تفسير سورة عبس

تفسير ابن عباس

تفسير سورة سورة عبس من كتاب تنوير المقباس من تفسير ابن عباس المعروف بـتفسير ابن عباس.
لمؤلفه الفيروزآبادي . المتوفي سنة 817 هـ

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى ﴿عبس﴾ يَقُول كلح مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجهه ﴿وَتَوَلَّى﴾ أعرض بِوَجْهِهِ
﴿أَن جَآءَهُ الْأَعْمَى﴾ إِذْ جَاءَهُ عبد الله ابْن أم مَكْتُوم وَهُوَ عبد الله بن شُرَيْح وَأم مَكْتُوم كَانَت أم أَبِيه وَذَلِكَ أَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ جَالِسا مَعَ ثَلَاثَة نفر من أَشْرَاف قُرَيْش مِنْهُم الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب عَمه وَأُميَّة بن خلف الجمحى وَصَفوَان ابْن أُميَّة وَكَانُوا كفَّارًا فَكَانَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعِظهُمْ ويدعوهم إِلَى الْإِسْلَام فجَاء ابْن أم مَكْتُوم فَقَالَ يَا رَسُول الله عَلمنِي مِمَّا علمك الله فَأَعْرض النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِوَجْهِهِ عَنهُ اشتغالاً بهؤلاء النَّفر فَنزل فِيهِ عبس كلح مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِوَجْهِهِ وَتَوَلَّى أعرض بِوَجْهِهِ عَن عبد الله أَن جَاءَهُ الْأَعْمَى ابْن أم مَكْتُوم
﴿وَمَا يُدْرِيكَ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿لَعَلَّهُ﴾ أَي الْأَعْمَى ﴿يزكّى﴾ يصلح بِالْقُرْآنِ
﴿أَوْ يَذَّكَّرُ﴾ يتعظ بِالْقُرْآنِ ﴿فَتَنفَعَهُ الذكرى﴾ أَي العظة بِالْقُرْآنِ وَيُقَال وَمَا يدْريك يَا مُحَمَّد لَعَلَّه يزكّى أَن لَا يصلح أَو يذكر أَو لَا يتعظ فتنفعه الذكرى أَو لَا تَنْفَعهُ أَي العظة
﴿أَمَّا مَنِ اسْتغنى﴾ عَن الله فِي نَفسه وهم هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة
﴿فَأَنتَ لَهُ تصدى﴾ تقبل عَلَيْهِ بِوَجْهِك
﴿وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يزكّى﴾ أَلا يوحد هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة
﴿وَأَمَّا مَن جَآءَكَ يسْعَى﴾ يسْرع فِي الْخَيْر
﴿وَهُوَ يخْشَى﴾ من الله وَهُوَ مُسلم وَكَانَ قد أسلم قبل ذَلِك ابْن أم مَكْتُوم
﴿فَأَنتَ عَنْهُ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿تلهى﴾ تعرض مشتغلاً بهؤلاء الثَّلَاثَة
﴿كَلاَّ﴾ لَا تفعل هَكَذَا يَقُول لَا تقبل على الَّذِي اسْتغنى عَن الله فِي نَفسه وَتعرض عَمَّن يخْشَى الله فَكَانَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكرم ابْن أم مَكْتُوم بعد ذَلِك وَيحسن إِلَيْهِ كلا حَقًا ﴿إِنَّهَا﴾ يَعْنِي هَذِه السُّورَة ﴿تَذْكِرَةٌ﴾ عظة من الله للغني وَالْفَقِير
﴿فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ﴾ فَمن شَاءَ الله لَهُ أَن يتعظ اتعظ
﴿فَي صُحُفٍ﴾ يَقُول الْقُرْآن مَكْتُوب فِي كتب من أَدَم ﴿مُّكَرَّمَةٍ﴾ كَرِيمَة على الله
﴿مَّرْفُوعَةٍ﴾ مُرْتَفعَة فِي السَّمَاء ﴿مُّطَهَّرَةٍ﴾ من الأدناس والشرك
﴿بِأَيْدِي سَفَرَةٍ﴾ كتبة
﴿كِرَامٍ﴾ هم كرام على الله مُسلمُونَ ﴿بَرَرَةٍ﴾ صَدَقَة وهم الْحفظَة أهل السَّمَاء الدُّنْيَا
﴿قُتِلَ الْإِنْسَان﴾ لعن الْكَافِر عتبَة بن أبي لَهب ﴿مَآ أَكْفَرَهُ﴾ مَا الَّذِي أكفره بِاللَّه وبنجوم الْقُرْآن يَعْنِي وبالنجم إِذا هوى وَيُقَال مَا أَشد كفره
﴿مِنْ أَيِّ شَيءٍ خَلَقَهُ﴾
501
يَقُول فليتفكر فِي نَفسه من أَي شَيْء خلقه نسمَة
502
ثمَّ بيَّن لَهُ فَقَالَ ﴿مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ﴾ نسمَة ﴿فَقَدَّرَهُ﴾ قدر خلقه باليدين وَالرّجلَيْنِ والعينين والأذنين وَسَائِر الْأَعْضَاء
﴿ثُمَّ السَّبِيل يَسَّرَهُ﴾ طَرِيق الْخَيْر وَالشَّر بَينه وَيُقَال سَبِيل الرَّحِم يسره بِالْخرُوجِ
﴿ثُمَّ أَمَاتَهُ﴾ بعد ذَلِك ﴿فَأَقْبَرَهُ﴾ فَأمر بِهِ فقبر
﴿ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ﴾ بَعثه من الْقَبْر
﴿كَلاَّ﴾ حَقًا يَا مُحَمَّد ﴿لَمَّا﴾ لم ﴿يَقْضِ﴾ وَالْألف هَهُنَا صلَة لم يزدْ ﴿مَآ أَمَرَهُ﴾ الَّذِي أمره الله من التَّوْحِيد وَغَيره
﴿فَلْيَنظُرِ الْإِنْسَان﴾ فليتفكر الْكَافِر عتبَة بن أبي لَهب ﴿إِلَى طَعَامِهِ﴾ فِي رزقه الَّذِي يَأْكُلهُ كَيفَ يحول من حَال إِلَى حَال حَتَّى يَأْكُلهُ
ثمَّ بيَّن لَهُ تحويله فَقَالَ ﴿أَنَّا صَبَبْنَا المآء صَبّاً﴾ يَعْنِي الْمَطَر على الأَرْض صبا
﴿ثُمَّ شَقَقْنَا﴾ صدعنا ﴿الأَرْض شَقّاً﴾ صدعاً بالنبات
﴿فَأَنبَتْنَا فِيهَا﴾ فِي الأَرْض ﴿حَبّاً﴾ الْحُبُوب كلهَا
﴿وَعِنَباً﴾ يَعْنِي الكروم ﴿وَقَضْباً﴾ قتاً وَيُقَال هُوَ الرّطبَة
﴿وَزَيْتُوناً﴾ شَجَرَة الزَّيْتُون ﴿وَنَخْلاً﴾ يَعْنِي النخيل
﴿وَحَدَآئِقَ﴾ مَا أحيط عَلَيْهَا من الشّجر والنخيل ﴿غُلْباً﴾ غلاظا طوَالًا
﴿وَفَاكِهَةً﴾ وألوان الْفَاكِهَة ﴿وَأَبّاً﴾ يَعْنِي الْكلأ وَيُقَال وَهُوَ التِّبْن
﴿مَّتَاعاً لَّكُمْ﴾ مَنْفَعَة الْحُبُوب وَغَيرهَا ﴿وَلأَنْعَامِكُمْ﴾ الْكلأ
﴿فَإِذَا جَآءَتِ الصآخة﴾ وَهُوَ قيام السَّاعَة صَاح وخضع وانقاد وَأجَاب لَهَا كل شَيْء وتذل الْخَلَائق ويعلمون أَنَّهَا كائنة
ثمَّ بيَّن مَتى تكون فَقَالَ ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْء﴾ الْمُؤمن ﴿مِنْ أَخِيهِ﴾ الْكَافِر
﴿وَأُمِّهِ﴾ ويفر من أمه ﴿وَأَبِيهِ﴾ ويفر من أَبِيه
﴿وَصَاحِبَتِهِ﴾ ويفر من زَوجته ﴿وَبَنِيهِ﴾ ويفر من بنيه وَيُقَال يفر هابيل من قابيل وَمُحَمّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أمه آمِنَة وَإِبْرَاهِيم من أَبِيه ولوطاً من زَوجته واعلة ونوح من ابْنه كنعان
﴿لكل امْرِئ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ﴾ يَوْم الْقِيَامَة ﴿شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾ عمل يشْغلهُ عَن غَيره
﴿وُجُوهٌ﴾ وُجُوه الْمُؤمنِينَ المصدقين فِي إِيمَانهم ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ يَوْم الْقِيَامَة ﴿مُّسْفِرَةٌ﴾ مشرقة بِرِضا الله عَنْهَا
﴿ضَاحِكَةٌ﴾ معجبة بكرامة الله لَهَا ﴿مُّسْتَبْشِرَةٌ﴾ مسرورة بِثَوَاب الله
﴿وَوُجُوهٌ﴾ وُجُوه الْمُنَافِقين وَالْكفَّار ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ يَوْم الْقِيَامَة ﴿عَلَيْهَا غَبَرَةٌ﴾ غُبَار
﴿تَرْهَقُهَا﴾ تعلوها وتغشاها ﴿قَتَرَةٌ﴾ كآبة وكسوف
﴿أُولَئِكَ﴾ أهل هَذِه الصّفة ﴿هُمُ الْكَفَرَة﴾ بِاللَّه ﴿الفجرة﴾ الكذبة على الله
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا إِذا الشَّمْس كورت وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها تسع وَعِشْرُونَ وكلماتها مائَة وَأَرْبع وحروفها خَمْسمِائَة وَثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ حرفا
﴿بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم﴾
سورة عبس
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (عبَسَ) من السُّوَر المكية، وقد نزلت في عتابِ الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم في إعراضه عن ابنِ أمِّ مكتومٍ الأعمى، بسبب انشغاله مع صناديدِ قريش، وهذا العتاب لتعليم النبي صلى الله عليه وسلم المقارنةَ بين المصالح والمفاسد، وإعلاءٌ من شأن النبي صلى الله عليه وسلم، كما جاءت السورة على ذكرِ آيات الله ونِعَمه على خَلْقِه؛ مذكِّرةً إياهم بيوم (الصاخَّة)، حين ينقسم الناس إلى أهل جِنان، وأهل نيران.

ترتيبها المصحفي
80
نوعها
مكية
ألفاظها
133
ترتيب نزولها
24
العد المدني الأول
42
العد المدني الأخير
42
العد البصري
41
العد الكوفي
42
العد الشامي
40

* قوله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّىٰٓ ١ أَن جَآءَهُ اْلْأَعْمَىٰ ٢ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُۥ يَزَّكَّىٰٓ ٣ أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ اْلذِّكْرَىٰٓ} [عبس: 1-4]:

عن عُرْوةَ، عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها، قالت: «أُنزِلتْ في ابنِ أمِّ مكتومٍ الأعمى»، قالت: «أتى النبيَّ ﷺ، فجعَلَ يقولُ: يا نبيَّ اللهِ، أرشِدْني! قالت: وعند النبيِّ ﷺ رجُلٌ مِن عُظَماءِ المشركين، فجعَلَ النبيُّ ﷺ يُعرِضُ عنه، ويُقبِلُ على الآخَرِ، فقال النبيُّ ﷺ: «يا فلانُ، أتَرى بما أقولُ بأسًا؟»، فيقولُ: لا؛ فنزَلتْ: {عَبَسَ وَتَوَلَّىٰٓ} [عبس: 1]». أخرجه ابن حبان (٥٣٥).

* سورة (عبَسَ):

سُمِّيت سورة (عبَسَ) بذلك؛ لقوله تعالى في أولها: {عَبَسَ وَتَوَلَّىٰٓ} [عبس: 1].

1. عتابُ المُحبِّ (١-١٦).

2. تفكُّر وتدبُّر (١٧-٣٢).
3. يومَك.. يومَك (٣٣-٤٢).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /41).

عتابُ اللهِ نبيَّه صلى الله عليه وسلم عتابَ المُحبِّ؛ لتزكيةِ نفس النبي صلى الله عليه وسلم، ولتعليمه الموازنةَ بين مراتبِ المصالح والمفاسد، وفي حادثةِ عُبُوسِه صلى الله عليه وسلم في وجهِ الأعمى أوضَحُ الدلالة على ذلك.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /157)، "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /102).