تفسير سورة الواقعة

مجاز القرآن

تفسير سورة سورة الواقعة من كتاب مجاز القرآن
لمؤلفه أبو عبيدة . المتوفي سنة 210 هـ

﴿ إذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ﴾ و ﴿ أَزِفَتِ الآزِفَةُ ﴾ وهي القيامة والساعة.
﴿ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ خَافِضَةٌ ﴾ مجازها في الكلام الأول، ولو كانت في الكلام الثاني لنصبت قوله إذا وقعت الواقعة خافضةً رافعةً والعرب إذا كرروا الأخبار وأعادوها أخرجوها من النصب إلى الرفع فرفعوا، وفي آية أخرى ﴿ كَلّاً إِنّها لَظَى نَزَّاعَةً للشِوّىَ تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلّى ﴾ رفعت وقطعت من النصب إلى الرفع كأنك تخبر عنها، قال الراجز :
من يك ذا بتٍّ فهذا بَتِّي مقَيِّظٌ مُصَيِّفٌ مُشَتِّى
من ثُلّةٍ من نعجات ستِّ **
﴿ إذَا رُجَّتِ الأرْضُ رَجَّاً ﴾ اضطربت والسهم يرتج في الغرض.
﴿ وبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً ﴾ مجازها كمجاز السويق المبسوس أي المبلول والعجين قال لصٌ من غطفان وأراد أن يخبز فخاف أن يعجل عن الخبز فبل الدقيق فأكله عجيناً وقال :
لا تَخْبزا خُبْزأً وبُسّاً بَسّا
﴿ فَكَانَتَ هَبَاءً مُنْبَثّاً ﴾ الهباء الغبار الذي تراه في الشمس من الكوة منبثاً منثوراً متفرقاً والهبوة من الغبار والعجاج يرى في الظل.
﴿ أَصْحَابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحَابُ الْمَشْئَمَةِ ﴾ أصحاب الميسرة ويقال لليد اليسرى : الشومى ويقال : أهو الجانب الأشمى الأيسر ؛ سميت اليمنى لأنها عن يمين الكعبة والشام أنها عن شمال الكعبة.
﴿ ثُلّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ ﴾ تجيء جماعة وأمة وتجيء بقية.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣:﴿ ثُلّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ ﴾ تجيء جماعة وأمة وتجيء بقية.
﴿ عَلَى سُررٍُ مَوْضُونَةٍ ﴾ بعضها على بعض مداخلةٌ كما توضن كحلق الدرع بعضها في بعض مضاعفةٌ وقال الأعشى :
ومِن نَسج داؤدَ موضونةً تُساق مع الحيّ عِيراً فعِيرا
والوضين البطان من السيور إذا نسج نساجةً بعضه على بعض مضاعفاً كالحلق حلق الدرع فهو وضينٌ وضع في موضع موضون كما يقولون : قتيل في موضع مقتول، قال :
إليك تعدو قِلَقاً وَضِينُها معترِضاً في بطنها جَنينُها
مخالفاً دينَ النصارَى دِينُها ***
وهي ليس لها، هو دينه وهو قول رجل في الجاهلية، وقال ابن عمر في الإسلام.
﴿ وَلِدَانٌ مُخَلّدُونَ ﴾ من الخلد أي لا يهرمون يبقون على حالهم لا يتغيرون ولا يكبرون.
﴿ بِأَكْوَابٍ وأَبَارِيقَ ﴾ واحدها كوب وهو الذي لا خرطوم له من الأباريق واسع الرأس.
﴿ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ ﴾ شراب من معين والمعين الماء الطاهر.
﴿ لاَ يُصَدَّعُونَ عَنْها ﴾ من الصداع في الرأس.
﴿ وَلاَ يُنْزِفُونَ ﴾ لا يسكرون قال الأبيرد :
لَعَمْرِي لئن أَنزفتُم أَو صَحوتُم لبئس النَّدَامى كنتُمُ آل أبْجَرا
وقوم يجعلون المنزف مثل المنزوف الذي قد نزف دمه.
﴿ وَلْحَمِ طَيْرٍ ﴾ جماعة طائر وقد يجوز أن يكون واحدا.
﴿ لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً ﴾ مجازه مجاز ﴿ أكلت خبزاً ولبناً ﴾ واللبن لا يؤكل فجاز إذا كان معها شيء يوكل، والتأثيم لا يسمع إنما يسمع اللغو.
﴿ إلّا قِيلاً ﴾ نصب ﴿ يَسَمعون ﴾ ؛ ﴿ سَلاماً سَلامَاً ﴾ نصبت على المصدر.
﴿ سِدْرٍ مَخْضُودٍ ﴾ لا شوك فيه.
﴿ وطَلْحٍ مَنْضُودٍ ﴾ زعم المفسرون أنه الموز وأما العرب الطلح عندهم شجر عظيم كثير الشوك، وقال الحادي :
بشَّرها دليلُها وقالا غداً ترين الطّلْحَ والحبالا
﴿ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ ﴾ ولا تنسجه الشمس، دائم يقال : للدهر الممدود والعيش إذا كان لا ينقطع قال لبيد :
غَلَبَ العَزاءُ وكنتُ غير مغلّبٍ دَهْرٌ طويلٌ دائمٌ مَمْدُودُ
﴿ وَمَاءٍ مَسْكوبٍ ﴾ مصبوب سائل.
﴿ وَفَاِكَهِةٍ كَثِيرَةٍ لَا مَقْطوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ ﴾ جرها على الجر الأول و " لا " لا تعمل إنما هي لمعنى الموالاة تتبع الأول.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٢:﴿ وَفَاِكَهِةٍ كَثِيرَةٍ لَا مَقْطوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ ﴾ جرها على الجر الأول و " لا " لا تعمل إنما هي لمعنى الموالاة تتبع الأول.
﴿ وَفُرْش مَرْفُوَعةٍ ﴾ مجازها طويلة، يقال : بناء مرفوع، أي طويل.
﴿ إنّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً ﴾ أعاد إلى النساء إلى حور العين.
﴿ عُرُباً ﴾ واحدها عروب وهي الحسنة التبعل قال لبيد :
وفي الحُدوُج عُروبٌ غير فاحشةٍ رَيّا الروادِفِ يَعْشَى دونها البَصَرُ
﴿ وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ ﴾ من شدة وساده يقال : أسود يحمومٌ.
﴿ لاَ بَاِردٍ ﴾ جره على الأول.
﴿ مُتْرَفِينَ ﴾ متكبرين.
﴿ وَكَانُوا يُصِرُّونَ ﴾ المصر المقيم على الإثم.
﴿ أَوَ آبَاؤُنَا الأوَّلُونَ ﴾ الواو متحركة لأنها ليست بواو وإنما ﴿ وآباؤنا الأولون ﴾ فدخلت عليها ألف الاستفهام فتركت مفتوحة.
و ﴿ الهْيِمِ ﴾ واحدها أهيم وهو الذي لا يروى من رمل كان أو بعير.
﴿ فَلَوْلاَ تُصَدِّقونَ ﴾ فهلا تصدقون.
﴿ أَفَرَأَيْتمْ مَّا تُمْنُونَ ﴾ من المنى
﴿ وَنُنْشِئُكمْ فِيمَا لا تَعْلَمُونَ ﴾ نبدلكم عما تعلمون من أنفسكم.
﴿ حُطَاماً فَظَلْتمْ تَفَكّهُونَ ﴾ الحطام الهشيم والرفات والرخام واحد ومتاع الدنيا حطام.
﴿ إنّا لَمُغْرَمُونَ ﴾ معذبون قال بشر بن أبي خازم :
ويوم النِّسار ويم الجفا ر كانا عذاباً وكانا غراما
﴿ الْمُزْنِ ﴾ السحاب واحدها مزنة.
﴿ أُجَاجاً ﴾ أشد الملوحة.
﴿ النَّارَ التَّي تُورُونَ ﴾ تستخرجون، من أوريت وأكثر ما يقال : وريت، وأهل نجد يقولون ذلك.
﴿ مَتَاعاً لِلْمُقْوِينَ﴾ المقوى الذي لا زاد معه ولا مال وكذلك الدار التي قد أقوت من أهلها، وموضع آخر المقوى الكثير المال، يقال : أكثر من مال فلان فإنه مقوٍ.
﴿ فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ﴾ فأقسم بمواقع النجوم ومواقعها مساقطها ومغايبها.
﴿ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ ﴾ واحدها مدهن وهو المداهن.
﴿ غَيْرَ مَدِينيِنَ ﴾ غير مجزيين، دنته، كما تدين تدان، والعبد مدينٌ، قال الأخطل :
ربَت ورَبَا في كَرْمها ابن مَدينةٍ يَظَلّ على مِسْحاته يتركّلُ
ابن مدينة ابن أمةٍ.
﴿ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ ﴾ فحياة وبقاء ورزق وروح أي برد.
﴿ لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ ﴾ مضافاً إلى اليقين وقد يكون صفة له، كقولك : صلاة الأولى وصلاة العصر.
سورة الواقعة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الواقعة) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (طه)، وقد جاءت بتذكيرِ الناس بوقوع يوم القيامة؛ للدَّلالة على عظمة الله عز وجل، وترهيبًا لهم من مخالفة أوامره، ودعوةً لهم إلى اتباع الدِّين الحق وتركِ الباطل، وخُتمت السورة الكريمة بتعظيمِ القرآن، وصدقِ أخباره وما جاء به، وقد أُثر عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءتُه لها في صلاة الفجر.

ترتيبها المصحفي
56
نوعها
مكية
ألفاظها
380
ترتيب نزولها
46
العد المدني الأول
99
العد المدني الأخير
99
العد البصري
97
العد الكوفي
96
العد الشامي
99

* قوله تعالى: {فَلَآ أُقْسِمُ بِمَوَٰقِعِ اْلنُّجُومِ ٧٥ وَإِنَّهُۥ لَقَسَمٞ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ٧٦ إِنَّهُۥ لَقُرْءَانٞ كَرِيمٞ ٧٧ فِي كِتَٰبٖ مَّكْنُونٖ ٧٨ لَّا يَمَسُّهُۥٓ إِلَّا اْلْمُطَهَّرُونَ ٧٩ تَنزِيلٞ مِّن رَّبِّ اْلْعَٰلَمِينَ ٨٠ أَفَبِهَٰذَا اْلْحَدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ ٨١ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة: 75-82]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «مُطِرَ الناسُ على عهدِ النبيِّ ﷺ، فقال النبيُّ ﷺ: «أصبَحَ مِن الناسِ شاكرٌ، ومنهم كافرٌ، قالوا: هذه رحمةُ اللهِ، وقال بعضُهم: لقد صدَقَ نَوْءُ كذا وكذا»، قال: فنزَلتْ هذه الآيةُ: {فَلَآ أُقْسِمُ بِمَوَٰقِعِ اْلنُّجُومِ} [الواقعة: 75]، حتى بلَغَ: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة: 82]». أخرجه مسلم (٧٣).

* سورة (الواقعة):

سُمِّيت هذه السورة بـ(الواقعة)؛ لافتتاحِها بهذا اللفظ، ولتسميةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لها بذلك:

عن أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه، قال: «سألتُ رسولَ اللهِ ﷺ: ما شيَّبَكَ؟ قال: «سورةُ هودٍ، والواقعةِ، و{عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ}، و{إِذَا اْلشَّمْسُ كُوِّرَتْ}»». أخرجه الترمذي (٣٢٩٧).

و(الواقعةُ): اسمٌ من أسماءِ يوم القيامة.

* سورة (الواقعة) من السُّوَر التي شيَّبتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم:

عن أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه، قال: «سألتُ رسولَ اللهِ ﷺ: ما شيَّبَكَ؟ قال: «سورةُ هودٍ، والواقعةِ، و{عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ}، و{إِذَا اْلشَّمْسُ كُوِّرَتْ}»». أخرجه الترمذي (٣٢٩٧).

* أُثِر عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءتُه لسورة (الواقعة) في صلاة الفجر:

عن جابرِ بن سَمُرةَ رضي الله عنه، قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يُصلِّي الصَّلواتِ كنَحْوٍ مِن صلاتِكم التي تُصَلُّون اليومَ، ولكنَّه كان يُخفِّفُ، كانت صَلاتُه أخَفَّ مِن صَلاتِكم، وكان يَقرأُ في الفجرِ الواقعةَ، ونحوَها مِن السُّوَرِ». أخرجه أحمد (٢٠٩٩٥).

1. تحقيق القيامة (١-٥٦).

2. دلائلُ البعث والجزاء (٥٧-٧٤).

3. تعظيم القرآن، وصدقُ أخباره (٧٥-٩٦).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (7 /598).

مقصدُ سورة (الواقعة) هو التذكيرُ بوقوع يوم القيامة وهَوْلِه، ووصفُ ما يحدُثُ به؛ لتخويف الناس وترهيبهم من معصية الله عز وجل ومخالفة أمره، وفي ذلك دعوةٌ لهم للرجوع إلى الحق، والاستجابة لأمر الله.

ويُبيِّن ابن عاشور محورَها فيقول: «هو التذكيرُ بيوم القيامة، وتحقيق وقوعه.

ووصفُ ما يَعرِض لهذا العالَمِ الأرضي عند ساعة القيامة.

ثم صفة أهل الجنة وبعض نعيمهم.

وصفة أهل النار وما هم فيه من العذاب، وأن ذلك لتكذيبهم بالبعث.

وإثبات الحشر والجزاء.

والاستدلال على إمكان الخَلْق الثاني بما أبدعه الله من الموجودات بعد أن لم تكن.

والاستدلال بدلائل قدرة الله تعالى.

والاستدلال بنزعِ الله الأرواحَ من الأجساد والناس كارهون لا يستطيع أحدٌ مَنْعَها من الخروج، على أن الذي قدَرَ على نزعها بدون مُدافعٍ قادرٌ على إرجاعها متى أراد على أن يُمِيتَهم.

وتأكيد أن القرآن منزلٌ من عند الله، وأنه نعمةٌ أنعم الله بها عليهم فلم يشكروها، وكذَّبوا بما فيه». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (27 /280).