تفسير سورة الإنشقاق

معاني القرآن للفراء

تفسير سورة سورة الإنشقاق من كتاب معاني القرآن للفراء المعروف بـمعاني القرآن للفراء.
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

مزاج الرحيق «مِنْ تَسْنِيمٍ» (٢٧) من ماء يتنزل عليهم من مَعالٍ. فَقَالَ: (من تسنيم، عينا) تتسنمهم عينا فتنصب (عينا) عَلَى جهتين: إحداهما أن تنوِي من تسنيم عينٍ، فإذا نونت نصبت.
كما قَرَأَ من قَرَأَ: «أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ، يَتِيماً «١» »، وكما قَالَ: «أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً، أَحْياءً وَأَمْواتاً «٢» »، وكما قَالَ من قَالَ: «فَجَزاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ «٣» » والوجه الآخر:
أن تَنْوِيَ من ماء سُنِّم عينا.
كقولك: رفع عينا يشرب بها، وإن [لم] «٤» يكن التسنيم اسمًا للماء فالعين نكرة، والتسنيم معرفة، وإن كَانَ اسمًا للماء فالعين معرفة «٥»، فخرجت أيضًا نصبًا.
وقوله جل وعز: فاكهين (٣١) : معجبين، وقد قرىء: «فَكِهِينَ «٦» » وكلّ صواب مثل: طمع وطامع.
ومن سورة إِذَا السماء انشقت
قوله عزَّ وجلَّ: إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ (١).
تشقق بالغمام.
وقوله عز وجل: [١٣٢/ ب] وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ (٢).
سمعت «٧» وحق لها ذلك. وقال بعض المفسرين: جواب «إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ» قوله: «وَأَذِنَتْ» ونرى أَنَّهُ رَأَى ارتآه المفسر، وشبهه بقول الله تبارك وتعالى: «حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها «٨» » لأنا لم نَسْمَع جوابًا بالواو فِي «إذ» مبتدأة، ولا قبلها كلام، ولا فِي «إِذا» إِذَا ابتدئت، وإنما تجيب العرب بالواو فِي قوله: حتَّى إِذَا كَانَ، و «فلما أن كان» لم يجاوزوا ذلك.
(١) سورة البلد:: ١٤، ١٥.
(٢) سورة المرسلات الآيتان: ٢٥، ٢٦. [.....]
(٣) سورة المائدة: الآية ٩٥.
(٤) زيادة من اللسان نقلا عن الفراء، وبها يتضح المعنى.
(٥) كذا فى اللسان، وفى النسخ نكرة، تحريف.
(٦) هذه قراءة حفص وأبى جعفر وابن عامر فى إحدى روايتيه. (الإتحاف: ٤٣٥).
(٧) سقط فى ش.
(٨) سورة الزمر الآية: ٧٣، هذا على أن واو (وفتحت) زائدة. ويجوز أن تكون أصلية والجواب محذوف، لأنه فى صفة ثواب أهل الجنة: فدل بحذفه على أنه شىء لا يحيط به الوصف. وانظر (الكشاف: ٢: ٣٠٧).
قَالَ اللَّه تبارك وتعالى: «حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، وَاقْتَرَبَ «١» » بالواو، ومعناه: اقترب. والله أعلم. وَقَدْ فسرناه فِي غير هَذَا الموضع.
وقوله عزَّ وجلَّ: وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (٣).
بسطت ومُدِّدت كما يمدّد «٢» الأديم العكاظي «٣» والجواب فى: «إِذَا «٤» السَّماءُ انْشَقَّتْ»، وفى «وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ» كالمتروك لأنَّ المعنى معروف قَدْ تردّد فِي القرآن معناه فعرف.
وإن شئت كَانَ جوابه: يا أيها الإنسان «٥». كقول القائل: إِذَا كَانَ كذا وكذا فيأيها النَّاس ترون ما عملتم من خير أَوْ شر. تجعل يا أيها الْإِنْسَان «٦» هُوَ الجواب، وتضمر فِيهِ الفاء، وَقَدْ فسِّر جواب:
إِذَا السماء- فيما يلقى الْإِنْسَان من ثواب وَعقاب- وكأن المعنى: ترى الثواب والعقاب إذا انشقت السماء.
وقوله عز وجل: وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ (١٠).
يُقال: إن إيمانهم تُغل إلى أعناقهم، وتكون شمائلهم وراءَ ظهورهم.
وقوله عزَّ وجلَّ: فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً (١١).
الثبور «٧» أن يقول: وا ثبوراه، وا ويلاه، والعرب تَقُولُ: فلان يدعو لَهفَة «٨» إِذَا قَالَ: وا لهفاه.
وقوله: وَيَصْلى سَعِيراً (١٢).
قَرَأَ الْأَعْمَش وعاصم: «وَيَصْلى»، وَقَرَأَ الْحَسَن والسلمي وبعض أهل المدينة: «وَيَصْلى» «٩» وقوله: «ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ «١٠» ».
(١) سورة الأنبياء الآيتان: ٩٦، ٩٧.
(٢) فى ش: ومدّت كما يمد.
(٣) أديم عكاظى منسوب إلى عكاظ، وهو مما حمل إلى عكاظ فبيع بها.
(٤) سقط فى ش.
(٥، ٦) فى ش: الناس.
(٧) سقط فى ش.
(٨) يقال: نادى لهفه، إذا قال: يا لهفى.
(٩) قرأ بها الحرميان، وابن عامر والكسائي. (الإتحاف: ٤٣٦). [.....]
(١٠) الحاقة الآية: ٣١
يشهد للتشديد لمن قَرَأَ «وَيَصْلى»، و «يَصْلَى» أيضًا جائز لقول اللَّه عزَّ وجلَّ:
«يَصْلَوْنَها «١» »، و «يَصْلاها «٢» ». وكل صواب واسع «٣» [١٣٣/ ا].
وقوله عزَّ وجلَّ: إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (١٤) بَلى (١٥).
أن لن يعود إلينا إلى الآخرة. بلى ليحورَنَّ، ثُمَّ استأنف فَقَالَ: «إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً» (١٥).
وقوله عز وجل: فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (١٦).
والشفق: الحمرة التي فِي المغرب من الشمس [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: «٤» ] حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ:
حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي يَحْيَى عنْ حُسَيْن بْن عَبْد اللَّه بْن ضُمَيرة عنْ أَبِيهِ عنْ جَدّه رفعه قَالَ: «٥» الشفق: الحمرة. قَالَ الفراء: وكان بعض الفقهاء يَقُولُ: الشفق: البياض لأنّ الحمرة تذهب إِذَا أظلمت، وإنما الشفق: البياض الَّذِي إِذَا ذهب صُلِّيت العشاء الآخرة، والله أعلم بصواب ذَلِكَ.
وسمعت بعض العرب يَقُولُ: عَلَيْهِ ثوبٌ مصبوغ كأنه الشفق، وكأن أحمر، فهذا شاهد للحمرة.
وقوله عزَّ وجلَّ: وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ (١٧) : وما جمع.
وقوله تبارك وتعالى: وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (١٨).
اتساقه: امتلاؤه ثلاث عشرة إلى ست عشرة فيهن اتساقه.
وقوله عزَّ وجلَّ: لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ (١٩).
[حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: «٦» ] حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي قيس بْن الربيع عنْ أَبِي إِسْحَاق: أن مسروقًا قَرَأَ: «لتركَبنَّ يا مُحَمَّد حالًا بعد حال» وذُكر عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَرَأَ: «لَتَرْكَبُنَّ» وفسر «لَتَرْكَبُنَّ» السماء حالا بعد حال.
[حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: «٧» ]، حدثنا الفراء قال: و «٨» حدثنى سفيان بن عيينة
(١) سورة إبراهيم الآية: ٢٩، وسورة ص: الآية ٥٦، وسورة المجادلة الآية: ٨.
(٢) سورة الإسراء الآية: ١٨، وسورة الليل الآية: ١٥.
(٣) سقط فى ش.
(٤) ما بين الحاصرتين زيادة فى ش.
(٥) فى ش: فقال.
(٦) ما بين الحاصرتين زيادة فى ش.
(٧) ما بين الحاصرتين زيادة فى ش.
(٨) فى ش: حدثنى.
سورة الإنشقاق
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الانشقاق) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (الانفطار)، وقد افتُتحت ببيان ما يسبق يومَ القيامة من أهوالٍ، وجاءت على ذكرِ أحوال الناس عند لقاء الله، وفي جزائهم وتقسيمهم إلى صِنْفَينِ: صنفٍ آمن بهذا اليوم فهو من أهل الجنان، وصنفٍ كذَّب به فهو من أهل النيران.

ترتيبها المصحفي
84
نوعها
مكية
ألفاظها
109
ترتيب نزولها
83
العد المدني الأول
25
العد المدني الأخير
25
العد البصري
23
العد الكوفي
25
العد الشامي
23

* سورة (الانشقاق):

سُمِّيت سورة (الانشقاق) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {إِذَا اْلسَّمَآءُ اْنشَقَّتْ} [الانشقاق: 1].

* سورة (الانشقاق) من السُّوَر التي وصفت أحداثَ يوم القيامة بدقة؛ لذا كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يدعو الصحابةَ إلى قراءتها:

عن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَن سَرَّه أن ينظُرَ إلى يومِ القيامةِ كأنَّه رأيَ عينٍ، فَلْيَقرأْ: {إِذَا اْلشَّمْسُ كُوِّرَتْ}، و{إِذَا اْلسَّمَآءُ اْنفَطَرَتْ}، و{إِذَا اْلسَّمَآءُ اْنشَقَّتْ}». أخرجه الترمذي (٣٣٣٣).

1. من أهوال يوم القيامة (١-٥).

2. أحوال الإنسان عند لقاء ربه (٧-١٥).

3. أحوال الإنسان في هذه الحياة (١٦-٢٥).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /75).

إثباتُ هولِ يوم القيامة، وما يسبقه من أحداث، وتنعيمُ اللهِ أولياءَه يوم الحساب؛ لأنَّهم صدَّقوا بهذا اليوم وآمَنوا به، وعقاب الله لمن كفَر بهذا اليوم؛ لأنهم كانوا لا يُقِرُّون بالبعث والعَرْضِ على الملك الذي أوجَدهم وربَّاهم؛ كما يَعرِض الملوك عبيدَهم، ويحكُمون بينهم؛ فينقسمون إلى أهل ثواب، وأهل عقاب، واسمها (الانشقاق) دالٌّ على ذلك.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /172).