تفسير سورة النبأ

التفسير الميسر

تفسير سورة سورة النبأ من كتاب التفسير الميسر
لمؤلفه التفسير الميسر . المتوفي سنة 2007 هـ

﴿ عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ ( ١ ) عَنْ النَّبَإِ الْعَظِيمِ ( ٢ ) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ ( ٣ ) ﴾
عن أيِّ شيء يسأل بعض كفار قريش بعضا ؟
يتساءلون عن الخبر العظيم الشأن، وهو القرآن العظيم الذي ينبئ عن البعث
الذي شك فيه كفار قريش وكذَّبوا به.
﴿ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ ( ٤ ) ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ ( ٥ ) ﴾
ما الأمر كما يزعم هؤلاء المشركون، سيعلم هؤلاء المشركون عاقبة تكذيبهم، ويظهر لهم ما الله فاعل بهم يوم القيامة،
ثم سيتأكد لهم ذلك، ويتأكد لهم صدق ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، من القرآن والبعث. وهذا تهديد ووعيد لهم.
﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ الأَرْضَ مِهَاداً ( ٦ ) ﴾
ألم نجعل الأرض ممهدة لكم كالفراش ؟
﴿ وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً ( ٧ ) ﴾
والجبال رواسي ؛ كي لا تتحرك بكم الأرض ؟
﴿ وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً ( ٨ ) ﴾
وخلقناكم أصنافا ذكرا وأنثى ؟
﴿ وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً ( ٩ ) ﴾
وجعلنا نومكم راحة لأبدانكم، فيه تهدؤون وتسكنون ؟
﴿ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً ( ١٠ ) ﴾
وجعلنا الليل لباسًا تَلْبَسكم ظلمته، وتغشاكم، كما يستر الثوب لابسه ؟
﴿ وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً ( ١١ ) ﴾
وجعلنا النهار معاشا تنتشرون فيه لمعاشكم، وتسعَون فيه لمصالحكم ؟
﴿ وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً ( ١٢ ) ﴾
وبنينا فوقكم سبع سموات متينة البناء محكمة الخلق، لا صدوع لها ولا فطور ؟
﴿ وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً ( ١٣ ) ﴾
وجعلنا الشمس سراجًا وقَّادًا مضيئًا ؟
﴿ وَأَنزَلْنَا مِنْ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً ( ١٤ ) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً ( ١٥ ) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً ( ١٦ ) ﴾
وأنزلنا من السحب الممطرة ماء منصَبّا بكثرة،
لنخرج به حبًا مما يقتات به الناس وحشائش مما تأكله الدَّواب،
وبساتين ملتفة بعضها ببعض لتشعب أغصانها ؟
﴿ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً ( ١٧ ) يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً ( ١٨ ) ﴾
إن يوم الفصل بين الخلق، وهو يوم القيامة، كان وقتًا وميعادًا محددًا للأولين والآخرين،
يوم ينفخ المَلَك في " القرن " إيذانًا بالبعث فتأتون أممًا، كل أمة مع إمامهم.
﴿ وَفُتِحَتْ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً ( ١٩ ) ﴾
وفُتحت السماء، فكانت ذات أبواب كثيرة لنزول الملائكة.
﴿ وَسُيِّرَتْ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً ( ٢٠ ) ﴾
ونسفت الجبال بعد ثبوتها، فكانت كالسراب.
﴿ إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً ( ٢١ ) لِلْطَّاغِينَ مَآباً ( ٢٢ ) لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً ( ٢٣ ) لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً ( ٢٤ ) إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً ( ٢٥ ) جَزَاءً وِفَاقاً ( ٢٦ ) ﴾
إن جهنم كانت يومئذ ترصد أهل الكفر الذين أُعِدَّت لهم،
للكافرين مرجعًا،
ماكثين فيها دهورًا متعاقبة لا تنقطع،
لا يَطْعَمون فيها ما يُبْرد حرَّ السعير عنهم، ولا شرابًا يرويهم،
إلا ماءً حارًا، وصديد أهل النار،
يجازَون بذلك جزاء عادلا ؛ موافقًا لأعمالهم التي كانوا يعملونها في الدنيا.
﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَاباً ( ٢٧ ) وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّاباً ( ٢٨ ) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً ( ٢٩ ) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً ( ٣٠ ) ﴾
إنهم كانوا لا يخافون يوم الحساب فلم يعملوا له،
وكذَّبوا بما جاءتهم به الرسل تكذيبا،
وكلَّ شيء علمناه وكتبناه في اللوح المحفوظ،
فذوقوا -أيها الكافرون- جزاء أعمالكم، فلن نزيدكم إلا عذابًا فوق عذابكم.
﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً ( ٣١ ) حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً ( ٣٢ ) وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً ( ٣٣ ) وَكَأْساً دِهَاقاً ( ٣٤ ) لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا كِذَّاباً ( ٣٥ ) ﴾
إن للذين يخافون ربهم ويعملون صالحًا، فوزًا بدخولهم الجنة.
إن لهم بساتين عظيمة وأعنابًا،
ولهم زوجات حديثات السن، نواهد مستويات في سن واحدة،
ولهم كأس مملوءة خمرًا.
لا يسمعون في هذه الجنة باطلا من القول، ولا يكذب بعضهم بعضًا.
﴿ جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَاباً ( ٣٦ ) رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً ( ٣٧ ) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفّاً لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً ( ٣٨ ) ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا ( ٣٩ ) ﴾
لهم كل ذلك جزاء ومنَّة من الله وعطاءً كثيرًا كافيًا لهم.
ربِّ السموات والأرض وما بينهما، رحمنِ الدنيا والآخرة، لا يملكون أن يسألوه إلا فيما أذن لهم فيه،
يوم يقوم جبريل عليه السلام والملائكة مصطفِّين، لا يشفعون إلا لمن أذن له الرحمن في الشفاعة، وقال حقًا وسدادًا.
ذلك اليوم الحق الذي لا ريب في وقوعه، فمن شاء النجاة مِن أهواله فليتخذ إلى ربه مرجعًا بالعمل الصالح.
﴿ إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا ( ٤٠ ) ﴾
إنَّا حذَّرناكم عذاب يوم الآخرة القريب الذي يرى فيه كل امرئ ما عمل من خير أو اكتسب من إثم، ويقول الكافر من هول الحساب : يا ليتني كنت ترابًا فلم أُبعث.
سورة النبأ
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (النَّبأ) من السُّوَر المكية، وقد جاءت بإثباتِ وقوع يوم القيامة، ودلَّلتْ على صدقِ ذلك بالآيات الكونية التي تملأ هذا الكونَ؛ فالله الذي خلَق هذا الكون بآياته العظام وسيَّره بأبدَعِ نظام قادرٌ على بعثِ الناس، ومجازاتهم على أعمالهم؛ فللعاصين النارُ جزاءً وِفاقًا، وللمتقين الجنةُ جزاءً من ربك عطاءً حسابًا، وسورة (النبأ) من السُّوَر التي شيَّبتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم؛ لما ذكَرتْ من مشاهدِ يوم القيامة.

ترتيبها المصحفي
78
نوعها
مكية
ألفاظها
174
ترتيب نزولها
80
العد المدني الأول
40
العد المدني الأخير
40
العد البصري
41
العد الكوفي
40
العد الشامي
40

* سورة (النَّبأ):

سُمِّيت سورة (النَّبأ) بهذا الاسم؛ لوقوع لفظ (النَّبأ) في فاتحتها؛ وهو: خبَرُ الساعة والبعث الذي يسأل الناسُ عن وقوعه.

* وتُسمَّى كذلك بسورة (عمَّ)، أو (عمَّ يتساءلون)، أو (التساؤل)؛ لافتتاحِها بها.

سورة (النَّبأ) من السُّوَر التي شيَّبتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم:

عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «قال أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه لرسولِ اللهِ: يا رسولَ اللهِ، أراكَ قد شِبْتَ! قال: «شيَّبتْني هُودٌ، والواقعةُ، والمُرسَلاتُ، و{عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ}، و{إِذَا اْلشَّمْسُ كُوِّرَتْ}». أخرجه الحاكم (3314).

1. تساؤل المشركين عن النبأ (١-٥).

2. الآيات الكونية (٦-١٦).

3. أحداث يوم القيامة (١٧-٣٠).

4. جزاء المتقين (٣١-٤٠).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /4).

يقول البقاعي: «مقصودها: الدلالةُ على أن يوم القيامة الذي كانوا مُجمِعين على نفيه، وصاروا بعد بعثِ النبي صلى الله عليه وسلم في خلافٍ فيه مع المؤمنين: ثابتٌ ثباتًا لا يحتمل شكًّا ولا خلافًا بوجه؛ لأن خالقَ الخَلْقِ - مع أنه حكيمٌ قادر على ما يريد - دبَّرهم أحسنَ تدبير، وبنى لهم مسكنًا وأتقَنه، وجعلهم على وجهٍ يَبقَى به نوعُهم من أنفسهم، بحيث لا يحتاجون إلى أمرٍ خارج يرونه، فكان ذلك أشَدَّ لأُلفتهم، وأعظَم لأُنْسِ بعضهم ببعض، وجعَل سَقْفَهم وفراشهم كافلَينِ لمنافعهم، والحكيم لا يترك عبيدَه - وهو تامُّ القدرة، كامل السلطان - يَمرَحون، يَبغِي بعضهم على بعض، ويأكلون خيرَه ويعبدون غيرَه، فكيف إذا كان حاكمًا؟! فكيف إذا كان أحكَمَ الحاكمين؟!
هذا ما لا يجوز في عقلٍ، ولا يخطر ببالٍ أصلًا؛ فالعلم واقع به قطعًا.
وكلٌّ من أسمائها واضحٌ في ذلك؛ بتأمُّل آيته، ومبدأ ذكرِه وغايته». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /151).