعْلَمُونَ بِدُونِ شَكٍّ حَقِيقَةَ مَا كَانُوا يُنْكِرُونَ، عِنْدَمَا يَحِلُّ بِهِم النَّكَالُ يَوْمَ القِيَامَةِ.
﴿مِهَاداً﴾
(٦) - يَقُولُ تَعَالَى: كَيْفَ يُنْكِرُ هَؤُلاَءِ حُدُوثَ البَعْثِ، وَيَشُكُّونَ فِيهِ، وَهُمْ يعَايِنُونَ مَا يَدُّلُّ عَلَى قُدْرَةِ اللهِ تَعَالَى، وَعَلَى إِحَاطَةِ عِلْمِهِ، وَبَاهِرِ حِكْمَتِهِ، فَلْيَنْظُرُوا إِلَى الأَرْضِ كَيْفَ جَعَلَهَا اللهُ مُمَهَّدَةً مُوَطَّأةً لِلنَّاسِ يُقِيمُونَ عَلَيْهَا، وَيَنْتَفِعُونَ بِخَيْرَاتِهَا؟
مِهَاداً - فِرَاشاً مُوَطَّأً لِلاسْتِقْرَارِ عَلَيْهَا.
(٧) - وَكَيْفَ جَعَلَ اللهُ الجِبَالَ كَالأَوْتَادِ أَرْسَى بِهَا الأَرْضِ وَثَبَّتَهَا، لِكَيْلاَ تَضْطَرِبَ وَتَمِيدَ بِالنَّاسِ وَالخَلاَئِقِ عَلَيْهَا؟
الوَتِدُ - قِطْعَةٌ مِنَ الخَشَبِ عَلَى شَكْلِ مِسْمَارٍ يُدَقُّ فِي الأَرْضِ لِتُشَدَّ إِلَيْهِ الخَيْمَةُ.
﴿خَلَقْنَاكُمْ﴾ ﴿أَزْوَاجاً﴾
(٨) - وَخَلَقَ اللهُ البَشَرَ ذَكَراً وَأُنْثَى لِيَأْنَسَ أَحَدُهُمَا بِالآخَرِ، وَلِيَتِمَّ بَيْنَهُمَا التَّعَاوُنُ عَلَى العَيْشِ وَحِفْظِ النَّسْلِ.
(٩) - وَجَعَلَ نَوْمَكُمْ فِي اللَّيْلِ قَاطِعاً لِلْحَرَكَةِ، لِتَرْتَاحَ الأَبْدَانُ مِمَّا تَكَابِدُهُ مِنْ عَنَاءِ النَّهَارِ فِي السَّعْيِ فِي أُمُورِ المَعَاشِ، وَلَوْلاَ النَّوْمُ لَفَقَدَتِ الأَبْدَانُ نَشَاطَهَا، وَأُرْهِقَتْ، وَانْقَطَعَتْ عَنِ العَمَلِ.
السُّبَاتُ - قَطْعُ الحَرَكَةِ لِتَحْقِيقِ الرَّاحَةِ.
﴿الليل﴾
(١٠) - وَجَعَلَ اللهُ تَعَالَى اللَّيْلَ سَاتِراً لِلأَجْسَامِ عَنِ العُيُونِ بِظُلْمَتِهِ، وَمُغَطياً لَهَا، وَكَأَنَّهُ اللِّبَاسُ الذِي يُغَطِّي الجِسْمَ وَيَسْتُرُهُ.
(١١) - وَجَعَلَ اللهُ النَّهَارَ مُشْرِقاً بِالضِّيَاءِ لِيَتَمَكَّنَ النَّاسُ مِنَ التَّصُرُّفِ فِيهِ، وَالسَّعْيِ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ وَالمَعَاشِ.
(١٢) - وَخَلَقَ اللهُ فَوْقَ النَّاسِ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ قَوِيَّةِ الأَسْرِ، وَمحْكَمَةِ النَّسْجِ وَالوَضْعِ، وَلَيْسَ فِيهَا تَصَدُّعٌ وَلاَ فُطُورٌ.
(١٣) - وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً مُنِيراً مُتَلأَلِئاً بَالِغاً الغَايَةَ فِي الضِّيَاءِ وَالحَرَارَةِ، لِتَنْتَفِعَ بِهَا الكَائِنَاتُ الحَيَّةُ التِي تَعِيشُ عَلَى سَطْحِ الأَرْضِ.
﴿المعصرات﴾
(١٤) - وَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى مِنَ السَّحَابِ المُثَقَلِ بِالمَاءِ مَطَراً كَثِيرَ الانْصِبَابِ والسَّيَلاَنِ.
المُعْصِرَاتِ - السَّحَائِبِ المُثْقَلَةِ بِالمَاءِ.
مَاءً ثَجَّاجاً - مُنْصَبّاً بِكَثْرَةٍ مَعَ التَّتَابُعِ.
(١٥) - لِيُخْرِجَ اللهُ تَعَالَى بِهَذَا المَاءِ حَبّاً يَقْتَاتُ بِهِ النَّاسُ، وَيَدَّخِرُونَهُ، وَتَطْعَمُهُ أَنْعَامُهُمْ، وَنَبَاتاً خَضِراً يُؤْكَلُ رَطِباً، وَبِذَلِكَ يَتَبَدَّلُ جَدْبُ الأَرْضِ إِلَى خِصْبٍ.
﴿جَنَّاتٍ﴾
(١٦) - وَيَخْرُجُ بِهَذَا المَاءِ المُنْزَلِ مِنَ السَّمَاءِ بَسَاتِينُ وَحَدَائِقُ مُلْتَفَّةُ الأَشْجَارِ والأَغْصَانِ، تُخْرِجُ الثِّمَارَ وَالفَوَاكِهَ ذَاتَ الطُّعُومِ المُخْتَلِفَةٍ، وَالرَّوَائِحِ والأَلْوَانِ.
أَلْفَافاً - مُلْتَفَّةَ الأَشْجَارِ.
﴿مِيقَاتاً﴾
(١٧) - وَيَكُونُ يَوْمُ القِيَامَةِ، وَهُوَ يَوْمُ الفَصْلِ، مَوْعِداً مُقَدَّراً لِلْبَعْثِ، يَجْمَعُ اللهُ تَعَالَى فِيهِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ مِنَ الخَلاَئِقِ لِيَفْصِلَ بَيْنَهُمْ، وَيُحَاسِبَهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ، وَيَجْزِيَ كُلاً بِمَا يَسْتَحِقُّ.
(١٨) - وَفِي ذَلِكَ اليَوْمِ يَقُومُ المَلَكُ المُكَلَّفُ بِالصُّورِ (وَهُوَ قَرْنٌ إِذَا نُفِخَ فِيهِ أَحْدَثَ صَوْتاً) بِالنَّفْخِ فِيهِ بِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى، فَيَخْرُجُ النَّاسُ مِنْ قُبُورِهِمْ، وَيَأْتُونَ مُسْرِعِينَ إِلَى المَحْشَرِ جَمَاعَاتٍ جَمَاعَاتٍ، وَهُمْ يَتْبَعُونَ الدَّاعِي.
أَفْوَاجاً - جَمَاعاتٍ مُخْتَلِفَةَ الأَحْوَالِ.
﴿أَبْوَاباً﴾
(١٩) - وَتَنْشَقُّ السَّمَاءُ وَتَتَصَدَّعُ، وَيَذْهَبُ التَّمَاسُكُ القَوِيُّ، وَالتَنَّاسُقُ البَدِيعُ فِي نِظَامِ الكَوْنِ العُلْوِيِّ، فَتَبْدُو الصُّدُوعُ وَكَأَنَّهَا الأَبْوَابُ.
(وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ السَّمَاءَ تَنْشَقُّ وَتُصْبِحُ طُرُقاًٍ وَمَسَالِكَ لِنُزُولِ المَلاَئِكَةِ).
(٢٠) - وَيَذْهَبُ ثَبَاتُ الجِبَالِ، المَعْرُوفُ وَتَمَاسُكُهَا، وَتُصْبِحُ كَالسَّرَابِ الذِي يُرَى مِنْ بُعْدٍ فَيظنُّ شَيْئاً، فَإِذَا اقْتَرَبَ الإِنْسَانُ مِنْهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً، وَكَذَلِكَ حَالُ الجِبَالِ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ المَهُولِ، فَإِنَّ النَّاظِرَ إِلَيْهَا يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا شَيْءٌ، وَهِيَ لَيْسَتْ بِشَيءٍ، لِتَفَرُّقِ أَجْزَائِهَا، وَانْبِثَاثِ جَوَاهِرِهَا، ثمَّ تُنْسَفُ وَتَحْمِلُهَا الرِّيَاحُ، كَمَا جَاءَ فِي آيَةٍ أُخْرَى.
سَرَاباً - مَا يَرَاهُ الظَّمْآنُ فِي الصَّحْرَاءِ وَقْتَ القَيْظِ فَيَحْسَبُهُ مَاءً لَيْسَ بِشَيءٍ.
(٢١) - وَفِي ذَلِكَ اليَوْمِ العَظِيمِ تَكُونُ جَهَنَّمُ مُعَدَّةً وَمُرْصَدَةً لِلطَّاغِينَ، وَخَزَنَتُهَا يَتَرَقَّبُونَ مَنْ يَسْتَحِقُّهَا بِسُوءِ عَمَلِهِ فِي الدُّنْيَا.
مِرْصَاداً - مَوْضِعَ تَرَصُّدٍ لِلْكَافِرِينَ.
﴿لِّلطَّاغِينَ﴾ ﴿مَآباً﴾
(٢٢) - وَتَكُونُ النَّارُ مُعَدَّةً وَمُرْصَدَةً لِلطُّغَاةِ العَاتِينَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ، وَتَكُونُ مَرْجِعَهُمْ وَمَصِيرَهُمْ.
مَآباً - مَرْجِعاً وَمَأْوًى.
﴿لاَّبِثِينَ﴾
(٢٣) - وَسَيَمْكُثُونَ فِي النَّارِ دُهُوراً مُتَلاَحِقَةً، يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضاً.
الأَحْقَابُ - جَمْعُ حُقْبَةٍ - المُدَّةُ مِنَ الزَّمَانِ.
(٢٤) - وَلاَ يَذُوِقُ المُجْرِمُونَ فِي جَهَنَّمَ بَرْداً يُبَرِّدُ حَرَّ السَّعِيرِ، وَلاَ شَرَاباً يَرْويهِمْ مِنَ العَطَشِ.
(٢٥) - وَلاَ يَذُوقُونَ فِي النَّارِ إِلاَّ الحَمِيمَ (وَهُوَ المَاءُ المُتَناهِي فِي الحَرَارَةِ)، والغَسَّاقَ (وَهُوَ القَيْحُ والصَّدِيدُ المُنْتِنُ والعَرَقُ الذِي يَسِيلُ مِنْ أَجْسَادِ أَهْلِ النَّارِ).
(٢٦) - وَهَذَا الذِي صَارُوا إِلَيهِ مِنَ العُقُوبَةِ وَالعَذَابِ، هُوَ جَزَاءٌ مُوَافِقٌ لأَعْمَالِهِم المُنْكَرَةِ، التِي كَانُوا يَعْمَلُونَهَا فِي الدُّنْيَا، فَكَأَنَّمَا وَافَقَ العَذَابُ الذَّنْبَ.
وِفَاقاً - مُوَافِقاً لأَعْمَالِهِمْ.
(٢٧) - وَقَدِ ارْتَكَبُوا المُنْكَرَاتِ، وَكَفَرَوا وَأجْرَمُوا لأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ سَيَرْجِعُونَ إِلَى اللهِ، وَأَنَّهُ سَيُحَاسِبُهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ.
﴿بِآيَاتِنَا﴾
(٢٨) - وَكَانُوا يُكَذِّبُونَ تَكْذِيباً شَدِيداً بِجَمِيعِ البَرَاهِينِ، وَالآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُودِ اللهِ تَعَالَى، وَوَحْدَانِيَّتِهِ، وَعَلَى صِدْقِ النُّبُواتِ، وَعَلَى صِدْقِ مَا جَاءَ فِي القُرْآنِ المُنَزَّلِ مِنْ عِنْدِ اللهِ تَعَالَى.
﴿أَحْصَيْنَاهُ﴾ ﴿كِتَاباً﴾
(٢٩) - وَقَدْ أَحْصَى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ جَمِيعَ أَعْمَالِهِمْ، وَأَثْبَتَهَا المَلاَئِكَةُ المُطَهِّرُونَ الحَفَظَةُ فِي صَحَائِف أَعْمَالِ هَؤُلاَءِ كِتَابَةً، وَلِذَلِكَ فَإِنَّهُمْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَجْحَدُوا شَيْئاً مِمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ.
أَحْصِيْنَاهُ كِتَاباً - حَفِظْنَاهُ وَضَبَطْنَاهُ مَكْتُوباً.
(٣٠) - وَيُقَالُ لأَهْلِ النَّارِ ذُوقُوا مَا أَنْتُمْ فِيهِ مِنَ العَذَابِ الأَلِيمِ، فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً مِنْ جِنْسِهِ.
(٣١) - وَيُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى عَنِ السُّعَدَاءِ، وَمَا أَعَدَّ لَهُمْ مِنَ الكَرَامَةِ، وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ، فَيَقُولُ تَعَالَى: إِنَّ لِلْمُؤْمِنِينَ الذِينَ يَتَّقُونَ رَبَّهُمْ جَنَّاتٍ وَمُتَنَزَّهَاتٍ نَضِرَةً، وََفَوْزاً بِالنَّعِيمِ وَالثَّوَابِ، وَبِالنِّجَاةِ مِنَ العِقَابِ.
مَفَازَاً - فَوْزاً وَظَفَرَاً بِكُلِّ مَحْبُوبٍ.
﴿حَدَآئِقَ﴾ ﴿أَعْنَاباً﴾
(٣٢) - وَلَهُمْ بَسَاتِينُ مُسَوَّرَةٌ (حَدَائِقَ) فِيهَا أَشْجَارُ النَّخَيلِ وَالأَعْنَابِ، وَكُلِّ الثَّمَرَاتِ.
(٣٣) - وَلَهُمْ فِيهَا حُورٌ حِسَانٌ صِبَاحُ الوُجُوهِ، قَدْ تَكَعَّبَتْ أَثْدَاؤُهُنَّ وَلَمْ تَتَرَهَّلْ، (وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى صِغَرِ سِنِّهِنَّ)، وَهُنَّ أَبْكَارٌ مُتَمَاثِلاَتٌ فِي الأَعْمَارِ.
الكَوَاعِبُ - الفَتَيَاتُ الصَّغِيرَاتُ اللَّوَاتِي تَكَعَّبَتْ أَثْدَاؤُهُنَّ.
أَتْرَاباً - مُسْتَوِيَاتٍ فِي السِّنِّ.
(٣٤) - وَلَهُمْ كَأْسٌ مِنَ الخَمْرِ مَلأْى، تُدَارُ عَلَى شَارِبِيهَا وَقَدْ وَصَفَهَا تَعَالَى فِي آيَاتٍ أُخْرَى بِأَنَّهَا خَمْرٌ لاَ تَغْتَالُ العُقُولَ، فَهِيَ لَيْسَتْ كَخَمْرِ الدُّنْيَا.
دِهاقاً - مُتْرَعَةً مَلأْى.
﴿كِذَّاباً﴾
(٣٥) - وَلا يَجْرِي عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ حِينَ يَشْرَبُونَ الخَمْرَ لَغْوُ الكَلاَمِ، وَلاَ يُكَذِّبُ بَعْضَهُمْ بَعْضاً، كَمَا يَجْرِي بَيْنَ الشَّارِبِينَ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا.
لَغُواً - كَلاَماً لاَ خَيْرَ فِيهِ.
كِذَّاباً - تَكْذِيباً.
(٣٦) - وَهَذَا الذِي أَعْطَاهُمُ اللهُ، هُوَ جَزَاءٌ مِنْهُ لَهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِم الصَّالِحَةِ فِي الحِيَاةِ الدُّنْيَا، وَزَادَهُمْ عَلَيْهِ فَضْلاً مِنْهُ وَإِحْسَاناً، وَهُوَ عَطَاءٌ.
كَافٍ وَافٍ سَالِمُ كَثِيرٌ.
حِسَاباً - كَافِياً (وَمِنْهُ حَسْبِي اللهُ أَيِ اللهُ كَافِيَّ).
﴿السماوات﴾
(٣٧) - يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى عَنْ عَظَمَتِهِ وَجَلاَلِهِ، وََأَنَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَخَالِقُهُمَا وَمَالِكُهُمَا، وَالمُدَبِّرُ لِشُؤُونِهِمَا، لاَ يَمْلِكُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِمَا ابْتِداءً وَمُبَاشَرَةً مُخَاطَبَتَهُ تَعَالَى إٍلاَّ بِإِذْنِهِ.
﴿والملائكة﴾
(٣٨) - اخْتَلَفَ المُفَسِّرُونَ حَوْلَ المُرَادِ بِالرُّوحِ هُنَا:
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّهَا أَرْوَاحُ بَنِي آدَمَ.
وَقِيلَ أَيْضاً إِنَّهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.
وَقَيِلَ بَلْ هُوَ مَلكٌ عَظِيمٌ.
وَمَعْنَى الآيَةِ: إِنَّ المَلاَئِكَةَ عَلَى جَلاَلَةِ أَقْدَارِهِمْ وَرَفِيعِ دَرَجَاتِهِمْ، يَقُومُونَ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِمْ صَفّاً لاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَتَكَلَّمُوا فِي هَذَا اليَوْمِ، إِجْلاَلاً لِرَبِّهِم العَظِيمِ، وَوُقُوفاً عِنْدَ مَنَازِلِهِمْ، إِلاَّ إِذَا أَذِنَ لَهُمْ رَبُّهُمْ، وَقَالُوا قَوْلاً صِدْقاً صَوَاباً.
الرُّوحُ - جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.
﴿مَآباً﴾
(٣٩) - وَذَلِكَ اليَوْمُ آتٍ مُتَحَقِّقٌ لاَ رَيْبَ فِيهِ، وَلاَ مَفَرَّ مِنْهُ، وَهُوَ يَوْمٌ تُبْلَى فِيهِ السَّرَائِرُ وَتُخْتَبَرُ، وَتَتَكَشَّفُ فِيهِ الضَّمَائِرُ، فَمَنْ شَاءَ عَمِلَ صَالِحاً يُقَرِّبُهُ مِنْ رَبِّهِ، وَيُدْنِيهِ مِنْ كَرَامَتِهِ وَثَوَابِهِ، وَيُبْعِدُهُ مِنْ عِقَابِهِ.
مَآباً - مَرْجِعاً بِالإِيْمَانِ وَالطَّاعَةِ.
﴿أَنذَرْنَاكُمْ﴾ ﴿ياليتني﴾ ﴿تُرَاباً﴾
(٤٠) - إِنَّا نُحَذِّرُكُمْ عَذَابَ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَهُوَ آتٍ قَرِيبٌ - لأَنَّ كُلَّ آتٍ قَرِيبٌ - وَفِي ذَلِكَ اليَوْمِ يَنْظُرُ كُلُّ إِنْسَانٍ إِلَى أَعْمَالِهِ فِي الدُّنْيَا، وَيَرَاهَا جَمِيعاً، فَإِنْ كَانَ عَمَلُهُ خَيْراً سُرَّ بِهِ وَاسْتَبْشَرَ، وَإِنْ كَانَ سَيِّئاً نَدِمَ وَلاَتَ سَاعَةَ مَنْدَمٍ، وَيَتَمَنّى الكَافِرُ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ لَوْ أَنَّهُ كَانَ فِي الدُّنْيَا حَجَراً أَوْ تُرَاباً لاَ يُجْرَى عَلَيْهِ التَّكْلِيفُ بِعِبَادَةٍ، حَتَّى لاَ يُعَاقَبَ هَذَا العِقَابَ الأَلِيمَ فِي الآخِرَةِ.
سورة النبأ
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (النَّبأ) من السُّوَر المكية، وقد جاءت بإثباتِ وقوع يوم القيامة، ودلَّلتْ على صدقِ ذلك بالآيات الكونية التي تملأ هذا الكونَ؛ فالله الذي خلَق هذا الكون بآياته العظام وسيَّره بأبدَعِ نظام قادرٌ على بعثِ الناس، ومجازاتهم على أعمالهم؛ فللعاصين النارُ جزاءً وِفاقًا، وللمتقين الجنةُ جزاءً من ربك عطاءً حسابًا، وسورة (النبأ) من السُّوَر التي شيَّبتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم؛ لما ذكَرتْ من مشاهدِ يوم القيامة.

ترتيبها المصحفي
78
نوعها
مكية
ألفاظها
174
ترتيب نزولها
80
العد المدني الأول
40
العد المدني الأخير
40
العد البصري
41
العد الكوفي
40
العد الشامي
40

* سورة (النَّبأ):

سُمِّيت سورة (النَّبأ) بهذا الاسم؛ لوقوع لفظ (النَّبأ) في فاتحتها؛ وهو: خبَرُ الساعة والبعث الذي يسأل الناسُ عن وقوعه.

* وتُسمَّى كذلك بسورة (عمَّ)، أو (عمَّ يتساءلون)، أو (التساؤل)؛ لافتتاحِها بها.

سورة (النَّبأ) من السُّوَر التي شيَّبتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم:

عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «قال أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه لرسولِ اللهِ: يا رسولَ اللهِ، أراكَ قد شِبْتَ! قال: «شيَّبتْني هُودٌ، والواقعةُ، والمُرسَلاتُ، و{عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ}، و{إِذَا اْلشَّمْسُ كُوِّرَتْ}». أخرجه الحاكم (3314).

1. تساؤل المشركين عن النبأ (١-٥).

2. الآيات الكونية (٦-١٦).

3. أحداث يوم القيامة (١٧-٣٠).

4. جزاء المتقين (٣١-٤٠).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /4).

يقول البقاعي: «مقصودها: الدلالةُ على أن يوم القيامة الذي كانوا مُجمِعين على نفيه، وصاروا بعد بعثِ النبي صلى الله عليه وسلم في خلافٍ فيه مع المؤمنين: ثابتٌ ثباتًا لا يحتمل شكًّا ولا خلافًا بوجه؛ لأن خالقَ الخَلْقِ - مع أنه حكيمٌ قادر على ما يريد - دبَّرهم أحسنَ تدبير، وبنى لهم مسكنًا وأتقَنه، وجعلهم على وجهٍ يَبقَى به نوعُهم من أنفسهم، بحيث لا يحتاجون إلى أمرٍ خارج يرونه، فكان ذلك أشَدَّ لأُلفتهم، وأعظَم لأُنْسِ بعضهم ببعض، وجعَل سَقْفَهم وفراشهم كافلَينِ لمنافعهم، والحكيم لا يترك عبيدَه - وهو تامُّ القدرة، كامل السلطان - يَمرَحون، يَبغِي بعضهم على بعض، ويأكلون خيرَه ويعبدون غيرَه، فكيف إذا كان حاكمًا؟! فكيف إذا كان أحكَمَ الحاكمين؟!
هذا ما لا يجوز في عقلٍ، ولا يخطر ببالٍ أصلًا؛ فالعلم واقع به قطعًا.
وكلٌّ من أسمائها واضحٌ في ذلك؛ بتأمُّل آيته، ومبدأ ذكرِه وغايته». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /151).