تفسير سورة القيامة

تفسير الشافعي

تفسير سورة سورة القيامة من كتاب تفسير الشافعي
لمؤلفه الشافعي . المتوفي سنة 204 هـ

٤٣٦- قال الشافعي : واعلموا أن الله عز وجل يرى نفسه فيما لم يزل ولا يزال من غير اتصال شعاع ومقابلة. ويجوز للخلق أن يروه عقلا لأنه موجود وكل موجود يصح أن يرى. وواجب أن يراه المؤمنون في القيامة من طريق الخبر بأبصار أعين رؤوسهم دون الكفار. فإن الجواز يعلم بالعقل، والوجوب لا يعلم إلا بالخبر. ومن يراه من خلقه من المؤمنين فإنما يراه كما يعلمه بخلاف المرئيات والمعلومات، والدليل عليه قوله :﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ اِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ والنظر المقرون بذكر الوجه المتعدي بحرف " إلى " لا يجوز أن يراد به في اللغة إلا النظر الذي هو الرؤية بالبصر. وقوله تعالى مخبرا عن موسى عليه السلام :﴿ قَالَ رَبِّ أَرِنِى أَنظُرِ اِلَيْكَ قَالَ لَن تَريانِى ﴾١ فلو كانت رؤيته محالا لما سأل ذلك صفيه وكليمه، لأن ذلك يؤدي إلى جهله بصفات ربه، وهذا محال لا يجوز على الأنبياء بالاتفاق. ولأن ما استحال تعلق الرؤية به موجودا استحال تعلق العلم به موجودا، كالمعدوم لما استحال أن يرى موجودا استحال تعلق العلم به موجودا، والباري تعالى يعلم موجودا فيصح أن يرى موجودا كسائر الموجودات. ولأن الباري سبحانه لما صح أن يرانا بالاتفاق ونحن لا نكون في مقابلة، صح أن نراه ولا يكون في مقابلتنا. والله الموفق. ( الكوكب الأزهر شرح الفقه الأكبر ص : ١٦-١٧. )
١ - الأعراف: ١٤٣..
٤٣٧- قال الشافعي : فإن قال قائل : فما يدل على أن لا يجوز أن يستحسن إذا لم يدخل الاستحسان في هذه المعاني مع ما ذكرت في كتابك هذا ؟ قيل : قال الله عز وجل :﴿ أَيَحْسِبُ اَلاِنسَانُ أَنْ يُّتْرَكَ سُدًى ﴾ فلم يختلف أهل العلم بالقرآن فيما علمت أن السدى : الذي لا يُؤْمَرُ ولا يُنْهَى. ومن أفتى أو حكم بما لم يؤمر به فقد أجاز لنفسه أن يكون في معاني السدى، وقد أعلمه الله أنه لم يتركه سدى، ورأى أن قال : أقول بما شئت، وادعى ما نزل القرآن بخلافه في هذا وفي السنن، فخالف منهاج النبيين وعوام حكم جماعة من روي عنه من العالمين. ( الأم : ٧/٢٩٧. ون أحكام الشافعي : ١/٣٦-٣٧ و ٢/١٢٣. والرسالة ص : ٢٥. )
ــــــــــــ
٤٣٨- قال الشافعي : في قول الله عز وجل :﴿ أَيَحْسِبُ اَلاِنسَانُ أَنْ يُّتْرَكَ سُدًى ﴾١ إن من حكم أو أفتى بخبر لازم أو قياس عليه، فقد أدى ما كلف، وحكم وأفتى من حيث أُمِرَ فكان في النص مؤديا ما أُمِرَ به نصًّا، وفي القياس مؤديا ما أُمِرَ به اجتهادا، وكان مطيعا لله في الأمرين ثم لرسوله، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم بطاعة الله ثم رسوله ثم الاجتهاد، فيروى أنه قال لمعاذ :« بم تقضي ؟ » قال : بكتاب الله، قال :« فإن لم يكن في كتاب الله » قال : بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال :« فإن لم يكن » قال : أجتهد، قال :« الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم »٢. وقال :« إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإن أخطا فله أجر »٣ فأعلم أن للحاكم الاجتهاد والمقيس في موضع الحكم.
قال الشافعي : ومن استجاز أن يحكم أو يفتي بلا خبر لازم ولا قياس عليه كان محجوبا بأن معنى قوله : أفعل ما هَوَيْتُ وإن لم أومر به مخالفٌ معنى الكتاب والسنة، فكان محجوبا على لسانه، ومعنى ما لم أعلم فيه مخالفا. ( الأم : ٧/٣٠٠. من كتاب أبطال الاستحسان من هامش الأم )
١ - القيامة: ٣٦..
٢ - رواه أبو داود بتمامه في الأقضية (١٨) باب: اجتهاد الرأي في القضاء (١١)(ر٣٥٩٢).
ورواه الترمذي في الأحكام (١٢) باب: ما جاء في القاضي كيف يقضي (٣)(ر١٣٢٧). وقال: وليس إسناده عندي بمتصل.
ورواه أحمد في مسند في حديث معاذ بن جبل.
ورواه الدارمي في المقدمة (ر١٦٨).
وفي إسناده الحارث بن عمرو الثقفي، وثقه ابن حبان، وضعفه البخاري والعقيلي وابن الجارود، والراوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مُبهم..

٣ - رواه البخاري بتمامه عن عمرو بن العاص في الاعتصام بالكتاب والسنة (٩٩) باب: أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطا (٢١)(ر٦٩١٩).
ورواه مسلم في الأقضية (٣٠) باب: بيان أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطا (٦)(ر١٧١٦).
ورواه أبو داود في الأقضية (١٨) باب: في القاضي يخطئ (٢)(ر٣٥٧٤).
ورواه الترمذي في الأحكام (١٢) باب: ما جاء في القاضي يصيب ويخطئ (٢)(ر١٣٢٦).
ورواه ابن ماجة في الأحكام. والشافعي في المسند (ر١٦٣٣-١٦٣٤)..

سورة القيامة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (القيامة) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (القارعة)، وقد تحدَّثتْ عن القيامة، وما يقترن بها من أهوالٍ، وحالِ الإنسان في هذا اليوم العصيب، مقارنةً بما كان عليه في الدنيا من غفلةٍ واستبعاد لهذا اليوم، مع الدعوةِ للاستعداد لهذا اليوم.

ترتيبها المصحفي
75
نوعها
مكية
ألفاظها
165
ترتيب نزولها
31
العد المدني الأول
39
العد المدني الأخير
39
العد البصري
39
العد الكوفي
40
العد الشامي
39

* قوله تعالى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِۦ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِۦٓ} [القيامة: 16]:

عن موسى بن أبي عائشةَ، قال: حدَّثَنا سعيدُ بن جُبَيرٍ، عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما في قوله تعالى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِۦ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِۦٓ} [القيامة: 16]، قال: «كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُعالِجُ مِن التنزيلِ شِدَّةً، وكان يُحرِّكُ شَفَتَيهِ - فقال لي ابنُ عباسٍ: فأنا أُحرِّكُهما لك كما كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُحرِّكُهما، فقال سعيدٌ: أنا أُحرِّكُهما كما كان ابنُ عباسٍ يُحرِّكُهما، فحرَّكَ شَفَتَيهِ -؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {لَا تُحَرِّكْ بِهِۦ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِۦٓ ١٦ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُۥ وَقُرْءَانَهُۥ} [القيامة: 16-17]، قال: جَمْعُه في صدرِك، ثم تَقرَؤُه، {فَإِذَا قَرَأْنَٰهُ فَاْتَّبِعْ قُرْءَانَهُۥ} [القيامة: 18]، قال: فاستمِعْ له وأنصِتْ، ثم إنَّ علينا أن تَقرأَه، قال: فكان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا أتاه جِبْريلُ عليه السلام استمَعَ، فإذا انطلَقَ جِبْريلُ قرَأَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم كما أقرأَه». أخرجه البخاري (٧٥٢٤).

* سورة (القيامة):

سُمِّيت سورة (القيامة) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقَسَمِ الله بهذا اليومِ العظيم.

1. أهوال يوم القيامة (١-١٥).

2. طريق النجاة (١٦-١٩).

3. عَوْدٌ لمَشاهدِ القيامة (٢٠-٢٥).

4. ساعة الموت (٢٦-٤٠).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /487).

يقول ابن عاشور رحمه الله: «اشتملت على إثباتِ البعث، والتذكيرِ بيوم القيامة، وذِكْرِ أشراطه، وإثبات الجزاء على الأعمال التي عملها الناسُ في الدنيا، واختلاف أحوال أهل السعادة وأهل الشقاء، وتكريم أهل السعادة، والتذكير بالموت، وأنه أول مراحلِ الآخرة، والزَّجر عن إيثار منافعِ الحياة العاجلة على ما أُعِدَّ لأهل الخير من نعيم الآخرة». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (29 /337).