تفسير سورة النازعات

فتح الرحمن في تفسير القرآن

تفسير سورة سورة النازعات من كتاب فتح الرحمن في تفسير القرآن المعروف بـفتح الرحمن في تفسير القرآن.
لمؤلفه مجير الدين العُلَيْمي . المتوفي سنة 928 هـ

سُورَةُ النَّازِعَات
مكية، وآيها: ست وأربعون آية، وحروفها: سبع مئة وثلاثة وسبعون حرفًا، وكلمها: مئة وتسع وسبعون كلمة.

بِسِمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

﴿وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (١)﴾.
[١] ﴿وَالنَّازِعَاتِ﴾ الملائكة التي تَنْزِع أرواحَ الكفار.
﴿غَرْقًا﴾ أي: إغراقًا، وهو النزع بشدة.
* * *
﴿وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (٢)﴾.
[٢] ﴿وَالنَّاشِطَاتِ﴾ الملائكة تنشط أرواح المؤمنين.
﴿نَشْطًا﴾ أي: تحلُّها حَلًا رفيقًا.
* * *
﴿وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (٣)﴾.
[٣] ﴿وَالسَّابِحَاتِ﴾ الملائكة بنزولها (١) كالسباحة.
﴿سَبْحًا﴾ مسرعين كالفرس الجواد، يقال له: سابح: إذا أسرع في جريه.
(١) في "ت": "نزولها".
﴿فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (٤)﴾.
[٤] ﴿فَالسَّابِقَاتِ﴾ الملائكة تسبق الشياطين إلى الأنبياء.
﴿سَبْقًا﴾ بالوحي، ونصبها كلها مصدر.
* * *
﴿فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (٥)﴾.
[٥] ﴿فَالْمُدَبِّرَاتِ﴾ الملائكة وُكِّلوا بأمورٍ (١) عرفهم الله العملَ بها من تدبير أمر الدنيا ﴿أَمْرًا﴾ حال؛ أي: يدبرون مأموراتٍ.
* * *
﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (٦)﴾.
[٦] أقسم الله بالمذكورات، وجواب القسم محذوف، تقديره: لَتُبعثنَّ، وإنما حذف؛ لدلالة ما بعده عليه، وهو: ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ﴾ هي النفخة الأولى، وصفت بما يحدث بسببها؛ لأنها يرجف كل شيء ويتزلزل، ويموت كل الخلائق لشدتها.
* * *
﴿تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (٧)﴾.
[٧] ﴿تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ﴾ النفخة الثانية، ردفت الأولى، وبينهما أربعون سنة، فيحيا كل شيء بإذن الله سبحانه.
* * *
﴿قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (٨)﴾.
[٨] ﴿قُلُوبٌ﴾ مبتدأ ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ ظرفه صفته ﴿وَاجِفَةٌ﴾ شديدة الاضطراب.
(١) في "ت": "أمور".
﴿أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (٩)﴾.
[٩] خبره ﴿أَبْصَارُهَا﴾ أبصارُ أربابِ القلوب ﴿خَاشِعَةٌ﴾ ذليلة؛ لهول ما ترى.
* * *
﴿يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ (١٠)﴾.
[١٠] ﴿يَقُولُونَ﴾ أي: أرباب القلوب والأبصار استهزاءً وإنكارًا للبعث: ﴿أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ﴾ أي: نعود بعد الموت أحياء؟! والحافرة: اسم لابتداء الأمر وأوله، ومنه: رجع فلان في حافرته: إذا رجع من حيث جاء.
* * *
﴿أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً (١١)﴾.
[١١] ثم زادوا إنكار البعث استبعادًا، فقالوا: ﴿أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً﴾ بالية، العامل في (أَئِذَا) محذوف؛ أي: أنبعث؟ واختلف القراء في (أَئِنَّا) (أَئِذَا)، فقرأ أبو جعفر: (إِنَّا) بالإخبار (أَئِذَا) بالاستفهام، وقرأ نافع، وابن عامر، والكسائي، ويعقوب: (أَئِنَّا) بالاستفهام، (إِذَا) بالإخبار، وقرأ الباقون: بالاستفهام فيهما (١)، فكل من استفهم، فهو على أصله من تحقيق الهمزتين والتسهيل وإدخال الألف كما تقدم في سورة ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾، وقرأ حمزة، والكسائي، وخلف، وأبو بكر، ورويس:
(١) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٦٧٠)، و"التيسير" للداني (ص: ١٣٢)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٥٤٩)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (١/ ٣٧٣ - ٣٧٤)، و "معجم القراءات القرآنية" (٨/ ٥٥).
(نَاخِرَةً) بألف بعد النون، والباقون: بغير ألف (١)، وهما لغتان معناهما واحد؛ مثل: حَذِر، وحاذِر.
* * *
﴿قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ (١٢)﴾.
[١٢] ﴿قَالُوا﴾ أي: منكرو البعث: ﴿تِلْكَ﴾ أي: رجعتُنا هذه.
﴿إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ﴾ باطلة ذات خسران؛ أي: إن صح أنا نبعث، فلنخسرنَّ.
* * *
﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (١٣)﴾.
[١٣] قال الله عز وجل ﴿فَإِنَّمَا هِيَ﴾ يعني: الرادفة التي يعقبها البعث.
﴿زَجْرَةٌ﴾ صيحة ﴿وَاحِدَةٌ﴾ لا تكرر؛ لشدتها.
* * *
﴿فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (١٤)﴾.
[١٤] فإذا نفخت ﴿فَإِذَا هُمْ﴾ كلُّ الخلائق.
﴿بِالسَّاهِرَةِ﴾ بوجه الأرض أحياءً بعدما كانوا ببطنها أمواتًا.
* * *
(١) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٦٧٠)، و"التيسير" للداني (ص: ٢١٩)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٥٤٩)، و "معجم القراءات القرآنية" (٨/ ٥٦)، قال ابن مجاهد: كان الكسائي لا يبالي كيف قرأها بألف أم بغير ألف.
﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (١٥)﴾.
[١٥] ﴿هَلْ أَتَاكَ﴾ أي: قد جاءك يا محمد ﴿حَدِيثُ مُوسَى﴾ أمال رؤوسَ الآي من قوله تعالى: (هَلْ أَتَاكَ) إلى آخر السورة: ورش، وأبو عمرو بخلاف عنهما، ووافقهما على الإمالة: حمزة، والكسائي، وخلف، واختص الكسائي دونهما بإمالة (دَحَاهَا) (١).
* * *
﴿إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (١٦)﴾.
[١٦] ﴿إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾ تقدم تفسير نظيره واختلاف القراء فيه في سورة (طه)، وكذا اختلافهم هاهنا، والواد المقدس: وادٍ بالشام، قال منذر بن سعيد: هو بين المدينة ومصر.
* * *
﴿اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (١٧)﴾.
[١٧] ﴿اذْهَبْ﴾ أي: قيل له: اذهب ﴿إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى﴾ تجاوز الحدَّ في الكفر.
* * *
﴿فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (١٨)﴾.
[١٨] ﴿فَقُلْ هَلْ لَكَ﴾ أي: أدعوك ﴿إِلَى أَنْ تَزَكَّى﴾ قرأ نافع، وأبو جعفر،
(١) انظر: "التيسير" للداني (ص: ٢١٩)، و "الغيث" للصفاقسي (ص: ٣٨٠)، و "إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٤٣٢)، و "معجم القراءات القرآنية" (٨/ ٥٦).
وابن كثير، ويعقوب: بتشديد الزاي، والباقون: بتخفيفها (١)، ومعناهما التطهُّرُ من النقائص، والتلبُّسُ بالفضائل.
* * *
﴿وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (١٩)﴾.
[١٩] ثم أمر موسى بأن يفسر له التزكي الذي دعاه إليه بقوله: ﴿وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ﴾ أي: أدلك على معرفته بالبرهان.
﴿فَتَخْشَى﴾ الله تعالى، والعلم تابع للهدى، والخشية تابعة للعلم ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: ٢٨].
* * *
﴿فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى (٢٠)﴾.
[٢٠] ﴿فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى﴾ قلبَ العصا حيةً، واليد بيضاءَ (٢)، ووُحِّدَتا؛ لأنهما في حكم آية واحدة.
* * *
﴿فَكَذَّبَ وَعَصَى (٢١)﴾.
[٢١] ﴿فَكَذَّبَ﴾ أنها (٣) من الله ﴿وَعَصَى﴾ ربَّه بعد ظهور الآية.
* * *
(١) انظر: "التيسير" للداني (ص: ٢١٩)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٥٤٩)، و "إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٤٣٢)، و"معجم القراءات القرآنية" (٨/ ٥٨ - ٥٩).
(٢) في "ت": "البيضاء".
(٣) في "ت": "بأنها".
﴿ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (٢٢)﴾.
[٢٢] ﴿ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى﴾ عند رؤية الثعبان رعبًا، وقيل: معناه: أدبر عن الإيمان يسعى في الأرض فسادًا.
* * *
﴿فَحَشَرَ فَنَادَى (٢٣)﴾.
[٢٣] ﴿فَحَشَرَ﴾ جمع قومه ﴿فَنَادَى﴾ فيهم.
* * *
﴿فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (٢٤)﴾.
[٢٤] ﴿فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾ لا ربَّ فوقي.
* * *
﴿فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى (٢٥)﴾.
[٢٥] ﴿فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ﴾ أي: عقوبةَ ﴿الْآخِرَةِ وَالْأُولَى﴾ أخذًا منكلًا في الدنيا بالإغراق، وفي الآخرة بالإحراق، وقال ابن عباس: "نَكالَ كلمتيه (١) الآخرة: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾، والأولى: ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾ [القصص: ٣٨]، وكان بينهما أربعون سنة" (٢).
* * *
(١) أي: كلمتا فرعون.
(٢) انظر: "تفسير البغوي" (٤/ ٥٥٠).
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (٢٦)﴾.
[٢٦] ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ الذي فُعل بفرعون ﴿لَعِبْرَةً﴾ عظةً ﴿لِمَنْ يَخْشَى﴾ اللهَ عز وجل.
* * *
﴿أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (٢٧)﴾.
[٢٧] ثم خاطب منكري البعث فقال: ﴿أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا﴾ أصعبُ خلقًا.
﴿أَمِ السَّمَاءُ﴾ مبتدأ محذوف الخبر؛ أي: أم السماء أشدُّ؟ واختلاف القراء في الهمزتين من (أَأَنْتُمْ) كاختلافهم فيهما من ﴿أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَاإِبْرَاهِيمُ﴾ في سورة الأنبياء، ثم وصف خلق السماء فقال: ﴿بَنَاهَا﴾.
* * *
﴿رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (٢٨)﴾.
[٢٨] ثم بين البناء فقال: ﴿رَفَعَ سَمْكَهَا﴾ والسمكُ: الارتفاع الذي بين سطح السماء الأسفل الذي يلينا وسطحها الأعلى الذي يلي ما فوقها.
﴿فَسَوَّاهَا﴾ جعلها مستوية بلا عيب.
* * *
﴿وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (٢٩)﴾.
[٢٩] ﴿وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا﴾ أي: أظلمه ﴿وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا﴾ أبرز نورَ شمسها، وأضيف الليل والشمس إلى السماء؛ لأن الليل ظلها، والشمس سراجها.
* * *
﴿وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (٣٠)﴾.
[٣٠] ﴿وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ﴾ أي: بعد خلق السماء، ونصب (وَالأَرْضَ) بمضمر (١) يفسره ﴿دَحَاهَا﴾ بسطها للسكنى.
قال ابن عباس: "خلق الله الأرض بأقواتها من غير أن يدحوها، ثم استوى إلى السماء، فسواهن سبع سموات، ثم دحا الأرض بعد ذلك" (٢).
* * *
﴿أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (٣١)﴾.
[٣١] ثم فسر البسط فقال: ﴿أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا﴾ بتفجير عيونها ﴿وَمَرْعَاهَا﴾ أي رِعْيَها -بكسر الراء-، وهو الكلأ، ونسب الماء والمرعى إلى الأرض من حيث هما منها يظهران.
* * *
﴿وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (٣٢)﴾.
[٣٢] ﴿وَالْجِبَالَ﴾ نصب بمضمر يفسره ﴿أَرْسَاهَا﴾ أثبتها على وجه الأرض لتسكن.
* * *
﴿مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (٣٣)﴾.
[٣٣] ﴿مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ﴾ أي: منفعة تنتفعون ما أنتم ومواشيكم،
(١) في "ت": "بفعل".
(٢) رواه الطبري في تفسيره" (٣٠/ ٤٥). وانظر: "تفسير البغوي" (٤/ ٥٥٠).
ونصب (متاعًا) بمعنى قوله: ﴿أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا﴾ لأن معناه: أمتع بذلك.
* * *
﴿فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (٣٤)﴾.
[٣٤] ﴿فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى﴾ الداهية العظمى؛ يعني: صيحة القيامة؛ لطمومها كلَّ هائلة من الأمور، فتعلو فوقها، والطامة عند العرب: الداهية التي لا تستطاع.
* * *
﴿يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى (٣٥)﴾.
[٣٥] وتبدل من ﴿فَإِذَا جَاءَتِ﴾ ﴿يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى﴾ عملَ في الدنيا من خير وشر.
* * *
﴿وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (٣٦)﴾.
[٣٦] ﴿وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ﴾ أُظهرت ﴿لِمَنْ يَرَى﴾ لمن يجب له دخولُها.
* * *
﴿فَأَمَّا مَنْ طَغَى (٣٧)﴾.
[٣٧] ﴿فَأَمَّا مَنْ طَغَى﴾ في كفره.
* * *
﴿وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (٣٨)﴾.
[٣٨] ﴿وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ على الآخرة باتباع الشهوات.
﴿فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (٣٩)﴾.
[٣٩] ﴿فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ أي: مأواه، والهاء عوض عنها بالألف واللام.
* * *
﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (٤٠)﴾.
[٤٠] ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ﴾ أي: مقامه بين يدي ربه للحساب.
﴿وَنَهَى النَّفْسَ﴾ الأمارة بالسوء ﴿عَنِ الْهَوَى﴾ ما تهواه من اتباع الشهوات المحرمة.
* * *
﴿فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (٤١)﴾.
[٤١] ﴿فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ ليس له سواها مأوى.
* * *
﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (٤٢)﴾.
[٤٢] ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا﴾ متى ظهورها؟ من مرسى السفينة، وهو حيث تنتهي إليه، وتستقر فيه.
* * *
﴿فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (٤٣)﴾.
[٤٣] روي أنه - ﷺ - لم يزل يسأل عن الساعة حتى نزل: {فِيمَ أَنْتَ مِنْ
ذِكْرَاهَا} (١) أي: من ذكر تحديدها؛ أي: لست من ذلك في شيء، وليس عندك علمُها.
* * *
﴿إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (٤٤)﴾.
[٤٤] ﴿إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا﴾ منتهى علمها متى يكون، لا يعلمه غيره تعالى.
* * *
﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (٤٥)﴾.
[٤٥] ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا﴾ مخوِّف من يخشى القيامة ومن لا يخشاها، فاختص بمن يخشاها؛ مدحًا لهم؛ لأن الإنذار يؤثر فيمن يخشاها، ولا يؤثر فيمن لا يخشاها؛ كقوله: ﴿فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ﴾ [ق: ٤٥]، معناه: ومن لا يخافُ وعيد. قرأ أبو جعفر: (مُنْذِرٌ) بالتنوين، والباقون: بغير تنوين (٢).
* * *
﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (٤٦)﴾.
[٤٦] ﴿كَأَنَّهُمْ﴾ يعني: كفار مكة ﴿يَوْمَ يَرَوْنَهَا﴾ يعاينون القيامة.
(١) رواه الطبري في "تفسيره" (٣٠/ ٤٩)، والحاكم في "المستدرك" (٧)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (٧/ ٣١٤)، من حديث عائشة رضي الله عنها. وفي الباب من حديث طارق بن شهاب رضي الله عنه وغيره. انظر: "تخريج أحاديث الكشاف" للزيلعي (٤/ ١٥٠).
(٢) انظر: "تفسير البغوي" (٤/ ٥٥١)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٣٩٨)، و"معجم القراءات القرآنية" (٨/ ٦٧).
280
﴿لَمْ يَلْبَثُوا﴾ في الدنيا، أو في القبور.
﴿إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا﴾ أي: عشية اليوم (١)، أو ضحى العشية، وهو بكرة ذلك اليوم، فأضاف الضحى إلى العشية من حيث هما طرفان للنهار، وقد بدأ بذكر أحدهما، فأضاف الآخر إليه تجوزًا وإيجازًا، والله أعلم.
* * *
(١) في "ت": "يوم".
281
سورة النازعات
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (النَّازعات) من السُّوَر المكية، وقد افتُتحت بذكرِ الملائكة التي تَنزِع الأرواح؛ ليبعثَ اللهُ الناس بعد ذلك في يوم الطامَّة الكبرى؛ ليكونَ من اتقى في الجِنان، ويذهبَ من طغى وآثر الحياةَ الدنيا إلى الجحيم مأواه، وقد ذكَّرت السورةُ الكريمة بنِعَمِ الله على خَلْقه وقوَّته وقهره بعد أن بيَّنتْ إقامةَ الحُجَّة على الكافرين، كما أقام موسى عليه السلام الحُجَّةَ على فرعون بالإبلاغ.

ترتيبها المصحفي
79
نوعها
مكية
ألفاظها
179
ترتيب نزولها
81
العد المدني الأول
45
العد المدني الأخير
45
العد البصري
45
العد الكوفي
46
العد الشامي
45

- قوله تعالى: {يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ اْلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَىٰهَا ٤٢ فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَىٰهَآ} [النازعات: 42-43]:

عن عائشةَ رضي الله عنها، قالت: «كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُسألُ عن الساعةِ حتى أُنزِلَ عليه: {يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ اْلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَىٰهَا ٤٢ فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَىٰهَآ} [النازعات: 42-43]». أخرجه الحاكم (3895).

* سورة (النَّازعات):

سُمِّيت سورة (النَّازعات) بذلك؛ لافتتاحها بقَسَمِ الله بـ(النَّازعات)؛ وهم: الملائكةُ الذين ينتزعون أرواحَ بني آدم.

1. مَشاهد اليوم الآخِر (١-١٤).

2. قصة موسى عليه السلام مع فرعون (١٥-٢٦).

3. لفتُ النظر إلى خَلْقِ السموات والأرض (٢٧-٣٣).

4. أحداث يوم القيامة (٣٤-٤١).

5. سؤال المشركين عن وقتِ الساعة (٤٢-٤٦).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /23).

يقول ابنُ عاشور رحمه الله: «اشتملت على إثباتِ البعث والجزاء، وإبطال إحالة المشركين وقوعَه، وتهويلِ يومه، وما يعتري الناسَ حينئذٍ من الوَهَلِ، وإبطال قول المشركين بتعذُّرِ الإحياء بعد انعدام الأجساد». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /59).