تفسير سورة الإنشقاق

تفسير النسفي

تفسير سورة سورة الإنشقاق من كتاب مدارك التنزيل وحقائق التأويل المعروف بـتفسير النسفي.
لمؤلفه أبو البركات النسفي . المتوفي سنة 710 هـ

إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (١)
﴿إِذَا السماء انشقت﴾ تصدعت وتشققت
وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (٢)
﴿وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا﴾ سمعت وأطاعت وأجابت ربها إلى الانشقاق ولم تأب ولم تمتنع ﴿وَحُقَّتْ﴾ وحق لها أن تسمع وتطبع لأمر الله إذ هى مصنوعة مربوية لله تعالى
وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (٣)
﴿وَإِذَا الأرض مُدَّتْ﴾ بسطت وسويت باندكاك جبالها وكل أمت فيها
وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ (٤)
﴿وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا﴾ ورمت ما في جوفها من الكنوز والموتى ﴿وتخلت﴾ وخلت غابة الخلو حتى لم يبق شئ في باطنها كأنها تكلفت أقصى جهدها في الخلو يقال تكرم الكريم إذا بلغ جهده في الكرم وتكلف فوق ما في طبعه
وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (٥)
﴿وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا﴾ في إلقاء ما في بطنها وتخليها ﴿وَحُقَّتْ﴾ وهي حقيقة بأن تنقاد ولا تمتنع وحذف جواب إذا ليذهب المقدر كل مذهب أو اكتفاء بما علم بمثلها من سورتي التكوير والانفطار أو جوابه ما دل عليه فملاقيه أي إذا السماء انشقت لاقى الإنسان كدحه
يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (٦)
﴿يا أيها الإنسان﴾ خطاب للجنس ﴿إِنَّكَ كَادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحاً﴾ جاهد إلى لقاء ربك وهو الموت وما بعده من الحال الممثلة باللقاء ﴿فملاقيه﴾ الضمير للكدح وهو جهد النفس في العمل والكدفيه حتى يؤثر فيها
619
والمراد جزاء الكدح إن خيراً فخير وإن شراً فشر وقيل لقاء الكدح لقاء كتاب فيه ذلك الكدح يدل عليه قوله
620
فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (٧)
﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كتابه بِيَمِينِهِ﴾ أي كتاب عمله
فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (٨)
﴿فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً﴾ سهلاً هيناً وهو أن يجازى على الحسنات ويتجاوز عن السيآت وفي الحديث من يحاسب يعذب فقيل فأين قوله فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً قال ذلكم العرض من نوقش في الحساب عذب
وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (٩)
﴿وَيَنقَلِبُ إلى أَهْلِهِ﴾ إلى عشيرته إن كانوا مؤمنين أو إلى فريق المؤمنين أو إلى أهله في الجنة من الحور العين ﴿مَسْرُوراً﴾ فرحا
وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (١٠)
﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كتابه وَرَاءَ ظَهْرِهِ﴾ قيل تغل يمناه إلى عنقه وتجعل شماله وراء ظهره فيؤتى كتابه بشماله من وراء ظهره
فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (١١)
﴿فسوف يدعو ثُبُوراً﴾ يقول يا ثبوراه والثبور الهلاك
وَيَصْلَى سَعِيرًا (١٢)
﴿ويصلى﴾ عراقي غير علي ﴿سَعِيراً﴾ أي ويدخل جهنم
إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (١٣)
﴿إِنَّهُ كَانَ﴾ في الدنيا ﴿فِى أَهْلِهِ﴾ معهم ﴿مسرورا﴾ بالكفر
يضحك ممن آمن بالبعث قيل كان لنفسه متابعاً وفي مراتع هواه راتعاً
إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (١٤)
﴿إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ﴾ لن يرجع إلى ربه تكذيباً بالبعث قال ابن عباس رضى الله عنهما ما عرفت تفسيره حتى سمعت أعرابية تقول لبنتها حوري أي ارجعي
بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا (١٥)
﴿بلى﴾ إيجاب لما بعد النفى فى ان يَحُورَ أي بلى ليحورن ﴿إِنَّ رَبَّهُ كَانَ به﴾ وبأعماله ﴿بصيرا﴾ لا تخفى عليه فلا بد أن يرجعه ويجازيه عليها
فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (١٦)
﴿فَلاَ أُقْسِمُ بالشفق﴾ فأقسم بالبياض بعد الحمرة أو الحمرة
وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (١٧)
﴿والليل وَمَا وَسَقَ﴾ جمع وضم والمراد ما جمعه من الظلمة والنجم أو ما عمل فيه من التهجد وغيره
وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (١٨)
﴿والقمر إذا اتسق﴾ اجتمع وثم بدراً افتعل من الوسق
لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (١٩)
﴿لَتَرْكَبُنَّ﴾ أيها الإنسان على إرادة الجنس ﴿طَبَقاً عَن طَبقٍ﴾ حالاً بعد حال كل واحدة مطابقة لأختها في الشدة والهول والطبق ما طابق غيره يقال ما هذا بطبق لذا أي لا يطابقه ومنه قيل للغطاء الطبق ويجوز أن يكون جمع طبقة وهي المرتبة من قولهم هو على طبقات أي لتركبن أحوالاً بعد أحوال هي طبقات في الشدة بعضها أرفع من بعض وهي الموت وما بعدها من مواطن القيامة وأهوالها ومحل عَن طَبقٍ نصب على انه صفة لطبقا أي طبقاً مجاوزاً لطبق أو حال من الضمير في لَتَرْكَبُنَّ أي لتركبن طبقاً مجاوزين لطبق وقال مكحول في كل عشرين عاماً تجدون أمرا لم تكونوا عليه بفتح الياء مكي وعلي وحمزة والخطاب له عليه السلام أي طبقاً من طباق السماء بعد طبق أي في المعراج
فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٢٠)
﴿فَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ فما لهم في أن يؤمنوا
وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ (٢١)
﴿وإذا قرئ عليهم القرآن لاَ يَسْجُدُونَ﴾ لا يخضعون
بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (٢٢)
﴿بَلِ الذين كَفَرُواْ يُكَذِّبُونَ﴾ بالبعث والقرآن
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ (٢٣)
﴿والله أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ﴾ بما يجمعون في صدورهم ويضمرون من الكفر وتكذيب النبى ﷺ أو بما يجمعون في صحفهم من أعمال السوء ويدخرون لأنفسهم من أنواع العذاب
فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٢٤)
﴿فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ أخبرهم خبراً يظهر أثره على بشرتهم
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٢٥)
﴿إلا الذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات﴾ استثناء منقطع ﴿لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ غير مقطوع أو غير منقوص والله أعلم
621
سورة البروج مكية وهى اثنتان وعشرون آية
622
سورة الإنشقاق
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الانشقاق) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (الانفطار)، وقد افتُتحت ببيان ما يسبق يومَ القيامة من أهوالٍ، وجاءت على ذكرِ أحوال الناس عند لقاء الله، وفي جزائهم وتقسيمهم إلى صِنْفَينِ: صنفٍ آمن بهذا اليوم فهو من أهل الجنان، وصنفٍ كذَّب به فهو من أهل النيران.

ترتيبها المصحفي
84
نوعها
مكية
ألفاظها
109
ترتيب نزولها
83
العد المدني الأول
25
العد المدني الأخير
25
العد البصري
23
العد الكوفي
25
العد الشامي
23

* سورة (الانشقاق):

سُمِّيت سورة (الانشقاق) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {إِذَا اْلسَّمَآءُ اْنشَقَّتْ} [الانشقاق: 1].

* سورة (الانشقاق) من السُّوَر التي وصفت أحداثَ يوم القيامة بدقة؛ لذا كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يدعو الصحابةَ إلى قراءتها:

عن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَن سَرَّه أن ينظُرَ إلى يومِ القيامةِ كأنَّه رأيَ عينٍ، فَلْيَقرأْ: {إِذَا اْلشَّمْسُ كُوِّرَتْ}، و{إِذَا اْلسَّمَآءُ اْنفَطَرَتْ}، و{إِذَا اْلسَّمَآءُ اْنشَقَّتْ}». أخرجه الترمذي (٣٣٣٣).

1. من أهوال يوم القيامة (١-٥).

2. أحوال الإنسان عند لقاء ربه (٧-١٥).

3. أحوال الإنسان في هذه الحياة (١٦-٢٥).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /75).

إثباتُ هولِ يوم القيامة، وما يسبقه من أحداث، وتنعيمُ اللهِ أولياءَه يوم الحساب؛ لأنَّهم صدَّقوا بهذا اليوم وآمَنوا به، وعقاب الله لمن كفَر بهذا اليوم؛ لأنهم كانوا لا يُقِرُّون بالبعث والعَرْضِ على الملك الذي أوجَدهم وربَّاهم؛ كما يَعرِض الملوك عبيدَهم، ويحكُمون بينهم؛ فينقسمون إلى أهل ثواب، وأهل عقاب، واسمها (الانشقاق) دالٌّ على ذلك.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /172).