تفسير سورة القيامة

حومد

تفسير سورة سورة القيامة من كتاب أيسر التفاسير المعروف بـحومد.
لمؤلفه أسعد محمود حومد .

﴿القيامة﴾
(١) - يُقْسِمُ اللهُ تَعَالَى بِيَوْمِ القِيَامَةِ وَمَا يَقَعُ فِيهِ مِنْ أَحْدَاثٍ عِظَامٍ.
لا أُقْسِمُ - أُقْسِمُ. وَلا لِلتَّوكْيِدِ. وَقِيلَ إِنَّهَا صِلَةٌ مِثْلُهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الكِتَابِ).
(٢) - وَيُقْسِمُ اللهُ تَعَالَى بِالنَّفْسِ التِي تَتُوقُ إِلَى مَعَالِي الأُمُورِ، وَتَنْدَمُ عَلَى فِعْلِ السَّيِّئَاتِ، كَمَا تَنْدَمُ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَسْتَكْثِرْ مِنَ الخَيْرِ، فَهِيَ دَائِماً تَلُومُ ذَاتَهَا عَلَى مَا فَعَلَتْ وَمَا تَرَكَتْ.
اللَّوَّامَةِ - كَثِيرَةِ اللَّوْمِ والنَّدَمِ عَلَى مَا فَاتَ.
﴿الإنسان﴾
(٣) - أَيَظُنُّ ابْنُ آدَمَ أَنَّ اللهَ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى بَعْثِهِ مِنْ قَبْرِهِ، وَجَمْعِ عِظَامِهِ بَعْدَ أَنْ تُصْبحَ عِظَامُهُ تُرَاباً، وَتَتَفَرَّقَ فِي جَنبَاتِ الأَرْضِ؟
﴿قَادِرِينَ﴾
(٤) - بَلَى إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ، فَهُوَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُسَوِّيَ أَنَامِلَ أَصَابعِ الإِنْسَانِ، وَيَجْعَلَهَا فِي أَمَاكِنِهَا مِنَ الجِسْمِ، كَمَا كَانَتْ قَبْلاً، وَأَنَامِلُ الأَصَابعِ هِيَ أَدَقُّ مَا فِي جِسْمِ الإِنْسَانِ مِنْ عَظْمٍ. فَإِذَا كَانَ تَعَالَى قَادِراً عَلَى أَنْ يُسَوِّيَ البَنَانَ، وَيُعِيدَهُ إِلَى أَمَاكِنِهِ، فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إِعَادَةِ غَيْرِهِ مِنَ العِظَامِ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ.
﴿الإنسان﴾
(٥) - إِنَّ ابْنَ آَدَمَ لَيَعْلَمُ أَنَّ اللهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَجْمَعَ عِظَامَهُ، وَيُسَوِّيَ بَنَانَهُ، وَلَكِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَمْضِيَ قُدُماً فِي المَعَاصِي، لاَ يَثْنيهِ شَيْءٌ عَنْ فُجُورِهِ، وَيَقُولُ: أَعْمَلُ ثُمَّ أَتُوبُ قَبْلَ يَوْمِ القِيَامَةِ.
لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ - لِيَدُومَ عَلَى مُدَّةَ عُمْرِهِ.
﴿يَسْأَلُ﴾ ﴿القيامة﴾
(٦) - وَيَسْأَلُ اسْتِبْعَاداً وَإِنْكَاراً: مَتَى يَكُونُ يَوْمُ القِيَامَةِ؟ وَمَتَى أَنْكَرَ الإِنْسَانُ البَعْثَ والحِسَابَ فَإِنَّهُ لاَ يَرُدُّهُ شَيءٌ عَنِ المَعَاصِي.
(٧) - ذَكَرَ تَعَالَى ثَلاَثَ عَلاَمَاتٍ لِيَوْمِ القِيَامَةِ: فَإِذَا تَحَيَّرَ البَصَرُ فَزَعاً، وَدُهِشَ فَلَمْ يَعُدْ يَطْرِفُ مِنْ شِدَّةِ الهَوْلِ والفَزَعِ مِمَّا يُشَاهِدُ.
بَرِقَ البَصَرُ - إِذَا نَظَرَ الإِنْسَانُ إِلَى البَرْقِ فَدُهِشَ بَصَرُهُ وَتَحَيَّرَ فَزَعاً مِمَّا رَأَى.
(٨) - وَالعَلاَمَةُ الثَّانِيَةُ هِيَ: إِذَا خَسَفَ القَمَرُ وَذَهَبَ ضَوْؤُهُ.
(٩) - وَالعَلاَمَةُ الثَّالِثَةُ هِيَ إِذَ اجْتَمَعَ الشَّمْسُ والقَمَرُ فِي أُفُقٍ وَاحِدٍ، وَطَلَعَا مِنَ المَغْرِبِ أَسْوَدْينِ، لاَ نُورَ فِيهِمَا.
﴿الإنسان﴾ ﴿يَوْمَئِذٍ﴾
(١٠) - فَإِذَا ظَهَرَتْ هَذِهِ العَلاَمَاتُ الثَّلاَثُ فَإِنَّ القِيَامَةَ تَكُونُ قَدْ قَامَتْ، وَيَقُولُ الإِنْسَانُ حَينَئِذٍ، أَيْنَ المَفَرُّ مِنْ جَهَنَّمَ؟ وَهَلْ مِنْهَا مَهْرَبٌ وَمَلْجَأٌ؟
(١١) - وَيَرُدُّ اللهُ تَعَالَى عَلَى تَسَاؤُلِ الإِنْسَانِ عَنِ المَهْرَبِ وَالمَلْجَأِ مُجِيبَاً: كَلاَّ لاَ مَهْرَبَ وَلاَ مَلْجَأَ مِنْ هَوْلِ ذَلِكَ اليَومِ، وَلاَ شَيء يَعْصِمُ الإِنْسَانَ مِنْ أَمْرِ اللهِ تَعَالَى.
لاَ وَزَرَ - لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَى لَهُ مِنَ اللهِ.
﴿يَوْمَئِذٍ﴾
(١٢) - وَإِلَى اللهِ تَعَالَى وَحْدَهُ المَرْجِعُ وَالمَصِيرُ، فَإِمَّا إِلَى جَنَّةٍ وَإِمَّا إِلَى نَارٍ.
﴿يُنَبَّأُ﴾ ﴿الإنسان﴾ ﴿يَوْمَئِذٍ﴾
(١٣) - وَيُخَبَّرُ الإِنْسَانُ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ بِجَمِيعِ أَعْمَالِهِ فِي الدُّنْيَا صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا.
﴿الإنسان﴾
(١٤) - وَيَكُونُ الإِنْسَانْ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ شَاهِداً عَلَى نَفْسِهِ، عَالِماً بِمَا فَعَلَ، وَلاَ يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يُنَبِّئَهُ غَيْرُهُ بِأَفْعَالِهِ، فَجَوَارِحُهُ تَشْهَدُ عَلَيْهِ وَصَحِيفَةُ أَعْمَالِهِ قَدْ أُثْبِتَ فِيهَا كُلُّ شَيءٍ فَعَلَهُ.
بَصِيرَةٌ - حُجَّةٌ بَيِّنَةٌ أَوْ عَيْنٌ بَصِيرَةٌ.
(١٥) - وَسَيُحَاسَبُ عَلَى أَعْمَالِهِ جَمِيعِهَا وَلَوْ أَتَى بِالحُجَجِ. وَأَدْلَى بِالمَعَاذِيرِ، وَجَادَلَ عَنْ نَفْسِهِ.
(١٦) - كَانَ الرَّسُولُ ﷺ، حِينَمَا يَتَلَقَّى الوَحْيَ، حَرِيصاً عَلَى حِفْظِهِ، فَكَانَ يُسَابِقُ الوَحْيَ فِي قِرَاءَةِ مَا يُلْقَى إِلَيْهِ لِيَحْفَظَهُ، وَلاَ يُضَيِّعَ مِنْهُ شَيئاً، فَأَمَرَهُ اللهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الآيَةِ بِأَنْ يَسْتَمِعَ إِلَى الوَحْي إِذَا جَاءَهُ جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وَقَدْ ضَمِنَ اللهُ لِرَسُولِهِ الكَرِيمِ ﷺ بِأَنْ يُيَسِّرَ لَهُ حِفْظَهُ وَأَدَاءَهُ، وَأَنْ يُبَيِّنَهُ لَهُ وَيُفَسِّرَهُ.
﴿قُرْآنَهُ﴾
(١٧) - إِنَّ اللهَ تَكَفَّلَ لَكَ بِجَمْعِ القُرْآنِ وَتَثْبِيتِهِ فِي صَدْرِكَ.
﴿قَرَأْنَاهُ﴾ ﴿قُرْآنَهُ﴾
(١٨) - فَإِذَا قَرَأَهُ عَلَيْكَ المَلَكُ فَاسْتَمِعْ لَهُ، وَتَابِعْهُ فِي قِرَاءَتِهِ، ثُمَّ اقْرَأْهُ أَنْتَ كَمَا قَرَأَهُ عَلَيْكَ.
(١٩) - ثُمَّ إِنَّ اللهَ تَعَالَى تَكَفَّلَ لَكَ بِبَيَانِ القُرْآنِ، وَتَوْضِيحِهِ لَكَ.
(٢٠) - كَلاَّ لَيْسَ الأَمْرُ كَمَا تَقُولُونَ يَا أَيُّهَا المُشْرِكُونَ مِنْ أَنَّكُمْ لاَ تُبْعَثُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ لِلْحِسَابِ وَالجَزَاءِ، وَلَكِنَّ الذِي دَعَاكُمْ إِلَى ذَلِكَ مَحَبَّتُكُمْ لِلدُّنْيَا العَاجِلَةِ، وَإِيثَارُكُمْ شَهَوَاتِكُمْ وَمَلاَذَّكُمْ فِيهَا.
﴿الآخرة﴾
(٢١) - وَأَنَّكُمْ تُفَضِّلُونَ عَاجِلَ الدُّنْيَا الفَانِيَةِ، عَلَى الآخِرَةِ وَنَعِيمِهَا الدَّائِمِ.
﴿يَوْمَئِذٍ﴾
(٢٢) - وَفِي ذَلِكَ اليَوْمِ تَكُونَ وُجُوه المُؤْمِنِينَ الأَبْرَارِ نَضِرَةً مُشْرِقَةً بِالنَّعِيمِ.
نَاضِرَةٌ - مُشْرِقَةٌ مُتَهَلِّلَةٌ.
(٢٣) - تَنْظُرُ إِلَى رَبِّهَا.
(وَجَاءَ فِي بَعْضِ الأَحَادِيثِ أَنَّ الأَبْرَارَ فِي الجَنَّةِ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ عِيَاناً كَمَا يَرَى أَحَدُهُمْ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ). (رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ).
﴿يَوْمَئِذٍ﴾
(٢٤) - أَمَّا وُجُوهُ الكُفَّارِ فَتَكُونُ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ عَابِسَةً كَالِحَةَ.
بَاسِرَةٌ - كَالِحَةٌ عَابِسَةٌ.
(٢٥) - مُسْتَيْقِنَةً مِنْ أَنَّهَا هَالِكَةٌ، أَوْ أَنَّهَا سَتَنْزِلُ بِهَا دَاهِيَةٌ تَقْصِمُ فَقَارَ ظَهْرِهَا.
فَاقِرَةٌ - دَاهِيَةٌ تَقْصِمُ فَقَارَ الظَّهْرِ.
(٢٦) - يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى عَنْ حَالَةِ الاحْتِضَارِ، وَمَا تُعَانِيهِ النَّفْسُ مِنْ شَدَائِدَ حِينَ الإشْرَافِ عَلَى المَوْتِ، فَيَقُولُ تَعَالَى لِلإِنْسَانِ: ارْتَدِعْ عَنْ حُبِّ الدُّنْيَا (كَلاَّ) فَإِنَّ الرُّوحَ إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ وَهِيَ خَارِجَةٌ، فَإِنَّكَ حِينَئِذٍ لاَ تُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ، وَلاَ بِقُدْرَةِ اللهِ عَلَى البَعْثِ والحَشْرِ والحِسَابِ.
التَّرَاقِيَ - جَمْعُ تَرْقُوةٍ مِنْ عِظَامِ أَعْلَى الصَّدْرِ.
(٢٧) - وَقَالَ أَهْلُ المُحْتَضَرِ: مَنْ يَرْقِيهِ وَيَشْفِيهِ مِمَّا نَزَلَ بِهِ؟
(٢٨) - وَأَيْقَنَ المَحْتَضَرُ أَنَّ مَا نَزَلَ بِهِ نَذِيرٌ بِمُفَارَقَةِ الدُّنْيَا، وَتَرْكِ الأَهْلِ وَالمَالِ وَالوَلَدِ فِيهَا.
(٢٩) - وَاشْتَدَّ الأَمْرُ بِالمَرِيضِ، فَاجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ شِدَّةُ فِرَاقِ الدُّنْيَا، مَعَ شِدَّةِ الخَوْفِ مِنَ الآخِرَةِ، وَاخْتَلَطَا مَعاً.
(وَقِيلَ إِنَّ المَعْنَى هُوَ: أَنَّ المُحْتَضَرَ تَلْتَفُّ سَاقَاهُ مِنْ ضَعْفِهِ فَلاَ تَسْتَطِيعَانِ حِرَاكاً، فَالتِفَافُ بِالسَّاقِ كِنَايَةٌ عَنْ دُنُوِّ الأَجَلِ).
التَفَّتِ السَّاقُ بالسَّاقِ - كِنَايَةٌ عَنْ اشْتِدَادِ الأَمْرِ وَدُنُوِّ الأَجَلِ.
﴿يَوْمَئِذٍ﴾
(٣٠) - فَإِلَى اللهِ المَرْجِعُ والمآبُ يَوْمَ القِيَامَةِ، إِذْ تَأْتِي فِي ذَلِكَ اليَوْمِ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ، فَإِمَّا إِلَى جَنَّةٍ وَإِمَّا إِلَى نَارٍ وَسَعِيرٍ.
(٣١) - وَحِينَمَا يُسَاقُ المَرْءُ إِلَى اللهِ تَعَالَى، يَجِدُ عَمَلَهُ مُحْضَراً فِي صَحِيفَتِهِ، فَأَمَّا الكَافِرُ فَإِنَّهُ يَجِدُ فِيهَا أَنَّهُ لاَ صَدَّقَ بِوُجُودِ اللهِ تَعَالَى وَوحْدَانِيَّتِهِ، وَلاَ أَدَّى مَا فَرَضَهُ اللهُ عَلَيْهِ مِنْ صَلَوَاتٍ.
(٣٢) - بَلْ إِنَّهُ أَعْرَضَ عَنْ دَعْوَتِ الرُّسُلِ، وَكَذِّبَهُمْ فِيمَا أُرْسِلُوا بِهِ، وَتَوَلَّى مُعْرِضاً عَنْهُم، وَعَنْ دَعْوَةِ الإِيْمَانِ.
(٣٣) - وَلَمْ يَكْتَفِ بِالكُفْرِ والتَّكْذِيبِ، وَإِنَّمَا انْقَلَبَ إِلَى أَهْلِهِ مُتَبَخْتِراً مُخْتَالاً فَرِحاً بِتَكْذِيبِهِ وَتَوَلِّيهِ.
تَمَطَّى - مَدَّ جِسْمَهُ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الاخْتِيَالِ فِي المِشْيَةِ.
(٣٤) - وَيَتَهَدَّدُ اللهُ تَعَالَى هَذَا الكَافِرَ الذِي يَمْشِي مُتَبَخْتِراً، وَيَقُولُ لَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّهَكُّمِ والسُّخْرِيَةِ مِنْهُ: يَحُقُّ لَكَ أَنْ تَمْشِيَ مُتَبَخْتِراً مُخْتَالاً وَقَدْ كَفَرْتَ بِاللهِ رَبِّكَ.
أَوْلَى لَكَ - قَارَبَكَ مَا يُهْلِكُكَ.
(٣٥) - وَكَرَّرَ اللهُ تَعَالَى تَهْدِيدَهُ وَتَهَكُّمَهُ عَلَى هَذَا المُجْرِمِ المُتَبَخْتِرِ المُتَكَبِّرِ.
" وَرُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ أَخَذَ بِمَجَامِعِ ثِيَابِ أَبِي جَهْلٍ وَقَرَأَ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةَ وَالتِي قَبْلَهَا.
فَقَالَ لَهُ عَدُوُّ اللهِ: أَتُهَدِّدُنِي يَا مُحَمَّدُ؟ وَاللهِ لاَ تَسْتَطِيعُ أَنْتَ وَلاَ رَبُّكَ شَيْئاًَ وَإِنِّي لأَعَزُّ مَنْ مَشَى بَيْنَ جَبَلَيْهَا "
﴿الإنسان﴾
(٣٦) - أَيَظُنُّ الإِنْسَانُ المُنْكِرُ لِلْبَعْثِ أَنَّ اللهَ خَلَقَهُ بِغَيْرِ غَايَةٍ، وَأَنَّهُ يَتْرُكُهُ وَشَأْنَهُ فِي الحَيَاةِ يَفْعَلُ فِيهَا مَا يَشَاءُ، لاَ يُؤْمِرُ بِأَمْرٍ، وَلاَ يُنْهَى عَنْ نَهْيٍ، وَلاَ يُبْعَثُ وَلاَ يُحَاسَبُ؟
كَلاَّ إِنَّهُ لَنْ يُتْرَكَ سُدًى، وَسَيُبَعَثُ وَسَيُحَاسَبُ عَلَى جَمِيعِ أَعْمَالِهِ.
يُتْرَكَ سُدًى - مُهْمَلاً فَلاَ يُكَلَّفُ وَلاَ يُجَازَى.
(٣٧) - وَيُذَكِّرُ اللهُ تَعَالَى الإِنْسَانَ كَيْفَ بَدَأَ اللهُ خَلْقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ ضَعِيفةٍ مِنْ مَنِيٍّ يَقْذِفُهُ الرَّجُلُ فِي رَحِمِ الأَنْثَى، فَالذِي بَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ قَادِرٌ عَلَى إعَادَتِهِ، لأَنَّ الإِعَادَةَ أَهْوَنُ مِنْ البَدْءِ.
مَنِيٍّ يُمْنَى - يُصَبُّ فِي الأَرْحَامِ.
(٣٨) - ثُمَّ جَعَلَ اللهُ النُّطْفَةَ عَلَقَةً، ثُمَّ تَدَرَّجَ فِي خَلْقِهِ حَتَّى سَوَّاهُ وَأَخْرَجَهُ طِفْلاً كَامِلَ الخَلْقِ.
فَسَوَّى - فَعَدَلَهُ وَكَمَّلَهُ وَنَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ.
(٣٩) - وَجَعَلَ اللهُ تَعَالَى المَوَالِيدَ ذُكُوراً وَإِنَاثاً، لِتَسْتَمِرَّ الحَيَاةُ عَلَى الأَرْضِ عَنْ طَرِيقِ التَّزَاوُجِ بَيْنَ الذُّكُورِ والإِنَاثِ.
﴿بِقَادِرٍ﴾
(٤٠) - أَلْيَسَ الذِي أَنْشَأَ هَذَا الخَلْقَ، مِنْ هَذِهِ النُّطْفَةِ الضَّعِيفَةِ، بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُعِيدَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِنْ جَدِيدٍ، وَأَنْ يُحْيِيَ المَوْتَى؟ مَعَ أَنَّ الإِعَادَةَ أَهْوَنُ مِنَ الابْتِدَاءِ؟
سورة القيامة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (القيامة) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (القارعة)، وقد تحدَّثتْ عن القيامة، وما يقترن بها من أهوالٍ، وحالِ الإنسان في هذا اليوم العصيب، مقارنةً بما كان عليه في الدنيا من غفلةٍ واستبعاد لهذا اليوم، مع الدعوةِ للاستعداد لهذا اليوم.

ترتيبها المصحفي
75
نوعها
مكية
ألفاظها
165
ترتيب نزولها
31
العد المدني الأول
39
العد المدني الأخير
39
العد البصري
39
العد الكوفي
40
العد الشامي
39

* قوله تعالى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِۦ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِۦٓ} [القيامة: 16]:

عن موسى بن أبي عائشةَ، قال: حدَّثَنا سعيدُ بن جُبَيرٍ، عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما في قوله تعالى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِۦ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِۦٓ} [القيامة: 16]، قال: «كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُعالِجُ مِن التنزيلِ شِدَّةً، وكان يُحرِّكُ شَفَتَيهِ - فقال لي ابنُ عباسٍ: فأنا أُحرِّكُهما لك كما كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُحرِّكُهما، فقال سعيدٌ: أنا أُحرِّكُهما كما كان ابنُ عباسٍ يُحرِّكُهما، فحرَّكَ شَفَتَيهِ -؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {لَا تُحَرِّكْ بِهِۦ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِۦٓ ١٦ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُۥ وَقُرْءَانَهُۥ} [القيامة: 16-17]، قال: جَمْعُه في صدرِك، ثم تَقرَؤُه، {فَإِذَا قَرَأْنَٰهُ فَاْتَّبِعْ قُرْءَانَهُۥ} [القيامة: 18]، قال: فاستمِعْ له وأنصِتْ، ثم إنَّ علينا أن تَقرأَه، قال: فكان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا أتاه جِبْريلُ عليه السلام استمَعَ، فإذا انطلَقَ جِبْريلُ قرَأَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم كما أقرأَه». أخرجه البخاري (٧٥٢٤).

* سورة (القيامة):

سُمِّيت سورة (القيامة) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقَسَمِ الله بهذا اليومِ العظيم.

1. أهوال يوم القيامة (١-١٥).

2. طريق النجاة (١٦-١٩).

3. عَوْدٌ لمَشاهدِ القيامة (٢٠-٢٥).

4. ساعة الموت (٢٦-٤٠).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /487).

يقول ابن عاشور رحمه الله: «اشتملت على إثباتِ البعث، والتذكيرِ بيوم القيامة، وذِكْرِ أشراطه، وإثبات الجزاء على الأعمال التي عملها الناسُ في الدنيا، واختلاف أحوال أهل السعادة وأهل الشقاء، وتكريم أهل السعادة، والتذكير بالموت، وأنه أول مراحلِ الآخرة، والزَّجر عن إيثار منافعِ الحياة العاجلة على ما أُعِدَّ لأهل الخير من نعيم الآخرة». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (29 /337).