تفسير سورة النازعات

تفسير غريب القرآن للكواري

تفسير سورة سورة النازعات من كتاب تفسير غريب القرآن - الكواري المعروف بـتفسير غريب القرآن للكواري.
لمؤلفه كَامِلَة بنت محمد الكَوارِي .

﴿وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا﴾ قال جمهورُ المُفَسِّرِينَ: هي الملائكةُ تَنْزِعُ أرواحَ الكُفَّارِ في أقاصِي أَجْسَامِهِمْ نَزْعًا مُغْرِقًا في الشدةِ كما يَنْزِعُ النازعُ في القوسِ فَيَبْلُغُ بها غايةَ المَدِّ، والإغراقُ في الشيءِ: بلوغُ نِهَايَتِهِ.
﴿وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا﴾ الملائكةُ تُنْشِطُ نَفْسَ المؤمنِ فَتَقْبِضُهَا، كما يَنْشَطُ العِقَالُ مِنْ يَدِ البَعِيرِ إذا حُلَّ عنه.
﴿وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا﴾ المتردِّدَاتُ في الهواءِ صُعُودًا وَنُزُولًا، وَقِيلَ: الملائكةُ تَسْبَحُ في السماءِ بأمرِ اللهِ، أَيْ: تَنْزِلُ إلى الأرضِ.
﴿فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا﴾ أي: الملائكةُ تَسْبِقُ بأرواحِ المؤمنين إلى الجنةِ، وقيل: الملائكةُ تُبَادِرُ لأَمْرِ اللهِ، وتسبقُ الشياطينَ في إيصالِ الوحيِ إلى رُسُلِ اللهِ لئلا تَسْتَرِقَهُ.
﴿فَالمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا﴾ الملائكةُ الَّذِينَ جَعَلَهُمُ اللهُ يُدَبِّرُونَ كَثِيرًا مِنْ أُمُورِ العالَم العُلْوِيِّ والسُّفْلِيِّ؛ من الأمطارِ والنباتِ والرياحِ والبحارِ والأجنةِ والحيواناتِ والجنةِ والنارِ وغيرِ ذلك.
﴿تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ﴾ النَّفْخَةُ الأُولَى تَرْجُفُ فيها الأَرْضُ وَالْجِبَالُ.
﴿تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ﴾ النفخةُ الثانيةُ التي رَدِفَتْهَا وَتَلَتْهَا.
﴿قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ﴾ خَائِفَةٌ مِنْ عِظَمِ الهولِ، وَمُنْزَعِجَةٌ مِنْ شِدَّةِ ما تَرَى وَتَسْمَعُ.
﴿أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الحَافِرَةِ﴾ أي: رَاجِعُونَ أَحْيَاءً كما كُنَّا قَبْلَ هَلَاكِنَا، وهذا استفهامٌ إنكاريٌّ مُشْتَمِلٌ عَلَى غايةِ التعجبِ ونهايةِ الاستغرابِ.
﴿عِظَامًا نَّخِرَةً﴾ لَيِّنَةً فُتَاتًا بَالِيَةً.
﴿كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ﴾ أي: رَجْعَةٌ إلى الحياةِ خَاسِرَةٌ.
﴿زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ﴾ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ.
﴿فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ﴾ أي: الخلائقُ كُلُّهُمْ عَلَى ظَهْرِ الأرضِ، والعَرَبُ تُسَمِّي الفلاةَ وَظَهْرَ الأَرْضِ: «سَاهِرَةً».
﴿حَدِيثُ مُوسَى﴾ أي: مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
﴿بِالْوَادِ المُقَدَّسِ طُوًى﴾ بالوادِي الطَّاهِرِ المُبَارَكِ «طُوًى» الَّذِي كَلَّمَهُ اللهُ تَعَالَى فيه.
﴿طَغَى﴾ عَتَا وَتَجَاوَزَ حَدَّهُ في العُدْوَانِ.
﴿تَزَكَّى﴾ تُسْلِمُ وَتَتَطَهَّرُ مِنْ دَنَسِ الكُفْرِ.
﴿وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ﴾ أُرْشِدُكَ إلى معرفةِ ربكَ الحقّ.
﴿فَتَخْشَى﴾ فتخشاهُ وتطيعُه فتنجو من عذابه.
﴿الْآيَةَ الْكُبْرَى﴾ أي العَصَا واليَدَ؛ إِذْ هِيَ مِنْ أكبرِ الآياتِ الدالةِ عَلَى صِدْقِ مُوسَى.
﴿نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى﴾ أي: عَذَّبَهُ اللهُ تعالى عذابَ الآخرةِ وهو قَوْلُهُ: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى) وَعَذَابُ الْأُولَى وهي قولُه: ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾.
﴿لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى﴾ مَوْعِظَةً عَظِيمَةً لمن شَاءَ أَنْ يَخْشَى اللهَ وَيَتَّقِيَهُ.
﴿رَفَعَ سَمْكَهَا﴾ أَيْ غِلَظَهَا وَارْتِفَاعَهَا.
﴿فَسَوَّاهَا﴾ بِإِحْكَامٍ وَإِتْقَانٍ يُحَيِّرُ العقولَ وَيُذْهِلُ الألبابَ.
﴿وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا﴾ أَظْلَمَ لَيْلَهَا، وَأَضَافَ الليلَ إلى السماءِ؛ لأنَّ الليلَ غروبُ الشمسِ، وَغُرُوبُهَا وَطُلُوعُهَا في السماءِ.
﴿أَخْرَجَ ضُحَاهَا﴾ أَبْرَزَ وَأَظْهَرَ ضياءَ الشمسِ فَانْتَشَرَ الناسُ في مصالحِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ.
﴿وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا﴾ أي: بَعْدَ خَلْقِ السماءِ «دَحَاهَا» بَسَطَهَا بعد خَلْقِ السماءِ، وَأَوْدَعَ فيها مَنَافِعَهَا.
﴿وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا﴾ أي: ثَبَّتَهَا فيها لئلا تَمِيدَ بأهلها.
﴿الطَّامَّةُ الْكُبْرَى﴾ الطَّامَّةُ: اسمٌ من أسماءِ يومِ القيامةِ، وأَصْلُ الطامةِ الداهيةُ التي تَعْلُو عَلَى كُلِّ دَاهِيَةٍ، والمقصودُ القيامةُ الكبرى والشدةُ العُظْمَى التي تهونُ عندها كلّ شِدَّةٍ.
﴿بُرِّزَتِ الجَحِيمُ﴾ أُظْهِرَتْ لأبصارِ النَّاظِرِينَ.
﴿فَأَمَّا مَن طَغَى﴾ عَتَا وَتَجَبَّرَ وَكَفَرَ باللهِ تعالى، وقيل أيضًا: مَنْ تَجَاوَزَ الحدَّ وَتَجَرَّأَ عَلَى المَعَاصِي الكِبَارِ.
﴿المَأْوَى﴾ المكانُ الَّذِي سَيَأْوِي إِلَيْهِ.
﴿مَقَامَ رَبِّهِ﴾ أي: قِيَامَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ ليسأله عَمَّا قَدَّمَ وَأَخَّرَ.
﴿وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى﴾ زَجَرَهَا عن المَيْلِ إلى المعاصي والمحارمِ التي تَشْتَهِيهَا.
﴿السَّاعَةِ﴾ أي: القيامةِ للحسابِ والجزاءِ.
﴿أَيَّانَ مُرْسَاهَا﴾ مَتَى وُقُوعُهَا وَقِيَامُهَا.
﴿فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا﴾ أي: لَسْتَ أنتَ في شيءٍ مِنْ عِلْمِهَا ومعرفةِ وَقْتِهَا حتى تَذْكُرَهَا لَهُمْ.
﴿إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا﴾ أي: مُنْتَهَى عِلْمِهَا إلى اللهِ وَحْدَهُ فلا يَعْلَمُهَا سِوَاهُ.
﴿إِلّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا﴾ أي: عَشِيَّةَ يَوْمٍ أَوْ ضُحَى تلك العَشِيَّةِ.
46
سُورة عَبَسَ
سورة النازعات
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (النَّازعات) من السُّوَر المكية، وقد افتُتحت بذكرِ الملائكة التي تَنزِع الأرواح؛ ليبعثَ اللهُ الناس بعد ذلك في يوم الطامَّة الكبرى؛ ليكونَ من اتقى في الجِنان، ويذهبَ من طغى وآثر الحياةَ الدنيا إلى الجحيم مأواه، وقد ذكَّرت السورةُ الكريمة بنِعَمِ الله على خَلْقه وقوَّته وقهره بعد أن بيَّنتْ إقامةَ الحُجَّة على الكافرين، كما أقام موسى عليه السلام الحُجَّةَ على فرعون بالإبلاغ.

ترتيبها المصحفي
79
نوعها
مكية
ألفاظها
179
ترتيب نزولها
81
العد المدني الأول
45
العد المدني الأخير
45
العد البصري
45
العد الكوفي
46
العد الشامي
45

- قوله تعالى: {يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ اْلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَىٰهَا ٤٢ فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَىٰهَآ} [النازعات: 42-43]:

عن عائشةَ رضي الله عنها، قالت: «كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُسألُ عن الساعةِ حتى أُنزِلَ عليه: {يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ اْلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَىٰهَا ٤٢ فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَىٰهَآ} [النازعات: 42-43]». أخرجه الحاكم (3895).

* سورة (النَّازعات):

سُمِّيت سورة (النَّازعات) بذلك؛ لافتتاحها بقَسَمِ الله بـ(النَّازعات)؛ وهم: الملائكةُ الذين ينتزعون أرواحَ بني آدم.

1. مَشاهد اليوم الآخِر (١-١٤).

2. قصة موسى عليه السلام مع فرعون (١٥-٢٦).

3. لفتُ النظر إلى خَلْقِ السموات والأرض (٢٧-٣٣).

4. أحداث يوم القيامة (٣٤-٤١).

5. سؤال المشركين عن وقتِ الساعة (٤٢-٤٦).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /23).

يقول ابنُ عاشور رحمه الله: «اشتملت على إثباتِ البعث والجزاء، وإبطال إحالة المشركين وقوعَه، وتهويلِ يومه، وما يعتري الناسَ حينئذٍ من الوَهَلِ، وإبطال قول المشركين بتعذُّرِ الإحياء بعد انعدام الأجساد». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /59).