تفسير سورة الواقعة

كتاب نزهة القلوب

تفسير سورة سورة الواقعة من كتاب كتاب نزهة القلوب
لمؤلفه أبى بكر السجستاني .

﴿ وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ ﴾ أي قامت القيامة.
﴿ خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ ﴾: تخفض قوما إلى النار، وترفع آخرين إلى الجنة.
﴿ رُجَّتِ ٱلأَرْضُ ﴾ أي زلزلت واضطربت وتحركت.
﴿ بُسَّتِ ٱلْجِبَالُ بَسّاً ﴾: فتتت حتى صارت كالدقيق، والسويق المبسوس، أي المبلول، وقال لص من غطفان وأراد أن يخبز فخاف أن يعجل عن الخبز قبل الدقيق وأكله عجينا فقال: لا تخبزا خبزا وبسا بسا   
﴿ هَبَآءً مُّنبَثّاً ﴾ أي ترابا منتشرا، والهباء المنبث: ما سقط من سنابك الخيل، وهو من الهبوة، والهبوة: الغبار.
(الميمنة والمشأمة) من اليمين والشمال. ويقال: أصحاب الميمنة: الذين يعطون كتبهم بأيمانهم، وأصحاب المشأمة: الذين يعطون كتبهم بشمائلهم، والعرب تسمي اليد اليسرى: الشؤمى، والجانب الأيسر: الأشأم، ومنه اليمن والشؤم. واليمن: ما جاء عن اليمين، والشؤم: ما جاء عن الشمال. ومنه اليمن والشآم، لأنهما عن يمين الكعبة وشمالها. ويقال: أصحاب الميمنة: أصحاب اليمن على أنفسهم: أي كانوا ميامين على أنفسهم، وأصحاب المشأمة: المشائيم على أنفسهم.
﴿ ثُلَّةٌ ﴾: أي جماعة.
﴿ مَّوْضُونَةٍ ﴾ أي منسوجة بعضها على بعض كما توضن الدرع بعضها على بعض مضاعفة وفي التفسير: موضونة أي منسوجة باليواقيت والجواهر.
﴿ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ ﴾ أي صبيان، واحدها وليد. و ﴿ مُّخَلَّدُونَ ﴾ أي مبقون ولدانا لا يهرمون ولا يتغيرون. ويقال مخلدون: مسورون. ويقال: مقرطون. ﴿ أَكْوَابٍ ﴾ أبارق لا عرا لها ولا خراطيم، واحدها كوب. ﴿ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ ﴾ أي من خمر يجري من العيون وانظر آخر الملك.
﴿ عِينٌ ﴾ أي واسعات الأعين، الواحدة عيناء.
﴿ سِدْرٍ مَّخْضُودٍ ﴾ السد: شجر النبق. مخضود: لا شوك فيه كأنه خضد شوكه أي قطع أي خلقته خلقة المخضود. ﴿ طَلْحٍ ﴾ أي موز. والطلح أيضا: شجر عظام كثير الشوك. ﴿ وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ ﴾ أي دائم لا تنسخه الشمس كظل ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس. ﴿ مَآءٍ مَّسْكُوبٍ ﴾ أي مصوب سائل.
﴿ عُرُباً أَتْرَاباً ﴾: جمع عروب وترب. والعروب: المتحببة إلى زوجها. ويقال: العاشقة لزوجها ويقال: الحسنة التبعل. (أتراب): أقران أسنان، واحدها ترب.
﴿ حَمِيمٍ ﴾ انظر ٧٠ من الأنعام ﴿ وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ ﴾ قيل إنه دخان أسود. واليحموم: الشديد السواد.
﴿ يُصِرُّونَ عَلَى ٱلْحِنثِ ﴾ أي يقيمون على الإثم، والحنث: الشرك، والحنث الكبير من الذنوب أيضا.
(هيم) أي إبل يصيبها داء يقال له الهيام، تشرب الماء فلا تروى، يقال بعير أهيم وناقة هيماء.
﴿ تُمْنُونَ ﴾: من المني: وهو الماء الغليظ الذي يكون منه الولد، وقوله: (يمنى)؛ أي يقدر ويخلق.
﴿ تَحْرُثُونَ ﴾: الحرث: إصلاح الأرض وإلقاء البذر فيها.
﴿ حُطَاماً ﴾: فتاتا. والحطام: ما تحطم من عيدان الزرع إذا يبس ﴿ تَفَكَّهُونَ ﴾ أي تعجبون، ويقال تفكهون وتفكنون أيضا بالنون لغة عكل أي تندمون.
﴿ مُغْرَمُونَ ﴾ أي معذبون من قوله عز وجل﴿ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً ﴾[الفرقان: ٦٥] أي هلاكا. وقيل إنا لمغرمون، أي إنا لمولع بنا. ﴿ مَحْرُومُونَ ﴾ أي ممنوعون من الرزق. ومعنى المحروم: الممنوع من الرزق، أي محرومون من الرزق.
﴿ ٱلْمُزْنِ ﴾ السحاب.
(أجاج) أي ملح مر شديد الملوحة.
﴿ تُورُونَ ﴾: أي تستخرجون النار بقدحكم من الزنود.
(مقوين) أي مسافرين، سموا بذلك لنزولهم القواء أي القفر. ويقال: المقوين: الذين لا زاد معهم ولا مال لهم. والمقوى أيضا: الكثير المال: وهذا من الأضداد.
﴿ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ ﴾ يعني نجوم القرءان إذا نزل ويقال: مساقط النجوم في المغرب.
﴿ مُّدْهِنُونَ ﴾ أي مكذبون، ويقال: كافرون. ويقال: مسرون خلاف ما يظهرون. وكذلك قوله عز وجل﴿ وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ﴾[القلم: ٩] أي لو تكفر فيكفرون. ويقال لو تصانع فيصانعون. ويقال: داهن الرجل في دينه وأدهن في دينه إذا خان فأظهر خلاف ما أضمر. قال أبو عمر: لو تدهن: أي تنافق.
﴿ تَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ﴾؛ أي تجعلون شكركم التكذيب. ويقال المعنى تجعلون شكر رزقكم التكذيب، فحذف الشكر وأقيم الرزق مقامه كقوله﴿ وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ ﴾[يوسف: ٨٢] أي أهل القرية ﴿ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ﴾: أي جعلتم شكر الرزق التكذيب.
﴿ مَدِينِينَ ﴾ أي مجزيين، ويقال: مملوكين أذلاء، من قولك: دنت له بالطاعة.
﴿ رَوْحٌ وَرَيْحَانٌ ﴾: روح: نسيم طيب، وريحان: رزق. ومن قرأ فروح، يقول: حياة لا موت فيها.
﴿ حَقُّ ٱلْيَقِينِ ﴾: كقولك عين اليقين، وعلم اليقين.
سورة الواقعة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الواقعة) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (طه)، وقد جاءت بتذكيرِ الناس بوقوع يوم القيامة؛ للدَّلالة على عظمة الله عز وجل، وترهيبًا لهم من مخالفة أوامره، ودعوةً لهم إلى اتباع الدِّين الحق وتركِ الباطل، وخُتمت السورة الكريمة بتعظيمِ القرآن، وصدقِ أخباره وما جاء به، وقد أُثر عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءتُه لها في صلاة الفجر.

ترتيبها المصحفي
56
نوعها
مكية
ألفاظها
380
ترتيب نزولها
46
العد المدني الأول
99
العد المدني الأخير
99
العد البصري
97
العد الكوفي
96
العد الشامي
99

* قوله تعالى: {فَلَآ أُقْسِمُ بِمَوَٰقِعِ اْلنُّجُومِ ٧٥ وَإِنَّهُۥ لَقَسَمٞ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ٧٦ إِنَّهُۥ لَقُرْءَانٞ كَرِيمٞ ٧٧ فِي كِتَٰبٖ مَّكْنُونٖ ٧٨ لَّا يَمَسُّهُۥٓ إِلَّا اْلْمُطَهَّرُونَ ٧٩ تَنزِيلٞ مِّن رَّبِّ اْلْعَٰلَمِينَ ٨٠ أَفَبِهَٰذَا اْلْحَدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ ٨١ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة: 75-82]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «مُطِرَ الناسُ على عهدِ النبيِّ ﷺ، فقال النبيُّ ﷺ: «أصبَحَ مِن الناسِ شاكرٌ، ومنهم كافرٌ، قالوا: هذه رحمةُ اللهِ، وقال بعضُهم: لقد صدَقَ نَوْءُ كذا وكذا»، قال: فنزَلتْ هذه الآيةُ: {فَلَآ أُقْسِمُ بِمَوَٰقِعِ اْلنُّجُومِ} [الواقعة: 75]، حتى بلَغَ: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة: 82]». أخرجه مسلم (٧٣).

* سورة (الواقعة):

سُمِّيت هذه السورة بـ(الواقعة)؛ لافتتاحِها بهذا اللفظ، ولتسميةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لها بذلك:

عن أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه، قال: «سألتُ رسولَ اللهِ ﷺ: ما شيَّبَكَ؟ قال: «سورةُ هودٍ، والواقعةِ، و{عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ}، و{إِذَا اْلشَّمْسُ كُوِّرَتْ}»». أخرجه الترمذي (٣٢٩٧).

و(الواقعةُ): اسمٌ من أسماءِ يوم القيامة.

* سورة (الواقعة) من السُّوَر التي شيَّبتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم:

عن أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه، قال: «سألتُ رسولَ اللهِ ﷺ: ما شيَّبَكَ؟ قال: «سورةُ هودٍ، والواقعةِ، و{عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ}، و{إِذَا اْلشَّمْسُ كُوِّرَتْ}»». أخرجه الترمذي (٣٢٩٧).

* أُثِر عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءتُه لسورة (الواقعة) في صلاة الفجر:

عن جابرِ بن سَمُرةَ رضي الله عنه، قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يُصلِّي الصَّلواتِ كنَحْوٍ مِن صلاتِكم التي تُصَلُّون اليومَ، ولكنَّه كان يُخفِّفُ، كانت صَلاتُه أخَفَّ مِن صَلاتِكم، وكان يَقرأُ في الفجرِ الواقعةَ، ونحوَها مِن السُّوَرِ». أخرجه أحمد (٢٠٩٩٥).

1. تحقيق القيامة (١-٥٦).

2. دلائلُ البعث والجزاء (٥٧-٧٤).

3. تعظيم القرآن، وصدقُ أخباره (٧٥-٩٦).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (7 /598).

مقصدُ سورة (الواقعة) هو التذكيرُ بوقوع يوم القيامة وهَوْلِه، ووصفُ ما يحدُثُ به؛ لتخويف الناس وترهيبهم من معصية الله عز وجل ومخالفة أمره، وفي ذلك دعوةٌ لهم للرجوع إلى الحق، والاستجابة لأمر الله.

ويُبيِّن ابن عاشور محورَها فيقول: «هو التذكيرُ بيوم القيامة، وتحقيق وقوعه.

ووصفُ ما يَعرِض لهذا العالَمِ الأرضي عند ساعة القيامة.

ثم صفة أهل الجنة وبعض نعيمهم.

وصفة أهل النار وما هم فيه من العذاب، وأن ذلك لتكذيبهم بالبعث.

وإثبات الحشر والجزاء.

والاستدلال على إمكان الخَلْق الثاني بما أبدعه الله من الموجودات بعد أن لم تكن.

والاستدلال بدلائل قدرة الله تعالى.

والاستدلال بنزعِ الله الأرواحَ من الأجساد والناس كارهون لا يستطيع أحدٌ مَنْعَها من الخروج، على أن الذي قدَرَ على نزعها بدون مُدافعٍ قادرٌ على إرجاعها متى أراد على أن يُمِيتَهم.

وتأكيد أن القرآن منزلٌ من عند الله، وأنه نعمةٌ أنعم الله بها عليهم فلم يشكروها، وكذَّبوا بما فيه». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (27 /280).