تفسير سورة الإنشقاق

معاني القرآن

تفسير سورة سورة الإنشقاق من كتاب معاني القرآن
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

قوله عز وجل :﴿ إِذَا السَّماءُ انشَقَّتْ ﴾.
تشقق بالغمام.
وقوله عز وجل :[ ١٣٢/ب ] ﴿ وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ ﴾.
سمعت وحق لها ذلك. وقال بعض المفسرين : جواب ﴿ إِذا السّماء انشقت ﴾ قوله :﴿ وأذنت ﴾ ونرى أنه رأي ارتآه المفسر، وشبهه بقول الله تبارك وتعالى :﴿ حَتَّى إِذَا جَاءوها وَفُتِحَتْ أَبْوَابُها ﴾ لأنا لم نسمع جواباً بالواو في «إذ » مبتدأة، ولا قبلها كلام، ولا في «إذا » إذا ابتدئت، وإنما تجيب العرب بالواو في قوله : حتى إذا كان، و«فلما أن كان » لم يجاوزوا ذلك.
قال الله تبارك وتعالى :﴿ حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمأْجُوجُ وَهُمْ مِن كلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، واقْتَرَبَ ﴾ بالواو، ومعناه : اقترب. والله أعلم. وقد فسرناه في غير هذا الموضع.
وقوله عز وَجل :﴿ وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ ﴾.
بسطت ومُدِّدت كما يمدّد الأديم العكاظي والجواب في :﴿ إذا السماءُ انشقَّت ﴾، وفي ﴿ وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ ﴾ كالمتروك ؛ لأنَّ المعنى معروف قد تردّد في القرآن معناه فعرف. وإن شئت كان جوابه : يأيها الإنسان. كقول القائل : إذا كان كذا وكذا فيأيها الناس ترون ما عملتم من خير أو شر. تجعل يأيها الإنسان هو الجواب، وتضمر فيه الفاء، وقد فسِّر جواب : إذا السماء فيما يلقى الإنسان من ثواب وَعقاب وكأن المعنى : ترى الثواب والعقاب إذا انشقت السماء.
وقوله جل وعز :﴿ وَأَما مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاء ظَهْرِهِ ﴾.
يقال : إن أيمانهم تُغل إلى أعناقهم، وتكون شمائلهم وراء ظهورهم.
وقوله عز وجل :﴿ فَسَوْفَ يَدْعُواْ ثُبُوراً ﴾.
الثبور أن يقول : واثبوراه، واويلاه، والعرب تقول : فلان يدعو لَهَفه إذا قال : والهَفَاه.
وقوله :﴿ وَيَصْلَى سَعِيراً ﴾.
قرأ الأعمش وعاصم :«ويَصْلَى »، وقرأ الحسن والسلمي وبعض أهل المدينة :«ويُصَلَّى » وقوله :﴿ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ﴾.
يشهد للتشديد لمن قرأ «ويُصَلَّى »، و «يَصْلى » أيضاً جائز لقول الله عز وجل :﴿ يَصْلَوْنَها ﴾، و ﴿ يَصْلاَها ﴾. وكل صواب واسع [ ١٣٣/ا ].
وقوله عز وجل :﴿ إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ * بَلَى ﴾.
أن لن يعود إلينا إلى الآخرة. بلى ليحورَنَّ، ثم استأنف فقال :﴿ إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٤:وقوله عز وجل :﴿ إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ * بَلَى ﴾.
أن لن يعود إلينا إلى الآخرة. بلى ليحورَنَّ، ثم استأنف فقال :﴿ إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً ﴾.

وقوله عز وجل :﴿ فَلاَ أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ ﴾.
والشفق : الحمرة التي في المغرب من الشمس [ حدثنا أبو العباس قال :] حدثنا محمد قال : حدثنا الفراءُ قال : حدثني ابن أبي يحيى عن حسين بن عبد الله بن ضُمَيرة عن أبيه عن جده رفعه قال : الشفق : الحمرة. قال الفراء : وكان بعض الفقهاء يقول : الشفق : البياض لأنّ الحمرة تذهب إذا أظلمت، وإنما الشفق : البياض الذي إذا ذهب صُلِّيت العشاء الآخرة، والله أعلم بصواب ذلك. وسمعْتُ بعض العرب يقول : عليه ثوبٌ مصبوغ كأنه الشفق، وكان أحمر، فهذا شاهد للحمرة.
وقوله عز وجل :﴿ وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ ﴾ : وما جمع.
وقوله تبارك وتعالى :﴿ وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ ﴾.
اتساقه : امتلاؤه ثلاث عشرة إلى ست عشرة فيهن اتساقه.
وقوله عز وجل :﴿ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ ﴾.
[ حدثنا أبو العباس قال :] حدثنا محمد قال : حدثنا الفراء قال : حدثني قيس بن الربيع عن أبي إسحاق : أن مسروقا قرأ :«لتركَبنَّ يا محمد حالاً بعد حال » وذُكر عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ «لَتركبَنّ » وفسر «لتركبَنّ » السماء حالاً بعد حال.
[ حدثنا أبو العباس قال : حدثنا محمد قال :] حدثنا الفراء قال : و حدثني سفيان بن عيينة عن عمرو عن ابن عباس أنه قرأ «لتركبَنَّ » وفسر : لَتصِيرَن الأمورُ حالا بعد حال للشدة. والعرب تقول : وقع في بناتِ طبق، إذا وقع في الأمر الشديد، فقد قرأ هؤلاء :«لتركبَن » واختلفوا في التفسير. وقرأ أهل المدينة وكثير من الناس :«لتركبُن طَبَقاً » يعني : الناس عامة ! وَالتفسير : الشدة وقال بعضهم في الأول : لتركبَن أنت يا محمد سماء بعد سماء، وَقرئت :«لَيَرْكَبُنَّ طبَقاً عنْ طَبَقٍ » وَمعانيهما معروفة، «لتركبُنَّ »، كأنه خاطبهم، «وَلَيَرْكبُنَّ » أخبر عنهم.
وقوله عز وجل :﴿ بما يُوعُونَ ﴾.
الإيعاء : ما يجمعون في صدورهم من التكذيب والإثم. والوعي لو قيل : وَالله أعلم بما يوعون [ ١٣٣/ب ] لكَان صوابا، ولكنه لا يستقيم في القراءة.
سورة الإنشقاق
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الانشقاق) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (الانفطار)، وقد افتُتحت ببيان ما يسبق يومَ القيامة من أهوالٍ، وجاءت على ذكرِ أحوال الناس عند لقاء الله، وفي جزائهم وتقسيمهم إلى صِنْفَينِ: صنفٍ آمن بهذا اليوم فهو من أهل الجنان، وصنفٍ كذَّب به فهو من أهل النيران.

ترتيبها المصحفي
84
نوعها
مكية
ألفاظها
109
ترتيب نزولها
83
العد المدني الأول
25
العد المدني الأخير
25
العد البصري
23
العد الكوفي
25
العد الشامي
23

* سورة (الانشقاق):

سُمِّيت سورة (الانشقاق) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {إِذَا اْلسَّمَآءُ اْنشَقَّتْ} [الانشقاق: 1].

* سورة (الانشقاق) من السُّوَر التي وصفت أحداثَ يوم القيامة بدقة؛ لذا كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يدعو الصحابةَ إلى قراءتها:

عن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَن سَرَّه أن ينظُرَ إلى يومِ القيامةِ كأنَّه رأيَ عينٍ، فَلْيَقرأْ: {إِذَا اْلشَّمْسُ كُوِّرَتْ}، و{إِذَا اْلسَّمَآءُ اْنفَطَرَتْ}، و{إِذَا اْلسَّمَآءُ اْنشَقَّتْ}». أخرجه الترمذي (٣٣٣٣).

1. من أهوال يوم القيامة (١-٥).

2. أحوال الإنسان عند لقاء ربه (٧-١٥).

3. أحوال الإنسان في هذه الحياة (١٦-٢٥).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /75).

إثباتُ هولِ يوم القيامة، وما يسبقه من أحداث، وتنعيمُ اللهِ أولياءَه يوم الحساب؛ لأنَّهم صدَّقوا بهذا اليوم وآمَنوا به، وعقاب الله لمن كفَر بهذا اليوم؛ لأنهم كانوا لا يُقِرُّون بالبعث والعَرْضِ على الملك الذي أوجَدهم وربَّاهم؛ كما يَعرِض الملوك عبيدَهم، ويحكُمون بينهم؛ فينقسمون إلى أهل ثواب، وأهل عقاب، واسمها (الانشقاق) دالٌّ على ذلك.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /172).