تفسير سورة الواقعة

الوجيز للواحدي

تفسير سورة سورة الواقعة من كتاب الوجيز في تفسير الكتاب العزيز المعروف بـالوجيز للواحدي.
لمؤلفه الواحدي . المتوفي سنة 468 هـ
مكية وهي تسعون وست آيات

﴿إذا وقعت الواقعة﴾ جاءت القيامة
﴿ليس لوقعتها﴾ لمجيئها ﴿كاذبة﴾ كذبٌ
﴿خافضة رافعة﴾ تخفض قوماً إلى النَّار وترفع آخرين إلى الجنَّة
﴿إذا رجَّت الأرض رجّاً﴾ حُرَّكت الأرض حركةً شديدةً
﴿وبست الجبال بساً﴾ فتَّت فتَّاً
﴿فكانت هباء منبثاً﴾ غُباراً متفرقا
﴿وكنتم﴾ في ذلك اليوم ﴿أزواجاً﴾ أَصنافاً ﴿ثلاثة﴾ ثمَّ بيَّن الأصناف فقال:
﴿فأصحاب الميمنة﴾ وهم الذين يُؤتون كتبهم بأيمانهم وقيل: الذين كانوا عل يمين آدم عليه السَّلام حين أخرج الذُّريَّة من ظهره ﴿ما أصحاب الميمنة﴾ أَيُّ شيءٍ هم؟ على التَّعظيم لشأنهم
﴿وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة﴾ أَيْ: الشِّمال تفسيرها على ضدِّ تفسير التي قبلها
﴿والسابقون﴾ إلى الإِيمان من كلِّ أمَّةٍ ﴿السابقون﴾ إلى رحمة الله وجنَّته
﴿أولئك المقربون﴾ إلى كرامة الله
﴿في جنات النعيم﴾
﴿ثلة من الأولين﴾ جماعةٌ من الأمم الماضية
﴿وقليل من الآخرين﴾ من هذه الأُمّة يريد: من سابقي الأمم وسابقي هذه الأُمَّة
﴿على سرر موضونة﴾ منسوجةٍ بقضبان الذهب والجواهر
﴿متكئين عليها متقابلين﴾
﴿ولدان مخلدون﴾ غلمانٌ لا يموتون ولا يهرمون
﴿بأكواب﴾ بأقداحٍ لا عُرى لها ﴿وأباريق﴾ التي لها عُرى وخراطيم ﴿وكأس﴾ إناءٍ ﴿من معين﴾ من خمرٍ جاريةٍ
﴿لا يصدعون عنها﴾ لا ينالهم الصُّداع عن شربها ﴿ولا ينزفون﴾ ولا يسكرون
﴿وفاكهة مما يتخيرون﴾ يختارون
﴿ولحم طير مما يشتهون﴾
﴿وحور﴾ جوار وعلمان شديدات سواد الأعين وبياضها ﴿عين﴾ ضخام العيون
﴿كأمثال﴾ كأشباه ﴿اللؤلؤ المكنون﴾ في صفاء اللَّون والمكنون: المستور في كِنِّه وهو الصدف
﴿جزاء بما كانوا يعملون﴾
﴿لا يسمعون فيها﴾ في الجنَّات ﴿لغواً﴾ كاملاً فاحشاً ﴿ولا تأثيماً﴾ ولا ما يوقع في الإِثم
﴿إلا قليلا﴾ قولاً ﴿سلاماً سلاماً﴾ ما يسلمون فيه من اللَّغو والإٍثم ثمَّ ذكر منازل أصحاب الميمنة فقال:
﴿وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين﴾
﴿في سدر﴾ وهو نوعٌ من الشجر ﴿منضود﴾ مقطوعِ الشَّوك لا كسدر الدُّنيا
﴿وطلح﴾ وهو شجر الموز ﴿منضود﴾ نُضِدَ بالحمل من أوَّله إلى آخره فليست له سوقٌ بارزةٌ
﴿وظل ممدود﴾ دائمٍ ثابت
﴿وماء مسكوب﴾ جارٍ غير منقطع
﴿وفاكهة كثيرة﴾
﴿لا مقطوعة﴾ بالأزمان ﴿ولا ممنوعة﴾ بالأثمان
﴿وفرش مرفوعة﴾ على السررظ
﴿إنا أنشأناهن﴾ خلقناهنَّ أَيْ: الحور العين ﴿إنشاء﴾ خلقاً من غير ولادةٍ
﴿فجعلناهنَّ أبكاراً﴾ عذارى
﴿عُرباً﴾ مُتحبِّبات إلى الأزواج عواشق لهم ﴿أتراباً﴾ مُستوياتٍ في السنِّ
﴿لأصحاب اليمين﴾
﴿ثلة من الأولين﴾ من الأمم الماضية
﴿وثلة من الآخرين﴾ من هذه الأُمَّة يعني: إنَّ أصحاب الجنَّة نصفان: نصفٌ من الأمم الماضية ونصفٌ من هذه الأمَّة ثمَّ ذكر منازل أصحاب الشِّمال فقال:
﴿وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال﴾
﴿في سموم﴾ ريحٍ حارَّةٍ ﴿وحميم﴾
﴿وظلٍّ من يحموم﴾ دخانٍ شديد السَّواد ﴿لا بارد﴾ المنزل ﴿ولا كريم﴾ المنظر
﴿إنهم كانوا قبل ذلك﴾ في الدُّنيا ﴿مترفين﴾ مُنعَّمين لا يتعبون في طاعة الله
﴿وكانوا يصرون على الحنث العظيم﴾ يُقيمون على الذَّنب العظيم وهو الشِّرك وكانوا يُنكرون البعث ﴿وكانوا يقولون أإذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أَإِنّا لمبعوثون﴾ فقال الله تعالى:
﴿وكانوا يصرون على الحنث﴾
﴿أإذا متنا وكنا تراباً وعظاما أإنا لمبعوثون﴾
﴿أو آباؤنا الأولون﴾
﴿قل إنَّ الأولين والآخرين﴾ ﴿لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم﴾ وهو يوم القيامة ومعنى ﴿إلى ميقات﴾ لميقات يوم وقوله:
﴿لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم﴾
﴿ثم إنكم أيها الضالون المكذبون﴾
﴿لآكلون من شجر من زقوم﴾
﴿فمالئون منها البطون﴾
﴿فشاربون عليه من الحميم﴾
﴿شرب الهيم﴾ أَيْ: الإِبل العطاش
﴿هذا نزلهم﴾ ما أعدَّ لهم من الرِّزق ﴿يوم الدين﴾ المجازاة
﴿نحن خلقناكم﴾ ابتداءً ﴿فلولا﴾ فهلاَّ ﴿تصدّقون﴾ بالخلق الثَّاني وهو البعث
﴿أفرأيتم ما تمنون﴾ تصبُّون في الأرحام من المنيّ
﴿أأنتم تخلقونه﴾ بشراً ﴿أم نحن الخالقون﴾
﴿نحن قدَّرنا﴾ قضينا ﴿بينكم الموت وما نحن بمسبوقين﴾
﴿على أن نبدِّل أمثالكم﴾ أَيْ: إن أردنا أن نخلق خلقاً غيركم لم نُسبق ولا فاتنا ذلك ﴿وننشئكم﴾ نخلقكم ﴿في ما لا تعلمون﴾ من الصُّور أَيْ: نجعلكم قردةً وخنازير والمعنى: لسنا عاجزين عن خلق أمثالكم بدلاً منكم ومسخكم من صوركم إلى غيرها
﴿ولقد علمتم النشأة الأولى﴾ الخلقة الأولى أَيْ: أقررتم بأنَّ الله خلقكم في بطون أُمَّهاتكم ﴿فلولا تذكرون﴾ أنِّي قادرٌ على إعادتكم
﴿أفرأيتم ما تحرثون﴾ تقلبون من الأرض وتلقون فيه من البذر
﴿أأنتم تزرعونه﴾ تنبتونه ﴿أم نحن الزارعون﴾
﴿لو نشاء لجعلناه حطاماً﴾ تبناً يابساً لا حَبَّ فيه ﴿فظلتم تفكهون﴾ تعجبون وتندمون ممَّا نزل بكم وممَّا علمتم من الحرث وتقولون:
﴿إنا لمغرمون﴾ صار ما أنفقنا على الحرث غُرْماً علينا
﴿بل نحن محرومون﴾ ممنوعون منعنا رزقنا وقوله:
﴿أفرأيتم الماء الذي تشربون﴾
﴿أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون﴾
﴿أجاجاً﴾ أَيْ: مِلحاً لا يمكن شربه
﴿أفرأيتم النار التي تورون﴾ تقدحون
﴿أأنتم أنشأتم﴾ خلقتم ﴿شجرتها﴾ التي تخرج منها
﴿نحن جعلناها تذكرة﴾ يتذكَّر بها نار جهنَّم ﴿ومتاعاً﴾ ومنفعةً ﴿للمقوين﴾ للمسافرين
﴿فسبح باسم ربك العظيم﴾ أَيْ: نَزِّه الله ممَّا يقول المشركون
﴿فلا أقسم﴾ لا زائدة ﴿بمواقع النجوم﴾ مساقطها ومغاربها وقيل: أراد نجوم القرآن
﴿وإنه لقسم لو تعلمون عظيم﴾
﴿إنه لقرآن كريم﴾ حسنٌ عزيزٌ
﴿في كتاب مكنون﴾ مصونٍ عند الله
﴿لا يمسه﴾ باليد أَيْ: المصحف ﴿إلاَّ المطهرون﴾ من الجنابات والأحداث
﴿تنزيل من رب العالمين﴾
﴿أفبهذا الحديث﴾ أَيْ: القرآن ﴿أنتم مدهنون﴾ مُكِّذبون
﴿وتجعلون رزقكم﴾ شكر رزقكم فحذف الشُّكر ﴿أنكم تكذبون﴾ بسقيا الله إذا مُطرتم وتقولون: مطرنا بنوء كذا
﴿فلولا﴾ فهلاَّ ﴿إذا بلغت﴾ الرُّوح ﴿الحلقوم﴾
﴿وأنتم﴾ يا أصحاب الميت ﴿حينئذٍ تنظرون﴾ إليه وهو في النَّزع
﴿ونحن أقرب إليه منكم﴾ بالعلم والقدرة ﴿ولكن لا تبصرون﴾ لا تعلمون ذلك
﴿فلولا إن كنتم غير مَدِينين﴾ مملوكين ومجزيين
﴿ترجعونها﴾ أَيْ: تردُّون الرُّوح إلى الميِّت ﴿إن كنتم صادقين﴾ أنَّكم غير مملوكين وغير مُدْبِرين وقوله: ﴿ترجعونها﴾ جوابٌ واحدٌ لشيئين وقوله: ﴿فلولا إذا بلغت الحلقوم﴾ وقوله: ﴿فلولا إن كنتم﴾ ثمَّ ذكر مآل الخلق بعد الموت فقال:
﴿فأما إن كان من المقربين﴾ ﴿فروح﴾ فلهم روحٌ أَيْ: استراحةٌ وبردٌ ﴿وريحان﴾ ورزقٌ حسنٌ
﴿وأما إن كان من أصحاب اليمين﴾ ﴿فسلام لك من أصحاب اليمين﴾ أَيْ: إنَّك ترى فيهم ما تحبُّ من السَّلامة وقد علمت ما أعدَّ لهم من الجزاء لأنَّه قد بُيِّن لك في قوله: ﴿في سدر مخضود﴾ الآيات
﴿وأما إن كان من أصحاب اليمين﴾ ز
﴿فسلام لك من أصحاب اليمين﴾
﴿وأما إن كان من المكذبين الضالين﴾ وهم أصحاب المشأمة
﴿فنزل من حميم﴾ فلهم نزلٌ أعدَّ لهم من شراب جهنَّم
﴿وتصلية جحيم﴾ إدخال النَّار
﴿إن هذا﴾ الذي ذكرت ﴿لهو حق اليقين﴾
﴿فسبح باسم ربك العظيم﴾ أَيْ: نزِّه الله من السُّوء
سورة الواقعة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الواقعة) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (طه)، وقد جاءت بتذكيرِ الناس بوقوع يوم القيامة؛ للدَّلالة على عظمة الله عز وجل، وترهيبًا لهم من مخالفة أوامره، ودعوةً لهم إلى اتباع الدِّين الحق وتركِ الباطل، وخُتمت السورة الكريمة بتعظيمِ القرآن، وصدقِ أخباره وما جاء به، وقد أُثر عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءتُه لها في صلاة الفجر.

ترتيبها المصحفي
56
نوعها
مكية
ألفاظها
380
ترتيب نزولها
46
العد المدني الأول
99
العد المدني الأخير
99
العد البصري
97
العد الكوفي
96
العد الشامي
99

* قوله تعالى: {فَلَآ أُقْسِمُ بِمَوَٰقِعِ اْلنُّجُومِ ٧٥ وَإِنَّهُۥ لَقَسَمٞ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ٧٦ إِنَّهُۥ لَقُرْءَانٞ كَرِيمٞ ٧٧ فِي كِتَٰبٖ مَّكْنُونٖ ٧٨ لَّا يَمَسُّهُۥٓ إِلَّا اْلْمُطَهَّرُونَ ٧٩ تَنزِيلٞ مِّن رَّبِّ اْلْعَٰلَمِينَ ٨٠ أَفَبِهَٰذَا اْلْحَدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ ٨١ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة: 75-82]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «مُطِرَ الناسُ على عهدِ النبيِّ ﷺ، فقال النبيُّ ﷺ: «أصبَحَ مِن الناسِ شاكرٌ، ومنهم كافرٌ، قالوا: هذه رحمةُ اللهِ، وقال بعضُهم: لقد صدَقَ نَوْءُ كذا وكذا»، قال: فنزَلتْ هذه الآيةُ: {فَلَآ أُقْسِمُ بِمَوَٰقِعِ اْلنُّجُومِ} [الواقعة: 75]، حتى بلَغَ: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة: 82]». أخرجه مسلم (٧٣).

* سورة (الواقعة):

سُمِّيت هذه السورة بـ(الواقعة)؛ لافتتاحِها بهذا اللفظ، ولتسميةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لها بذلك:

عن أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه، قال: «سألتُ رسولَ اللهِ ﷺ: ما شيَّبَكَ؟ قال: «سورةُ هودٍ، والواقعةِ، و{عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ}، و{إِذَا اْلشَّمْسُ كُوِّرَتْ}»». أخرجه الترمذي (٣٢٩٧).

و(الواقعةُ): اسمٌ من أسماءِ يوم القيامة.

* سورة (الواقعة) من السُّوَر التي شيَّبتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم:

عن أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه، قال: «سألتُ رسولَ اللهِ ﷺ: ما شيَّبَكَ؟ قال: «سورةُ هودٍ، والواقعةِ، و{عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ}، و{إِذَا اْلشَّمْسُ كُوِّرَتْ}»». أخرجه الترمذي (٣٢٩٧).

* أُثِر عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءتُه لسورة (الواقعة) في صلاة الفجر:

عن جابرِ بن سَمُرةَ رضي الله عنه، قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يُصلِّي الصَّلواتِ كنَحْوٍ مِن صلاتِكم التي تُصَلُّون اليومَ، ولكنَّه كان يُخفِّفُ، كانت صَلاتُه أخَفَّ مِن صَلاتِكم، وكان يَقرأُ في الفجرِ الواقعةَ، ونحوَها مِن السُّوَرِ». أخرجه أحمد (٢٠٩٩٥).

1. تحقيق القيامة (١-٥٦).

2. دلائلُ البعث والجزاء (٥٧-٧٤).

3. تعظيم القرآن، وصدقُ أخباره (٧٥-٩٦).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (7 /598).

مقصدُ سورة (الواقعة) هو التذكيرُ بوقوع يوم القيامة وهَوْلِه، ووصفُ ما يحدُثُ به؛ لتخويف الناس وترهيبهم من معصية الله عز وجل ومخالفة أمره، وفي ذلك دعوةٌ لهم للرجوع إلى الحق، والاستجابة لأمر الله.

ويُبيِّن ابن عاشور محورَها فيقول: «هو التذكيرُ بيوم القيامة، وتحقيق وقوعه.

ووصفُ ما يَعرِض لهذا العالَمِ الأرضي عند ساعة القيامة.

ثم صفة أهل الجنة وبعض نعيمهم.

وصفة أهل النار وما هم فيه من العذاب، وأن ذلك لتكذيبهم بالبعث.

وإثبات الحشر والجزاء.

والاستدلال على إمكان الخَلْق الثاني بما أبدعه الله من الموجودات بعد أن لم تكن.

والاستدلال بدلائل قدرة الله تعالى.

والاستدلال بنزعِ الله الأرواحَ من الأجساد والناس كارهون لا يستطيع أحدٌ مَنْعَها من الخروج، على أن الذي قدَرَ على نزعها بدون مُدافعٍ قادرٌ على إرجاعها متى أراد على أن يُمِيتَهم.

وتأكيد أن القرآن منزلٌ من عند الله، وأنه نعمةٌ أنعم الله بها عليهم فلم يشكروها، وكذَّبوا بما فيه». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (27 /280).