تفسير سورة النبأ

تفسير ابن عباس

تفسير سورة سورة النبأ من كتاب تنوير المقباس من تفسير ابن عباس المعروف بـتفسير ابن عباس.
لمؤلفه الفيروزآبادي . المتوفي سنة 817 هـ

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى ﴿عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ﴾ يَقُول عماذا يتحدثون يَعْنِي قُريْشًا
﴿عَنِ النبإ الْعَظِيم﴾ عَن خبر الْقُرْآن الْعَظِيم الْكَرِيم الشريف
﴿الَّذِي هم فِيهِ مُخْتَلفُونَ﴾ مكذبون بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ومصدقون بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وَذَلِكَ إِذا نزل جِبْرِيل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بشىء من الْقُرْآن فقرأه عَلَيْهِ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيتحدثون فِيمَا بَينهم عَن ذَلِك فَمنهمْ من صدق بِهِ وَمِنْهُم من كذب بِهِ
﴿كَلاَّ﴾ وَهُوَ رد على المكذبين ﴿سَيَعْلَمُونَ﴾ سَوف يعلمُونَ عِنْد نزُول الْمَوْت مَاذَا يفعل بهم
﴿ثُمَّ كَلاَّ﴾ حَقًا ﴿سَيَعْلَمُونَ﴾ سَوف يعلمُونَ فِي الْقَبْر مَاذَا يفعل بهم وَهَذَا وَعِيد من الله للمكذبين بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن
ثمَّ ذكر منته عَلَيْهِم فَقَالَ ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْض مِهَاداً﴾ فراشا ومناماً
﴿وَالْجِبَال أَوْتَاداً﴾ لَهَا لكَي لَا تميد بهم
﴿وخلقناكم أَزْوَاجًا﴾ ذكرا وَأُنْثَى
﴿وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً﴾ استراحة لأبدانكم وَيُقَال حسنا جميلاً
﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْل لِبَاساً﴾ مسكنا وَيُقَال ملبساً
﴿وَجَعَلْنَا النَّهَار مَعَاشاً﴾ مطلباً
﴿وبنينا﴾ خلقنَا ﴿فَوْقكُم﴾ فَوق رءوسكم ﴿سَبْعاً﴾ سبع سموات ﴿شِدَاداً﴾ غلاظاً
﴿وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً﴾ شمساً مضيئة لبني آدم
﴿وَأَنزَلْنَا مِنَ المعصرات﴾ بالرياح من السَّحَاب
498
﴿مَآءً ثَجَّاجاً﴾ مَطَرا كثيرا مُتَتَابِعًا
499
﴿لِّنُخْرِجَ بِهِ﴾ لننبت بِهِ ﴿حَبّاً وَنَبَاتاً﴾ بالمطر الْحُبُوب كلهَا ونباتاً وَسَائِر النَّبَات
﴿وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً﴾ بساتين ملتفة وَيُقَال ألواناً
﴿إِنَّ يَوْم الْفَصْل كَانَ ميقاتا﴾ ميعادا للأولين والآخرين أَن يجتمعوا فِيهِ
﴿يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّور﴾ نفخة الْبَعْث ﴿فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً﴾ فوجاً فوجاً جمَاعَة جمَاعَة
﴿وَفُتِحَتِ السمآء﴾ أَبْوَاب السَّمَاء ﴿فَكَانَتْ أَبْوَاباً﴾ فَصَارَت طرقا
﴿وَسُيِّرَتِ الْجبَال﴾ عَن وَجه الأَرْض ﴿فَكَانَتْ سَرَاباً﴾ فَكَانَت كالسراب
﴿إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً﴾ محبساً أَو مسجناً
﴿لِّلطَّاغِينَ﴾ للْكَافِرِينَ ﴿مَآباً﴾ مرجعاً
﴿لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً﴾ مقيمين فِي جَهَنَّم أحقاباً حقباً بعد حقب والحقب الْوَاحِد ثَمَانُون سنة وَالسّنة ثلثمِائة وَسِتُّونَ يَوْمًا وَالْيَوْم الْوَاحِد ألف سنة مِمَّا تعد أهل الدُّنْيَا وَيُقَال لَا يعلم عدد تِلْكَ الأحقاب إِلَّا الله فَلَا يَنْقَطِع عَنْهُم
﴿لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا﴾ فِي النَّار ﴿بَرْداً﴾ مَاء بَارِدًا وَيُقَال نوماً ﴿وَلاَ شَرَاباً﴾ بَارِدًا
﴿إِلاَّ حَمِيماً﴾ مَاء حاراً قد انْتهى حره ﴿وَغَسَّاقاً﴾ زمهريراً وَيُقَال مَاء منتناً
﴿جَزَآءً وِفَاقاً﴾ مُوَافقَة أَعْمَالهم
﴿إِنَّهُمْ كَانُواْ﴾ فِي الدُّنْيَا ﴿لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً﴾ لَا يخَافُونَ عذَابا فِي الْآخِرَة وَلَا يُؤمنُونَ بِهِ
﴿وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا﴾ بكتابنا ورسولنا ﴿كِذَّاباً﴾ تَكْذِيبًا
﴿وَكُلَّ شَيْءٍ﴾ من أَعمال بني آدم ﴿أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً﴾ كتبناه فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ
﴿فَذُوقُواْ﴾ الْعَذَاب فِي النَّار ﴿فَلَن نَّزِيدَكُمْ﴾ فِي النَّار ﴿إِلاَّ عَذَاباً﴾ لوناً بعد لون
ثمَّ بيَّن كَرَامَة الْمُؤمنِينَ فَقَالَ ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ﴾ الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش ﴿مَفَازاً﴾ نجاة من النَّار وقربى إِلَى الله
﴿حَدَآئِقَ﴾ وَهِي مَا أحيط عَلَيْهَا من الشّجر وَالنَّخْل ﴿وَأَعْنَاباً﴾ كروماً
﴿وَكَوَاعِبَ﴾ جواري مفلكات الثديين ﴿أَتْرَاباً﴾ مستويات فِي السن والميلاد على ثَلَاث وَثَلَاثِينَ سنة
﴿وَكَأْساً دِهَاقاً﴾ ملأى متتابعة
﴿لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا﴾ أهل الْجنَّة فِي الْجنَّة ﴿لَغْواً﴾ حلفا وباطلاً ﴿وَلاَ كِذَّاباً﴾ لَا يكذب بَعضهم على بعض
﴿جَزَآءً﴾ ثَوابًا ﴿مِّن رَّبِّكَ عَطَآءً﴾ أَعْطَاهُم فِي الْجنَّة ﴿حِسَاباً﴾ بِوَاحِد عشرَة وَيُقَال مُوَافقَة أَعْمَالهم
﴿رَّبِّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ من الْخلق والعجائب ﴿الرَّحْمَن﴾ والرَّحْمَن ﴿لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ﴾ عِنْده يَعْنِي الْمَلَائِكَة وَغَيرهم ﴿خِطَاباً﴾ كلَاما فِي الشَّفَاعَة حَتَّى يَأْذَن الله لَهُم
﴿يَوْمَ يَقُومُ الرّوح﴾ يَعْنِي جِبْرِيل وَيُقَال هُوَ خلق لَا يعلم عَظمته إِلَّا الله وَقَالَ ابْن مَسْعُود الرّوح ملك أعظم من كل شَيْء غير الْعَرْش يسبح الله فِي كل يَوْم اثْنَي عشر ألف تَسْبِيحَة فيخلق الله من كل تَسْبِيحَة ملكا يسْتَغْفر للْمُؤْمِنين إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فَيَجِيء يَوْم الْقِيَامَة وَهُوَ صف وَاحِد وَيُقَال هم خلق من الْمَلَائِكَة لَهُم أرجل وأيد مثل بني آدم ﴿وَالْمَلَائِكَة﴾ وَيَوْم يقوم الْمَلَائِكَة ﴿صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ﴾ بالشفاعة يَعْنِي الْمَلَائِكَة ﴿إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَن﴾ فِي الشَّفَاعَة ﴿وَقَالَ صَوَاباً﴾ حَقًا لَا إِلَه إِلَّا الله
﴿ذَلِك الْيَوْم الْحق﴾ الْكَائِن يكون فِيهِ مَا وصفت ﴿فَمَن شَآءَ اتخذ إِلَى رَبِّهِ﴾ وَحده وَاتخذ بذلك التَّوْحِيد إِلَى ربه ﴿مَآباً﴾ مرجعاً
﴿إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ﴾ خوفناكم يَا أهل مَكَّة ﴿عَذَاباً قَرِيباً﴾ كَائِنا ﴿يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْء﴾ يبصر الْمُؤمن وَيُقَال الْكَافِر ﴿مَا قَدَّمَتْ﴾ مَا عملت ﴿يَدَاهُ﴾ من خير أَو شَرّ ﴿وَيَقُول الْكَافِر يَا لَيْتَني كُنتُ تُرَاباً﴾ مَعَ الْبَهَائِم من الهول والشدة وَالْعَذَاب يتَمَنَّى الْكَافِر أَن يكون تُرَابا مَعَ الْبَهَائِم وَذَلِكَ يَوْم ترجف الراجفة
499
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا النازعات وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها خمس وَأَرْبَعُونَ وكلماتها مائَة وَثَلَاث وَسَبْعُونَ وحروفها تِسْعمائَة وَثَلَاثَة وَخَمْسُونَ
﴿بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم﴾
500
سورة النبأ
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (النَّبأ) من السُّوَر المكية، وقد جاءت بإثباتِ وقوع يوم القيامة، ودلَّلتْ على صدقِ ذلك بالآيات الكونية التي تملأ هذا الكونَ؛ فالله الذي خلَق هذا الكون بآياته العظام وسيَّره بأبدَعِ نظام قادرٌ على بعثِ الناس، ومجازاتهم على أعمالهم؛ فللعاصين النارُ جزاءً وِفاقًا، وللمتقين الجنةُ جزاءً من ربك عطاءً حسابًا، وسورة (النبأ) من السُّوَر التي شيَّبتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم؛ لما ذكَرتْ من مشاهدِ يوم القيامة.

ترتيبها المصحفي
78
نوعها
مكية
ألفاظها
174
ترتيب نزولها
80
العد المدني الأول
40
العد المدني الأخير
40
العد البصري
41
العد الكوفي
40
العد الشامي
40

* سورة (النَّبأ):

سُمِّيت سورة (النَّبأ) بهذا الاسم؛ لوقوع لفظ (النَّبأ) في فاتحتها؛ وهو: خبَرُ الساعة والبعث الذي يسأل الناسُ عن وقوعه.

* وتُسمَّى كذلك بسورة (عمَّ)، أو (عمَّ يتساءلون)، أو (التساؤل)؛ لافتتاحِها بها.

سورة (النَّبأ) من السُّوَر التي شيَّبتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم:

عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «قال أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه لرسولِ اللهِ: يا رسولَ اللهِ، أراكَ قد شِبْتَ! قال: «شيَّبتْني هُودٌ، والواقعةُ، والمُرسَلاتُ، و{عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ}، و{إِذَا اْلشَّمْسُ كُوِّرَتْ}». أخرجه الحاكم (3314).

1. تساؤل المشركين عن النبأ (١-٥).

2. الآيات الكونية (٦-١٦).

3. أحداث يوم القيامة (١٧-٣٠).

4. جزاء المتقين (٣١-٤٠).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /4).

يقول البقاعي: «مقصودها: الدلالةُ على أن يوم القيامة الذي كانوا مُجمِعين على نفيه، وصاروا بعد بعثِ النبي صلى الله عليه وسلم في خلافٍ فيه مع المؤمنين: ثابتٌ ثباتًا لا يحتمل شكًّا ولا خلافًا بوجه؛ لأن خالقَ الخَلْقِ - مع أنه حكيمٌ قادر على ما يريد - دبَّرهم أحسنَ تدبير، وبنى لهم مسكنًا وأتقَنه، وجعلهم على وجهٍ يَبقَى به نوعُهم من أنفسهم، بحيث لا يحتاجون إلى أمرٍ خارج يرونه، فكان ذلك أشَدَّ لأُلفتهم، وأعظَم لأُنْسِ بعضهم ببعض، وجعَل سَقْفَهم وفراشهم كافلَينِ لمنافعهم، والحكيم لا يترك عبيدَه - وهو تامُّ القدرة، كامل السلطان - يَمرَحون، يَبغِي بعضهم على بعض، ويأكلون خيرَه ويعبدون غيرَه، فكيف إذا كان حاكمًا؟! فكيف إذا كان أحكَمَ الحاكمين؟!
هذا ما لا يجوز في عقلٍ، ولا يخطر ببالٍ أصلًا؛ فالعلم واقع به قطعًا.
وكلٌّ من أسمائها واضحٌ في ذلك؛ بتأمُّل آيته، ومبدأ ذكرِه وغايته». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /151).