تفسير سورة النازعات

التفسير الميسر

تفسير سورة سورة النازعات من كتاب التفسير الميسر
لمؤلفه التفسير الميسر . المتوفي سنة 2007 هـ

﴿ وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً ( ١ ) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً ( ٢ ) وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً ( ٣ ) فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً ( ٤ ) فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً ( ٥ ) يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ ( ٦ ) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ ( ٧ ) ﴾
أقسم الله تعالى بالملائكة التي تنزع أرواح الكفار نزعا شديدا،
والملائكة التي تقبض أرواح المؤمنين بنشاط ورفق،
والملائكة التي تَسْبَح في نزولها من السماء وصعودها إليها،
فالملائكة التي تسبق الشياطين بالوحي إلى الأنبياء ؛ لئلا تسرقه،
فالملائكة المنفذات أمر ربها فيما أوكل إليها تدبيره من شؤون الكون -ولا يجوز للمخلوق أن يقسم بغير خالقه، فإن فعل فقد أشرك- لتُبعثَنَّ الخلائق وتُحَاسَب،
يوم تضطرب الأرض بالنفخة الأولى نفخة الإماتة،
تتبعها نفخة أخرى للإحياء.
﴿ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ ( ٨ ) أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ ( ٩ ) ﴾
قلوب الكفار يومئذ مضطربة من شدة الخوف،
أبصار أصحابها ذليلة من هول ما ترى.
﴿ يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ ( ١٠ ) أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً نَخِرَةً ( ١١ ) قَالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ ( ١٢ ) ﴾
يقول هؤلاء المكذبون بالبعث : أنُرَدُّ بعد موتنا إلى ما كنا عليه أحياء في الأرض ؟
أنردُّ وقد صرنا عظامًا بالية ؟
قالوا : رجعتنا تلك ستكون إذًا خائبة كاذبة.
﴿ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ ( ١٣ ) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ ( ١٤ ) ﴾
فإنما هي نفخة واحدة،
فإذا هم أحياء على وجه الأرض بعد أن كانوا في بطنها.
﴿ هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى ( ١٥ ) ﴾
هل أتاك –يا محمد- خبر موسى ؟
﴿ إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى ( ١٦ ) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ( ١٧ ) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى ( ١٨ ) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى ( ١٩ ) ﴾
حين ناداه ربه بالوادي المطهَّر المبارك " طوى "،
فقال له : اذهب إلى فرعون، إنه قد أفرط في العصيان،
فقل له : أتودُّ أن تطهِّر نفسك من النقائص وتحليها بالإيمان،
وأُرشدك إلى طاعة ربك، فتخشاه وتتقيه ؟
﴿ فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى ( ٢٠ ) فَكَذَّبَ وَعَصَى ( ٢١ ) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى ( ٢٢ ) ﴾
فأرى موسى فرعونَ العلامة العظمى : العصا واليد،
فكذب فرعون نبيَّ الله موسى عليه السلام، وعصى ربه عزَّ وجلَّ،
ثم ولَّى معرضًا عن الإيمان مجتهدًا في معارضة موسى.
﴿ فَحَشَرَ فَنَادَى ( ٢٣ ) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى ( ٢٤ ) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى ( ٢٥ ) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى ( ٢٦ ) ﴾
فجمع أهل مملكته وناداهم،
فقال : أنا ربكم الذي لا ربَّ فوقه،
فانتقم الله منه بالعذاب في الدنيا والآخرة،
وجعله عبرة ونكالا لأمثاله من المتمردين. إن في فرعون وما نزل به من العذاب لموعظةً لمن يتعظ وينزجر.
﴿ أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ السَّمَاءُ بَنَاهَا ( ٢٧ ) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا ( ٢٨ ) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا ( ٢٩ ) وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ( ٣٠ ) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا ( ٣١ ) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا ( ٣٢ ) مَتَاعاً لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ ( ٣٣ ) ﴾
أبَعْثُكم أيها الناس- بعد الموت أشد في تقديركم أم خلق السماء ؟
رفعها فوقكم كالبناء، وأعلى سقفها في الهواء لا تفاوت فيها ولا فطور،
وأظلم ليلها بغروب شمسها، وأبرز نهارها بشروقها.
والأرض بعد خلق السماء بسطها، وأودع فيها منافعها،
وفجَّر فيها عيون الماء، وأنبت فيها ما يُرعى من النباتات،
وأثبت فيها الجبال أوتادًا لها.
خلق سبحانه كل هذه النعم منفعة لكم ولأنعامكم. ( إن إعادة خلقكم يوم القيامة أهون على الله من خلق هذه الأشياء، وكله على الله هين يسير ).
﴿ فَإِذَا جَاءَتْ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى ( ٣٤ ) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ مَا سَعَى ( ٣٥ ) وَبُرِّزَتْ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى ( ٣٦ ) ﴾
فإذا جاءت القيامة الكبرى والشدة العظمى وهي النفخة الثانية،
عندئذ يُعْرَض على الإنسان كل عمله من خير وشر، فيتذكره ويعترف به،
وأُظهرت جهنم لكل مُبْصِر تُرى عِيانًا.
﴿ فَأَمَّا مَنْ طَغَى ( ٣٧ ) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ( ٣٨ ) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى ( ٣٩ ) ﴾
فأمَّا مَن تمرد على أمر الله،
وفضل الحياة الدنيا على الآخرة،
فإن مصيره إلى النار.
﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى ( ٤٠ ) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ( ٤١ ) ﴾
وأمَّا مَنْ خاف القيام بين يدي الله للحساب، ونهى النفس عن الأهواء الفاسدة،
فإن الجنة هي مسكنه.
﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنْ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ( ٤٢ ) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا ( ٤٣ ) إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا ( ٤٤ ) إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا ( ٤٥ ) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا ( ٤٦ ) ﴾
يسألك المشركون يا محمد- استخفافا- عن وقت حلول الساعة التي تتوعدهم بها.
لستَ في شيء مِن علمها،
بل مرد ذلك إلى الله عز وجل،
وإنما شأنك في أمر الساعة أن تحذر منها مَن يخافها.
كأنهم يوم يرون قيام الساعة لم يلبثوا في الحياة الدنيا ؛ لهول الساعة إلا ما بين الظهر إلى غروب الشمس، أو ما بين طلوع الشمس إلى نصف النهار.
سورة النازعات
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (النَّازعات) من السُّوَر المكية، وقد افتُتحت بذكرِ الملائكة التي تَنزِع الأرواح؛ ليبعثَ اللهُ الناس بعد ذلك في يوم الطامَّة الكبرى؛ ليكونَ من اتقى في الجِنان، ويذهبَ من طغى وآثر الحياةَ الدنيا إلى الجحيم مأواه، وقد ذكَّرت السورةُ الكريمة بنِعَمِ الله على خَلْقه وقوَّته وقهره بعد أن بيَّنتْ إقامةَ الحُجَّة على الكافرين، كما أقام موسى عليه السلام الحُجَّةَ على فرعون بالإبلاغ.

ترتيبها المصحفي
79
نوعها
مكية
ألفاظها
179
ترتيب نزولها
81
العد المدني الأول
45
العد المدني الأخير
45
العد البصري
45
العد الكوفي
46
العد الشامي
45

- قوله تعالى: {يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ اْلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَىٰهَا ٤٢ فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَىٰهَآ} [النازعات: 42-43]:

عن عائشةَ رضي الله عنها، قالت: «كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُسألُ عن الساعةِ حتى أُنزِلَ عليه: {يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ اْلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَىٰهَا ٤٢ فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَىٰهَآ} [النازعات: 42-43]». أخرجه الحاكم (3895).

* سورة (النَّازعات):

سُمِّيت سورة (النَّازعات) بذلك؛ لافتتاحها بقَسَمِ الله بـ(النَّازعات)؛ وهم: الملائكةُ الذين ينتزعون أرواحَ بني آدم.

1. مَشاهد اليوم الآخِر (١-١٤).

2. قصة موسى عليه السلام مع فرعون (١٥-٢٦).

3. لفتُ النظر إلى خَلْقِ السموات والأرض (٢٧-٣٣).

4. أحداث يوم القيامة (٣٤-٤١).

5. سؤال المشركين عن وقتِ الساعة (٤٢-٤٦).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /23).

يقول ابنُ عاشور رحمه الله: «اشتملت على إثباتِ البعث والجزاء، وإبطال إحالة المشركين وقوعَه، وتهويلِ يومه، وما يعتري الناسَ حينئذٍ من الوَهَلِ، وإبطال قول المشركين بتعذُّرِ الإحياء بعد انعدام الأجساد». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /59).