تفسير سورة النبأ

الوجيز للواحدي

تفسير سورة سورة النبأ من كتاب الوجيز في تفسير الكتاب العزيز المعروف بـالوجيز للواحدي.
لمؤلفه الواحدي . المتوفي سنة 468 هـ
سورة عم يتساءلون مكية وهي أربعون آية

﴿عمَّ يتساءلون﴾ عمَّا يتساءلون والمعنى: عن أيِّ شيءٍ يتساءلون يعني: قريشاً وهذا لفظ استفهامٍ معناه تفخيم القصَّة وذلك أنَّهم اختلفوا واختصموا فيما أتاهم به الرسول ﷺ فمن مصدِّق ومكذِّبٍ ثمَّ بيَّن فقال:
﴿عن النبأ العظيم﴾ يعني: البعث
﴿الذي هم فيه مختلفون﴾ لا يُصدِّقون به
﴿كلا﴾ ليس الأمر على ما ذكروا من إنكارهم البعث ﴿سيعلمون﴾ حقيقة وقوعه
﴿ثم كلا سيعلمون﴾ تأكيدٌ وتحقيقٌ ثمَّ دلَّهم على قدرته على البعث فقال:
﴿ألم نجعل الأرض مهاداً﴾ أَيْ: فرشناها لكم حتى سكنتموها
﴿والجبال أوتادا﴾
﴿وخلقناكم أزواجاً﴾ ذكوراً وإناثاً
﴿وجعلنا نومكم سباتاً﴾ راحةً لأبدانكم
﴿وجعلنا الليل لباساً﴾ يلبس كلَّ شيءٍ بسواده
﴿وجعلنا النهار معاشاً﴾ سبباً للمعاش
﴿وبنينا فوقكم سبعاً شداداً﴾ سبع سماوات شدادٍ محكمةٍ
﴿وجعلنا سراجاً﴾ أي: الشَّمس ﴿وهَّاجاً﴾ وقَّاداً حارَّاً
﴿وأنزلنا من المعصرات﴾ السَّحاب ﴿ماء ثجاجاً﴾ صبَّاباً
﴿لنخرج به حبَّاً﴾ ممَّا يأكله النَّاس ﴿ونباتاً﴾ ممَّا ترعاه النَّعم
﴿وجنات ألفافاً﴾ مُلتفَّةً مُجتمعةً
﴿إنَّ يوم الفصل كان ميقاتاً﴾ لما وعده الله من الجزاء والثَّواب
﴿يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجاً﴾ زُمراً وجماعاتٍ
﴿وفتحت السماء﴾ شُقِّقت ﴿فكانت أبواباً﴾ حتى يصير فيها أبواب
﴿وسيِّرت الجبال﴾ عن وجه الأرض ﴿فكانت سراباً﴾ في خفَّة سيرها
﴿إنَّ جهنم كانت مرصاداً﴾ ترصد أهل الكفر فر يجاوزونها
﴿للطاغين﴾ للكافرين ﴿مآباً﴾ مرجعاً
﴿لابثين﴾ ماكثين ﴿فيها أحقاباً﴾ جمع حقب وهو ثمانون سنة كلُّ سنةٍ ثلثمائة وستون يوماً كلُّ يومٍ كألف سنةٍ من أيَّام الدُّنيا فإذا مضى حقبٌ عاد حقبٌ إلى ما لا يتناهى
﴿لا يذوقون فيها برداً﴾ نوماً وراحةً ﴿ولا شراباً﴾
﴿إلاَّ حميماً﴾ ماءً حارَّاً من حميم جهنَّم ﴿وغسَّاقاً﴾ وهو ما سال من جلود أهل النَّار
﴿جزاءً وفاقاً﴾ أَيْ: جُوزوا وفق أعمالهم فلا ذنب أعظم من الشِّرك ولا عذاب أعظم من النارز
﴿إنهم كانوا لا يرجون حساباً﴾ لا يخافون أن يحاسبهم الله
﴿وكذبوا بآياتنا كذاباً﴾ تكذيباً
﴿وكلَّ شيء﴾ من أعمالهم ﴿أحصيناه﴾ كتبناه ﴿كتاباً﴾ لنحاسبهم عليه
﴿فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا﴾
﴿إنَّ للمتقين مفازاً﴾ فوزاً بالجنَّة ونجاةً من النَّار
﴿وكواعب﴾ جوازي قد تكعَّبت ثُدُيّهن ﴿أتراباً﴾ مستويات في السن
﴿حدائق وأعنابا﴾
﴿وكأسا دهاقا﴾ ممتلئة
﴿لا يسمعون فيها لغواً ولا كذابا﴾
﴿عطاءً حساباً﴾ كثيراً كافياً وقوله:
﴿لا يملكون منه خطاباً﴾ أي: لا يملكون أن يخاطبوه إلاَّ بإذنه كقوله تعالى: ﴿لا تكلَّمُ نفسٌ إلاَّ بإذنه﴾ وقد فُسِّر هذا فيما قبل وقوله:
﴿يوم يقوم الروح﴾ قيل: هو جبريل عليه السَّلام وقيل: هو مَلَكٌ يقوم صفاً وقيل: الرُّوح جندٌ من جنود الله ليسوا من الملائكة ولا من النَّاس يقومون ﴿والملائكة صفاً﴾ صفوفاً ﴿لا يتكلمون إلاَّ من أذن له الرحمن وقال صواباً﴾ حقاً في الدُّنيا يعني: لا إله إلاَّ الله
﴿ذلك اليوم الحقُّ فمن شاء اتخذ إلى ربه مآباً﴾ مرجعاً إلى طاعته
﴿إنا أنذرناكم عذاباً قريباَ﴾ يعني: يوم القيامة ﴿يوم ينظر المرء ما قدَّمت يداه﴾ ما عمل من خيرٍ وشرٍّ ﴿ويقول الكافر﴾ في ذلك اليوم: ﴿يا ليتني كنت ترابا﴾ وذلك حين يقول الله تعالى للبهائم والوحش: كوني تراباً فيتمنَّى الكافر أن لو كان تراباً فلا يُعذَّب
سورة النبأ
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (النَّبأ) من السُّوَر المكية، وقد جاءت بإثباتِ وقوع يوم القيامة، ودلَّلتْ على صدقِ ذلك بالآيات الكونية التي تملأ هذا الكونَ؛ فالله الذي خلَق هذا الكون بآياته العظام وسيَّره بأبدَعِ نظام قادرٌ على بعثِ الناس، ومجازاتهم على أعمالهم؛ فللعاصين النارُ جزاءً وِفاقًا، وللمتقين الجنةُ جزاءً من ربك عطاءً حسابًا، وسورة (النبأ) من السُّوَر التي شيَّبتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم؛ لما ذكَرتْ من مشاهدِ يوم القيامة.

ترتيبها المصحفي
78
نوعها
مكية
ألفاظها
174
ترتيب نزولها
80
العد المدني الأول
40
العد المدني الأخير
40
العد البصري
41
العد الكوفي
40
العد الشامي
40

* سورة (النَّبأ):

سُمِّيت سورة (النَّبأ) بهذا الاسم؛ لوقوع لفظ (النَّبأ) في فاتحتها؛ وهو: خبَرُ الساعة والبعث الذي يسأل الناسُ عن وقوعه.

* وتُسمَّى كذلك بسورة (عمَّ)، أو (عمَّ يتساءلون)، أو (التساؤل)؛ لافتتاحِها بها.

سورة (النَّبأ) من السُّوَر التي شيَّبتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم:

عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «قال أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه لرسولِ اللهِ: يا رسولَ اللهِ، أراكَ قد شِبْتَ! قال: «شيَّبتْني هُودٌ، والواقعةُ، والمُرسَلاتُ، و{عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ}، و{إِذَا اْلشَّمْسُ كُوِّرَتْ}». أخرجه الحاكم (3314).

1. تساؤل المشركين عن النبأ (١-٥).

2. الآيات الكونية (٦-١٦).

3. أحداث يوم القيامة (١٧-٣٠).

4. جزاء المتقين (٣١-٤٠).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /4).

يقول البقاعي: «مقصودها: الدلالةُ على أن يوم القيامة الذي كانوا مُجمِعين على نفيه، وصاروا بعد بعثِ النبي صلى الله عليه وسلم في خلافٍ فيه مع المؤمنين: ثابتٌ ثباتًا لا يحتمل شكًّا ولا خلافًا بوجه؛ لأن خالقَ الخَلْقِ - مع أنه حكيمٌ قادر على ما يريد - دبَّرهم أحسنَ تدبير، وبنى لهم مسكنًا وأتقَنه، وجعلهم على وجهٍ يَبقَى به نوعُهم من أنفسهم، بحيث لا يحتاجون إلى أمرٍ خارج يرونه، فكان ذلك أشَدَّ لأُلفتهم، وأعظَم لأُنْسِ بعضهم ببعض، وجعَل سَقْفَهم وفراشهم كافلَينِ لمنافعهم، والحكيم لا يترك عبيدَه - وهو تامُّ القدرة، كامل السلطان - يَمرَحون، يَبغِي بعضهم على بعض، ويأكلون خيرَه ويعبدون غيرَه، فكيف إذا كان حاكمًا؟! فكيف إذا كان أحكَمَ الحاكمين؟!
هذا ما لا يجوز في عقلٍ، ولا يخطر ببالٍ أصلًا؛ فالعلم واقع به قطعًا.
وكلٌّ من أسمائها واضحٌ في ذلك؛ بتأمُّل آيته، ومبدأ ذكرِه وغايته». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /151).