تفسير سورة النازعات

تفسير ابن عباس

تفسير سورة سورة النازعات من كتاب تنوير المقباس من تفسير ابن عباس المعروف بـتفسير ابن عباس.
لمؤلفه الفيروزآبادي . المتوفي سنة 817 هـ

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى ﴿والنازعات﴾ يَقُول أقسم الله بِالْمَلَائِكَةِ الَّذين ينزعون نفوس الْكَافرين ﴿غَرْقاً﴾ غرقت نَفسه فِي صَدره وَهِي أَرْوَاح الْكَافرين
﴿والناشطات﴾ وَأقسم بِالْمَلَائِكَةِ الَّذين ينشطون نفوس الْكَافرين بالكرب وَالْغَم ﴿نَشْطاً﴾ كنشط السفود كثير الشّعب من الصُّوف وَيُقَال هِيَ أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ تنشط بِالْخرُوجِ إِلَى الْجنَّة
﴿والسابحات سَبْحاً﴾ وَأقسم بِالْمَلَائِكَةِ الَّذين ينزعون نفوس الصَّالِحين يسلونها سلا رَقِيقا رويدا ثمَّ يتركونها حَتَّى تستريح وَيُقَال أراوح الْمُؤمنِينَ
﴿فالسابقات سَبْقاً﴾ وَأقسم بِالْمَلَائِكَةِ الَّذين يسبقون بأرواح الْمُؤمنِينَ إِلَى الْجنَّة وأرواح الْكَافرين إِلَى النَّار وَيُقَال هِيَ أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ تسبق إِلَى الْجنَّة
﴿فالمدبرات أَمْراً﴾ وَأقسم بِالْمَلَائِكَةِ الَّذين يدبرون أُمُور الْعباد يَعْنِي جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل وَملك الْمَوْت وَيُقَال والنازعات غرقاً والناشطات نشطاً والسابحات سبحاً فالسابقات سبقاً كل هَؤُلَاءِ النُّجُوم فالمدبرات أمرا هم الْمَلَائِكَة وَيُقَال والنازعات غرقاً هِيَ قسي الْغُزَاة والناشطات نشطاً هِيَ أوهاق الْغُزَاة والسابحات سبحاهى سفن غزَاة الْبَحْر والسابقات سبقاً هِيَ خُيُول الْغُزَاة فالمدبرات أمرا هم قواد الْغُزَاة وَيُقَال والسابحات سبحاً هِيَ الشَّمْس وَالْقَمَر وَاللَّيْل وَالنَّهَار أقسم الله بهؤلاء الْأَشْيَاء أَن النفختين لكائنتان بَينهمَا أَرْبَعُونَ سنة
ثمَّ بيَّنهما فَقَالَ ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الراجفة﴾ وَهِي النفخة الأولى يتزلزل كل شَيْء
﴿تَتْبَعُهَا الرادفة﴾ وَهِي النفخة الْأَخِيرَة
﴿قُلُوب يَوْمئِذٍ﴾ يَوْم الْقيام ﴿واجفة﴾ خائفة
﴿أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ﴾ ذليلة
﴿يَقُولُونَ﴾ كفار مَكَّة النَّضر بن الْحَارِث وَأَصْحَابه ﴿أئنا لَمَرْدُودُونَ فِي الحافرة﴾ إِلَى الدُّنْيَا وَيُقَال من الْقُبُور
﴿أئذا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً﴾ ناخرة بالية وَيُقَال ميتَة إِن قَرَأت بِالْألف كَيفَ يبعثنا فَقَالَ لَهُم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بلَى يبعثكم
﴿قَالُواْ تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ﴾ رَجْعَة خائبة لَا تكون فَقَالَ الله
﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ﴾ نفخة وَاحِدَة لَا تثنى وَهِي نفخة الْبَعْث
﴿فَإِذَا هُم بالساهرة﴾ على وَجه الأَرْض وَيُقَال بِأَرْض الْمَحْشَر
﴿هَلْ أَتَاكَ﴾ يَا مُحَمَّد استفهاماً مِنْهُ يَعْنِي قد أَتَاك وَيُقَال مَا أَتَاك ثمَّ أَتَاك ﴿حَدِيثُ مُوسَى﴾ خبر مُوسَى
﴿إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ﴾ دَعَاهُ ربه ﴿بالواد الْمُقَدّس﴾ المطهر ﴿طُوًى﴾ اسْم الْوَادي وَإِنَّمَا سمي طوى لِكَثْرَة مَا مشت عَلَيْهِ الْأَنْبِيَاء وَيُقَال قد طوي وَيُقَال طأ يَا مُوسَى هَذَا الْوَادي بقدميك لخيره وبركته
﴿اذْهَبْ﴾ يَا مُوسَى ﴿إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى﴾ علا وتكبر وَكفر بِاللَّه
﴿فَقُلْ هَل لَّكَ﴾ يَا فِرْعَوْن ﴿إِلَى أَن تزكّى﴾ تصلح وتسلم فتوحد بِاللَّه
﴿وَأَهْدِيَكَ﴾ وأدعوك ﴿إِلَى رَبِّكَ فتخشى﴾ مِنْهُ فتسلم
﴿فَأَرَاهُ﴾ مُوسَى ﴿الْآيَة الْكُبْرَى﴾ الْعَلامَة الْعُظْمَى الْيَد والعصا
﴿فَكَذَّبَ﴾ وَقَالَ لَيْسَ هَذَا من الله ﴿وَعصى﴾ لم يقبل
﴿ثُمَّ أَدْبَرَ﴾ أعرض عَن الْإِيمَان وَيُقَال عَن مُوسَى ﴿يسْعَى﴾ يعْمل فِي أَمر مُوسَى وَيُقَال أسْرع إِلَى أَهله
﴿فَحَشَرَ﴾ قومه بِالشّرطِ ﴿فَنَادَى﴾ فخطبهم
﴿فَقَالَ﴾ لَهُم ﴿أَنَاْ رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾ أَنا ربكُم وَرب أصنامكم الْأَعْلَى فَلَا تتركوا عبادتها
﴿فَأَخَذَهُ الله﴾ فعاقبة الله ﴿نَكَالَ الْآخِرَة وَالْأولَى﴾ عُقُوبَة الدُّنْيَا بِالْغَرَقِ وعقوبة الْآخِرَة بالنَّار وَيُقَال عاقبه الله بكلمته الأولى وَالْأُخْرَى وكلمته الأولى قَوْله مَا علمت لكم من إِلَه غَيْرِي وكلمته الْأُخْرَى قَوْله أَنا ربكُم الْأَعْلَى وَكَانَ بَينهمَا أَرْبَعُونَ سنة
﴿إِنَّ فِي ذَلِك﴾ فِيمَا فعلنَا بهم بفرعون وَقَومه ﴿لَعِبْرَةً﴾ لعظة ﴿لِّمَن يخْشَى﴾ لمن يخَاف مَا صنع بهم
﴿أأنتم﴾ يَا أهل مَكَّة ﴿أَشَدُّ خَلْقاً﴾ بعثاً وَأحكم صَنْعَة ﴿أَمِ السمآء بَنَاهَا﴾
﴿رَفَعَ سَمْكَهَا﴾ سقفها ﴿فَسَوَّاهَا﴾ على الأَرْض
﴿وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا﴾ أظلم لَيْلهَا ﴿وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا﴾ أبرز نَهَارهَا وشمسها
﴿وَالْأَرْض بَعْدَ ذَلِك دَحَاهَا﴾ مَعَ ذَلِك بسطها على المَاء وَيُقَال بعد ذَلِك بسطها على المَاء بألفي سنة
﴿أَخْرَجَ مِنْهَا﴾ من الأَرْض ﴿مَآءَهَا﴾ الْجَارِي والغائر ﴿ومرعاها﴾ كلأها
﴿وَالْجِبَال أَرْسَاهَا﴾ أوتدها
﴿مَتَاعاً لَّكُمْ﴾ مَنْفَعَة لكم ﴿وَلأَنْعَامِكُمْ﴾ المَاء والكلأ
﴿فَإِذَا جَآءَتِ الطآمة الْكُبْرَى﴾ وَهِي قيام السَّاعَة طمت وعلت على كل شَيْء فَلَيْسَ فَوْقهَا شىء
﴿يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَان﴾ يتعظ وَيعلم الْكَافِر النَّضر وَأَصْحَابه ﴿مَا سعى﴾ الَّذِي عمل فِي كفره
﴿وَبُرِّزَتِ الْجَحِيم﴾ أظهرت الْجَحِيم ﴿لِمَن يرى﴾ لمن يجب لَهُ دُخُولهَا
﴿فَأَمَّا مَن طَغى﴾ علا وتكبر وَكفر بِاللَّه هُوَ النَّضر بن الْحَارِث بن عَلْقَمَة
﴿وَآثَرَ الْحَيَاة الدُّنْيَا﴾ اخْتَار الدُّنْيَا على الْآخِرَة وَالْكفْر على الْإِيمَان
﴿فَإِنَّ الْجَحِيم هِيَ المأوى﴾ مأوى من كَانَ هَكَذَا
﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ﴾ عِنْد الْمعْصِيَة ﴿مَقَامَ رَبِّهِ﴾ مقَامه بَين يَدي ربه فَانْتهى عَن الْمعْصِيَة ﴿وَنَهَى النَّفس عَنِ الْهوى﴾ عَن الْحَرَام الَّذِي يشتهيه وَهُوَ مُصعب بن عُمَيْر
﴿فَإِنَّ الْجنَّة هِيَ المأوى﴾ مأوى من كَانَ هَكَذَا
﴿يَسْأَلُونَك﴾ يَا مُحَمَّد كفار مَكَّة ﴿عَنِ السَّاعَة﴾ عَن قيام السَّاعَة ﴿أَيَّانَ مُرْسَاهَا﴾ مَتى قِيَامهَا إِنْكَار مِنْهُم لَهَا
﴿فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا﴾ مَا أَنْت وَذَاكَ أَن تذكرها لَهُم
﴿إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَآ﴾ مُنْتَهى علم قِيَامهَا
﴿إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ﴾ رَسُول مخوف بِالْقُرْآنِ ﴿مَن يَخْشَاهَا﴾ من يخَاف قِيَامهَا
﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا﴾ يَعْنِي السَّاعَة ﴿لَمْ يَلْبَثُوا﴾ فِي الْقُبُور فِي الدُّنْيَا ﴿إِلاَّ عَشِيَّةً﴾ قدر عَشِيَّة ﴿أَوْ ضُحَاهَا﴾ أَو قدر غدْوَة من أول النَّهَار
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْأَعْمَى وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها أَرْبَعُونَ وكلماتها مائَة وَثَلَاث وَثَلَاثُونَ وحروفها خَمْسمِائَة وَثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ
﴿بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم﴾
سورة النازعات
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (النَّازعات) من السُّوَر المكية، وقد افتُتحت بذكرِ الملائكة التي تَنزِع الأرواح؛ ليبعثَ اللهُ الناس بعد ذلك في يوم الطامَّة الكبرى؛ ليكونَ من اتقى في الجِنان، ويذهبَ من طغى وآثر الحياةَ الدنيا إلى الجحيم مأواه، وقد ذكَّرت السورةُ الكريمة بنِعَمِ الله على خَلْقه وقوَّته وقهره بعد أن بيَّنتْ إقامةَ الحُجَّة على الكافرين، كما أقام موسى عليه السلام الحُجَّةَ على فرعون بالإبلاغ.

ترتيبها المصحفي
79
نوعها
مكية
ألفاظها
179
ترتيب نزولها
81
العد المدني الأول
45
العد المدني الأخير
45
العد البصري
45
العد الكوفي
46
العد الشامي
45

- قوله تعالى: {يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ اْلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَىٰهَا ٤٢ فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَىٰهَآ} [النازعات: 42-43]:

عن عائشةَ رضي الله عنها، قالت: «كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُسألُ عن الساعةِ حتى أُنزِلَ عليه: {يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ اْلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَىٰهَا ٤٢ فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَىٰهَآ} [النازعات: 42-43]». أخرجه الحاكم (3895).

* سورة (النَّازعات):

سُمِّيت سورة (النَّازعات) بذلك؛ لافتتاحها بقَسَمِ الله بـ(النَّازعات)؛ وهم: الملائكةُ الذين ينتزعون أرواحَ بني آدم.

1. مَشاهد اليوم الآخِر (١-١٤).

2. قصة موسى عليه السلام مع فرعون (١٥-٢٦).

3. لفتُ النظر إلى خَلْقِ السموات والأرض (٢٧-٣٣).

4. أحداث يوم القيامة (٣٤-٤١).

5. سؤال المشركين عن وقتِ الساعة (٤٢-٤٦).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /23).

يقول ابنُ عاشور رحمه الله: «اشتملت على إثباتِ البعث والجزاء، وإبطال إحالة المشركين وقوعَه، وتهويلِ يومه، وما يعتري الناسَ حينئذٍ من الوَهَلِ، وإبطال قول المشركين بتعذُّرِ الإحياء بعد انعدام الأجساد». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /59).