تفسير سورة الواقعة

حومد

تفسير سورة سورة الواقعة من كتاب أيسر التفاسير المعروف بـحومد.
لمؤلفه أسعد محمود حومد .

(١) - إِذَا قَامَتِ القِيَامَةُ. وَسُمِّيَتِ القِيَامَةُ الوَاقِعَةَ لَتَحَقُّقِ حُدُوثِهَا.
(٢) - فَلَيْسَ لِوُقُوعِهَا - إِذَا أَرَادَ اللهُ كَوْنَهَا - مَنْ يَصْرِفُهُ أَوْ يَدْفَعُهُ (أَوْ فَلاَ تَبْقَى نَفْسٌ مُكَذِّبَةً بِوُقُوعِهَا).
كَاذِبَةٌ - نَفْسٌ كَاذِبَةٌ تُنْكِرُ وُقُوعَهَا.
(٣) - فَتَخْفِضُ أَقْواماً إِلَى الجَحيمِ، وَتَرْفَعُ أَقْوَاماً إِلَى عِلِّيِّينَ.
خَافِضَةٌ - تَخْفِضُ الأَشْقِيَاءَ.
رَافِعَةٌ - تَرْفَعُ المُتَّقِينَ السُعَدَاءَ.
(٤) - إِذَا وَقَعَتِ الوَاقِعَةُ تَتَزَلْزَلُ الأَرْضُ زِلْزَالاً شَدِيداً، وَتَتَحَرَّكُ تَحْرُّكاً عَنِيفاً، وَتَضْطَرِبُ بِطُولِهَا وَعَرْضِهَا، فَتْنَدَكُّ الحُصُونُ وَالقِلاَعُ وَالأَبْنِيَةُ وَالجِبَالُ.
(وَقَالَ تَعَالَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ﴿إِنَّ زَلْزَلَةَ الساعة شَيْءٌ عَظِيمٌ.﴾ الرَّجُّ - التَّحَرُّكُ وَالاضْطِرَابُ بِشِدَّةٍ كَمَا يُرَجُّ الغِرْبَالُ.
(٥) - وَإِذا وَقَعَتِ الوَاقِعَةُ تَتَفَتَّتُ الجِبَالُ تَفَتُّتاً، وَتُصْبحُ مِثْلَ كَثِيبِ الرَّمْلِ لاَ تَمَاسُكَ بَيْنَ أَجْزَائِهَا.
البَسُّ - التَّفْتِيتُ.
(٦) - وَتَصِيرُ الجِبَالُ ذَرَّاتٍ مُتَطَايِرَةً كَالهَبَاءِ الذِي يَتَطَايَرُ مِنْ شَرَرِ النَّارِ إِذَا اشْتَعَلَتْ، فَإِذَا وَقَعَ عَلَى الأَرْضِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً.
الهَبَاءُ - الذَّرَّاتُ المُتَطَايِرَةُ مِنَ النَّارِ، أَوِ الرِّمَالُ أَوِ الرَّمَادُ.
مُنْبَثّاً - مُتَفَرِّقاً وَمُنْتَشِراً.
﴿أَزْوَاجاً﴾ ﴿ثَلاَثَةً﴾
(٧) - وَيَوْمَ القِيَامَةِ يُصْبحُ النَّاسُ أَصْنَافاً ثَلاَثَةً.
الأَزْوَاجُ - الأَصْنَافُ - أَوِ الأَقْسَامُ.
﴿فَأَصْحَابُ﴾ ﴿أَصْحَابُ﴾
(٨) - فَأَصْحَابُ المَيْمَنَةِ الذِينَ يَأْخُذُونَ كِتَابَهُمْ بِأَيمَانِهِمْ، وَإِنَّكَ لاَ تَدْرِي مَا يَكُونُ عَلَيْهِ حَالُهُمْ مِنَ السَّعَادَةِ، وَالفَرْحَةِ، وَالنَّضْرَةِ، وَالنِّعْمَةِ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ العَصيبِ.
المَيْمَنَةِ - اليَمِين، أَوْ مِنَ اليُمْنِ وَالبَرَكَةِ.
﴿أَصْحَابُ﴾ ﴿المشأمة﴾
(٩) - وَأَصْحَابُ المَشْأَمَةِ الذِينَ يُعْطَوْنَ كُتُبَهُمْ بِشَمَائِلِهِمْ، وَيُوقَفُونَ إِلَى شَمَالِ الجَمْعِ لِيُسَاقُوا إِلَى النَّارِ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَكُونُ عَلَيهِ حَالُهُمْ مِنَ المَذَلَّةِ وَالمَسَاءَةِ، وَالخِزْيِ وَالخُشُوعِ.
المَشْأَمَةُ - الشُّؤْمُ، أَوْ نَاحِيَةُ الشِّمَالِ.
﴿السابقون﴾
(١٠) - أَمَّا الصّنْفُ الثَّالِثُ فَهُم السَّابِقُونَ فِي الدُّنْيَا إِلَى الإِيْمَانِ، وَفِعْلِ الخَيْرَاتِ، وَأَدَاءِ الطَّاعَاتِ، وَهَؤُلاَءِ يَكُونُونَ سَابِقِينَ إِلَى الفَوْزِ بِرَحْمَةِ اللهِ، وَبِدُخُولِ الجَنَّةِ.
(وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: " أَتَدْرُونَ مَنِ السَّابِقُونَ إِلَى ظِلِّ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ؟ قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: الذِينَ إِذَا أُعْطُوا الحَقَّ قَبِلُوهُ، وَإِذَا سُئِلُوهُ بَذَلُوهُ، وَحَكَمُوا لِلنَّاسِ كَحُكْمِهِمْ لأَنْفُسِهِمْ ") (رَوَاهُ أَحْمَدُ).
﴿أولئك﴾ (١١) - وَهَؤُلاءِ السَّابِقُونَ هُم الذِينَ نَالُوا الحُظْوَةَ عِنْدَ اللهِ في الجَنَّةِ.
﴿جَنَّاتِ﴾
(١٢) - وَيَتَمَتَّعُونَ فِي الجَنَّةِ بِمَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ وَلاَ أُذْنٌ سَمِعَتْ وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ.
(١٣) - وَهَؤُلاءِ السَّابِقُونَ هُمْ جَمَاعَةٌ مِنَ الأُمَمِ السَّالِفَةِ.
الثُّلَّةُ - الجَمَاعَةُ - قلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ.
﴿الآخرين﴾
(١٤) - وَقِلَّةٌ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ (الآخِرِينَ).
(١٥) - وَيَجْلِسُ هَؤُلاَءِ المُقَرَّبُونَ الأَبْرَارُ فِي الجَنَّاتِ عَلَى أَسِرَّةٍ مَنْسُوجَةٍ وَمُطَعَّمَةٍ بِالذَّهَبِ.
مَوْضُونَةٍ - مَنْسُوجَةٍ أَوْ مُطَعَّمَةٍ بِالذَّهَبِ بِإِحْكَامٍ.
﴿مُتَقَابِلِينَ﴾
(١٦) - وَيَجْلِسُ هَؤُلاءِ السُّعَدَاءُ عَلَى هَذِهِ الأَسِرَّةِ المُطَعَّمَةِ بِالذَّهَبِ، وَهُمْ مُتَقَابِلُونَ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ فِي وَجْهِ بَعْضٍ شَأْنَ المُتَحَابِّينَ المُتَصَافِينَ.
﴿وِلْدَانٌ﴾
(١٧) - وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ يَخْدِمُونَهُمْ، لاَ يَشِيبُونَ وَلاَ يَهْرَمُونَ، وَلاَ تَتَغَيَّرُ مَلاَمِحُهُمْ بِفِعْلِ الزَّمَنِ.
مُخَلَّدُونَ - بَاقُونَ عَلَى هَيْئَةِ الوِلْدَانِ فِي البَهَاءِ.
(١٨) - وَيَطُوفُ هَؤُلاءِ الغِلْمَانُ المُخَلَّدُونَ عَلَى السَّابِقِينَ الجَالِسِينَ فِي الجَنَّةِ عَلَى الأَسِرَّةِ المَنْسُوجَةِ بِالذَهَبِ، بِأَدَوَاتِ الشَّرَابِ الكَامِلَةِ، بِمَا فِيهَا مِنْ أَبَارِيقَ وَأَكْوَابٍ وَكُؤُوسٍ.. وَكُلُّها مَمْلُوءَةٌ مِنْ خَمْرِ عَينٍ جَارِيَةٍ.
الأَكْوَابُ - آنِيَةٌ لاَ خَرَاطِيمَ لَهَا وَلاَ عُرًى.
الإِبْرِيقُ - إِنَّاءٌ لَهُ عُرْوَةٌ أَوْ خُرْطُومٌ.
كَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ - كَأْسٍ مِنْ خَمْرِ عَيْنٍ جَارِيَةٍ.
(١٩) - وَهُمْ يَطْلُبُونَ مِنْهَا مَا يُرِيدُونَ، وَهِيَ لاَ تُصَدِّعُ رُؤُوسَهُمْ، وَلاَ تَسْتَنْزِفُ عُقُولَهُمْ كَمَا هِيَ الحَالُ فِي خَمْرِ الدُّنْيَا، وَلاَ تَنْقَطِعُ عَنْهُمْ سَاعَةَ صَفْوهِمْ.
لاَ يُصَدَّعُونَ - لاَ يُصِيبُهُمْ صُدَاعٌ بِشُربِهَا.
وَلاَ يُنْزِفُونَ - وَلاَ تَذْهَبُ بِعُقُولِهِمْ أَو وَلاَ تَنْقَطِعُ عَنْهُمْ.
﴿فَاكِهَةٍ﴾
(٢٠) - وَيَطُوفُ الوِلْدَانُ المُخَلَّدُونَ عَلَى هَؤُلاَءِ الأَبْرَارِ مِنَ السَّابِقِينَ بِأَلْوانٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الفَاكِهَةِ، فَيَخْتَارُونَ مِنْهَا مَا تَمِيلُ إِلَيهِ نُفُوسُهُمْ.
(٢١) - وَيَطُوفُونَ عَلَيْهِمْ بِأَصْنَافٍ مِنْ لُحُومِ الطَّيْرِ، فَيَأْخُذُونَ مِنْهَا مَا يَشْتَهُونَ.
(٢٢) - وَلَهُمْ فِي الجَنَّةِ زَوْجَاتٌ حِسَانٌ، بِيضُ الوُجُوهِ، وَاسِعَاتُ العُيُونِ.
حُورٌ - نِسَاءٌ بِيضٌ حِسَانُ الوُجُوهِ.
عِينٌ - وَاسِعَاتُ العُيُونِ بِجَمَالٍ.
﴿كَأَمْثَالِ﴾
(٢٣) - كَأَنَّهُنَّ فِي بَهَائِهِنَّ وَإِشْرَاقِهِنَّ وَبَيَاضِ بَشَرَتِهِنَّ، وَصَوْنِهِنَّ عَنِ اللَّمْسِ والابْتِذَال، لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ فِي أَصْدَافِهِ.
لُؤلُؤْ مَكْنُونٌ - لُؤْلُؤْ مَا زَالَ مَصُوناً فِي أَصْدَافِهِ.
(٢٤) - وَهَذَا الذِي فَازُوا بِهِ هُوَ عَطَاءٌ مِنَ اللهِ تَكَرَّمَ بِهِ عَلَيْهِمْ جَزَاءً لَهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِم الصَّالِحَةِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا.
(٢٥) - لاَ يَسْمَعُونَ فِي الجَنَّةِ لَغْوَ الحَدِيثِ، وَبَاطِلَهُ، وَلاَ هُجَرَ القَوْلِ، وَلاَ مَا لاَ خَيْرَ فِيهِ مِمَّا تَتَقَزَّزُ مِنْهُ النُّفُوسُ الكَرِيمَةُ.
اللَّغْوُ - الكَلاَمُ الذِي لاَ خَيْرَ فِيهِ - أَوِ البَاطِلُ.
وَلاَ تَأْثِيماً - وَلا يُوجِبُ الإِثْمَ.
﴿سَلاَماً﴾ ﴿سَلاَماً﴾
(٢٦) - وَلَكِنَّهُمْ يَسْمَعُونَ أَطْيَبَ السَّلاَمِ، وأَعْذَبَ الكَلاَمِ.
﴿أَصْحَابُ﴾
(٢٧) - أَمَّا الأَبْرَارُ مِنْ أَصْحَابِ اليَمِينِ - وَهُمْ أَدْنَى مَنْزِلَةً عِنْدَ اللهِ مِنَ المُقَرَّبِينََ - فَإِنَّهُمْ يَكُونُونَ فِي حَالٍ رَفِيعَةٍ مِنْ عُلوِّ الشَّأْنِ.
(٢٨) - فَهُمْ يَتَمَتَّعُونَ فِي الجَنَّةِ بِشَجَرِ السِّدْرِ، وَقَدْ كَثُرَ ثَمَرُهُ، وَخُضِدَ شَوْكُهُ، بِخِلاَفِ سِدْرِ الدُّنْيَا القَلِيلِ الثَّمَرِ، الكَثِيرِ الشَّوْكِ.
مَخْضُودُ - مَقْطُوعُ الشَّوْكِ
السِّدْرُ - شَجَرُ النَّبقِ.
(٢٩) - وَيَتَمَتَّعُونَ بشَجَرِ الطَّلْحِ الذِي تَتَرَاكَمُ ثِمَارُهُ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ.
الطَّلْحُ - شَجْرٌ مِنْ أَشْجَارِ الحِجَازِ حُلْوُ الثَّمَرَةِ. (وَقِيلَ إِنَّهُ شَجَرُ المَوْزِ كَمَا يُسَمِّيهِ أَهْلُ اليَمَنِ).
(٣٠) - وَيَتَمَتَّعُونَ بِظِلٍّ ظَليلٍ مَمْدُودٍ، لا يَنْحَسِرُ وَلاَ يَنْكَمِشُ.
مَمْدودٍ - دَائِمٍ لا يَتَقَلَّصُ.
(٣١) - وَيَتَمَتَّعُونَ بِماءٍ يَنْصَبُّ انْصِبَاباً، فَلا يَحْتَاجُ أَهْلُ الجَنَّةِ إِلى جُهْدٍ وَتَعَبٍ لِلْحُصُولِ عَلَيهِ.
مَسْكُوبٍ - مَصْبُوبٍ يَجْرِي مِنْ غَيْرِ أَخَادِيدَ.
﴿فَاكِهَةٍ﴾
(٣٢) - وَيَتَمَتَّعُونَ فِي الجَنَّةِ بِأَلْوانٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الفَاكِهَةِ.
(٣٣) - لاَ تَنْقَطِعُ عَنْهُمْ أَبَداً، فَهُمْ يَجِدُونَهَا فِي كُلِّ حِينٍ.
(٣٤) - وَيَجْلِسُونَ فِي الجَنَّةِ عَلَى فُرُشٍ وَثِيرَةٍ عَالِيَةٍ.
فُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ - مَرْفُوعَةٍ عَلَى الأَسِرَّةِ، أَوْ مُنَضَّدَةٍ وَمُرْتَفِعَةٍ.
﴿أَنشَأْنَاهُنَّ﴾
(٣٥) - وَقَدْ هَيَّأَ اللهُ لَهُمْ فِي هَذِهِ الجَنَّاتِ نِسَاءً أَعَدَّهُنَّ لَهُمْ إِعْدَاداً خَاصّاً.
﴿فَجَعَلْنَاهُنَّ﴾ (٣٦) - وَقَدْ جَعَلَهُنَّ اللهُ أَبْكَاراً.
(٣٧) - وَقَدْ جَعَلَهُنَّ اللهُ جَمِيعاً مُحَبَّباتٍ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ، وَهُنَّ جَمِيعاً فِي سِنٍّ وَاحِدَةٍ.
عُرُباً - مُحَبَّبَاتٍ إِلَى أَزْواجِهِنَ.
أَتْرَابا - فِي سِنٍّ مُتَقَارِبَةٍ زِيَادَةً فِي الإِينَاسِ.
﴿لاًّصْحَابِ﴾
(٣٨) - وَقَدْ أَعَدَّ اللهُ هَؤُلاَءِ النِّسَاءَ الحِسَانَ لأَصْحَابِ اليَمِينِ زِيَادَةً فِي نَعِيمِهِمْ.
(٣٩) - وَأَصْحَابُ اليَمِينِ هَؤُلاَءِ هُمْ جَمَاعَةٌ مِنْ مُؤْمِني الأُمَمِ السَّالِفَةِ.
(٤٠) - وَجَمَاعَةٌ مِنْ مُؤْمِنِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ.
﴿أَصْحَابُ﴾
(٤١) - وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ الذِينَ يُعْطَوْنَ كُتُبَهُمْ بِشَمَائِلِهِمْ، وَيَقِفُونَ فِي المَحْشَرِ ذَاتَ الشِّمَالِ، فَمَا يُدْرِيكَ مَا يَكُونُ عَلَيهِ حَالُهُمْ؟
(٤٢) - فَإِنَّهُمْ يَكُونُونَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ يَنْفذُ مِنَ المَسَامِّ، وَيَشْرَبُونَ مِنْ مَاءٍ مُتَنَاهٍ فِي الحَرَارَةِ.
السَّمُومُ - الحرُّ الذِي يَنْفُذُ مِنَ المَسَامِّ - أَوْ هُوَ رِيحٌ شَدِيدَةُ الحَرَارَةِ.
الحَمِيمُ - الماءُ الذِي تَنَاهَتْ حَرَارَتُهُ فِي الشِّدَّةِ.
(٤٣) - وَيَكُونُ الظِّلُّ الذِي يَسْتَظِلُّونَ بِهِ مِنْ دُخَانٍ حَارٍّ أَسْوَدَ.
اليَحْمُومُ - الدُّخَانُ الحَارُّ الأَسْوَدُ.
(٤٤) - وَهَذَا الدُّخَانُ الأَسْوَدُ لَيسَ بِطَيِّبِ الهَوَاءِ، وَلاَ بِبَارِدِهِ، وَلاَبِحَسَنِهِ وَلاَ كَرِيمِهِ.
وَلاَ كَرِيمٍ - أَيْ لاَ تَنْفَعُ مِنْ أَذَى الحَرِّ.
(٤٥) - إِنَّهُمْ كَانُوا فِي الدُّنْيَا مُنَعَّمِينَ مُتْرَفِينَ يَتَمَتَّعُونَ بِالمآكِلِ الطَّيِّبَةِ، وَالأَشْرِبَةِ اللَّذِيذَةِ، وَالمَسَاكِنِ الهَنِيئَةِ، وَالثِّيَابِ النَّاعِمَةِ، فَأَلْهَاهُمْ مَا كَانُوا فِيهِ مِنَ النَّعِيمِ عَنْ طَاعَةِ اللهِ، فَعُوقِبُوا بِحِرْمَانِهِمْ مِمَّا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَبِنَقَائِضِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ.
مُتْرَفِينَ - مُنَعَّمِينَ أَهْوَاءَهُمْ.
(٤٦) - وَكَانُوا مُقِيمِينَ عَلَى الكُفْرِ بِاللهِ، وَالكُفْرُ أَعْظَمُ الذُّنُوبِ، وَقَدْ أَقْسَمُوا جَهْدَ أَيمَانِهِمْ أَنَّ اللهَ لَنْ يَبْعَثَ مَنْ يَمُوتُ.
الحِنْثُ - الشِّرْكُ - الذَّنْبُ العَظِيمُ.
يُصِرُّونَ - يُقِيمُونَ بإِصْرَارٍ، وَلاَ يَنْوُونَ التَّوْبَةَ.
﴿أَإِذَا﴾ ﴿عِظَاماً﴾ ﴿أَإِنَّا﴾
(٤٧) - وَكَانَ هَؤُلاَءِ المُتْرَفُونَ يُنْكِرُونَ، وَهُمْ فِي الدُّنْيَا، البَعْثَ وَالنُّشُورَ وَالقِيَامَةَ، وَيُقُولُونَ: أَنُبْعَثُ أَحْيَاءً بَعْدَ أَنْ تُصْبحَ عِظَامُنَا تُرَاباً وَرَمِيماً؟
﴿آبَآؤُنَا﴾
(٤٨) - وَيُبْعَثُ مَعَنَا آبَاؤُنَا أَيْضاً، وَيُرَدُّونَ إِلَى الحَيَاةِ؟
﴿الآخرين﴾
(٤٩) - فَقُلْ، يَا مُحَمَّدُ، لِهَؤُلاَءِ الكَافِرِينَ الذِينَ يُنْكِرُونَ البَعْثَ، وَيَسْتَبْعِدُونَ وَقُوعَهُ، إِنَّ الأَوَّلِينَ مِنَ الأُمَمِ السَّالِفَةِ، وَالآخِرِينَ مِنَ الأُمَمِ المُتَأَخرَةِ.
﴿مِيقَاتِ﴾
(٥٠) - سَيُبْعَثُونَ وَسَيُحْشَرُونَ جَمِيعاً فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فِي ذَلِكَ اليَوْمِ المَعْلُومِ، وَهُوَ يَوْمُ القِيَامَةِ.
المِيقاتُ - مَا وُقِّتَ بِهِ الشَّيْءُ وَهُوَ هُنَا يَوْمُ القِيَامَةِ.
(٥١) - ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ عَنْ طَرِيقِ الهُدَى، وَالصَّوَابِ، المُكَذِّبُونَ بِكُتُبِ اللهِ وَرُسُلِهِ وَآيَاتِهِ، وَبِالبَعْثِ وَالحِسَابِ.
﴿لآكِلُونَ﴾
(٥٢) - سَتَأْكُلُونَ مِنْ شَجَرِ الزَّقُّومِ الذِي يَنْبُتُ فِي أَصْلِ الجَحِيمِ، وَكَأَنَّ طَلْعَهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ.
(وَأَهْلُ النَّارِ يَأْكُلُونَ الزَّقُّومَ عَلَى كَرَاهِيةِ مَذَاقِهِ لأَنَّهُمْ لاَ يَجِدُونَ غَيْرَهُ وَغَيْرَ الضَّرِيعِ شَيئاً يَأْكُلُونَهُ).
الزَّقُّومِ - شَجَرٌ كَرِيهٌ جِداً فِي النَّارِ.
(٥٣) - وَإِنَّكُمْ سَتَأْكُلُونَ مِنْهُ حَتَّى تَمْتَلِئَ بُطُونُكُمْ.
﴿فَشَارِبُونَ﴾
(٥٤) - وَإِذَا أَكَلْتُمْ مِنْ شَجَرِ الزَّقُّومِ، وَمَلأَتُمْ بُطُونَكُمْ مِنْهُ، فَسَتَشْعُرُونَ بِالعَطَشِ فَلاَ تَجِدُونَ غَيْرَ المَاءِ الشَّدِيدِ الحَرَارَةِ (الحَمِيمِ).
فَتَشْرَبُونَ مِنْهُ لإِطْفَاءِ ظَمَئِكُمْ.
﴿فَشَارِبُونَ﴾
(٥٥) - وَإِنَّكُمْ سَتَشْرَبُونَ شُرْباً لاَ يَرْوِي غُلَّةً، وَكَأَنَّكُم الإِبِلُ التِي أَصَابَهَا دَاءُ الهُيَامِ فَلاَ يَرْوِي المَاءُ لَهَا غَلِيلاً، وَلاَ يُطْفِىءُ لَهَا ظَمَأً.
الهِيمِ - المُصَابَةِ بِدَاءِ الهُيَامِ الذِي لاَ تَرْتَوِي مَعَهُ الإِبِلُ مِنْ عَطَشِهَا مَهْمَا شَرِبَتْ.
(٥٦) - وَهَذَا الذِي تَقَدَّمَ وَصْفُهُ مِنَ العَذَابِ بِالنَّارِ، وَأَكْلِ الزَّقُّومِ، وَشُرْبِ الحَمِيمِ، هوَ مَا يَلْقَاهُ هَؤُلاَءِ الكَفَرَةُ الفَجَرَةُ، المُكَذِّبُونَ بِالبَعْثِ وَالنُّشُّورِ عِنْدَ رَبِّهِمْ مِنَ الضِّيَافَةِ يَوْمَ الحِسَابِ وَالجَزَاء.
نُزُلُهُمْ - مَا يَلْقَوْنَهُ مِنَ الضِّيَافَةِ.
يَوْمَ الدِّينِ - يَوْمَ الحِسَابِ وَالجَزَاءِ.
﴿خَلَقْنَاكُمْ﴾
(٥٧) - وَيَرُدُّ اللهُ تَعَالَى عَلَى المُكَذِّبِينَ بِالبَعْثِ وَبِعَوْدَةِ الأَجْسَادِ التِي أَصْبَحَتْ رَمِيماً إِلَى الحَيَاةِ مَرَّةً أُخْرَى، فَيَقُولُ لَهُمْ: نَحْنُ الذِينَ ابْتَدَأْنَا خَلْقَكُمْ وَأَنْشَأْنَاكُمْ مِنَ العَدَمِ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُونُوا شَيْئاً، أَفَلَيْسَ القَادِرُ عَلَى الخَلْقِ ابْتِدَاءً بِقَادِرٍ عَلَى الإِعَادَةِ، فَكَيْفَ لاَ تُصَدِّقُونَ بِالبَعْثِ؟
﴿أَفَرَأَيْتُمْ﴾
(٥٨) - أَلاَ تَرَوْنَ يَا أَيُّهَا المُكَذِّبُونَ إِلَى المَنيِّ الذِي تَقْذِفُونَهُ فِي الأَرْحَامِ؟
﴿أَأَنتُمْ﴾ ﴿الخالقون﴾
(٥٩) - هَلْ أَنْتُمْ الذِينَ تَجْعَلُونَ مِنْهُ بَشَراً سَوِيّاً تَامَّ الخَلْقِ، أَمْ هُوَ اللهُ الذِي يُقَدِّرُ خَلْقَهُ؟
(٦٠) - ثُمَّ يُقَرِّرُ لَهُم اللهُ تَعَالَى: أَنَّهُ هُوَ الذِي قَسَمَ المَوْتَ بَيْنَهُمْ، وَوَقَّتَ مَوْتَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمِيقَاتٍ مُعَيَّنٍ، لاَ يُعْجِزُهُ شَيءٌ.
بِمَسْبُوقِينَ - بِعَاجِزِينَ أَوْ بِمَغْلُوبِينَ.
﴿أَمْثَالَكُمْ﴾
(٦١) - وَأَنَّهُ تَعَالَى لاَ يُعْجِزُهُ أَنْ يَذْهَبَ بِهِمْ وَبِأَمْثَالِهِمْ مِنَ الخَلاَئِقِ، وَأَنْ يُنْشِئَهُمْ فِيمَا لاَ يَعْلَمُونَ مِنَ الأَطْوَارِ والأَحْوَالِ التِي لاَ يَعْهَدُونَهَا وَلاَ يَعْرِفُونَهَا.
(٦٢) - وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ اللهَ أَنْشَأَكُمْ مِنْ عَدَم بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُونُوا شَيئاً، فَخَلَقَكُمْ وَجَعَلَ لَكُم السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ، فَهَلاَّ تَتَذَكَّرُونَ، وَتَعْرِفُونَ أَنَّ الذِي قَدَرَ عَلَى إِنْشَاءِ النَّشْأَةِ الأُولَى قَادِرٌ عَلَى النَّشْأَةِ الأُخْرَى، وَهِيَ البَعْثُ وَالإِعَادَةُ، وَالإِعَادَةُ أَسْهَلُ مِنَ الابْتِدَاءِ.
﴿أَفَرَأَيْتُم﴾
(٦٣) - وَهَذَا الحَرْثُ الذِي تَقَومُونَ بِهِ مِنْ شَقِّ التُّرْبَةِ وَإِثَارَتِهَا وَوَضْعِ البِذَارِ فِي الأَرْضِ..
﴿أَأَنتُمْ﴾ ﴿الزارعون﴾
(٦٤) - هَلْ أَنْتُمِ الذِينَ تُنْبِتُونَهُ مِنَ الأَرْضِ وَتُصَيِّرُونَهُ زَرْعاً؟ أَمْ نَحْنُ الذِينَ نَفْعَلُ ذَلِكَ؟
﴿لَجَعَلْنَاهُ﴾ ﴿حُطَاماً﴾
(٦٥) - بَلْ نَحْنُ الذِينَ أَنْبَتْنَاهُ بِلُطْفِنَا، وَأَلْقَيْنَاهُ إِلَيْكُمْ رَحْمَةً مِنَّا بِكُمْ، وَلَو شِئْنَا لأَيْبَسْنَاهُ قَبْلَ اسْتِوَائِهِ واسْتِحْضَارِهِ (لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً)، فَصِرْتُمْ تَتَفَكَّهُونَ فِي المَقَالَةِ، وَتَنُوِّعُونَ كَلاَمَكُمْ فِيمَا جَرَى عَلَيْكُمْ، وَتَتَعَجَّبُونَ مِنْ سُوءِ حَالِهِ وَمَصِيرِهِ.
تَفَكَّهُونَ - تَتَعَجَّبُونَ مِنْ سُوءِ حَالِهِ وَمَصِيرِهِ - أَوْ تُنَوِّعُونَ المَقَالَةَ.
(٦٦) - فَتَارَةً تَقُولُونَ إِنَّنَا لَمُعَذَّبُونَ.
مُغْرَمُونَ - مَعَذَّبُونَ أَوْ مُهْلَكُونَ بِهَلاَكِ رِزْقِنَا.
(٦٧) - وَتَقُولُونِ تَارَةً أُخْرَى: بَلْ نَحْنُ سَيِّئُو الحَظِّ، مَحْرُومُونَ لاَ يَثْبُتُ لَنَا مَالٌ، وَلاَ يَنْتُجُ لَنَا رِبحٌ.
مَحْرُومُونَ - مَمْنُوعُونَ مِنَ الرِّزْقِ بِالكُلِّيَّةِ.
﴿أَفَرَأَيْتُمُ﴾
(٦٨) - أَرَأَيْتُمْ هَذَا الماءَ الذِي تَشْرَبُونَهُ عَذْباً زُلاَلاً.
﴿أَأَنتُمْ﴾
(٦٩) - هَلْ أَنْتُمْ الذِينَ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ السَّحَابِ أَمْ نَحْنُ الذِينَ أَنْزَلْنَاهُ؟ إِنَّنَا نَحْنُ المُنْزِلُونَ.
المُزْنُ - السَّحَابُ المُثْقَلُ بِالمَاءِ.
﴿جَعَلْنَاهُ﴾
(٧٠) - وَلَوْ شِئْنَا لَجَعَلْنَا هَذَا المَاءَ المُنَزَّلَ مِنَ السَّحَابِ مِلْحاً شَدِيدَ المُلُوحَةِ، لاَ تَسْتَطِيعُونَ شُرْبَهُ، وَلاَ تَنْتَفِعُونَ بِهِ فِي رَيِّ أَرَاضِيكُمْ، وَسَقِي أَنْعَامِكُمْ، فَهَلاَّ شَكَرْتُمْ اللهَ رَبَّكُمْ عَلَى نِعْمَةِ إِنْزَالِ المَطَرِ عَلَيْكُمْ عَذْباً؟
أُجَاجاً - مِلْحاً أَوْ مُرّاً لاَ يُمْكِنُ شُرْبُهُ.
﴿أَفَرَأَيْتُمُ﴾
(٧١) - أَرَأَيْتُمُ النَّارَ التِي تَقْدَحُونَهَا مِنَ الزِّنَادِ، أَوِ التِي تُشْعِلُونَهَا بِحَكِّ بَعْضِ عِيدَانِ المَرخِ بِعِيدَانِ العفَارِ؟
تُورُونَ - تَقْدَحُونَ الزِّنَادَ لاسْتِخْرَاجِ النَّارِ.
﴿أَأَنتُمْ﴾
(٧٢) - هَلْ أَنْتُم الذِينَ أَنْشَأْتُمْ هَذِهِ الشَّجْرَةَ التِي تَشْتَعِلُ بِهَا النَّارُ أَمْ نَحْنُ؟ إِنَّنَا لَنَحْنُ الذِينَ أَنْشَأْنَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ.
﴿جَعَلْنَاهَا﴾ ﴿مَتَاعاً﴾
(٧٣) - إِنَّنَا نَحْنُ الذِينَ أَنْشَأْنَا الشَّجَرَةَ التِي تُوَقَدُ بِهَا النَّارُ، لِنَجْعَلَ هَذِهِ النَّارَ تَبْصِرَةً لِلْعِبَادِ فِي أَمْرِ البَعْثِ وَالمَعَادِ، لأَنَّ مَنْ أَخْرَجَ النَّارَ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ الأَجْسَادِ البَالِيَةِ.
(وَقَدْ يَكُونُ المَعْنَى: إِنَّنَا جَعَلْنَا النَّاسَ يَتَذَكَّرُونَ، بِحَرِّ نَارِ الدُّنْيَا، حَرَّ نَارِ جَهَنَّمَ فَيَحْسِبُونَ لِذَلِكَ حِسَاباً).
وَنَحْنُ جَعَلْنَا النَّارَ مَنْفَعَةً لِلْمُسَافِرِينَ الذِينَ يَنْزِلُونَ المَفَاوِزَ وَالقَوَاءَ مِنَ الأَرْضِ، لِيَسْتَدْفِئُوا بِهَا، وَلِيَطْبُخُوا طَعَامَهُمْ عَلَيْهَا.
المُقْوِينَ - المُسَافِرِينَ الذِينَ يَنْزِلُونَ بِالأَرْضِ القَوَاءِ.
القَوَاءُ - القَفْرُ.
تَذْكِرَةٌ - تَذْكِيرٌ بِنَارِ جَهَنَّمَ، أَوْ تَبْصِرَةً لِلْعِبَادِ.
مَتَاعاً - مَنْفَعَةً لِلْمُسَافِرِينَ أَوِ المُحْتَاجِينَ إِلَيهَا.
(٧٤) - فَنَزِّهْ رَبَّكَ وَمَجِّدْهُ فَهُوَ الذِي خَلَقَ بِقُدْرَتِهِ كُلَّ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ لِيَنْتَفِعَ بِهِ الخَلْقُ، فَيَشْكُرُوا رَبَّهُمْ عَلَى هَذِهِ النِّعَمِ الوَفِيرَةِ.
﴿بِمَوَاقِعِ﴾
(٧٥) - يُقْسِمُ اللهُ تَعَالَى بِمَغَارِبِ النُّجُومِ، عَلَى أَنَّ الأَمْرَ لَيْسَ كَمَا يَزْعُمُهُ المُشْرِكُونَ مِنْ أَنَّ القُرْآنَ سِحْرٌ وَكَهَانَةٌ وَشِعْرٌ.
لاَ أُقْسِمُ - أُقْسِمُ.
مَوَاقِعِ النُّجُومِ - مَسَاقِطِهَا فِي الغَرْبِ أَوْ مَنَازِلِهَا.
(٧٦) - وَيُؤكِّدُ تَعَالَى أَنَّ القَسَمَ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ هُوَ قَسَمٌ عَظِيمٌ، لِمَا فِيهِ مِنْ دَلاَلَةٍ عَلَى عَظِيمِ القُدْرَةِ، وَكَمَالِ الحِكْمَةِ.
﴿لَقُرْآنٌ﴾
(٧٧) - أَقْسَمَ تَعَالَى بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ عَلَى أَنَّ القُرْآن الذِي أَنْزَلَهُ عَلَى عَبْدِهِ وَرَسْولِهِ مُحَمَّدٍ ﷺ هُوَ قُرْآنٌ كَرِيمٌ جَمُّ المَنَافِعِ، عَظِيمُ الفَوَائِدِ، لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ حِكْمٍ وَعِبَرٍ وَخَيْرٍ لِلْعِبَادِ.
كَرِيمٌ - كَثِيرُ المَنْفَعَةِ أَوْ رَفِيعُ القَدْرِ.
﴿كِتَابٍ﴾
(٧٨) - وَقَدْ أَودِعَ هَذَا القُرْآنُ الكَرِيمُ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ مَصُونٍ.
مَكْنُونٍ - مَسْتُورٍ مَصُونٍ، عِنْدَ اللهِ، فِي اللَّوْحِ المَحْفُوظِ.
(٧٩) - وَلاَ يَمَسُّ هَذَا الكِتَابَ المَكْنُونَ إِلاَّ المُطَهَّرُونَ، المُنَزَّهُونَ عَنِ الدَّنَسِ وَالرِّجْسِ وَالذُّنُوبِ، وَلاَ يَنْزِلُ بِهِ إِلاَّ المُطَهَّرُونَ مِنَ المَلاَئِكَةِ.
﴿العالمين﴾
(٨٠) - وَهُوَ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّ العَالَمِينَ، وَهُوَ لَيْسَ بِسْحْرٍ وَلاَ كََهَانَةٍ، وَلاَ مُخْتَلَقٍ وَلاَ مُفَتَرًى عَلَى اللهِ.
(٨١) - أَفَبِهَذَا القُرْآنِ أَنْتُمْ تُكَذِّبُونَ، وَتَتَهَاوَنُونَ فِي أَمْرِهِ، وَتُرِيدُونَ أَنْ تمَالِئُوهُمْ فِي شَأْنِهِ؟
مُدْهِنُونَ - مَكَذِّبُونَ - مُمَالِئُونَ أَوْ مُتَهَاوِنُونَ.
(٨٢) - وَتَجْعَلُونَ شُكْرَكُمْ لأَنْعِمِ اللهِ وَأَفْضَالِهِ عَلَيْكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ بَدَلاً مِنَ الشُّكْرَانِ، فَتَقُولُونَ: مُطِرْنَا بِنوءِ كَذَا. أَوْ بِنَجْمِ كَذَا وَكَذَا.. وَكَانَ الأَجْدَرُ بِكُمْ أَنْ تَقُولُوا: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ أَوْ هُوَ مِنْ رِزْقِ اللهِ.
تَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ - شُكْرَكُمْ عَلَى الإِنْعَامِ بِهِ.
(٨٣) - فَإِذَا كُنْتُمْ تَدَّعُونَ أَنَّهُ لاَ خَالِقَ فِي الوُجُودِ، وَأَنَّكُمُ الخَالِقُونَ، فَهَلاَّ أَرْجَعْتُمُ الأَنْفُسَ المُحْتَضَرَةَ، التِي بَلَغَتِ الحَلاَقِيمَ، وَأَعَدْتُمُوهَا إِلَى مَكَانِهَا مِنَ الأَجْسَادِ؟
بَلَغَتِ الحُلْقُومَ - كِنَايَةٌ عَنِ اقْتِرَابِ المَوْتِ.
(٨٤) - وَأَنْتُمْ جَالِسُونَ أَمَامَ المُحْتَضَرِ تَنْظُرُونَ إِلَيهِ، وَنَفْسُهُ قَدْ بَلَغَتِ الحُلْقُومَ فِي خُرُوجِهَا مِنَ الجَسَدِ.
(٨٥) - وَرُسُلُنَا الذِينَ جَاؤُوا لِقَبْضِ رُوحِ المُحْتَضرِ َقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنَّكُمْ لاَ تُبْصِرُونَهُمْ.
(٨٦) - فَإِذَا كُنْتُمْ تَعْتَقِدُونَ أَنَّكُمْ غَيرُ مَبُعُوثِينَ، وَغَيْرُ مُحَاسَبِينَ عَلَى أَعْمَالِكُمْ.
غَيْرَ مَدِينِينَ - غَيْرَ مُحَاسَبِينَ أَوْ غَيْرَ مَجْزِيِّينَ بِهَا.
﴿صَادِقِينَ﴾
(٨٧) - فَهَلاَّ أَرْجَعْتُمُ الأَنْفُسَ المُحْتَضَرَةَ إِلَى مَكَانِهَا مِنَ الجَسَدِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فِيمَا تَعْتَقِدُونَ مِنْ أَنَّكُمْ لاَ تُبْعَثُونَ، وَلاَ تُحَاسَبُونَ.
(٨٨) - فَإِذَا كَانَ المُحْتَضِرُ مِنَ المُقَرَّبِينَ الذِينَ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ، وَفَعَلُوا الطَّاعَاتِ، وَاجْتَنَبُوا مَا حَرَّمَ اللهُ تَعَالَى.
﴿جَنَّتُ﴾
(٨٩) - فَيَكُونُ لَهُ رَاحَةٌ وَفَرَحٌ، وَتُبَشِّرُهُ المَلاَئِكَةُ عِنْدَ المَوْتِ بِجَنَّةِ النَّعِيمِ.
فَرَوْحٌ - فَلَهُ اسْتِرَاحَةٌ أَوْ رَحْمَةٌ.
الرَّيْحَانُ - الرِّزْقُ الحَسَنُ.
﴿أَصْحَابِ﴾
(٩٠) - وَأَمَّا إِنْ كَانَ المُحْتَضَرُ مِنْ أَصْحَابِ اليَمِينِ.
﴿فَسَلاَمٌ﴾ ﴿أَصْحَابِ﴾
(٩١) - فَتَقُولُ لَهُ المَلاَئِكَةُ: لاَ بَأْسَ عَلَيْكَ وَأَنْتَ سَالِمٌ، أَنْتَ مِنْ أَصْحَابِ اليَمِينِ.
(٩٢) - وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الكَفَرَةِ المُكَذِّبِينَ بِاللهِ، وَبِالكُتُبِ وَالرُّسُلِ، وَبِالبَعْثِ وَالحِسَابِ..
(٩٣) - فَيَكُونُ قِراهُ، وَزَادُ الضِّيَافَةِ الذِي يَنْتَظِرُهُ، مَاءً شَدِيدَ الحَرَارَةِ.
فَنُزُلٌ - فَلَهُ قِرىً وَضِيَافَةٌ.
الحَمِيمُ - المَاءُ الذِي تَنَاهَتْ حَرَارَتُهُ فِي الشِّدِّةِ.
(٩٤) - وَيَدْخُلُ نَارَ جَهَنَّمَ لِيَصْلاَهَا فَتَغْمُرُهُ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهِ.
تَصْلِيَةُ - مُقَاسَاةٌ لِحَرِّ النَّارِ.
(٩٥) - وَهَذَا هُوَ الخَبَرُ اليَقِينُ الحَقُّ الذِي لاَ شَكَّ فِيهِ.
(٩٦) - وَبَعْدَ أَنِ اسْتَبَانَ الحَقُّ، وَظَهَرَ اليَقِينُ، فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ العَظِيمِ، وَنَزِّهْهُ عَمَّا لاَ يَلِيقُ بِجَنَابِهِ الكَرِيمِ.
سورة الواقعة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الواقعة) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (طه)، وقد جاءت بتذكيرِ الناس بوقوع يوم القيامة؛ للدَّلالة على عظمة الله عز وجل، وترهيبًا لهم من مخالفة أوامره، ودعوةً لهم إلى اتباع الدِّين الحق وتركِ الباطل، وخُتمت السورة الكريمة بتعظيمِ القرآن، وصدقِ أخباره وما جاء به، وقد أُثر عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءتُه لها في صلاة الفجر.

ترتيبها المصحفي
56
نوعها
مكية
ألفاظها
380
ترتيب نزولها
46
العد المدني الأول
99
العد المدني الأخير
99
العد البصري
97
العد الكوفي
96
العد الشامي
99

* قوله تعالى: {فَلَآ أُقْسِمُ بِمَوَٰقِعِ اْلنُّجُومِ ٧٥ وَإِنَّهُۥ لَقَسَمٞ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ٧٦ إِنَّهُۥ لَقُرْءَانٞ كَرِيمٞ ٧٧ فِي كِتَٰبٖ مَّكْنُونٖ ٧٨ لَّا يَمَسُّهُۥٓ إِلَّا اْلْمُطَهَّرُونَ ٧٩ تَنزِيلٞ مِّن رَّبِّ اْلْعَٰلَمِينَ ٨٠ أَفَبِهَٰذَا اْلْحَدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ ٨١ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة: 75-82]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «مُطِرَ الناسُ على عهدِ النبيِّ ﷺ، فقال النبيُّ ﷺ: «أصبَحَ مِن الناسِ شاكرٌ، ومنهم كافرٌ، قالوا: هذه رحمةُ اللهِ، وقال بعضُهم: لقد صدَقَ نَوْءُ كذا وكذا»، قال: فنزَلتْ هذه الآيةُ: {فَلَآ أُقْسِمُ بِمَوَٰقِعِ اْلنُّجُومِ} [الواقعة: 75]، حتى بلَغَ: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة: 82]». أخرجه مسلم (٧٣).

* سورة (الواقعة):

سُمِّيت هذه السورة بـ(الواقعة)؛ لافتتاحِها بهذا اللفظ، ولتسميةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لها بذلك:

عن أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه، قال: «سألتُ رسولَ اللهِ ﷺ: ما شيَّبَكَ؟ قال: «سورةُ هودٍ، والواقعةِ، و{عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ}، و{إِذَا اْلشَّمْسُ كُوِّرَتْ}»». أخرجه الترمذي (٣٢٩٧).

و(الواقعةُ): اسمٌ من أسماءِ يوم القيامة.

* سورة (الواقعة) من السُّوَر التي شيَّبتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم:

عن أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه، قال: «سألتُ رسولَ اللهِ ﷺ: ما شيَّبَكَ؟ قال: «سورةُ هودٍ، والواقعةِ، و{عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ}، و{إِذَا اْلشَّمْسُ كُوِّرَتْ}»». أخرجه الترمذي (٣٢٩٧).

* أُثِر عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءتُه لسورة (الواقعة) في صلاة الفجر:

عن جابرِ بن سَمُرةَ رضي الله عنه، قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يُصلِّي الصَّلواتِ كنَحْوٍ مِن صلاتِكم التي تُصَلُّون اليومَ، ولكنَّه كان يُخفِّفُ، كانت صَلاتُه أخَفَّ مِن صَلاتِكم، وكان يَقرأُ في الفجرِ الواقعةَ، ونحوَها مِن السُّوَرِ». أخرجه أحمد (٢٠٩٩٥).

1. تحقيق القيامة (١-٥٦).

2. دلائلُ البعث والجزاء (٥٧-٧٤).

3. تعظيم القرآن، وصدقُ أخباره (٧٥-٩٦).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (7 /598).

مقصدُ سورة (الواقعة) هو التذكيرُ بوقوع يوم القيامة وهَوْلِه، ووصفُ ما يحدُثُ به؛ لتخويف الناس وترهيبهم من معصية الله عز وجل ومخالفة أمره، وفي ذلك دعوةٌ لهم للرجوع إلى الحق، والاستجابة لأمر الله.

ويُبيِّن ابن عاشور محورَها فيقول: «هو التذكيرُ بيوم القيامة، وتحقيق وقوعه.

ووصفُ ما يَعرِض لهذا العالَمِ الأرضي عند ساعة القيامة.

ثم صفة أهل الجنة وبعض نعيمهم.

وصفة أهل النار وما هم فيه من العذاب، وأن ذلك لتكذيبهم بالبعث.

وإثبات الحشر والجزاء.

والاستدلال على إمكان الخَلْق الثاني بما أبدعه الله من الموجودات بعد أن لم تكن.

والاستدلال بدلائل قدرة الله تعالى.

والاستدلال بنزعِ الله الأرواحَ من الأجساد والناس كارهون لا يستطيع أحدٌ مَنْعَها من الخروج، على أن الذي قدَرَ على نزعها بدون مُدافعٍ قادرٌ على إرجاعها متى أراد على أن يُمِيتَهم.

وتأكيد أن القرآن منزلٌ من عند الله، وأنه نعمةٌ أنعم الله بها عليهم فلم يشكروها، وكذَّبوا بما فيه». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (27 /280).