تفسير سورة عبس

التفسير الميسر

تفسير سورة سورة عبس من كتاب التفسير الميسر
لمؤلفه التفسير الميسر . المتوفي سنة 2007 هـ

﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّى ( ١ ) أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى ( ٢ ) ﴾
ظهر التغير والعبوس في وجه الرسول صلى الله عليه وسلم، وأعرض
لأجل أن الأعمى عبد الله بن أم مكتوم جاءه مسترشدا، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم منشغلا بدعوة كبار قريش إلى الإسلام.
﴿ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ( ٣ ) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى ( ٤ ) ﴾
وأيُّ شيء يجعلك عالمًا بحقيقة أمره ؟ لعله بسؤاله تزكو نفسه وتطهر،
أو يحصل له المزيد من الاعتبار والازدجار.
﴿ أَمَّا مَنْ اسْتَغْنَى ( ٥ ) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى ( ٦ ) وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى ( ٧ ) ﴾
أما مَن استغنى عن هديك،
فأنت تتعرض له وتصغي لكلامه،
وأي شيء عليك ألا يتطهر من كفره ؟
﴿ وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى ( ٨ ) وَهُوَ يَخْشَى ( ٩ ) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى ( ١٠ ) كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ ( ١١ ) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ ( ١٢ ) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ ( ١٣ ) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ ( ١٤ ) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ ( ١٥ ) كِرَامٍ بَرَرَةٍ ( ١٦ ) ﴾
وأمَّا من كان حريصا على لقائك،
وهو يخشى الله من التقصير في الاسترشاد،
فأنت عنه تتشاغل.
ليس الأمر كما فعلت يا محمد، إن هذه السورة موعظة لك ولكل من شاء الاتعاظ.
فمن شاء ذكر الله وَأْتَمَّ بوحيه.
هذا الوحي، وهو القرآن في صحف معظمة، موقرة،
عالية القدر مطهرة من الدنس والزيادة والنقص،
بأيدي ملائكة كتبة، سفراء بين الله وخلقه،
كرام الخلق، أخلاقهم وأفعالهم بارة طاهرة.
﴿ قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ ( ١٧ ) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ( ١٨ ) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ( ١٩ ) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ( ٢٠ ) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ( ٢١ ) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ ( ٢٢ ) كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ ( ٢٣ ) ﴾
لُعِنَ الإنسان الكافر وعُذِّب، ما أشدَّ كفره بربه ! !
ألم ير مِن أيِّ شيء خلقه الله أول مرة ؟
خلقه الله من ماء قليل- وهو المَنِيُّ- فقدَّره أطوارا،
ثم بين له طريق الخير والشر،
ثم أماته فجعل له مكانًا يُقبر فيه،
ثم إذا شاء سبحانه أحياه، وبعثه بعد موته للحساب والجزاء.
ليس الأمر كما يقول الكافر ويفعل، فلم يُؤَدِّ ما أمره الله به من الإيمان والعمل بطاعته.
﴿ فَلْيَنْظُرْ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ( ٢٤ ) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً ( ٢٥ ) ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقّاً ( ٢٦ ) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً ( ٢٧ ) وَعِنَباً وَقَضْباً ( ٢٨ ) وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً ( ٢٩ ) وَحَدَائِقَ غُلْباً ( ٣٠ ) وَفَاكِهَةً وَأَبّاً ( ٣١ ) مَتَاعاً لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ ( ٣٢ ) ﴾
فليتدبر الإنسان : كيف خلق الله طعامه الذي هو قوام حياته ؟
أنَّا صببنا الماء على الأرض صَبًّا،
ثم شققناها بما أخرجنا منها من نبات شتى،
فأنبتنا فيها حبًا،
وعنبًا وعلفًا للدواب،
وزيتونًا ونخلا،
وحدائق عظيمة الأشجار،
وثمارًا وكلأ،
تَنْعَمون بها أنتم وأنعامكم.
﴿ فَإِذَا جَاءَتْ الصَّاخَّةُ ( ٣٣ ) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ( ٣٤ ) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ( ٣٥ ) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ( ٣٦ ) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ( ٣٧ ) ﴾
فإذا جاءت صيحة يوم القيامة التي تصمُّ مِن هولها الأسماع،
يوم يفرُّ المرء لهول ذلك اليوم من أخيه،
وأمه وأبيه،
وزوجه وبنيه.
لكل واحد منهم يومئذٍ أمر يشغله ويمنعه من الانشغال بغيره.
﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ( ٣٨ ) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ ( ٣٩ ) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ ( ٤٠ ) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ ( ٤١ ) أُوْلَئِكَ هُمْ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ ( ٤٢ ) ﴾
وجوه أهل النعيم في ذلك اليوم مستنيرة،
مسرورة فرحة،
ووجوه أهل الجحيم مظلمة مسودَّة،
تغشاها ذلَّة.
أولئك الموصوفون بهذا الوصف هم الذين كفروا بنعم الله وكذَّبوا بآياته، وتجرؤوا على محارمه بالفجور والطغيان.
سورة عبس
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (عبَسَ) من السُّوَر المكية، وقد نزلت في عتابِ الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم في إعراضه عن ابنِ أمِّ مكتومٍ الأعمى، بسبب انشغاله مع صناديدِ قريش، وهذا العتاب لتعليم النبي صلى الله عليه وسلم المقارنةَ بين المصالح والمفاسد، وإعلاءٌ من شأن النبي صلى الله عليه وسلم، كما جاءت السورة على ذكرِ آيات الله ونِعَمه على خَلْقِه؛ مذكِّرةً إياهم بيوم (الصاخَّة)، حين ينقسم الناس إلى أهل جِنان، وأهل نيران.

ترتيبها المصحفي
80
نوعها
مكية
ألفاظها
133
ترتيب نزولها
24
العد المدني الأول
42
العد المدني الأخير
42
العد البصري
41
العد الكوفي
42
العد الشامي
40

* قوله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّىٰٓ ١ أَن جَآءَهُ اْلْأَعْمَىٰ ٢ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُۥ يَزَّكَّىٰٓ ٣ أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ اْلذِّكْرَىٰٓ} [عبس: 1-4]:

عن عُرْوةَ، عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها، قالت: «أُنزِلتْ في ابنِ أمِّ مكتومٍ الأعمى»، قالت: «أتى النبيَّ ﷺ، فجعَلَ يقولُ: يا نبيَّ اللهِ، أرشِدْني! قالت: وعند النبيِّ ﷺ رجُلٌ مِن عُظَماءِ المشركين، فجعَلَ النبيُّ ﷺ يُعرِضُ عنه، ويُقبِلُ على الآخَرِ، فقال النبيُّ ﷺ: «يا فلانُ، أتَرى بما أقولُ بأسًا؟»، فيقولُ: لا؛ فنزَلتْ: {عَبَسَ وَتَوَلَّىٰٓ} [عبس: 1]». أخرجه ابن حبان (٥٣٥).

* سورة (عبَسَ):

سُمِّيت سورة (عبَسَ) بذلك؛ لقوله تعالى في أولها: {عَبَسَ وَتَوَلَّىٰٓ} [عبس: 1].

1. عتابُ المُحبِّ (١-١٦).

2. تفكُّر وتدبُّر (١٧-٣٢).
3. يومَك.. يومَك (٣٣-٤٢).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /41).

عتابُ اللهِ نبيَّه صلى الله عليه وسلم عتابَ المُحبِّ؛ لتزكيةِ نفس النبي صلى الله عليه وسلم، ولتعليمه الموازنةَ بين مراتبِ المصالح والمفاسد، وفي حادثةِ عُبُوسِه صلى الله عليه وسلم في وجهِ الأعمى أوضَحُ الدلالة على ذلك.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /157)، "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /102).