ﰡ
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ١ الى ١٦]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (١) لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ (٢) خافِضَةٌ رافِعَةٌ (٣) إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (٤)وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا (٥) فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا (٦) وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً (٧) فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (٨) وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ (٩)
وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (١١) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (١٢) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (١٤)
عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (١٥) مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ (١٦)
اللغة:
(الْواقِعَةُ) القيامة وصفت بأنها تقع لا محالة أو كأنها واقعة في نفسها.
(هَباءً) الهباء غبار كالشعاع في الرقة وكثيرا ما يخرج شعاع الشمس من الكوّة النافذة.
(مُنْبَثًّا) منتشرا متفرقا بنفسه من غير حاجة إلى هواء يفرقه.
(أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) الذين يعطون كتبهم بأيمانهم من اليمن والبركة.
(أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ) الذين يعطون كتبهم بشمالهم المشائيم على أنفسهم.
(ثُلَّةٌ) جماعة.
(مَوْضُونَةٍ) منسوجة متداخلة كصفة الدرع، قال الأعشى:
ومن نسج داود موضونة | تساق إلى الحيّ عيرا فعيرا |
(إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) في إذا أوجه:
١- ظرف محض ليس فيها معنى الشرط والعامل فيها ما في ليس من معنى النفي كأنه قيل ينتفي التكذيب بوقوعها إذا وقعت، وقد ذهب إلى هذا الوجه الزمخشري فقال: «فإن قلت بم انتصب إذا؟ قلت بليس كقولك يوم الجمعة ليس لي شغل» وردّه أبو حيان فقال: «أما نصبها بليس فلا يذهب نحوي ولا من شدا شيئا من صناعة الإعراب إلى مثل هذا لأن «ليس» في النفي كما وما لا تعمل فكذلك ليس وذلك أن
٢- أن العامل فيها اذكر مقدّرا.
٣- أنها شرطية وجوابها مقدّر أي إذا وقعت الواقعة كان كيت وكيت وهو العامل فيها.
٤- أنها شرطية والعامل فيها الفعل الذي بعدها ويليها وهو اختيار أبي حيان وتبع في ذلك مكيا، قال مكّي: والعامل فيها وقعت لأنها قد يجازى بها فعمل فيها الفعل الذي بعدها كما يعمل في ما ومن اللتين للشرط في قولك ما تفعل أفعل ومن تكرم أكرم.
٥- أنها مبتدأ وإذا رجت خبرها وهذا على القول أنها تتصرف.
٧- أنها ظرف لرجت وإذا الثانية إما بدل من الأولى أو تكرير لها.
٨- إن العامل فيها ما دلّ عليه قوله فأصحاب الميمنة أي إذا وقعت بانت أحوال الناس فيها.
٩- أن جواب الشرط قوله فأصحاب الميمنة.
١٠- قال الجرجاني: إذا صلة أي وقعت الواقعة مثل اقتربت الساعة وأتى أمر الله وهو كما يقال قد جاء الصوم أي دنا واقترب.
ووقعت الواقعة فعل وفاعل.
(لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ) ليس فعل ماض جامد ناقص ولوقعتها خبرها مقدّم واللام بمعنى في على تقدير المضاف أي ليس كاذبة توجد في وقت وقوعها وكاذبة اسم ليس وكاذبة صفة لموصوف محذوف أي نفس كاذبة، وقيل «كاذبة» مصدر جاء بلفظ اسم الفاعل بمعنى الكذب (خافِضَةٌ رافِعَةٌ) خافضة خبر لمبتدأ محذوف ورافعة خبر ثان (إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا) يجوز أن تكون إذا بدلا من إذا الأولى أو تأكيدا لها أو خبرا لها على أنها مبتدأ وقد تقدم هذا مفصلا ويجوز أن تكون شرطا والعامل فيها إما مقدّر وإما فعلها الذي يليها كما تقدم في نظيرتها، وعبارة الزمخشري: «ويجوز أن ينتصب بخافضة رافعة أي تخفض وترفع وقت رجّ الأرض وبسّ الجبال لأنه عند ذلك ينخفض ما هو مرتفع ويرتفع ما هو منخفض»، ورجّا مفعول مطلق (وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا) الجملة معطوفة على الجملة السابقة (فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا) الفاء عاطفة وكانت فعل ماض ناقص واسمها مستتر تقديره هي وهباء خبرها ومنبثّا صفة لهباء (وَكُنْتُمْ
عطف على رجّت وكان واسمها وخبرها وثلاثة نعت لأزواجا (فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) الفاء عاطفة تفريعية للشروع في تفصيل وشرح أحوال الأزواج الثلاثة وأصحاب الميمنة مبتدأ وما استفهامية في محل رفع مبتدأ ثان والمقصود بالاستفهام التعظيم وأصحاب الميمنة الثاني خبر ما والجملة خبر المبتدأ الأول وتكرير المبتدأ هنا بلفظه أغنى عن الرابط وهو الضمير ومثله «الحاقة ما الحاقة» و «القارعة ما القارعة» ولا يكون إلا في مواطن التعظيم والتحقير وهذا هو القسم الأول من الأزواج (وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ) عطف على ما تقدم والمقصود هنا تحقير شأنهم وهم القسم الثاني من الأزواج (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) الواو عاطفة والسابقون مبتدأ والسابقون تأكيد وهم القسم الثالث من الأزواج وأكثرهم عراقة في الفضل (أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) أولئك مبتدأ والمقربون خبره والجملة خبر السابقون واسم الإشارة أغنى عن الرابط وهو الضمير، واختار الزمخشري أن يكون السابقون خبرا وليس تأكيدا قال «والسابقون من عرفت حالهم وبلغك وصفهم كقوله: وعبد الله عبد الله وقول أبي النجم «وشعري شعري» كأنه قال وشعري ما انتهى إليك وسمعت بفصاحته وقد جعل السابقون تأكيدا وأولئك المقربون خبرا وليس بذاك» هذا ما ذكره الزمخشري وليس بعيدا بل لعلّه أقعد بالفصاحة، ألا ترى كيف سبق بسط حال السابقين بقوله: أولئك المقربون فجمع بين اسم الإشارة المشار به إلى معروف وبين الإخبار عنه بقوله المقربون المعرّف بالألف واللام العهدية. وننقل فيما يلي نص ما أورده أبو حيان قال: «والسابقون السابقون جوّزوا أن يكون مبتدأ وخبرا نحو قولهم أنت أنت وقوله: أنا أبو النجم وشعري شعري، أي الذين انتهوا في السبق أي الطاعات وبرعوا فيها وعرفت حالهم وأن يكون السابقون تأكيدا لفظيا والخير فيما بعد ذلك». وعبارة أبي البقاء «قوله تعالى والسابقون الأول مبتدأ والثاني
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ١٧ الى ٢٦]
يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ (١٧) بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (١٨) لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ (١٩) وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (٢٠) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢١)
وَحُورٌ عِينٌ (٢٢) كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (٢٣) جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً (٢٥) إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً (٢٦)
اللغة:
(مُخَلَّدُونَ) باقون لا يموتون ولا يهرمون ولا يتغيرون وقيل من الخلد وهو القرط، قال امرؤ القيس:
وهل ينعمن إلا سعيد مخلد | قليل الهموم ما يبيت بأوجال |
(مَعِينٍ) خمر جارية من منبع لا يفيض ولا ينقطع أبدا.
(لا يُصَدَّعُونَ) لا يحصل لهم صداع بسببها قال الزمخشري:
«وحقيقته لا يصدر صداعهم عنها» والصداع هو الداء المعروف الذي يلحق الإنسان في رأسه والخمر تؤثر قال علقمة في وصف الخمر:
تشفي الصداع ولا يؤذيك صالبها | ولا يخالطها في الرأس تدويم |
الإعراب:
(يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ) الجملة مستأنفة ويجوز أن تكون حالية وعليهم متعلقان بيطوف وولدان فاعل ومخلدون نعت ولدان، والمعنى: يدور حولهم للخدمة غلمان لا يهرمون ولا يتغيرون بل شكلهم شكل الولدان دائما (بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ) بأكواب متعلقان بيطوف ما وبعده عطف عليه ومن معين صفة لكأس (لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ)
الجملة مستأنفة أو حال من الضمير في عليهم ولا نافية ويصدعون بالبناء للمجهول والواو نائب فاعل وعنها متعلقان به ولا ينزفون عطف على لا يصدعون (وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ) عطف على ما تقدم أي وكأس، ومما نعت لفاكهة وجملة يتخيرون صلة (وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) عطف على ما تقدم أيضا (وَحُورٌ عِينٌ) يقرأ
البلاغة:
١- في قوله «كأمثال اللؤلؤ المكنون» تشبيه مرسل مجمل، ووجه الشبه محذوف وهو الصون، قال الشاعر يصف امرأة بالصون وعدم الابتذال فشبّهها بالدرّة المكنونة في صدفتها فقال:
قامت تراءى بين سجفي كلة | كالشمس يوم طلوعها بالأسعد |
أو درّة صدفية غوّاصها | بهج متى يرها يهلّ ويسجد |
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٢٧ الى ٤٠]
وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ (٢٧) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (٢٨) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (٢٩) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (٣٠) وَماءٍ مَسْكُوبٍ (٣١)
وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (٣٢) لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ (٣٣) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (٣٤) إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً (٣٥) فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً (٣٦)
عُرُباً أَتْراباً (٣٧) لِأَصْحابِ الْيَمِينِ (٣٨) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (٣٩) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (٤٠)
اللغة:
(سِدْرٍ) السدر شجر النبق.
(مَخْضُودٍ) أصل الخضد عطف العود اللين فمن هاهنا المخضود الذي لا شوك له لأن الغالب أن الرطب اللين لا شوك له وفي المختار:
«خضد الشجر قطع شوكة وبابه ضرب فهو خضيد ومخضود»، وقال أمية بن أبي الصلت يصف الجنة:
إن الحدائق في الجنان ظليلة | فيها الكواعب سدرها مخضود |
وقال الزجّاج: الطلح شجر أم غيلان فقد يكون على أحسن حال.
(مَنْضُودٍ) اسم مفعول من نضدت المتاع أي جعلت بعضه فوق بعض.
(أَبْكاراً) البكر التي لم يفترعها الرجل فهي على خلقتها الأولى من حال الإنشاء، ومنه البكرة لأول النهار والباكورة لأول الفاكهة والبكر الفتى من الإبل وجمعه بكار وبكارة وجاء القوم على بكرتهم وبكرة أبيهم.
(عُرُباً) جمع عروب وهي المتحببة إلى زوجها عشقا له.
(أَتْراباً) جمع ترب وهو اللذة الذي ينشأ مع مثله في حال الصبا وهو مأخوذ من لعب الصبي بالتراب أي هم كالصبيان الذين هم على سنّ واحدة، قال عمر بن أبي ربيعة:
أبرزوها مثل المهاة تهادى... بين عشر كواعب أتراب
الإعراب:
(وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ) كلام مستأنف مسوق للشروع في تفصيل ما أجمل أولا، وأصحاب مبتدأ وما اسم استفهام للتعظيم في محل رفع مبتدأ وأصحاب اليمين خبر ما والجملة خبر أصحاب والرابط إعادة المبتدأ بلفظه كما تقدم (فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ) خبر ثان لأصحاب أو خبر لمبتدأ محذوف أي هم في سدر ومخضود نعت لسدر (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ وَماءٍ مَسْكُوبٍ وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ
عطف على وله في سدر ولا في لا مقطوعة للنفي كقولك مررت برجل لا طويل ولا قصير ولذلك لزم تكرارها (إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً) إن واسمها وجملة أنشأناهنّ خبر وإنشاء مفعول مطلق وعبارة الكشاف «إنّا أنشأناهنّ إنشاء: ابتدأنا خلقهنّ ابتداء جديدا من غير ولادة فإما أن يراد اللاتي ابتدئ إنشاؤهنّ أو اللاتي أعيد إنشاؤهنّ، وعن رسول الله ﷺ أن أم سلمة سألته عن قوله تعالى:
إنّا أنشأناهنّ إنشاء، فقال: يا أم سلمة هنّ اللواتي قبضن في دار الدنيا عجائز شمطا رمصا جعلهنّ الله بعد الكبر أترابا على ميلاد واحد في الاستواء كلما أتاهنّ أزواجهنّ وجدوهنّ أبكارا فلما سمعت عائشة من رسول الله ﷺ ذلك قالت: وأوجعاه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس هناك وجع (فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً عُرُباً أَتْراباً) الفاء عاطفة وجعلناهنّ فعل ماض وفاعل ومفعول به أول وأبكارا مفعول به ثان وعربا أترابا نعتان لأبكارا (لِأَصْحابِ الْيَمِينِ) لأصحاب اليمين متعلقان بأنشأناهنّ (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ) ثلّة خبر لمبتدأ محذوف ومن الأولين نعت لثلّة وثلّة من الآخرين عطف على ما تقدم.
البلاغة:
١- في قوله «وفرش مرفوعة» إن فسرت الفرش بأنها جمع فراش كان معناها على حقيقته أي مرفوعة على السرر وإن أريد بها النساء كانت كناية عن موصوف والعرب تسمي المرأة فراشا ولباسا ويدل على هذا التأويل قوله «إنّا أنشأناهنّ إنشاء».
٢- وفي قوله «عربا أترابا» كناية أيضا عن عودتهنّ أو نشأتهنّ في سنّ صغيرة، قالت عجوز لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ادع الله أن يدخلني الجنة، فقال: إن الجنة لا تدخلها العجائز، فولّت وهي تبكي
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٤١ الى ٥٦]
وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ (٤١) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (٤٢) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (٤٣) لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ (٤٤) إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ (٤٥)
وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (٤٦) وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٤٧) أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (٤٨) قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (٤٩) لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (٥٠)
ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (٥١) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (٥٢) فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٥٣) فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (٥٤) فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (٥٥)
هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (٥٦)
اللغة:
(سَمُومٍ) السموم: الريح الحارّة التي تدخل في مسام البدن، ومسام البدن خروقه ومنه أخذ السمّ الذي يدخل في المسام.
«وحممه تحميما سخم وجهه بالفحم والحمم الرماد والفحم وكل ما احترق من النار الواحدة حممة واليحموم الدخان».
(الْحِنْثِ) الذنب ويعبّر بالحنث عن البلوغ ومنه قولهم: لم يبلغوا الحنث، وإنما قيل ذلك لأن الإنسان عند بلوغه يؤاخذ بالحنث أي الذنب، وتحنث فلان أي جانب الحنث وفي الحديث: كان ﷺ يتحنث بنار حراء، أي يتعبد لمجانبته الإثم، فتفعّل في هذه كلها للسلب.
(الْهِيمِ) الإبل العطاش التي لا تروى من الماء لداء يصيبها والواحد أهيم والأنثى هيماء، وأصل هيم هيم بضم الهاء بوزن حمر، لكن قلبت الضمة كسرة لمناسبة الياء، وعبارة السمين: «والهيم جمع أهيم وهيماء وهو الجمل والناقة التي أصابها الهيام وهو داء معطش تشرب الإبل منه إلى أن تموت أو تسقم سقما شديدا».
الإعراب:
(وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ) تقدم إعراب نظيرها قريبا فجدّد به عهدا والكلام مستأنف مسوق للشروع في تفصيل ما أجمله من أحوالهم بعد أن فصّل حال أصحاب اليمين (فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ) خبر ثان أو خبر لمبتدأ مضمر وقد تقدم نظيره (وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ) عطف على ما تقدم (إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ) الجملة تعليلية لا محل لها من الإعراب وإن واسمها وجملة كانوا خبرها وكان واسمها والظرف متعلق بمحذوف حال أو بمترفين ومترفين خبر كانوا (وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ) عطف على ما تقدم وكان واسمها وجملة يصرّون خبرها وعلى الحنث متعلقان بيصرّون والعظيم نعت (وَكانُوا
عطف أيضا وكان واسمها وجملة يقولون خبرها والهمزة للاستفهام وإذا ظرف للشرط متعلق بشيء دلّ عليه قوله أإنا لمبعوثون، ألا ترى أن إذا ظرف من الزمان فلا بدّ له من فعل أو معنى فعل يتعلق به ولا يجوز أن يتعلق بقوله متنا لأنه مضاف إليه والمضاف إليه لا يعمل في المضاف وإذا لم يجز حمله على هذا الفعل ولا على ما بعد إن من حيث لم يعمل ما بعد إن فيما قبلها كما لا يعمل ما بعد لا فيما قبلها فكذلك لا يجوز أن يعمل ما بعد الاستفهام فيما قبله علمت أنه يتعلق بشيء دلّ عليه قوله أإنا لمبعوثون وذلك نحشر أو نبعث ونحوهما مما يدلّ عليه هذا الكلام.
ومتنا فعل وفاعل وكنّا عطف على متنا وكان واسمها وترابا خبرها وعظاما عطف على ترابا والهمزة للاستفهام وإن واسمها واللام المزحلقة ومبعوثون خبرها (أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ) الهمزة للاستفهام والواو حرف عطف وآباؤنا معطوف على الضمير المستكن في مبعوثون وحسن العطف على الضمير من غير تأكيد نحن لوجود الفاصل الذي هو الهمزة وقيل المعطوف عليه محل إن واسمها بعد ملاحظة تقدم المعطوف على الخبر والتقدير أإنا أو آباؤنا مبعوثون والأولون نعت لآباؤنا (قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) كلام مستأنف مسوق للردّ على إنكارهم وتحقيقا للحق، وإن واسمها والآخرين عطف على الأولين واللام المزحلقة ومجموعون خبر إن، وإن واسمها وخبرها في محل نصب مقول القول وإلى ميقات يوم متعلقان بمجموعون ومعلوم نعت ليوم، وقد ضمن الجمع معنى السوق فعدّي بإلى وإلا فكان الظاهر تعديته بفي (ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ) ثم حرف عطف للترتيب مع التراخي داخل في حيز القول وإن واسمها وأيها منادى نكرة مقصودة والضالون بدل من أيها والمكذبون نعت للضالون (لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ) اللام المزحلقة وآكلون خبر إنكم ومن شجر متعلقان بآكلون ومن زقوم بدل
البلاغة:
١- في قوله «لا بارد ولا كريم» فن الاحتراس وقد تقدم تعريفه، وهنا لمّا قال وظل من يحموم أوهم أن الظل ربما جلب لهم شيئا من الراحة بعد التعب فنفي عنه صفتي الظل يريد أنه ظل ولكن لا كسائر الظلال التي تنشر البرد والروح وتجلب النفع لمن يأوي إليه ويتفيأ تحته ليمحق ما في مدلول الظل من الاسترواح إليه فقوله لا بارد ولا كريم صفتان للظل لا لقوله من يحموم، وهنا يرد اعتراض بأن الفاء تفيد الترتيب مع التعقيب، ونقول نصّ الرضي على أنه غير واجب مع أنه هنا يفضي إلى عدم توازن الفاصلتين وجعلهما نعتين ليحموم لا يلائم
٢- وفي الآية «هذا نزلهم يوم الدين» فن التهكم وقد مرّ أيضا، فقد سمّى الجحيم وما فيه من صنوف العذاب وضروب الأهوال نزلا تهكما بهم لأن النزل ما يعدّ للنازل تكرمة له كما في قوله تعالى «فبشّرهم بعذاب أليم» وكقول أبي الشعراء الضبّي:
وكنّا إذا الجبار بالجيش ضافنا | جعلنا القنا والمرهفات له نزلا |
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٥٧ الى ٧٤]
نَحْنُ خَلَقْناكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ (٥٧) أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ (٥٨) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ (٥٩) نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٦٠) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ (٦١)
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ (٦٢) أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ (٦٣) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (٦٤) لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (٦٥) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (٦٦)
بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (٦٧) أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (٦٨) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (٦٩) لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ (٧٠) أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (٧١)
أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ (٧٢) نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ (٧٣) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٧٤)
اللغة:
(تُمْنُونَ) أمنى يمني ومنى يمني: قذف المني في الرحم وهو
لا تأمنّ وإن أمسيت في حرم | حتى تلاقي ما يمني لك الماني |
(قَدَّرْنا) بالتشديد والتخفيف قال:
ومفرهة عنس قدرت لساقها | فخرت كما تتايع الريح بالقفل |
وإن تعتذر بالمحلّ من ذي ضروعها | على الضيف يجرح في عراقيبها نصلي |
قد لفّها الليل بسواق حطم | ليس براعي إبل ولا غنم |
إن يعاقب يكن غراما وإن يع | ط جزيلا فإنه لا يبالي |
(الْمُزْنِ) السحاب جمع مزنة وفي القاموس: «المزن بالضم السحاب أو أبيضه أو ذو الماء، القطعة مزنة».
(أُجاجاً) في المختار: «ماء أجاج مرّ شديد الملوحة، وقد أجّ الماء يؤج أجوجا بالضم».
(لِلْمُقْوِينَ) للمسافرين أي جعلناها ينتفع بها المسافرون وخصّوا بالذكر لأن منفعتهم بها أكثر من المقيمين، وقال قطرب: «المقوي من الأضداد يقال للفقير مقو لخلوّه من المال ويقال للغني مقو لقوته على ما يريده» وقيل المقوي النازل بالقواء من الأرض ليس بها أحد وأقوت الدار خلت من أهلها، قال النابغة:
أقوى وأقفر من نعم وغيّرها | هوج الرياح بهابي الترب موار |
حييت من طلل تقادم عهده | أقوى وأقفر بعد أم الهيثم |
حتى إذا الكلّاب قال لها | كاليوم مطلوبا ولا طلبا» |
إذا سقيت ضيوف الناس محضا | سقوا أضيافهم شبما زلالا |
ونعود إلى بيت أبي العلاء فنقول هو من قصيدة يمدح بها سعد الدولة أبا الفضائل، وعيب عليه حيث مدح بسقي الضيوف الماء قبل ذكر الطعام والمخض اللبن المنزوع زبده فهو بمعنى الممخوض ويروي محضا بالحاء المهملة أي خالصا حلوا أو حامضا والشبم البارد والزلال العذب.
هذا وحيث جعل علماء البلاغة للمقام مدخلا في الدلالة على المراد نقول إن معنى البيت إذا عجّلت الناس اللبن لأضيافهم واكتفوا به عن الإسراع بالطعام عجّلوا هم بالطعام لاستعدادهم للضيفان فيحتاجون لشرب الماء فيسقونهم ماء قبل إطعام غيرهم الضيفان فسقيهم الماء يفيد تعجيل الطعام قبله بمعونة المقام لأنه يلزمه عادة فلا عيب فيه.
٢- وفي هذه الآيات أيضا فن التسهيم وهو أن يكون ما تقدم من الكلام دليلا على ما يتأخر منه أو بالعكس، فقوله «أفرأيتم ما تحرثون» إلى قوله «أفرأيتم النار التي تورون» تقتضي أوائل هذه الآيات أن أواخرها اقتضاء لفظيا ومعنويا كما ائتلفت الألفاظ فيها بمعانيها المجاورة الملائم بالملائم والمناسب بالمناسب لأن ذكر الحرث يلائم ذكر الزرع والاعتداد بكونه سبحانه لم يجعله حطاما ملائم لحصول التفكّه به وعلى هذه الآية يقاس نظم أختها.
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٧٥ الى ٨٧]
فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (٧٥) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (٧٦) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧) فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ (٧٨) لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (٧٩)
تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٨٠) أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (٨١) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (٨٢) فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (٨٤)
وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ (٨٥) فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (٨٦) تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٨٧)
(بِمَواقِعِ النُّجُومِ) بمساقطها ومغاربها وقيل بمنازلها وقيل بانكدارها وانتثارها وسيأتي مزيد تفسير لها في باب الإعراب.
(مُدْهِنُونَ) قال الراغب: «والإدهان في الأصل مثل التدهين لكن جعل عبارة عن المداراة والملاينة وترك الجدّ» وقال المؤرج: المدهن المنافق أو الكافر الذي يلين جانبه ليخفي كفره، والإدهان والمداهنة التكذيب والنفاق وأصله اللين وأن يضمر خلاف ما يظهر.
الإعراب:
(فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ) الفاء استئنافية ولا زائدة والمعنى فاقسم ولا تزاد في القسم فيقال لا والله ولا أفعل قال امرؤ القيس:
لا وأبيك ابنة العامري | لا يدعي القوم أني أفر |
الواو حالية وأنتم مبتدأ وحين ظرف أضيف إلى مثله وهو إذ والتنوين فيه عوض عن الجملة المضافة إليها أي إذا بلغت النفس الحلقوم وجملة تنظرون خبر أنتم وجملة وأنتم حينئذ تنظرون حال من فاعل بلغت (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ) الواو حالية ونحن مبتدأ وأقرب خبر وإليه ومنكم متعلقان بأقرب والواو عاطفة ولكن مخفّفة مهملة للاستدراك ولا نافية وتبصرون فعل مضارع مرفوع من البصيرة أي العلم (فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) الفاء عاطفة ولولا حرف تحضيض مؤكد للولا الأولى وإن شرطية وكنتم كان واسمها وغير مدينين خبر أي غير مجزيين بأن تبعثوا أي غير مبعوثين وترجعونها هو العامل في إذا فقدم الظرف على عامله المتعلق به الشرطان وهما إن كنتم غير مدينين وإن كنتم غير صادقين ومعنى تعلقهما به أنه جزاء لهما أي لكلّ منهم ففي الكلام قلب والمعنى هلّا ترجعونها إن نفيتم البعث صادقين في نفيه. وملخص الكلام: إن صدقتم في نفي البعث فردّوا روح المحتضر إلى جسده لينتفي عنه الموت فينتفي البعث.
الاستعارة المكنية في قوله «فإذا بلغت الحلقوم» كأنما الروح شيء مجسم يبلغ الحلقوم في حركة محسوسة.
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٨٨ الى ٩٦]
فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٨٨) فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (٨٩) وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (٩٠) فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (٩١) وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (٩٢)
فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (٩٣) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (٩٤) إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (٩٥) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٩٦)
اللغة:
(فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ) الروح بالفتح الراحة والرحمة ونسيم الريح والريحان الرحمة والرزق كما في المختار وفي القاموس: «والريحان نبت طيب الرائحة أو كل نبت كذلك أو أطرافه أو ورقه والولد والرزق».
(تَصْلِيَةُ) احتراق.
الإعراب:
(فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ) كلام مستأنف مسوق للشروع في بيان حال المتوفى بعد الممات إثر بيان حاله عند الوفاة، وأما حرف شرط
(فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ) الفاء رابطة لجواب أما وجواب إن محذوف لدلالة المذكور عليه، وحذف جواب إن شائع كثيرا، وروح مبتدأ خبره محذوف مقدّم عليه أي فله روح وما بعده عطف عليه (وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ) عطف على ما تقدم مساو له في إعرابه، وسلام مبتدأ لما فيه من معنى الدعاء ولك خبر سلام ومن أصحاب اليمين نعت أو حال (وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ) عطف على جملة فأما إن كان، والإعراب هو نفسه فجدّد به عهدا (فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ) الفاء رابطة لجواب أما ونزل مبتدأ حذف خبره المقدم ومن حميم نعت لنزل وتصلية جحيم عطف على نزل (إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ) إن واسمها واللام المزحلقة وهو ضمير فصل أو مبتدأ وحق اليقين خبر إن أو خبر هو والجملة الاسمية خبر إن وإضافة حق إلى اليقين من إضافة الموصوف إلى صفته (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) تقدم إعرابه ونعيده لإضافة بعض الفوائد عليه، فسبّح فعل أمر بمعنى نزّه ولفظ اسم زائد أي نزّه ربك العظيم ويجوز أن تكون الباء للحال أي فسبّح ملتبسا باسم ربك أو متبركا ويجوز أن تكون الباء للتعدية بناء على أن سبّح يتعدى تارة بنفسه وتارة أخرى بحرف الجر.
سورة الواقعة
سورة (الواقعة) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (طه)، وقد جاءت بتذكيرِ الناس بوقوع يوم القيامة؛ للدَّلالة على عظمة الله عز وجل، وترهيبًا لهم من مخالفة أوامره، ودعوةً لهم إلى اتباع الدِّين الحق وتركِ الباطل، وخُتمت السورة الكريمة بتعظيمِ القرآن، وصدقِ أخباره وما جاء به، وقد أُثر عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءتُه لها في صلاة الفجر.
ترتيبها المصحفي
56نوعها
مكيةألفاظها
380ترتيب نزولها
46العد المدني الأول
99العد المدني الأخير
99العد البصري
97العد الكوفي
96العد الشامي
99* قوله تعالى: {فَلَآ أُقْسِمُ بِمَوَٰقِعِ اْلنُّجُومِ ٧٥ وَإِنَّهُۥ لَقَسَمٞ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ٧٦ إِنَّهُۥ لَقُرْءَانٞ كَرِيمٞ ٧٧ فِي كِتَٰبٖ مَّكْنُونٖ ٧٨ لَّا يَمَسُّهُۥٓ إِلَّا اْلْمُطَهَّرُونَ ٧٩ تَنزِيلٞ مِّن رَّبِّ اْلْعَٰلَمِينَ ٨٠ أَفَبِهَٰذَا اْلْحَدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ ٨١ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة: 75-82]:
عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «مُطِرَ الناسُ على عهدِ النبيِّ ﷺ، فقال النبيُّ ﷺ: «أصبَحَ مِن الناسِ شاكرٌ، ومنهم كافرٌ، قالوا: هذه رحمةُ اللهِ، وقال بعضُهم: لقد صدَقَ نَوْءُ كذا وكذا»، قال: فنزَلتْ هذه الآيةُ: {فَلَآ أُقْسِمُ بِمَوَٰقِعِ اْلنُّجُومِ} [الواقعة: 75]، حتى بلَغَ: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة: 82]». أخرجه مسلم (٧٣).
* سورة (الواقعة):
سُمِّيت هذه السورة بـ(الواقعة)؛ لافتتاحِها بهذا اللفظ، ولتسميةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لها بذلك:
عن أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه، قال: «سألتُ رسولَ اللهِ ﷺ: ما شيَّبَكَ؟ قال: «سورةُ هودٍ، والواقعةِ، و{عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ}، و{إِذَا اْلشَّمْسُ كُوِّرَتْ}»». أخرجه الترمذي (٣٢٩٧).
و(الواقعةُ): اسمٌ من أسماءِ يوم القيامة.
* سورة (الواقعة) من السُّوَر التي شيَّبتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم:
عن أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه، قال: «سألتُ رسولَ اللهِ ﷺ: ما شيَّبَكَ؟ قال: «سورةُ هودٍ، والواقعةِ، و{عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ}، و{إِذَا اْلشَّمْسُ كُوِّرَتْ}»». أخرجه الترمذي (٣٢٩٧).
* أُثِر عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءتُه لسورة (الواقعة) في صلاة الفجر:
عن جابرِ بن سَمُرةَ رضي الله عنه، قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يُصلِّي الصَّلواتِ كنَحْوٍ مِن صلاتِكم التي تُصَلُّون اليومَ، ولكنَّه كان يُخفِّفُ، كانت صَلاتُه أخَفَّ مِن صَلاتِكم، وكان يَقرأُ في الفجرِ الواقعةَ، ونحوَها مِن السُّوَرِ». أخرجه أحمد (٢٠٩٩٥).
1. تحقيق القيامة (١-٥٦).
2. دلائلُ البعث والجزاء (٥٧-٧٤).
3. تعظيم القرآن، وصدقُ أخباره (٧٥-٩٦).
ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (7 /598).
مقصدُ سورة (الواقعة) هو التذكيرُ بوقوع يوم القيامة وهَوْلِه، ووصفُ ما يحدُثُ به؛ لتخويف الناس وترهيبهم من معصية الله عز وجل ومخالفة أمره، وفي ذلك دعوةٌ لهم للرجوع إلى الحق، والاستجابة لأمر الله.
ويُبيِّن ابن عاشور محورَها فيقول: «هو التذكيرُ بيوم القيامة، وتحقيق وقوعه.
ووصفُ ما يَعرِض لهذا العالَمِ الأرضي عند ساعة القيامة.
ثم صفة أهل الجنة وبعض نعيمهم.
وصفة أهل النار وما هم فيه من العذاب، وأن ذلك لتكذيبهم بالبعث.
وإثبات الحشر والجزاء.
والاستدلال على إمكان الخَلْق الثاني بما أبدعه الله من الموجودات بعد أن لم تكن.
والاستدلال بدلائل قدرة الله تعالى.
والاستدلال بنزعِ الله الأرواحَ من الأجساد والناس كارهون لا يستطيع أحدٌ مَنْعَها من الخروج، على أن الذي قدَرَ على نزعها بدون مُدافعٍ قادرٌ على إرجاعها متى أراد على أن يُمِيتَهم.
وتأكيد أن القرآن منزلٌ من عند الله، وأنه نعمةٌ أنعم الله بها عليهم فلم يشكروها، وكذَّبوا بما فيه». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (27 /280).