تفسير سورة النازعات

الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم

تفسير سورة سورة النازعات من كتاب الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم
لمؤلفه الكَازَرُوني . المتوفي سنة 923 هـ

لما أنذر بعذاب قريب أقسم على وقوعه فقال: ﴿ بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ * وَ ﴾: الملائكة ﴿ ٱلنَّازِعَاتِ ﴾: أي: المخرجات بشدة أرواح الكفار ﴿ غَرْقاً ﴾: أي: إغراقا ينزعها من أقاصي أبدانهم، من أغرق أي: بلغ أقصى غايته ﴿ وَٱلنَّاشِطَاتِ ﴾: المخرجات بسهولة أرواح المؤمنين ﴿ نَشْطاً * وَٱلسَّابِحَاتِ ﴾: في أعماق أبدانهم لإخراجها برفق كالغواصين ﴿ سَبْحاً * فَٱلسَّابِقَاتِ ﴾: بأرواحهم إلى الجنة أو النار ﴿ سَبْقاً * فَٱلْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً ﴾: أي: أمرها بأثبتها أو عقابها أو أمور أهل الأرض، وهذا منها، وقد مر نكتة الفاء والواو في المرسلات، وجواب القسم: لتبعثن الدال عليه قوله: ﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ ﴾: تتحرك ﴿ ٱلرَّاجِفَةُ ﴾: النفخة الأولى التي يرجف بها كل شيء ويموت وبينهما أربعون سنة يمطر فيها ماء كالنطف ﴿ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ ﴾: قلقة ﴿ أَبْصَارُهَا ﴾: أي: أبصار أصحابها ﴿ خَاشِعَةٌ ﴾: ذليلة، لأنهم ﴿ يَقُولُونَ ﴾: في الدنيا ﴿ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي ٱلْحَافِرَةِ ﴾: أي إلى أول أمرنا في الحياة بعد موتنا والحال أنا في قبور ذات حفر ﴿ أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً ﴾: بالية، نرد؟! ﴿ قَالُواْ ﴾ استهزاء: ﴿ تِلْكَ إِذاً ﴾ إن صحت ﴿ كَرَّةٌ ﴾: رجعةٌ ﴿ خَاسِرَةٌ ﴾: ذات خسر علينا لتكذيبنا بها، ، قال تعالى: لا تستصعبوها ﴿ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ ﴾: صيحة ﴿ فَإِذَا هُم ﴾ أحياء ﴿ بِٱلسَّاهِرَ ﴾: أي في الأرض المستوية ﴿ هَلْ ﴾ أي: قد ﴿ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ ﴾: ليُسلِّيك على تكذيبهم ﴿ إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ طُوًى ﴾: أسمه كما مر قائلا: ﴿ ٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ ﴾: تكبر ﴿ فَقُلْ هَل لَّكَ ﴾ ميل ﴿ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ ﴾: تتطهر من الكفر ﴿ وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ ﴾: معرفة ﴿ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ ﴾: عقابه، ذهب ﴿ فَأَرَاهُ ٱلآيَةَ ٱلْكُبْرَىٰ ﴾: من آياته أي: العصا ﴿ فَكَذَّبَ ﴾: بها ﴿ وَعَصَىٰ ﴾: الله تعالى ﴿ ثُمَّ أَدْبَرَ ﴾: عن الطاعة ﴿ يَسْعَىٰ ﴾: في إبطال أمره ﴿ فَحَشَرَ ﴾: فجمع جنوده ﴿ فَنَادَىٰ ﴾ فيهم بصوت رفيع ﴿ فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ ﴾: لا رب فوقي، وكانوا عبدة الأصنام، هذا بعد قوله﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي ﴾[القصص: ٣٨] بأربعين سنة، فأمهله حتى تكلم بهذا ﴿ فَأَخَذَهُ ٱللَّهُ ﴾: بالعذاب ﴿ نَكَالَ ﴾ أي: عقوبة ﴿ ٱلآخِرَةِ ﴾: بالنار ﴿ وَٱلأُوْلَىٰ ﴾: بالإغراق، أو عقوبة الكلمتين ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾: المذكور ﴿ لَعِبْرَةً لِّمَن ﴾: شأنه أن ﴿ يَخْشَىٰ * ءَأَنتُمْ ﴾: يا منكري البعث ﴿ أَشَدُّ ﴾: أصعب ﴿ خَلْقاً ﴾: بعد الموت ﴿ أَمِ ٱلسَّمَآءُ ﴾ بين كيفية خلقها بقوله ﴿ بَنَاهَا ﴾: وبين البناء بقوله ﴿ رَفَعَ سَمْكَهَا ﴾: أي: م قدار ذهابها في سمت العلو ﴿ فَسَوَّاهَا ﴾: جعلها مستوية بلا تفاوت وفطور ﴿ وَأَغْطَشَ ﴾: أظلم ﴿ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ﴾: أبرز ﴿ ضُحَاهَا ﴾: ضوء شمسها ﴿ وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ﴾ بسطها، والحال أنه قد ﴿ أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَٱلْجِبَالَ أَرْسَاهَا ﴾: ثبتها، وسبق الكلام فيه في آيتي:﴿ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ ﴾[الأعراف: ٥٤] ﴿ مَتَاعاً ﴾: تمتيعا لكم ﴿ وَلأَنْعَامِكُمْ * فَإِذَا جَآءَتِ ﴾: الداهية ﴿ ٱلطَّآمَّةُ ﴾: تطم وتعلو الدواهي ﴿ ٱلْكُبْرَىٰ ﴾: النفخة الثانية أو القيامة ﴿ يَوْمَ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَانُ مَا سَعَىٰ ﴾: أي عمله برؤيته في صحيفته ﴿ وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِمَن يَرَىٰ ﴾: أي: لكل راء ﴿ فَأَمَّا مَن طَغَىٰ ﴾: تمرد ﴿ وَآثَرَ ﴾: أختبار ﴿ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا ﴾: أي: شهواتها على الآخرة ﴿ فَإِنَّ ٱلْجَحِيمَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ ﴾: أي مأواه ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ ﴾: أي: القيام لديه في القيامة ﴿ وَنَهَى ٱلنَّفْسَ عَنِ ٱلْهَوَىٰ ﴾: أي الشهوات ﴿ فَإِنَّ ٱلْجَنَّةَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ ﴾: أي: مأواه ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ ﴾: متى ﴿ مُرْسَٰهَا ﴾: أي: إقامتها ﴿ فِيمَ ﴾: أي: في أي: شيء ﴿ أَنتَ مِن ذِكْرَٰهَا ﴾: أي: ذكر وقتها لهم، إذ لا ينفعهم ولا تعلمها ﴿ إِلَىٰ رَبِّكَ ﴾: وحده ﴿ مُنتَهَٰهَآ ﴾ منتهى عملها ﴿ إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَٰهَا ﴾: لا يعين وقتها ﴿ كَأَنَّهُمْ ﴾: في استصغار لبثهم في الدنيا ﴿ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوۤاْ ﴾: في الدنيا ﴿ إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَٰهَا ﴾: أي: الضحى التي تلي تلك العشية، وهي ساعة من نهار، وإنما أضاف لإفادة التقليل - واللهُ أعلم بالصّواب.
سورة النازعات
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (النَّازعات) من السُّوَر المكية، وقد افتُتحت بذكرِ الملائكة التي تَنزِع الأرواح؛ ليبعثَ اللهُ الناس بعد ذلك في يوم الطامَّة الكبرى؛ ليكونَ من اتقى في الجِنان، ويذهبَ من طغى وآثر الحياةَ الدنيا إلى الجحيم مأواه، وقد ذكَّرت السورةُ الكريمة بنِعَمِ الله على خَلْقه وقوَّته وقهره بعد أن بيَّنتْ إقامةَ الحُجَّة على الكافرين، كما أقام موسى عليه السلام الحُجَّةَ على فرعون بالإبلاغ.

ترتيبها المصحفي
79
نوعها
مكية
ألفاظها
179
ترتيب نزولها
81
العد المدني الأول
45
العد المدني الأخير
45
العد البصري
45
العد الكوفي
46
العد الشامي
45

- قوله تعالى: {يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ اْلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَىٰهَا ٤٢ فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَىٰهَآ} [النازعات: 42-43]:

عن عائشةَ رضي الله عنها، قالت: «كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُسألُ عن الساعةِ حتى أُنزِلَ عليه: {يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ اْلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَىٰهَا ٤٢ فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَىٰهَآ} [النازعات: 42-43]». أخرجه الحاكم (3895).

* سورة (النَّازعات):

سُمِّيت سورة (النَّازعات) بذلك؛ لافتتاحها بقَسَمِ الله بـ(النَّازعات)؛ وهم: الملائكةُ الذين ينتزعون أرواحَ بني آدم.

1. مَشاهد اليوم الآخِر (١-١٤).

2. قصة موسى عليه السلام مع فرعون (١٥-٢٦).

3. لفتُ النظر إلى خَلْقِ السموات والأرض (٢٧-٣٣).

4. أحداث يوم القيامة (٣٤-٤١).

5. سؤال المشركين عن وقتِ الساعة (٤٢-٤٦).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /23).

يقول ابنُ عاشور رحمه الله: «اشتملت على إثباتِ البعث والجزاء، وإبطال إحالة المشركين وقوعَه، وتهويلِ يومه، وما يعتري الناسَ حينئذٍ من الوَهَلِ، وإبطال قول المشركين بتعذُّرِ الإحياء بعد انعدام الأجساد». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /59).