بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة الكدح وهي مكية، والله أعلمﰡ
وَفِي تَفْسِير النقاش: انشقت لنزول الرب عز اسْمه، وَهُوَ بِلَا كَيفَ، وَقيل: (مزقت).
وَعَن عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - أَنه قَالَ: تَنْشَق السَّمَاء من المجرة، وَيُقَال: هِيَ بَاب السَّمَاء.
قَالَ الشَّاعِر:
(الْقلب تعلل بددن... إِن همي فِي سَماع وَأذن)
وَقَالَ بَعضهم: صم إِذا سمعُوا خيرا ذكرت بِهِ، وَإِن ذكرت بِسوء عِنْدهم أذنوا، أَي: اسْتَمعُوا.
وَفِي الْخَبَر عَن النَّبِي: " مَا أذن الله بِشَيْء كَإِذْنِهِ لنَبِيّ يتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ ".
وَأما اسْتِمَاع السَّمَاء فَيجوز أَن يكون على الْحَقِيقَة، وَيجوز أَن يكون استماعها انقيادها لما تُؤمر بِهِ، وَالله أعلم.
وَعَن بَعضهم: غيرت عَن هيئتها بالتبديل، وَغير ذَلِك، فَهُوَ معنى قَوْله: ﴿مدت﴾.
فَإِن قيل: أَيْن جَوَاب قَوْله: ﴿إِذا السَّمَاء انشقت﴾ وَهُوَ يَقْتَضِي جَوَابا؟ وَالْجَوَاب من وُجُوه: قَالَ الْفراء: جَوَابه مَحْذُوف، وَالْمعْنَى: إِذا السَّمَاء انشقت وَكَانَ كَذَا، رأى كل إِنْسَان مَا وجد من الثَّوَاب وَالْعِقَاب، وَيُقَال: علم كل مُنكر للبعث أَنه كَانَ فِي ضَلَالَة وَخطأ.
وَالْوَجْه الثَّانِي: أَن الْجَواب قَوْله: ﴿وأذنت﴾ وَالْوَاو زَائِدَة، فَالْجَوَاب: أَذِنت.
وَالْوَجْه الثَّالِث: أَن الْجَواب قَوْله: ﴿فملاقيه﴾ أَي: يلقى عمله من خير وَشر.
وَالْوَجْه الرَّابِع: أَن فِي الْآيَة تَقْدِيمًا وتأخيرا، وَالْمعْنَى: يَا أَيهَا الْإِنْسَان إِنَّك كَادِح إِلَى رَبك كدحا فملاقيه إِذا السَّمَاء انشقت.
والكدح هُوَ السَّعْي بتعب وَنصب.
قَالَ الشَّاعِر:
(وَمَضَت بشاشة كل عَيْش صَالح | وَبقيت أكدح للحياة وأنصب) |
وَكَانَ الْحسن الْبَصْرِيّ يَقُول: يَا أَيهَا الرجل، وكلكم ذَلِك الرجل.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿فملاقيه﴾ قَالَ قَتَادَة: أَي: فملاق عَمَلك من خير وَشر.
وَيُقَال: ملاق رَبك.
أَي هينا، وَقيل فِي الْيَسِير: هُوَ أَن يقبل الْحَسَنَات، ويتجاوز عَن السَّيِّئَات.
وَقد ثَبت بِرِوَايَة أبي مليكَة عَن عَائِشَة أَن النَّبِي قَالَ: " من نُوقِشَ فِي الْحساب هلك، قلت: يَا رَسُول الله، فَإِن الله عز وَجل يَقُول: ﴿فَأَما من أُوتِيَ كِتَابه بِيَمِينِهِ فَسَوف يُحَاسب حسابا يَسِيرا﴾ قَالَ: ذَلِك الْعرض " قَالَ رَضِي الله عَنهُ أخبرنَا بِهَذَا الحَدِيث أَبُو الْحُسَيْن ابْن النقور، أخبرنَا أَبُو طَاهِر (بن) المخلص، أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد يحيى بن صاعد، أخبرنَا الْحسن بن الْحُسَيْن الْمروزِي، عَن عبد الله بن الْمُبَارك، عَن عُثْمَان بن الْأسود، عَن ابْن أبي مليكَة الْخَبَر.
وَأورد أَبُو عِيسَى بِرِوَايَة (ابْن عمر) أَن النَّبِي قَالَ: " من حُوسِبَ عذب "، وَهُوَ بِإِسْنَاد غَرِيب.
وَفِي رِوَايَة ثَالِثَة عَن عَائِشَة - رَضِي الله عَنْهَا - أَن النَّبِي رَآهَا، وَقد رفعت يَديهَا وَهِي تَقول: اللَّهُمَّ حاسبني حسابا يَسِيرا.
فَقَالَ: " يَا عَائِشَة، أَتَدْرِينَ
وَذكر الْحَاكِم أَبُو عبد الله الْحَافِظ فِي الْمُسْتَدْرك على الصَّحِيحَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي قَالَ: " ثَلَاث من كن فِيهِ حَاسبه الله حسابا يَسِيرا، وَأدْخلهُ الْجنَّة برحمته.
قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: قلت يَا رَسُول الله، لمن ذَلِك؟ قَالَ: " أَن تصل من قَطعك، وَتَعْفُو عَمَّن ظلمك، وَتُعْطِي من حَرمك ".
وَقَوله: ﴿وَأما من أُوتِيَ كِتَابه وَرَاء ظَهره﴾ نزلت فِي الْأسود بن عبد الْأسد.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَأما من أُوتِيَ كِتَابه وَرَاء ظَهره﴾ قَالَ مُجَاهِد: يخلع يَده الْيُمْنَى، وَيجْعَل يَده الْيُسْرَى وَرَاء ظَهره، فَيُوضَع كِتَابه فِيهَا.
وَقَالَ الْكَلْبِيّ: تغل يَده الْيُمْنَى، وَيُوضَع كِتَابه فِي شِمَاله من وَرَاء ظَهره.
وروى أَبُو
وَذكر النقاش فِي تَفْسِيره بِإِسْنَادِهِ أَن النَّبِي قَالَ: " من حاسب نَفسه فِي الدُّنْيَا هون الله عَلَيْهِ الْحساب فِي الْآخِرَة ".
يُقَال: رجل مثبور أَي: هَالك.
وَيُقَال: كَانَ فِي أَهله مَسْرُورا، أَي: رَاكِبًا هَوَاهُ، مُتبعا شَهْوَته.
وَقَوله: ﴿يحور﴾ يرجع، وَمِنْه قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " أعوذ بِاللَّه من الْحور بعد الكور " أَي: النُّقْصَان بعد الزِّيَادَة.
وَفِي رِوَايَة: " من الْحور بعد الكور " أَي: من انتشار أمره بعد أَن كَانَ مجتمعا، أَو من فَسَاد أمره بعد أَن كَانَ صَالحا.
وَقَالَ الشَّاعِر:
(وَمَا الْمَرْء إِلَّا كالشهاب وضوئِهِ | يحور رَمَادا بعد إِذْ هُوَ سَاطِع) |
(إِن لنا قلائصا حقائقا | مستوسقات (لَو) يجدن سائقا) |
(فَبينا الْمَرْء فِي عَيْش لذيذ ناعم | خفض أَتَاهُ طبق يَوْمًا على مُنْقَلب دحض) |
وَيُقَال: لتركبن طبقًا عَن طبق أَي: شدَّة على شدَّة، وَالْمعْنَى: أَنه حَيَاة ثمَّ موت ثمَّ بعث ثمَّ جَزَاء.
فَأَما الْقِرَاءَة على الوحدان فَفِيهِ قَولَانِ.
أَحدهمَا: أَن المُرَاد مِنْهُ السَّمَاء، وَالْمعْنَى: أَنه ينشق وَيكون مرّة كالدهان، وَمرَّة كَالْمهْلِ، وَمرَّة مشقوقة، وَمرَّة صَحِيحَة، وَهُوَ مَرْوِيّ عَن ابْن مَسْعُود وَغَيره.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَنه خطاب للنَّبِي، وَالْمعْنَى لتركبن أطباق السَّمَاء طبقًا على طبق، وَذَلِكَ لَيْلَة الْإِسْرَاء، وَيُقَال: لتركبن طبقًا عَن طبق يَعْنِي: أصلاب الْآبَاء، وَذَلِكَ للرسول.
قَالَ الْعَبَّاس فِي مدح النَّبِي:
(من قبلهَا طبت فِي الصلاب | وَفِي مستودع حِين يخصف الْوَرق) |
(تنقل من صالب إِلَى رحم | إِذا مضى عَالم بدا طبق) |