تفسير سورة عبس

الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم

تفسير سورة سورة عبس من كتاب الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم
لمؤلفه الكَازَرُوني . المتوفي سنة 923 هـ

لَمَّا قال:﴿ إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَٰهَا ﴾[النازعات: ٤٥] أتى بقصى من كان يذَّكَّر وتنفعه الذكرى فقال: ﴿ بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ ﴾: لما كان صلى الله عليه وسلم مشغولا بعظماء قريش في إسلامهم، جاءه ابن أم مكتوم الضرير فقال له: علمني مما علمك الله وكرره جاهلا بالحال فكره صلى الله عليه وسلم وأعرض عنه، فعوتب بنزول ﴿ عَبَسَ ﴾ أي: كلح وجهه ﴿ وَتَوَلَّىٰ ﴾ أي: أعرض بوجهه صلى الله عليه وسلم ﴿ أَن ﴾: أي: لأن ﴿ جَآءَهُ ٱلأَعْمَىٰ * وَمَا يُدْرِيكَ ﴾: أي: يعلمك بحاله يا محمد ﴿ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ ﴾: يتطهر من الذنوب بما يسمع منك، لا العظماء ﴿ أَوْ يَذَّكَّرُ ﴾ يتعظ ﴿ فَتَنفَعَهُ ٱلذِّكْرَىٰ ﴾: أي: عظتك ﴿ أَمَّا مَنِ ٱسْتَغْنَىٰ ﴾: بماله ﴿ فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّىٰ ﴾: تتعرض طمعا في إسلامه ﴿ وَمَا عَلَيْكَ ﴾: ضرر في ﴿ أَلاَّ يَزَّكَّىٰ ﴾: بالإسلام، ما عليك إلا البلاغ ﴿ وَأَمَّا مَن جَآءَكَ يَسْعَىٰ ﴾: في طلب الخير ﴿ وَهُوَ يَخْشَىٰ ﴾ الله تعالى أي: الأعمى ﴿ فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّىٰ ﴾: تتشاغل ﴿ كَلاَّ ﴾: ردع عن معاودة مثله ﴿ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ ﴾: للكل ﴿ فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ ﴾: اتعظ به، والضميران للقرآن، وأنث الأول لتأنيث خبره، مثبتة ﴿ فَي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ ﴾: عند الله تعالى ﴿ مَّرْفُوعَةٍ ﴾: قَدرا ﴿ مُّطَهَّرَةٍ ﴾: عن مس الشياطين ﴿ بِأَيْدِي ﴾ ملائكة ﴿ سَفَرَةٍ ﴾ كتبه من اللوح أو رسل ﴿ كِرَامٍ ﴾: على الله عَزَّ وَجَلَّ ﴿ بَرَرَةٍ ﴾: أتقياء ﴿ قُتِلَ ﴾: لعن ﴿ ٱلإِنسَانُ ﴾: المنكر للبعث ﴿ مَآ أَكْفَرَهُ ﴾: ما أشد كفره ﴿ مِنْ أَيِّ شَيءٍ ﴾: حقير ﴿ خَلَقَهُ * مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ﴾: أطوار إلى تمام خلقته ﴿ ثُمَّ ٱلسَّبِيلَ ﴾: إلى الخروج من بطن أمه ﴿ يَسَّرَهُ ﴾: أو سبيل الخير والشر ألهمه ﴿ ثُمَّ أَمَاتَهُ ﴾: للحياة الأبدية ﴿ فَأَقْبَرَهُ ﴾: تكرمه ﴿ ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ ﴾: أحياه ﴿ كَلاَّ ﴾: ردع عما هو عليه ﴿ لَمَّا يَقْضِ ﴾: بعد من لدن آدم إلى الآن ﴿ مَآ أَمَرَهُ ﴾: فما منا إلا وله تقصير ﴿ فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ ﴾: مستدلا على البعث ﴿ أَنَّا صَبَبْنَا ٱلْمَآءَ ﴾: المطر ﴿ صَبّاً * ثُمَّ شَقَقْنَا ٱلأَرْضَ ﴾: بالنبات ﴿ شَقّاً * فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً ﴾: كالبر ﴿ وَعِنَباً وَقَضْباً ﴾: قَتًّا للعلف ﴿ وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً * وَحَدَآئِقَ ﴾: بستاتين ﴿ غُلْباً ﴾: عظاما بكثرة أشجارها ﴿ وَفَاكِهَةً ﴾: أي ثمار ربطة ﴿ وَأَبّاً ﴾: مرعى الدواب كالحصيد للآدمي، أو يابس الفواكة، وحديث:" خلقتم من سبع، ورقتم من سبع، فاسجدوا على سبع "يؤيد الأول ﴿ مَّتَاعاً ﴾: تمتيعا ﴿ لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ * فَإِذَا جَآءَتِ ٱلصَّآخَّةُ ﴾: النفخة الثانية التي تضخ، أي: تصم الآذان ﴿ يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَٰحِبَتِهِ ﴾: زوجته ﴿ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ ﴾: حال ﴿ يُغْنِيهِ ﴾: يشلغه عنهم ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ ﴾: مضيئة ﴿ ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ ﴾: فرحة بالكرامة ﴿ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ ﴾: كدرة ﴿ تَرْهَقُهَا ﴾: تغشاها ﴿ قَتَرَةٌ ﴾: ظلمة وسوادا ﴿ أُوْلَـٰئِكَ ﴾: الوجوه ﴿ هُمُ ٱلْكَفَرَةُ ﴾: وسوادهم لذلك ﴿ ٱلْفَجَرَةُ ﴾: وغبرتهم لذلك، والفاجر: الكاذبُ، والله تعالى أعلم بالصَّواب.
سورة عبس
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (عبَسَ) من السُّوَر المكية، وقد نزلت في عتابِ الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم في إعراضه عن ابنِ أمِّ مكتومٍ الأعمى، بسبب انشغاله مع صناديدِ قريش، وهذا العتاب لتعليم النبي صلى الله عليه وسلم المقارنةَ بين المصالح والمفاسد، وإعلاءٌ من شأن النبي صلى الله عليه وسلم، كما جاءت السورة على ذكرِ آيات الله ونِعَمه على خَلْقِه؛ مذكِّرةً إياهم بيوم (الصاخَّة)، حين ينقسم الناس إلى أهل جِنان، وأهل نيران.

ترتيبها المصحفي
80
نوعها
مكية
ألفاظها
133
ترتيب نزولها
24
العد المدني الأول
42
العد المدني الأخير
42
العد البصري
41
العد الكوفي
42
العد الشامي
40

* قوله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّىٰٓ ١ أَن جَآءَهُ اْلْأَعْمَىٰ ٢ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُۥ يَزَّكَّىٰٓ ٣ أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ اْلذِّكْرَىٰٓ} [عبس: 1-4]:

عن عُرْوةَ، عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها، قالت: «أُنزِلتْ في ابنِ أمِّ مكتومٍ الأعمى»، قالت: «أتى النبيَّ ﷺ، فجعَلَ يقولُ: يا نبيَّ اللهِ، أرشِدْني! قالت: وعند النبيِّ ﷺ رجُلٌ مِن عُظَماءِ المشركين، فجعَلَ النبيُّ ﷺ يُعرِضُ عنه، ويُقبِلُ على الآخَرِ، فقال النبيُّ ﷺ: «يا فلانُ، أتَرى بما أقولُ بأسًا؟»، فيقولُ: لا؛ فنزَلتْ: {عَبَسَ وَتَوَلَّىٰٓ} [عبس: 1]». أخرجه ابن حبان (٥٣٥).

* سورة (عبَسَ):

سُمِّيت سورة (عبَسَ) بذلك؛ لقوله تعالى في أولها: {عَبَسَ وَتَوَلَّىٰٓ} [عبس: 1].

1. عتابُ المُحبِّ (١-١٦).

2. تفكُّر وتدبُّر (١٧-٣٢).
3. يومَك.. يومَك (٣٣-٤٢).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /41).

عتابُ اللهِ نبيَّه صلى الله عليه وسلم عتابَ المُحبِّ؛ لتزكيةِ نفس النبي صلى الله عليه وسلم، ولتعليمه الموازنةَ بين مراتبِ المصالح والمفاسد، وفي حادثةِ عُبُوسِه صلى الله عليه وسلم في وجهِ الأعمى أوضَحُ الدلالة على ذلك.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /157)، "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /102).