تفسير سورة الإنشقاق

تفسير السعدي

تفسير سورة سورة الإنشقاق من كتاب تيسير الكريم الرحمن المعروف بـتفسير السعدي.
لمؤلفه السعدي . المتوفي سنة 1376 هـ
تفسير سورة الانشقاق وهي مكية

﴿١ - ١٥﴾ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الأرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا * إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا * إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ * بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا﴾.
يقول تعالى مبينًا لما يكون في يوم القيامة من تغير الأجرام العظام: ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ﴾ أي: انفطرت وتمايز بعضها من بعض، وانتثرت نجومها، وخسف بشمسها وقمرها.
﴿وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا﴾ أي: استمعت لأمره، وألقت سمعها، وأصاخت لخطابه، وحق لها ذلك، فإنها مسخرة مدبرة تحت مسخر ملك عظيم، لا يعصى أمره، ولا يخالف حكمه.
﴿وَإِذَا الأرْضُ مُدَّتْ﴾ أي: رجفت وارتجت، ونسفت عليها جبالها، ودك ما عليها من بناء ومعلم، فسويت، ومدها الله تعالى مد الأديم، حتى صارت واسعة جدًا، تسع أهل الموقف على كثرتهم، فتصير قاعًا صفصفًا لا ترى فيها عوجًا ولا أمتا.
﴿وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا﴾ من الأموات والكنوز.
﴿وَتَخَلَّتْ﴾ منهم، فإنه ينفخ في الصور، فتخرج الأموات من الأجداث إلى وجه الأرض، وتخرج الأرض كنوزها، حتى تكون كالأسطوان العظيم، يشاهده الخلق، ويتحسرون على ما هم فيه يتنافسون، ﴿وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ يَا أَيُّهَاالإنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ﴾ أي: إنك ساع إلى الله، وعامل بأوامره ونواهيه، ومتقرب إليه إما بالخير وإما بالشر، ثم تلاقي الله يوم القيامة، فلا تعدم منه جزاء بالفضل إن كنت سعيدًا، أو بالعدل إن كنت شقيًا (١).
ولهذا ذكر تفصيل الجزاء، فقال: ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ﴾ وهم أهل السعادة.
﴿فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا﴾ وهو العرض اليسير على الله، فيقرره الله بذنوبه، حتى إذا ظن العبد أنه قد هلك، قال الله [تعالى] له: " إني قد سترتها عليك في الدنيا، فأنا أسترها لك اليوم ".
﴿وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ﴾ في الجنة ﴿مَسْرُورًا﴾ لأنه نجا من العذاب وفاز بالثواب، ﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ﴾ أي: بشماله من خلفه. (٢).
﴿فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا﴾ من الخزي والفضيحة، وما يجد في كتابه من الأعمال التي قدمها ولم يتب منها، ﴿وَيَصْلَى سَعِيرًا﴾ أي: تحيط به السعير من كل جانب، ويقلب على عذابها، وذلك لأنه في الدنيا ﴿كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا﴾ لا يخطر البعث على باله، وقد أساء، ولم (٣) يظن أنه راجع إلى ربه وموقوف بين يديه.
﴿بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا﴾ فلا يحسن أن يتركه سدى، لا يؤمر ولا ينهى، ولا يثاب ولا يعاقب.
(١) في ب: جزاء بالفضل أو العدل، بالفضل إن كنت سعيدًا، وبالعقوبة إن كنت شقيًا.
(٢) في ب: من وراء ظهره.
(٣) في ب: ولا.
﴿١٦ - ٢٥﴾ ﴿فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ * وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ * وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ * لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ * فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ * وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ * فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾.
أقسم في هذا الموضع بآيات الليل، فأقسم بالشفق الذي هو بقية نور الشمس، الذي هو مفتتح الليل.
﴿وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ﴾ أي: احتوى عليه من حيوانات وغيرها، ﴿وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ﴾ أي: امتلأ نورًا بإبداره، وذلك أحسن ما يكون وأكثر منافع، والمقسم عليه قوله: ﴿لَتَرْكَبُنَّ﴾ [أي:] أيها الناس ﴿طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ﴾ أي: أطوارا متعددة وأحوالا متباينة، من النطفة إلى العلقة، إلى المضغة، إلى نفخ الروح، ثم يكون وليدًا وطفلا ثم مميزًا، ثم يجري عليه قلم التكليف، والأمر والنهي، ثم يموت بعد ذلك، ثم يبعث ويجازى بأعماله، فهذه الطبقات المختلفة الجارية على العبد، دالة على أن الله وحده هو المعبود، الموحد، المدبر لعباده بحكمته ورحمته، وأن العبد فقير عاجز، تحت تدبير العزيز الرحيم، ومع هذا، فكثير من الناس لا يؤمنون.
﴿وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ﴾ أي: لا يخضعون للقرآن، ولا ينقادون لأوامره ونواهيه، ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ﴾ أي: يعاندون الحق بعدما تبين، فلا يستغرب عدم إيمانهم وعدم انقيادهم للقرآن، فإن المكذب بالحق عنادًا، لا حيلة فيه، ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ﴾ أي: بما يعملونه وينوونه سرًا، فالله يعلم سرهم وجهرهم، وسيجازيهم بأعمالهم، ولهذا قال ﴿فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ وسميت البشارة بشارة، لأنها تؤثر في البشرة سرورًا أو غمًا.
فهذه حال أكثر الناس، التكذيب بالقرآن، وعدم الإيمان [به].
ومن الناس فريق هداهم الله، فآمنوا بالله، وقبلوا ما جاءتهم به الرسل، فآمنوا وعملوا الصالحات.
فهؤلاء لهم أجر غير ممنون أي: غير -[٩١٨]- مقطوع بل هو أجر دائم مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
تم تفسير السورة ولله الحمد
917
تفسير سورة البروج
وهي مكية
918
سورة الإنشقاق
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الانشقاق) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (الانفطار)، وقد افتُتحت ببيان ما يسبق يومَ القيامة من أهوالٍ، وجاءت على ذكرِ أحوال الناس عند لقاء الله، وفي جزائهم وتقسيمهم إلى صِنْفَينِ: صنفٍ آمن بهذا اليوم فهو من أهل الجنان، وصنفٍ كذَّب به فهو من أهل النيران.

ترتيبها المصحفي
84
نوعها
مكية
ألفاظها
109
ترتيب نزولها
83
العد المدني الأول
25
العد المدني الأخير
25
العد البصري
23
العد الكوفي
25
العد الشامي
23

* سورة (الانشقاق):

سُمِّيت سورة (الانشقاق) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {إِذَا اْلسَّمَآءُ اْنشَقَّتْ} [الانشقاق: 1].

* سورة (الانشقاق) من السُّوَر التي وصفت أحداثَ يوم القيامة بدقة؛ لذا كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يدعو الصحابةَ إلى قراءتها:

عن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَن سَرَّه أن ينظُرَ إلى يومِ القيامةِ كأنَّه رأيَ عينٍ، فَلْيَقرأْ: {إِذَا اْلشَّمْسُ كُوِّرَتْ}، و{إِذَا اْلسَّمَآءُ اْنفَطَرَتْ}، و{إِذَا اْلسَّمَآءُ اْنشَقَّتْ}». أخرجه الترمذي (٣٣٣٣).

1. من أهوال يوم القيامة (١-٥).

2. أحوال الإنسان عند لقاء ربه (٧-١٥).

3. أحوال الإنسان في هذه الحياة (١٦-٢٥).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /75).

إثباتُ هولِ يوم القيامة، وما يسبقه من أحداث، وتنعيمُ اللهِ أولياءَه يوم الحساب؛ لأنَّهم صدَّقوا بهذا اليوم وآمَنوا به، وعقاب الله لمن كفَر بهذا اليوم؛ لأنهم كانوا لا يُقِرُّون بالبعث والعَرْضِ على الملك الذي أوجَدهم وربَّاهم؛ كما يَعرِض الملوك عبيدَهم، ويحكُمون بينهم؛ فينقسمون إلى أهل ثواب، وأهل عقاب، واسمها (الانشقاق) دالٌّ على ذلك.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /172).