تفسير سورة النازعات

مختصر تفسير ابن كثير

تفسير سورة سورة النازعات من كتاب مختصر تفسير ابن كثير المعروف بـمختصر تفسير ابن كثير.
لمؤلفه محمد علي الصابوني .

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
- ١ - وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً
- ٢ - وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا
- ٣ - وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا
- ٤ - فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا
- ٥ - فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا
- ٦ - يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ
- ٧ - تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ
- ٨ - قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ
- ٩ - أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ
- ١٠ - يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ
- ١١ - أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً
- ١٢ - قَالُواْ تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ
- ١٣ - فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ
- ١٤ - فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ
﴿والنازعات غَرْقاً﴾: الملائكة حِينَ تُنْزَعُ أَرْوَاحُ بَنِي آدَمَ، فَمِنْهُمْ مَنْ تأخذ روحه بعسر فتغرق في نزعها، ومنهم مَنْ تَأْخُذُ رُوحَهُ بِسُهُولَةٍ وَكَأَنَّمَا حَلَّتْهُ مِنْ نشاط، وهو قوله: ﴿والناشطات نشطاً﴾ قال ابن عباس وغيره، وعنه ﴿وَالنَّازِعَاتِ﴾: هِيَ أَنْفُسُ الْكُفَّارِ تُنْزَعُ ثُمَّ تُنْشَطُ ثُمَّ تَغْرَقُ فِي النَّارِ (رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ)، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً﴾: الْمَوْتُ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ ﴿وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً﴾: هِيَ النجوم، والصحيح الأوّل وعليه الأكثرون، أما قوله تعالى: ﴿وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً﴾ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: هِيَ الْمَلَائِكَةُ، وَقَالَ قَتَادَةُ: هِيَ النُّجُومُ، وَقَالَ عَطَاءٌ: هِيَ السفن، وقوله تعالى ﴿فالسابقات سَبْقاً﴾: يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ، قَالَ الْحَسَنُ: سَبَقَتْ إِلَى الْإِيمَانِ والتصديق، وَقَالَ قَتَادَةُ: هِيَ النُّجُومُ، وَقَالَ عَطَاءٌ: هِيَ الخيل في سبيل الله، وقوله تعالى: ﴿فالمدبرات أَمْراً﴾ قال علي ومجاهد: هي الملائكة تُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ، يَعْنِي بأمر ربها عزَّ وجلَّ، وقوله تعالى: ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ﴾ قَالَ ابْنُ عباس: هما النفختان الأولى والثانية (وهو قول مجاهد والحسن وقتادة والضحّاك وغيرهم)، قال مجاهد: أما الأولى ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ﴾ فَكَقَوْلِهِ جلَّت عَظَمَتُهُ: ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الأرض والجبال﴾، وأما الثانية وهي الرادفة، كَقَوْلِهِ: ﴿وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً﴾، وفي الحديث قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ» فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ جَعَلْتُ صَلَاتَيْ كُلَّهَا عَلَيْكَ؟ قَالَ: «إِذًا يكفيك
595
الله ما أهمك من ديناك وآخرتك» (أخرجه أحمد) رواه أحمد والترمذي، ولفظ الترمذي: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا اللَّهَ جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ جَاءَ الْمَوْتُ بما فيه». وقوله تعالى: ﴿قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ﴾ فقال ابن عباس: يعني خائفة ﴿أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ﴾ أي أبصار أصحابها وإنما أضيفت إليها للملابسة، أي ذليلة حقيرة مما عانت من الأهوال.
وقوله تعالى: ﴿يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ﴾ يَعْنِي مُشْرِكِي قريش، يَسْتَبْعِدُونَ وُقُوعَ الْبَعْثِ بَعْدَ الْمَصِيرِ إِلَى ﴿الْحَافِرَةِ﴾ وَهِيَ الْقُبُورُ (قَالَهُ مُجَاهِدٌ) وَبَعْدَ تَمَزُّقِ أَجْسَادِهِمْ وَتَفَتُّتِ عِظَامِهِمْ وَنَخُورِهَا، وَلِهَذَا قَالُوا: ﴿أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً﴾ وقرئ: ناخرة أَيُّ بَالِيَةً، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَهُوَ الْعَظَمُ إِذَا بَلِيَ وَدَخَلَتْ الرِّيحُ فِيهِ، ﴿قَالُواْ تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ﴾. وعن ابن عباس وَقَتَادَةَ: الْحَافِرَةُ الْحَيَاةُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَقَالَ ابْنُ زيد: الحافرة النار، وما أكثر أسماءها! هِيَ النَّارُ وَالْجَحِيمُ وَسَقَرُ وَجَهَنَّمُ وَالْهَاوِيَةُ وَالْحَافِرَةُ وَلَظَى وَالْحُطَمَةُ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: ﴿تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ﴾ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ، قَالَتْ قُرَيْشٌ: لَئِنْ أَحْيَانَا اللَّهُ بَعْدَ أَنْ نَمُوتَ لَنَخْسَرَنَّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ﴾ أي فإنما هو من أمر اللَّهِ لَا مَثْنَوِيَّةَ فِيهِ وَلَا تَأْكِيدَ فَإِذَا النَّاسُ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ، وَهُوَ أَنْ يَأْمُرَ تَعَالَى إِسْرَافِيلَ فَيُنْفَخُ فِي الصُّورِ نَفْخَةُ الْبَعْثِ، فَإِذَا الْأَوَّلُونَ وَالْآخَرُونَ قِيَامٌ بَيْنَ يَدَيِ الرَّبِّ عزَّ وجلَّ ينظرون، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً﴾، وقال تعالى: ﴿وَمَآ أَمْرُنَآ إِلاَّ كلمح بالبصر﴾ وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هو أقرب﴾ قال مجاهد: ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ﴾ صحية واحدة، وأشد ما يكون الرب عزَّ وجلَّ غضباً على خلقه يوم يبعثهم، قال الحسن البصري: زجرة من الغضب، وقوله تعالى: ﴿فَإِذَا هُم بالساهرة﴾ قال ابن عباس: الساهرة الأرض كلها، وقال عكرمة والحسن: الساهرة وجه الأرض، قال مجاهد: كانوا بأسفلها فأخرجوا إلى أعلاها، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ ﴿فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ﴾ قَالَ: أَرْضٌ بَيْضَاءُ عَفْرَاءُ خَالِيَةٌ كَالْخُبْزَةِ النّقي (رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ)، وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أنَس: ﴿فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ﴾ يقول اللَّهِ عزَّ وجلَّ: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار﴾، ويقول تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً * فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً لاَّ تَرَى فِيهَا عِوَجاً ولا أَمْتاً﴾، ويقول تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً﴾، وَهِيَ أَرْضٌ لَمْ يَعْمَلْ عَلَيْهَا خَطِيئَةٌ وَلِمَ يهرق عليها دم.
596
- ١٥ - هَلُ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى
- ١٦ - إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بالواد الْمُقَدَّسِ طُوًى
- ١٧ - اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى
- ١٨ - فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى
- ١٩ - وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى
- ٢٠ - فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى
- ٢١ - فَكَذَّبَ وَعَصَى
- ٢٢ - ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى
- ٢٣ - فَحَشَرَ فَنَادَى
- ٢٤ - فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ الْأَعْلَى
- ٢٥ - فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى
- ٢٦ - إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى
596
يُخْبِرُ تَعَالَى رَسُولَهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنَّهُ ابتعثه إلى فرعون وأيده الله بِالْمُعْجِزَاتِ، وَمَعَ هَذَا اسْتَمَرَّ عَلَى كُفْرِهِ وَطُغْيَانِهِ حَتَّى أَخَذَهُ اللَّهُ أَخَذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ، وَكَذَلِكَ عاقبة من خالفك يا محمد وَكَذَّبَ بِمَا جِئْتَ بِهِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي آخِرِ الْقِصَّةِ: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يخشى﴾، فقوله تعالى: ﴿هَلُ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى﴾ أَيْ هَلْ سَمِعْتَ بِخَبَرِهِ ﴿إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ﴾ أَيْ كَلَّمَهُ نِدَاءٍ ﴿بالواد الْمُقَدَّسِ﴾ أَيِ الْمُطَهَّرِ، ﴿طُوًى﴾ وَهُوَ اسْمُ الْوَادِي على الصحيح، فَقَالَ لَهُ: ﴿اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى﴾ أَيْ تَجَبَّرَ وَتَمَرَّدَ وَعَتَا، ﴿فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى﴾ أَيْ قُلْ لَهُ هَلْ لَكَ أَنْ تُجِيبَ إِلَى طَرِيقَةٍ وَمَسْلَكٍ تَزَّكَّى بِهِ أَيْ تُسَلِّمُ وَتُطِيعُ، ﴿وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ﴾ أَيْ أَدُلُّكَ إِلَى عِبَادَةِ رَبِّكَ ﴿فَتَخْشَى﴾ أَيْ فيصير قلبك خاضعاً له مطيعاً خاشعاً، بعد ما كَانَ قَاسِيًا خَبِيثًا بَعِيدًا مِنَ الْخَيْرِ، ﴿فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى﴾ يَعْنِي فَأَظْهَرَ لَهُ مُوسَى مَعَ هَذِهِ الدَّعْوَةِ الْحَقِّ حُجَّةً قَوِيَّةً، وَدَلِيلًا وَاضِحًا على صدق ما جاءه مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، ﴿فَكَذَّبَ وَعَصَى﴾ أَيْ فَكَذَّبَ بِالْحَقِّ، وَخَالَفَ مَا أَمَرَهُ بِهِ مِنَ الطَّاعَةِ، ﴿ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى﴾ أَيْ فِي مُقَابَلَةِ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ وَهُوَ جَمْعُهُ السَّحَرَةَ، لِيُقَابِلُوا مَا جَاءَ بِهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ المعجزات الباهرات ﴿فَحَشَرَ فَنَادَى﴾ أَيْ فِي قَوْمِهِ، ﴿فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ: وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ قَالَهَا فِرْعَوْنٌ بَعْدَ قَوْلِهِ: ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾ بِأَرْبَعِينَ سَنَةً، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى﴾ أَيْ انْتَقَمَ اللَّهُ مِنْهُ انْتِقَامًا جَعَلَهُ بِهِ عِبْرَةً وَنَكَالًا لِأَمْثَالِهِ مِنَ الْمُتَمَرِّدِينَ فِي الدُّنْيَا، ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ المرفود﴾، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ يُنصَرُونَ﴾، وهذا هُوَ الصَّحِيحُ فِي مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: ﴿نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى﴾ أَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ كَلِمَتَاهُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ، وَقِيلَ: كفره وعصيانه، والصحيح الْأَوَّلُ، وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى﴾ أَيْ لِمَنْ يَتَّعِظُ وَيَنْزَجِرُ.
597
- ٢٧ - أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا
- ٢٨ - رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا
- ٢٩ - وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا
- ٣٠ - وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا
- ٣١ - أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا
- ٣٢ - وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا
- ٣٣ - مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ
يَقُولُ تَعَالَى مُحْتَجًّا عَلَى مُنْكِرِي الْبَعْثِ فِي إِعَادَةِ الْخَلْقِ بَعْدَ بَدْئِهِ ﴿أَأَنتُمْ﴾ أَيُّهَا النَّاسُ ﴿أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ﴾ يَعْنِي بَلِ السَّمَاءُ أَشَدُّ خَلْقًا مِنْكُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ من خلق الناس﴾، وقوله تعالى: ﴿بَنَاهَا﴾ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا﴾ أَيْ جَعَلَهَا عَالِيَةَ الْبِنَاءِ، بَعِيدَةَ الْفَنَاءِ، مُسْتَوِيَةَ الْأَرْجَاءِ، مكللة بالكواكب في الليلة الظلماء، وقوله تعالى: ﴿وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا﴾ أَيْ جَعَلَ لَيْلَهَا مظلماً أسود حالكاً، ونهارها مضيئاً مشرقاً وَاضِحًا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَغْطَشَ لَيْلَهَا أَظْلَمَهُ، ﴿وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا﴾ أي أنار نهارها، وقوله تعالى: ﴿والأرض بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا﴾ فسره بقوله تعالى: ﴿أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا﴾ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ «حم السَّجْدَةِ» أَنَّ الْأَرْضَ خُلِقَتْ قَبْلَ خلق السَّمَاءِ، وَلَكِنْ إِنَّمَا دُحِيَتْ بَعْدَ خَلْقِ السَّمَاءِ بِمَعْنَى أَنَّهُ أَخْرَجَ مَا كَانَ فِيهَا بِالْقُوَّةِ إلى الفعل، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿دَحَاهَا﴾ وَدَحْيُهَا أَنْ أَخْرَجَ مِنْهَا الْمَاءَ وَالْمَرْعَى وَشَقَّقَ فِيهَا الْأَنْهَارَ، وَجَعَلَ فِيهَا الْجِبَالَ وَالرِّمَالَ وَالسُّبُلَ وَالْآكَامَ فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا﴾. وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِيرَ ذلك هنالك، وقوله تعالى: ﴿والجبال أَرْسَاهَا﴾ أي قررها وأثبتها في أماكنها، وهو الحكيم العليم، الرؤوف بخلقه الرحيم. وقوله تعالى: ﴿متاعا لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ﴾ أي دحا الأرض فأتبع عُيُونَهَا، وَأَظْهَرَ مَكْنُونَهَا، وَأَجْرَى أَنْهَارَهَا، وَأَنْبَتَ زُرُوعَهَا وأشجارها
597
وَثَبَّتَ جِبَالَهَا لِتَسْتَقِرَّ بِأَهْلِهَا وَيَقَرُّ قَرَارُهَا، كُلُّ ذلك متعاً لِخَلْقِهِ وَلِمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنَ الْأَنْعَامِ، الَّتِي يَأْكُلُونَهَا وَيَرْكَبُونَهَا مُدَّةَ احْتِيَاجِهِمْ إِلَيْهَا فِي هَذِهِ الدَّارِ، إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ الْأَمَدُ وَيَنْقَضِيَ الْأَجَلُ.
598
- ٣٤ - فَإِذَا جَآءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى
- ٣٥ - يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى
- ٣٦ - وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى
- ٣٧ - فَأَمَّا مَن طَغَى
- ٣٨ - وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا
- ٣٩ - فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى
- ٤٠ - وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى
- ٤١ - فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى
- ٤٢ - يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا
- ٤٣ - فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا
- ٤٤ - إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَآ
- ٤٥ - إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ مَنْ يَخْشَاهَا
- ٤٦ - كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا
يَقُولُ تَعَالَى: ﴿فَإِذَا جَآءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى﴾ وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ، لِأَنَّهَا تطم على كل أمر هائك مُفْظِعٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ﴾، ﴿يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى﴾ أَيْ حِينَئِذٍ يَتَذَكَّرُ ابْنُ آدَمَ جَمِيعَ عَمَلِهِ، خَيْرِهِ وَشَرِّهِ كما قال تَعَالَى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى﴾، ﴿وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى﴾ أَيْ أَظْهَرَتْ لِلنَّاظِرِينَ فَرَآهَا النَّاسُ عِيَانًا، ﴿فَأَمَّا مَن طَغَى﴾ أَيْ تَمَرَّدَ وَعَتَا، ﴿وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ أَيْ قَدَّمَهَا عَلَى أَمْرِ دِينِهِ وأُخراه، ﴿فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى﴾، أَيْ فَإِنَّ مَصِيرَهُ إِلَى الْجَحِيمِ وَإِنَّ مطْعمه مِنَ الزَّقُّومِ وَمَشْرَبَهُ مِنَ الْحَمِيمِ، ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى﴾ أَيْ خَافَ الْقِيَامَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ، وَخَافَ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِ، وَنَهَى نَفْسَهُ عَنْ هَوَاهَا، وَرَدَّهَا إِلَى طَاعَةِ مَوْلَاهَا، ﴿فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ أَيْ مُنْقَلَبُهُ وَمَصِيرُهُ إِلَى الْجَنَّةِ الْفَيْحَاءِ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَآ﴾ أَيْ لَيْسَ عِلْمُهَا إِلَيْكَ وَلَا إِلَى أَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ، بَلْ مَرَدُّهَا وَمَرْجِعُهَا إِلَى اللَّهِ عزَّ وجلَّ، فَهُوَ الذي يعلم وقتها على التعيين ﴿قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ الله﴾، وقال ههنا: ﴿إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَآ﴾، وَلِهَذَا لَمَّا سَأَلَ جِبْرِيلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن وقت السَّاعَةُ؟ قَالَ: «مَا الْمَسْؤُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السائل»، وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَآ أَنْتَ مُنْذِرُ مَن يَخْشَاهَا﴾ أَيْ إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لِتُنْذِرَ النَّاسَ، وَتُحَذِّرَهُمْ مِنْ بَأْسِ اللَّهِ وعذابه، فمن خشي الله وخاف مقام ربه وَوَعِيدَهُ اتَّبَعَكَ فَأَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَالْخَيْبَةُ وَالْخَسَارُ عَلَى من كَذَّبك وخالفك، وقوله تَعَالَى: ﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا﴾ أَيْ إِذَا قَامُوا مِنْ قُبُورِهِمْ إِلَى الْمَحْشَرِ يَسْتَقْصِرُونَ مُدَّةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، حَتَّى كَأَنَّهَا عِنْدَهُمْ كَانَتْ عَشِيَّةً مِنْ يَوْمٍ أَوْ ضحى من يوم، قال ابن عباس: أَمَّا عَشِيَّةً فَمَا بَيْنَ الظَّهْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، ﴿أَوْ ضُحَاهَا﴾ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: وَقْتُ الدُّنْيَا في أعين القوم حين عاينوا الآخرة.
598
- ٨٠ - سورة عبس.
599
سورة النازعات
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (النَّازعات) من السُّوَر المكية، وقد افتُتحت بذكرِ الملائكة التي تَنزِع الأرواح؛ ليبعثَ اللهُ الناس بعد ذلك في يوم الطامَّة الكبرى؛ ليكونَ من اتقى في الجِنان، ويذهبَ من طغى وآثر الحياةَ الدنيا إلى الجحيم مأواه، وقد ذكَّرت السورةُ الكريمة بنِعَمِ الله على خَلْقه وقوَّته وقهره بعد أن بيَّنتْ إقامةَ الحُجَّة على الكافرين، كما أقام موسى عليه السلام الحُجَّةَ على فرعون بالإبلاغ.

ترتيبها المصحفي
79
نوعها
مكية
ألفاظها
179
ترتيب نزولها
81
العد المدني الأول
45
العد المدني الأخير
45
العد البصري
45
العد الكوفي
46
العد الشامي
45

- قوله تعالى: {يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ اْلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَىٰهَا ٤٢ فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَىٰهَآ} [النازعات: 42-43]:

عن عائشةَ رضي الله عنها، قالت: «كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُسألُ عن الساعةِ حتى أُنزِلَ عليه: {يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ اْلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَىٰهَا ٤٢ فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَىٰهَآ} [النازعات: 42-43]». أخرجه الحاكم (3895).

* سورة (النَّازعات):

سُمِّيت سورة (النَّازعات) بذلك؛ لافتتاحها بقَسَمِ الله بـ(النَّازعات)؛ وهم: الملائكةُ الذين ينتزعون أرواحَ بني آدم.

1. مَشاهد اليوم الآخِر (١-١٤).

2. قصة موسى عليه السلام مع فرعون (١٥-٢٦).

3. لفتُ النظر إلى خَلْقِ السموات والأرض (٢٧-٣٣).

4. أحداث يوم القيامة (٣٤-٤١).

5. سؤال المشركين عن وقتِ الساعة (٤٢-٤٦).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /23).

يقول ابنُ عاشور رحمه الله: «اشتملت على إثباتِ البعث والجزاء، وإبطال إحالة المشركين وقوعَه، وتهويلِ يومه، وما يعتري الناسَ حينئذٍ من الوَهَلِ، وإبطال قول المشركين بتعذُّرِ الإحياء بعد انعدام الأجساد». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /59).