ﰡ
الثالث: أنَّها شرطيةٌ. وجوابُها مقدرٌ، أي: إذا وقعَتْ كان كيتَ وكيتَ، وهو العاملُ فيها. والرابع: أنها شرطيةٌ، والعاملُ فيها الفعلُ الذي بعدَها ويليها، وهو اختيارُ الشيخ، وتبَع في ذلك مكيَّاً. قال مكي:» والعاملُ فيها «وَقَعَتْ» لأنها قد يُجازى بها، فعَمِل فيها الفعلُ الذي بعدها كما يَعْمل في «ما» و «مَنْ» اللتَيْن للشرط في قولك: ما تفعَلُ أفعَلْ، ومَنْ تُكرِمْ أُكْرِمْ «، ثم ذكر كلاماً كثيراً. الخامس: أنها مبتدأٌ، و» إذا رُجَّتْ «خبرُها، وهذا على قولِنا: إنها تَتَصرَّفُ، وقد مَضَى القولُ فيه مُحرَّراً، إلاَّ أن هذا الوجهَ إنما جَوَّزه الشيخُ، جمالُ الدين ابن مالك وابن جني وأبو الفضل الرازي على قراءةِ مَنْ نصب» خافضةً رافعةً «على الحالِ. وحكاه بعضُهم عن الأخفش، ولا أدري اختصاص ذلك يوجه النصب.
السادس: أنه ظرفٌ ل» خافضة «أو» رافعة «، قاله أبو البقاء، أي:
التاسع: أنَّ جوابَ الشرطِ قولُه: ﴿فأصحابُ المَيْمنةِ﴾ إلى آخره.
و «لِوَقْعَتِها» خبرٌ مقدمٌ و «كاذبة» اسم مؤخرٌ. و «كاذبة» يجوزُ أَنْ يكونَ اسم فاعل وهو الظاهرُ، وهو صفةٌ لمحذوف، فقَدَّره الزمخشريُّ: «نفسٌ كاذبةٌ، أي: إنه ذلك اليومَ لا يَكْذِبُ على الله أحدٌ، ولا يُكَذِّبُ بيوم القيامةِ أحد» ثم قال: «واللامُ مثلُها في قولِه ﴿قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي﴾ [الفجر: ٢٤] إذ ليس لها نفسُ تُكَذِّبها وتقول: لم تكوني كما لها نفوسٌ كثيرةٌ يُكّذِّبْنَها اليومَ يَقُلْنَ لها: لم تكوني، أو هو مِنْ قولهم: كَذَّبَتْ فلاناً نفسُه في الخطر العظيم إذا شَجَّعَتْهُ على مباشرته وقالَتْ له: إنَّك تُطيقه وما فوقه فَتَعَرَّضْ له، ولا تبال به على معنى أنها وقعةٌ لا تُطاقُ شدةً وفظاعةً، وأنْ لا نفس حينئذٍ تُحدِّث صاحبَها بما تُحَدِّثه به عند عظائمِ الأمورِ، وتزيِّن له احتمالها وإطاقتها؛ لأنهم يومئذٍ أضعفُ مِنْ ذلكَ وأَذلُّ. ألا ترى إلى قولِه تعالى ﴿كالفراش المبثوث﴾ [القارعة: ٤] والفَراشُ مَثَلٌ في الضعف». وقَدَّره ابن عطية: «حالٌ كاذبةٌ» قال: «وَيْحتمل الكلامُ على هذا معنيين، أحدهما: كاذبة، أي: مكذوبة فيما أَخْبر به عنها فسَمَّاها كاذبةً لهذا، كما تقول: هذه قصةٌ كاذبةٌ، أي: مكذوبٌ فيها. والثاني:
٤٢٠٠ - لَيْثٌ بعَثَّرَ يَصْطادُ الرجالُ إذا | ما الليثُ كَذَّب عن أقرانِه صَدَقا |
ثم لك في هذه الجملةِ وجهان، أحدُهما: أنها لا محلَّ لها من الإِعرابِ: إمَّا لأنَّها ابتدائيةٌ ولا سيما على رَأْيِ الزمخشري، حيث جَعَلَ الظرفَ مُتَعَلِّقاً بها وإمَّا لأنَّها اعتراضيةٌ بين الشرطِ وجوابِه المحذوف. والثاني: أنَّ مَحَلَّها النصبُ على الحال، قاله ابن عطية، ولم يُبَيِّن صاحب الحال ماذا؟ وهو واضحٌ إذا لم يكُنْ هنا إلاَّ الواقعةُ، وقد صَرَّحَ أبو الفضل بذلك.
وقرأ العامَّةُ برفعِ» خافضةٌ رافعةٌ «على خبرِ ابتداءٍ مضمرٍ، أي: هي خافضةٌ قوماً إلى النار ورافعةٌ آخرين إلى الجنةِ، فالمفعولُ محذوفٌ لفَهْمِ المعنى، أو يكونُ المعنى: أنَّها ذاتُ خَفْضٍ ورَفْعٍ كقوله: {يُحْيِي
واخْتُلف في ذي الحال، فقال أبو البقاء: «من الضمير في» كاذبة «أو في» وَقَعَتْ «، وإصلاحُه أن يقولَ: أو فاعل» وقعَتْ «إذ لا ضميرَ في» وقعَتْ «. وقال ابن عطية وأبو الفضل مِنْ» الواقعة «، ثم قَرَّرا مجيءَ الحالِ متعددةً من ذي حالٍ واحدةٍ كما تجيءُ الأخبارُ متعددةً. وقد بَيَّنْتُ لك هذا فيما تقدَّم فاستغْنَيْت عن كلامِهما. قال أبو الفضل:» وإذا جُعِلَتْ هذه كلُّها أحوالاً كان العامل في «إذا وَقَعَتْ» محذوفاً يَدُلُّ عليه الفحوى، أي: إذا وقعتْ يُحاسَبون.
والرَّجُّ: التحريكُ الشديدُ بمعنى زُلزلت. وبُسَّت الجبالُ: سُيِّرت مِنْ قولهم: بَسَّ الغنمَ، أي: ساقَها أو بمعنى فُتِّتَتْ كقوله: ﴿يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً﴾ [طه: ١٠٥] يدلُّ عليَه ﴿فَكَانَتْ هَبَآءً مُّنبَثّاً﴾. وقرأ زيد بن علي «رَجَّتْ» و «بَسِّتْ» مبنيين للفاعل على أنِّ رجَّ وبَسَّ يكونان لازمَيْن ومُتَعَدِّيَيْن، أي: اُزِيحت وذهَبَتْ. وقرأ النخعي «مْنْبَتَّاً» بنقطتين مِنْ فوق، أي: متقطعاً من البَتِّ. ومعنى الآية يَنْبو عنه.
والمَيْمَنَةُ: مَفْعَلَةُ من لفظِ اليُمْن وكذلك المَشْأَمَة من اليدِ الشُّؤمى وهي الشِمالُ لتشاؤمِ العربِ بها، أو من الشُّؤْم.
٤٢٠١ - أنا أبو النجمِ وشِعْري شِعْري | وهذا يُقال في تعظيمِ الأمرِ وتفخيمهِ، وهو مذهبُ سُيبويه. |
الوجه الثاني: أَنْ يكونَ «السابقون» الثاني تأكيداً للأول تأكيداً لفظيَّاً، و «أولئك المقرَّبون» جملةٌ ابتدائيةٌ في موضوع خبرِ الأولِ، والرابطُ اسمُ الإِشارةِ، كقولِه تعالى: ﴿وَلِبَاسُ التقوى ذلك خَيْرٌ﴾ [الأعراف: ٢٦] في قراءة مَنْ قرأ برفع «لباسُ» في أحد الأُوجه.
الثالث: أَنْ يكونَ «السابقون» نعتاً للأول، والخبرُ الجملةُ المذكورةُ. وهذا ينبغي أَنْ لا يُعَرَّجَ عليه، كيف يُوْصَفُ الشيءُ بلفِظه وأيُّ فائدةٍ في ذلك؟ والأقربُ عندي إنْ وَرَدَتْ هذه العبارةُ مِمَّن يُعتبر أَنْ يكون سَمَّى التأكيدَ صفةً، وقد فعل سيبويه قريباً من هذا.
الرابع: أَنْ يكونَ الوقفُ على قولِه «والسابقون» ويكونَ قولُه «السابقون، أولئك المقرَّبون» ابتداءً وخبراً، وهذا يقتضي أن يُعْطَفَ «والسابقون» على ما قبلَه، لكنْ لا يليق عَطْفُه على ما قبلَه ويليه، وإنما يليقُ عطفُه على «أصحابُ المَيْمنة» كأنه قيل: وأصحابُ الميمنة ما أصحابُ الميمنة، والسابقون، أي: ما السابقون تعظيماً لهم، فيكون شركاءَ لأصحابِ الميمنة في التعظيم، ويكون قولُه على هذا «وأصحابُ المَشْأمَةِ، ما أصحابُ المشأمة» اعتراضاً بين المتعاطفَيْن. وفي هذا الوجهِ تكلُّفٌ كثير جداً.
والثُّلَّة: الجماعةُ من الناس. وقَيَّدها الزمخشريُّ بالكثيرة وأنشد:
٤٢٠٢ - وجاءَتْ إليهم ثُلَّةٌ خِنْدِفِيَّةٌ | بجيشٍ كتَيَّارٍ مِنْ البحرِ مُزْبِدِ |
٤٢٠٣ - أَمْرَعَتِ الأرضُ لَوَ أنَّ مالا | لَوْ أن نُوْقاً لك أو جِمالا |
والثُّلَّة : الجماعةُ من الناس. وقَيَّدها الزمخشريُّ بالكثيرة وأنشد :
وجاءَتْ إليهم ثُلَّةٌ خِنْدِفِيَّةٌ | بجيشٍ كتَيَّارٍ مِنْ البحرِ مُزْبِدِ |
أَمْرَعَتِ الأرضُ لَوَ أنَّ مالا | لَوْ أن نُوْقاً لك أو جِمالا |
انتهى. ثم قال الراغب :" ولاعتبار الاجتماع قيل :" ثُلَّة من الأوَّلين، وثُلَّة من الآخِرين "، أي : جماعة وثَلَّلْتُ كذا : تناوَلْتُ ثُلَّةً منه. وثَلَّ عرشَه : أسقطَ ثُلَّة منه. والثَّلَلُ : قِصَرُ الأسنانِ لسُقوط ثُلَّةٍ منها. وأثَلَّ فَمُه سَقَطَتْ أسنانُه. وتَثَلَّلَتِ الرَّكِيَّةُ : تَهَدَّمَتْ " انتهى. فقد أطلق أنها الجماعة من غيرِ قَيْدٍ بقِلَّة ولا كثرةٍ، والكثرةُ التي فهمها الزمخشريُّ قد تكونُ من السِّياق. و " مِنْ الأوَّلِين " صفةٌ لثُلَّة، وكذلك " مِنْ الآخِرين " صفةٌ لقليل.
٤٢٠٤ - ومِن نَسْجِ داودَ مَوْضَوْنَةً | تسيرُ مع الحيِّ عِيْراً فَعِيْرا |
٤٢٠٥ - إليك تَعْدُو قِلقاً وضِيْنُها | مُعْتَرضاً في بَطْنِها جنينُها |
٤٢٠٦ - تقولُ وقد دَرَأْتُ لها وَضِيْني | أهذا دينُه أبداً ودِيني |
٤٢٠٧ - أَفْنى تِلادي وما جَمَّعْتُ مِنْ نَشَبٍ | قَرْعُ القواقيزِ أَفْواهَ الأباريقِ |
٤٢٠٨ - وتداعَوا إلى الصَّبوحِ فجاءتْ | قَيْنةٌ في يمينِها إبْريقُ |
٤٢٠٩ - كأن إبْريقَهم ظبيٌ على شَرَفٍ | مُفَدَّمٍ بسَبا الكَتَّانِ مَلْثُوْمُ |
٤٢١٠ - تَشْفي الصُّداعَ ولا يُؤْذِيك صالبُها | ولا يخالِطُها في الرأس تدويمُ |
وقرأ ابن أبي إسحاق بفتح الياء وكسر الزاي مِنْ نَزَفَ البِئْرُ، أي: اسْتُقِيَ ما فيها. والمعنى: لا تَنْفَدُ خمرُهم. قال الشيخ: «وابن أبي إسحاق أيضاً، وعبد الله والجحدريُّ والأعمش وطلحة وعيسى، بضمِّ الياء وكسر الزاي أي: لا يَفْنى لهم شراب». قلت: وهذا عجيبٌ منه فإنَّه قد تقدَّم في الصافات أن الكوفيين يَقْرَؤون في الواقعة بكسر الزاي، وقد نقل هو هذه القراءة في قصيدته.
وأمَّا الرفعُ فمِنْ أوجهٍ أيضاً، عطفاً على «ولْدانٌ»، أي: إنَّ الحورَ يَطُفْنَ عليهم بذلك، كما الوَلائدُ في الدنيا. وقال أبو البقاء: «أي: يَطُفْنَ عليهم للتنعُّمِ لا للخدمة» قلت: / وهو للخدمةِ أبْلَغُ؛ لأنهم إذا خدمهم مثلُ أولئك، فما الظنُّ بالمَوْطوءات؟ الثاني: أَنْ يُعطفَ على الضمير المستكنِّ في «مُتَّكِئين» وسَوَّغ ذلك الفصلُ بما بينهما. الثالث: أَنْ يُعْطفَ على مبتدأ وخبر حُذِفا معاً تقديرُه: لهم هذا كلُّه وحورٌ عين، قاله الشيخ، وفيه نظر؛ لأنَّه إنما عُطِف على المبتدأ وحدَهُ، وذلك الخبرُ له ولِما عُطِف هو عليه.
الرابع: أَنْ يكونَ مبتدأً، خبرُه مضمرٌ تقديرُه: ولهم، أو فيها، أو ثَمَّ حورٌ. وقال الزمخشري «على وفيها حُوْرٌ كبيت الكتاب:
٤٢١١ -.......................... | إلاَّ رَواكدَ جَمْرُهُنَّ هَباءُ |
وأمَّا قراءةُ» وحِيْرٍ «فلمجاورتها» عين «ولأنَّ الياءَ أخفُّ من الواو، ونظيرهُ في التغيير للمجاورة:» أَخَذَه ما قَدُم وما حَدُث «بضم دال» حَدُث «لأجل» قَدُم «وإذا أُفْرِد منه فَتَحْتَ دالَه فقط، وقوله عليه السلام:
«وربِّ السماوات ومَنْ أَظْلَلْنَ ورَبِّ الشياطين ومَنْ أَضْلَلْنَ» وقوله عليه السلام: «أيتكنَّ صاحبةُ الجمل الأَرْبَب تَنْبَحُها كلابُ الحَوْءَب» فَكَّ «الأَرْبَبَ» لأجل «الحَوْءَب».
وقرأ قتادة «وحورُ عينٍ» بالرفع والإِضافة ل «عين» وابن مقسم بالنصب والإِضافةِ وقد تقدَّم توجيهُ الرفع والنصب. وأمَّا الإِضافةُ فمِنْ
قوله: ﴿سَلاَماً سَلاَماً﴾ فيه أوجهٌ، أحدها: أنه بدلٌ مِنْ «قيلاً» أي: لا يسمعُون فيها إلاَّ سلاماً سلاماً. الثاني: أنه نعتٌ لقِيلا. الثالث: أنه منصوبٌ بنفس «قيلاً» أي: إلاَّ أَنْ يقولوا: سلاماً سلاماً، هو قولُ الزجَّاج. الرابع: أَنْ يكونَ منصوباً بفعلٍ مقدرٍ، ذلك الفعلُ مَحْكِيٌّ ب «قيلاً» تقديره: إلاَّ قيلاً اسْلَموا سَلاماً.
وقُرىء «سَلامٌ» بالرفع قال الزمخشري: «على الحكاية». قال
٤٢١٢ - إن الحَدائقَ في الجِنانِ ظليلةٌ | فيها الكواعِبُ سِدْرُها مَخْضُوْدُ |
﴿ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ ﴾ [ ق : ١٠ ] فقيل له : أنُحَوِّلُها ؟ فقال : آيُ القرآنِ لا تُهاجُ اليومَ ولا تُحَوَّلُ. ويُرْوى عن ابن عباس مثلُه.
٤٢١٣ - وفي الخُدورِ عَروبٌ غيرُ فاحِشةٍ | رَيَّا الرَّوادِفِ يَعْشى دونَها البصَرُ |
وقرأ ابنُ أبي عبلة «لا باردٌ ولا كريمٌ» برفعهما أي: هو لا باردٌ كقوله:
٤٢١٤ -..............................
٤٢١٥ - كأنَّه خارِجٌ من جَنْبِ صَفْحَتِهِ | سَفُّوْدُ شَرْبٍ نَسُوْهُ عند مُفْتَأَدِ |
٤٢١٦ - فأصبَحْتُ كالهَيْماءِ لا الماءُ مُبْرِدٌ | صَداها ولا يَقْضي عليها هُيامُها |
وأجاب بعضُهم عنه بجواب آخر: وهو أنَّ قولَه: ﴿فَشَارِبُونَ شُرْبَ الهيم﴾ تفسيرٌ للشُرْب قبلَه، ألا ترى أنَّ ما قبلَه يَصْلُح أن يكونَ مثلَ شُرْبِ الهيمِ ومثلَ شُرْبِ غيرِها ففَسَّره بأنه مثلُ شُرْبِ هؤلاء البهائم أو الرِّمالِ.
وقال الشيخ: «والفاءُ تقتضي التعقيبَ في الشُّرْبَيْنِ، وأنهم أولاً لمَّا عَطِشوا شَرِبوا من الحميم، ظَنّاً منهم أنه يُسَكِّنُ عَطَشَهُم، فازداد العطشُ بحرارةِ الحميمِ، فشربوا بعده شُرْباً لا يقع بعدَه رِيٌّ أبداً. وهو مِثْلُ شُرْبِ الهيم فهما شُربان مِنَ الحَميم لا شُرْبٌ واحدٌ، اختلفَتْ صفتاه فَعَطف. والمشروبُ مِنْه في ﴿فَشَارِبُونَ شُرْبَ الهيم﴾ محذوفٌ لفَهْمِ المعنى تقديرُه: فشاربون منه» انتهى. والظاهرُ أنه شُرْبٌ واحدٌ بل الذي نعتقدُ هذا فقط، وكيف يُناسِبُ أَنْ تكونَ زيادتُهم العطشَ بشُرْبِه مقتضيةً لشُرْبِهم منه ثانياً؟
٤٢١٧ - وكُنَّا إذا الجبَّارُ أَنْزَلَ جَيْشَه | جَعَلْنَا القَنا والمُرْهَفاتِ له نُزْلا |
٤٢١٨ - إن يُعَذِّبْ يَكُنْ غَراماً وإنْ يُعْ | طِ جَزيلاً فإنَّه لا يُبالي |
٤٢١٩ - حتى إذا الكَلاَّبُ قال لها | كاليومِ مَطْلوباً ولا طَلَبا |
٤٢٢٠ - إذا سُقِيَتْ ضُيوفُ الناس مَحْضاً | سَقَوْا أضيافَهم شَبِماً زُلالا |
قال الشيخ: «وقد طوَّل الزمخشريُّ» فلم يَذْكُرْ هذا الكلامَ الحسنَ، ثم ذَكَر بعض كلامِه، وواخَذَه في قولِه: «إنَّ الثاني امتنع لامتناعِ الأول» وجعلها عبارةَ بعض ضعفاءِ المُعْرِبين، ثم ذكر عبارةَ سيبويه، وهي: حرفٌ لِما كان سيقعُ لوقوعِ غيرِه، وذكر أنَّ قولَ مَنْ قال: «امتناع لامتناع» فاسدٌ بقولك: لو كان هذا إنساناً لكان حيواناً، يعني أنه لا يَلْزَمُ مِن امتناع الإِنسانية امتناعُ الحيوانية. ومِثْلُ هذه الإِيراداتِ سهلةٌ وإذا تَبِعَ الرجلُ الناسَ في عبارتهم لا عليه. على أنها عبارةُ المتقدِّمين من النحاة، نَصَّ على ذلك غيرُ واحدٍ.
وقوله: ﴿مِنَ المزن﴾ : السحاب وهو اسم جنس واحدُه مُزْنة. قال الشاعر:
٤٢٢١ - فلا مُزْنَةٌ وَدَقَتْ وَدْقَها | ولا أرضَ أَبْقَلَ إبْقالَها |
٤٢٢٢ - ونحن كماءِ المُزْنِ ما في نِصابِنا | كَهامٌ ولا فينا يُعَدُّ بخيلُ |
٤٢٢٣ - يا دارَميَّةَ بالعَلْياءِ فالسَّنَدِ | أَقْوَتْ وطال عليها سالفُ الأبَدِ |
٤٢٢٤ -......................... | فلا وأَبي أعدائِها لا أَخُوْنُها |
٤٢٢٥ - أَعوذُ باللَّهِ من العَقْرابِ... قاله الشيخُ، واستشهدَ بقراءةِ هشام «أَفْئِيْدَة». قلت. وهذا ضعيفٌ جداً، واستند أيضاً لقراءةِ الحسن وعيسى/ «فَلأُقْسِمُ» بلامٍ واحدةٍ. قلت: وفي هذه القراءةِ تخريجان أحدُهما: أنَّ اللامَ لامُ الابتداءِ،
٤٢٢٦ - لَئِن تَكُ قد ضاقَتْ عليكم بيوتُكمْ | لَيَعْلَمُ ربِّي أنَّ بيتيَ واسعُ |
٤٢٢٧ - وقتيلُ مُرَّةَ أَثْأَرَنَّ.......... | .......................... |
وقرأ العامَّة «بمواقِع» جمعاً، والأخَوان «بموقع» مفرداً بمعنى الجمع لأنَّه مصدرٌ فوُحِّدَ، ومواقعُها: مَساقِطُها ومَغارِبُها.
وقيل: سُقوطُها يوم تَنْكَدِرُ. وقيل: النجومُ للقرآن، ويؤيِّدُه «وإنَّه لَقَسَمٌ»، و ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ﴾ والمُقْسَمُ عليه قولُه: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ﴾ وعلى هذا فيكونُ في الكلام اعتراضان، أحدُهما: الاعتراضُ بقوله: «وإنه لَقَسَمٌ» بين القسمِ والمُقْسَم عليه، والثاني: الاعتراضُ بقولِه: «لو تعلمون» بين الصفةِ والموصوفِ. وأبى ابنُ عطية أَنْ يُجْعَلَ قولُه: «وإنَّه لَقَسَمٌ» اعتراضاً فقال: «وإنه لَقَسَمٌ» تأكيدٌ للأمرِ وتنبيهُ المُقْسَم به، وليس هذا باعتراضٍ بين الكلامَيْن،
الثاني : أنها زائدةٌ للتوكيدِ، مِثْلُها في قولِه تعالى :﴿ لِّئَلاَّ يَعْلَمَ ﴾ [ الحديد : ٢٩ ] والتقدير : فأُقْسِمُ، وليَعْلَمَ، وكقولِه :
٤٢٢٤......................... | فلا وأَبي أعدائِها لا أَخُوْنُها |
أَعوذُ باللَّهِ من العَقْرابِ ***
قاله الشيخُ، واستشهدَ بقراءةِ هشام " أَفْئِيْدَة ". قلت. وهذا ضعيفٌ جداً، واستند أيضاً لقراءةِ الحسن وعيسى/ " فَلأُقْسِمُ " بلامٍ واحدةٍ. قلت : وفي هذه القراءةِ تخريجان أحدُهما : أنَّ اللامَ لامُ الابتداءِ، وبعدَها مبتدأٌ محذوفٌ، والفعلُ خبرُه، فلمَّا حُذِفَ المبتدأُ اتصلَتْ اللامُ بخبرِه وتقديرُه : فلأَنا أٌقْسِمُ نحو : لَزيدٌ منطلقٌ، قاله الزمخشري وابن جني. والثاني : أنها لامُ القسمِ دخَلَتْ على الفعل الحالي. ويجوز أَنْ يكونَ القسم جواباً للقسمِ كقوله :﴿ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا ﴾ [ التوبة : ١٠٧ ] فنفسُ " ليَحْلِفُنَّ " قسمٌ جوابُه " إنْ أرَدْنَا " وهو جوابٌ لقسمٍ مقدرٍ، كذلك هذا، وهو قولُ الكوفيين : يُجيزون أَنْ يُقْسَم على فعلِ الحالِ. البصريُّون يَأْبَوْنه ويُخَرِّجون ما يُوهم ذلك على إضمار مبتدأ فيعود القسم على جملةٍ اسمية. ومنع الزمخشري أن تكونَ لامَ القسمِ قال :" لأمرَيْن، أحدهما : أنَّ حَقَّها أَنْ تُقْرَنَ بالنونِ المؤكدةِ، والإِخلالُ بها ضعيفٌ قبيحٌ. والثاني : أنَّ لأفعلنَّ في جواب القسم للاستقبالِ، وفعلُ القسمِ يجب أَنْ يكونَ للحال " وهذا كما تقدَّم أنه يرى مذهبَ البَصرْيين، ومعنى قولِه :" وفعلُ القَسَمِ يجبُ أنْ يكونَ للحال " يعني أنَّ فِعْلَ القسمِ إنشاءٌ والإِنشاءُ حالٌ. وإمَّا قولُه :" أَنْ يُقْرن بها النونُ " هذا مذهبُ البصريين. وأمَّا الكوفيون فيجيزون التعاقبَ بين اللام والنونِ نحو : واللَّهِ لأَضْرِبُ زيداً كقولِه :
لَئِن تَكُ قد ضاقَتْ عليكم بيوتُكمْ | لَيَعْلَمُ ربِّي أنَّ بيتيَ واسعُ |
وواللَّهِ اضربَنَّ زيداً كقولِه :
وقتيلُ مُرَّةَ أَثْأَرَنَّ.......... ***..........................
وقد تقدَّم قريبٌ من هذه الآية في قولِه تعالى :﴿ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ ﴾ [ النساء : ٦٥ ] ولكن هناك ما لا يُمْكن القولُ به هنا كما أنَّ هنا ما لا يمكن القولُ به هناك، وسيأتي قريبٌ منه في القيامةِ في قراءةِ ابن كثير ﴿ لأُقْسِمُ بيوم القيامة ﴾ [ القيامة : ١ ].
وقرأ العامَّة " بمواقِع " جمعاً، والأخَوان " بموقع " مفرداً بمعنى الجمع لأنَّه مصدرٌ فوُحِّدَ، ومواقعُها : مَساقِطُها ومَغارِبُها.
وقيل : سُقوطُها يوم تَنْكَدِرُ. وقيل : النجومُ للقرآن. ويؤيِّدُه " وإنَّه لَقَسَمٌ "، و ﴿ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ﴾ والمُقْسَمُ عليه قولُه :﴿ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ﴾ وعلى هذا فيكونُ في الكلام اعتراضان، أحدُهما : الاعتراضُ بقوله :" وإنه لَقَسَمٌ " بين القسمِ والمُقْسَم عليه، والثاني : الاعتراضُ بقولِه :" لو تعلمون " بين الصفةِ والموصوفِ. وأبى ابنُ عطية أَنْ يُجْعَلَ قولُه :" وإنَّه لَقَسَمٌ " اعتراضاً فقال :" وإنه لَقَسَمٌ " تأكيدٌ للأمرِ وتنبيهُ المُقْسَم به، وليس هذا باعتراضٍ بين الكلامَيْن، بل هذا معنىً قُصِدَ التَّهَمُّمُ به، وإنما الاعتراضُ قولُه :" لو تعلمون " قلت : وكونُه تأكيداً ومُنَبِّهاً على تعظيمِ المُقْسَمِ به لا يُنافي الاعتراضَ بل هذا معنى الاعتراضِ وفائدتُه.
الثاني : أنها زائدةٌ للتوكيدِ، مِثْلُها في قولِه تعالى :﴿ لِّئَلاَّ يَعْلَمَ ﴾ [ الحديد : ٢٩ ] والتقدير : فأُقْسِمُ، وليَعْلَمَ، وكقولِه :
٤٢٢٤......................... | فلا وأَبي أعدائِها لا أَخُوْنُها |
أَعوذُ باللَّهِ من العَقْرابِ ***
قاله الشيخُ، واستشهدَ بقراءةِ هشام " أَفْئِيْدَة ". قلت. وهذا ضعيفٌ جداً، واستند أيضاً لقراءةِ الحسن وعيسى/ " فَلأُقْسِمُ " بلامٍ واحدةٍ. قلت : وفي هذه القراءةِ تخريجان أحدُهما : أنَّ اللامَ لامُ الابتداءِ، وبعدَها مبتدأٌ محذوفٌ، والفعلُ خبرُه، فلمَّا حُذِفَ المبتدأُ اتصلَتْ اللامُ بخبرِه وتقديرُه : فلأَنا أٌقْسِمُ نحو : لَزيدٌ منطلقٌ، قاله الزمخشري وابن جني. والثاني : أنها لامُ القسمِ دخَلَتْ على الفعل الحالي. ويجوز أَنْ يكونَ القسم جواباً للقسمِ كقوله :﴿ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا ﴾ [ التوبة : ١٠٧ ] فنفسُ " ليَحْلِفُنَّ " قسمٌ جوابُه " إنْ أرَدْنَا " وهو جوابٌ لقسمٍ مقدرٍ، كذلك هذا، وهو قولُ الكوفيين : يُجيزون أَنْ يُقْسَم على فعلِ الحالِ. البصريُّون يَأْبَوْنه ويُخَرِّجون ما يُوهم ذلك على إضمار مبتدأ فيعود القسم على جملةٍ اسمية. ومنع الزمخشري أن تكونَ لامَ القسمِ قال :" لأمرَيْن، أحدهما : أنَّ حَقَّها أَنْ تُقْرَنَ بالنونِ المؤكدةِ، والإِخلالُ بها ضعيفٌ قبيحٌ. والثاني : أنَّ لأفعلنَّ في جواب القسم للاستقبالِ، وفعلُ القسمِ يجب أَنْ يكونَ للحال " وهذا كما تقدَّم أنه يرى مذهبَ البَصرْيين، ومعنى قولِه :" وفعلُ القَسَمِ يجبُ أنْ يكونَ للحال " يعني أنَّ فِعْلَ القسمِ إنشاءٌ والإِنشاءُ حالٌ. وإمَّا قولُه :" أَنْ يُقْرن بها النونُ " هذا مذهبُ البصريين. وأمَّا الكوفيون فيجيزون التعاقبَ بين اللام والنونِ نحو : واللَّهِ لأَضْرِبُ زيداً كقولِه :
لَئِن تَكُ قد ضاقَتْ عليكم بيوتُكمْ | لَيَعْلَمُ ربِّي أنَّ بيتيَ واسعُ |
وواللَّهِ اضربَنَّ زيداً كقولِه :
وقتيلُ مُرَّةَ أَثْأَرَنَّ.......... ***..........................
وقد تقدَّم قريبٌ من هذه الآية في قولِه تعالى :﴿ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ ﴾ [ النساء : ٦٥ ] ولكن هناك ما لا يُمْكن القولُ به هنا كما أنَّ هنا ما لا يمكن القولُ به هناك، وسيأتي قريبٌ منه في القيامةِ في قراءةِ ابن كثير ﴿ لأُقْسِمُ بيوم القيامة ﴾ [ القيامة : ١ ].
وقرأ العامَّة " بمواقِع " جمعاً، والأخَوان " بموقع " مفرداً بمعنى الجمع لأنَّه مصدرٌ فوُحِّدَ، ومواقعُها : مَساقِطُها ومَغارِبُها.
وقيل : سُقوطُها يوم تَنْكَدِرُ. وقيل : النجومُ للقرآن. ويؤيِّدُه " وإنَّه لَقَسَمٌ "، و ﴿ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ﴾ والمُقْسَمُ عليه قولُه :﴿ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ﴾ وعلى هذا فيكونُ في الكلام اعتراضان، أحدُهما : الاعتراضُ بقوله :" وإنه لَقَسَمٌ " بين القسمِ والمُقْسَم عليه، والثاني : الاعتراضُ بقولِه :" لو تعلمون " بين الصفةِ والموصوفِ. وأبى ابنُ عطية أَنْ يُجْعَلَ قولُه :" وإنَّه لَقَسَمٌ " اعتراضاً فقال :" وإنه لَقَسَمٌ " تأكيدٌ للأمرِ وتنبيهُ المُقْسَم به، وليس هذا باعتراضٍ بين الكلامَيْن، بل هذا معنىً قُصِدَ التَّهَمُّمُ به، وإنما الاعتراضُ قولُه :" لو تعلمون " قلت : وكونُه تأكيداً ومُنَبِّهاً على تعظيمِ المُقْسَمِ به لا يُنافي الاعتراضَ بل هذا معنى الاعتراضِ وفائدتُه.
والثاني من الوجهين الأوَّلَيْن: أنها ناهيةٌ، والفعلُ بعدها مجزومٌ؛ لأنه لو فُكَّ عن الإِدغامِ لظهر ذلك فيه كقولِه: ﴿لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سواء﴾ [آل عمران: ١٧٤] ولكنه أَدْغم، ولَمَّا أُدْغِمَ حُرِّك آخرُه بالضمِّ لأجلِ هاء ضميرِ المذكرِ الغائبِ، ولم يَحْفَظْ سيبويه في نحوِ هذا إلاَّ الضمَّ. وفي الحديث: «إنَّا
وليس فيما ذكرَه ضَعْفٌ لهذا القول؛ لأنَّا لا نُسَلِّم أنَّ «تنزيل» صفةٌ، بل هو خبرُ مبتدأ محذوفٍ، أي: هو تنزيلٌ فلا يَلْزَم ما ذَكرَه من الاعتراضِ. ولَئِنْ سَلَّمْنَا أنه صفةٌ ف «لا يَمَسُّه» صفةٌ أيضاً، فيُعْترض علينا: بأنه طلبٌ. فيُجاب: بأنه على إضمارِ القولِ أي: مقولٌ فيه: لا يمسُّه، كما قالوا ذلك في قوله: «فتنةً لا تصيبَنَّ» على أنَّ «لا تصيبنَّ» نَهْيٌ وهو كقولِه:
٤٢٢٨ - جاؤوا بمَذْقٍ هل رأيْتَ الذئبَ قطّ | وقد تقدَّم تحقيقُه في الأنفال، وهذه المسألةُ يتعلَّقُ بها خلافُ |
٤٢٢٩ - الحَزْمُ والقُوَّةُ خيرٌ من الْ | إدْهانِ والفَهَّةِ والهاعِ |
٤٢٣٠ - كأن شُكْرَ القَوْمِ عند المِنَنِ | كيُّ الصَحيحاتِ وفَقْءُ الأعينِ |
وقرأ العامَّةُ «تُكَذِّبون» من التكذيب. وعلي رضي الله عنه وعاصمٌ في رواية المفضل عنه «تَكْذِبون» مخففاً من الكَذِب.
قال الشيخ:» وإذا ليسَتْ شرطاً؛ بل ظرفاً يعمل فيها «تَرْجعونها» المحذوفُ بعد «لولا» لدلالةِ «تَرْجِعونها» في التحضيض الثاني عليه، فجاء التحضيضُ الأولُ مقيَّداً بوقتِ بلوغِ الحُلْقومِ. وجاء التحضيضُ الثاني مُعَلَّقاً على انتفاء مَرْبُوْبيَّتهم وهم لا يَقْدرون على رَجْعِها إذ مَرْبُوبِيَّتُهم موجودةٌ، فهم مقْهورون لا قُدْرَةَ لهم «انتهى. فجعل» تَرْجِعونها «المذكورَ ل» لولا «الثانية، وهو دالٌّ على محذوفٍ بعد الأولى، وهو أحد الأقوالِ التي نَقَلها أبو البقاء فيما تقدم.
قوله: ﴿فَأَمَّآ إِن كَانَ﴾ قد تقدَّم الكلامُ في «إمَّا» في أولِ هذا
و [قوله] :﴿فَرَوْحٌ﴾ مبتدأٌ، خبرُه مقدَّر قبلَه أي: فله رَوْحٌ. ويجوزُ أَنْ يُقَدَّر بعدَه لاعتمادِه على فاءِ الجزاءِ.
و «العظيم» يجوزُ أَنْ يكونَ صفةً للاسم، وأَنْ يكونَ لربك؛ لأنَّ كلاً منهما مجرورٌ. وقد وُصِفَ كلٌّ منهما في قوله: «تَبَارَكَ اسم رَبِّكَ ذُو الجلال» [الرحمن: ٧٨] و ﴿ذي الجلال﴾. ولتغايُرِ المتضايفَيْن في الإِعراب ظهر الفرقُ في الوصف.
سورة الواقعة
سورة (الواقعة) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (طه)، وقد جاءت بتذكيرِ الناس بوقوع يوم القيامة؛ للدَّلالة على عظمة الله عز وجل، وترهيبًا لهم من مخالفة أوامره، ودعوةً لهم إلى اتباع الدِّين الحق وتركِ الباطل، وخُتمت السورة الكريمة بتعظيمِ القرآن، وصدقِ أخباره وما جاء به، وقد أُثر عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءتُه لها في صلاة الفجر.
ترتيبها المصحفي
56نوعها
مكيةألفاظها
380ترتيب نزولها
46العد المدني الأول
99العد المدني الأخير
99العد البصري
97العد الكوفي
96العد الشامي
99* قوله تعالى: {فَلَآ أُقْسِمُ بِمَوَٰقِعِ اْلنُّجُومِ ٧٥ وَإِنَّهُۥ لَقَسَمٞ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ٧٦ إِنَّهُۥ لَقُرْءَانٞ كَرِيمٞ ٧٧ فِي كِتَٰبٖ مَّكْنُونٖ ٧٨ لَّا يَمَسُّهُۥٓ إِلَّا اْلْمُطَهَّرُونَ ٧٩ تَنزِيلٞ مِّن رَّبِّ اْلْعَٰلَمِينَ ٨٠ أَفَبِهَٰذَا اْلْحَدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ ٨١ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة: 75-82]:
عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «مُطِرَ الناسُ على عهدِ النبيِّ ﷺ، فقال النبيُّ ﷺ: «أصبَحَ مِن الناسِ شاكرٌ، ومنهم كافرٌ، قالوا: هذه رحمةُ اللهِ، وقال بعضُهم: لقد صدَقَ نَوْءُ كذا وكذا»، قال: فنزَلتْ هذه الآيةُ: {فَلَآ أُقْسِمُ بِمَوَٰقِعِ اْلنُّجُومِ} [الواقعة: 75]، حتى بلَغَ: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة: 82]». أخرجه مسلم (٧٣).
* سورة (الواقعة):
سُمِّيت هذه السورة بـ(الواقعة)؛ لافتتاحِها بهذا اللفظ، ولتسميةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لها بذلك:
عن أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه، قال: «سألتُ رسولَ اللهِ ﷺ: ما شيَّبَكَ؟ قال: «سورةُ هودٍ، والواقعةِ، و{عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ}، و{إِذَا اْلشَّمْسُ كُوِّرَتْ}»». أخرجه الترمذي (٣٢٩٧).
و(الواقعةُ): اسمٌ من أسماءِ يوم القيامة.
* سورة (الواقعة) من السُّوَر التي شيَّبتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم:
عن أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه، قال: «سألتُ رسولَ اللهِ ﷺ: ما شيَّبَكَ؟ قال: «سورةُ هودٍ، والواقعةِ، و{عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ}، و{إِذَا اْلشَّمْسُ كُوِّرَتْ}»». أخرجه الترمذي (٣٢٩٧).
* أُثِر عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءتُه لسورة (الواقعة) في صلاة الفجر:
عن جابرِ بن سَمُرةَ رضي الله عنه، قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يُصلِّي الصَّلواتِ كنَحْوٍ مِن صلاتِكم التي تُصَلُّون اليومَ، ولكنَّه كان يُخفِّفُ، كانت صَلاتُه أخَفَّ مِن صَلاتِكم، وكان يَقرأُ في الفجرِ الواقعةَ، ونحوَها مِن السُّوَرِ». أخرجه أحمد (٢٠٩٩٥).
1. تحقيق القيامة (١-٥٦).
2. دلائلُ البعث والجزاء (٥٧-٧٤).
3. تعظيم القرآن، وصدقُ أخباره (٧٥-٩٦).
ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (7 /598).
مقصدُ سورة (الواقعة) هو التذكيرُ بوقوع يوم القيامة وهَوْلِه، ووصفُ ما يحدُثُ به؛ لتخويف الناس وترهيبهم من معصية الله عز وجل ومخالفة أمره، وفي ذلك دعوةٌ لهم للرجوع إلى الحق، والاستجابة لأمر الله.
ويُبيِّن ابن عاشور محورَها فيقول: «هو التذكيرُ بيوم القيامة، وتحقيق وقوعه.
ووصفُ ما يَعرِض لهذا العالَمِ الأرضي عند ساعة القيامة.
ثم صفة أهل الجنة وبعض نعيمهم.
وصفة أهل النار وما هم فيه من العذاب، وأن ذلك لتكذيبهم بالبعث.
وإثبات الحشر والجزاء.
والاستدلال على إمكان الخَلْق الثاني بما أبدعه الله من الموجودات بعد أن لم تكن.
والاستدلال بدلائل قدرة الله تعالى.
والاستدلال بنزعِ الله الأرواحَ من الأجساد والناس كارهون لا يستطيع أحدٌ مَنْعَها من الخروج، على أن الذي قدَرَ على نزعها بدون مُدافعٍ قادرٌ على إرجاعها متى أراد على أن يُمِيتَهم.
وتأكيد أن القرآن منزلٌ من عند الله، وأنه نعمةٌ أنعم الله بها عليهم فلم يشكروها، وكذَّبوا بما فيه». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (27 /280).