تفسير سورة الواقعة

تفسير ابن أبي زمنين

تفسير سورة سورة الواقعة من كتاب تفسير القرآن العزيز المعروف بـتفسير ابن أبي زمنين.
لمؤلفه ابن أبي زَمَنِين . المتوفي سنة 399 هـ
تفسير سورة الواقعة وهي مكية كلها.

قَوْله: ﴿إِذا وَقعت الْوَاقِعَة﴾ الْقِيَامَة
﴿لَيْسَ لوقعتها كَاذِبَة﴾ أَي: هِيَ كَاذِبَة.
قَالَ محمدٌ: الْمَعْنى: لَيْسَ لوقعتها وقْعَة كَاذِبَة.
﴿خافضة رَافِعَة﴾ خفضت وَالله أَقْوَامًا إِلَى النَّار، وَرفعت أَقْوَامًا إِلَى الْجنَّة
﴿إِذا رجت الأَرْض رجا﴾ زلزلت زلزالا
﴿وبست الْجبَال بسا﴾ فتت فتاة
﴿فَكَانَت هباء منبثا﴾ قَالَ الْحسن: يَعْنِي: غبارًا ذَا هباء
﴿وكنتم أَزْوَاجًا ثَلَاثَة﴾ أصنافا
﴿فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ﴾ وهم الميامين على أنفسهم
﴿وَأَصْحَابُ الْمَشْئَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْئَمَةِ﴾ وهم المشائيم على أنفسهم.
قَالَ محمدٌ: قَوْله: ﴿مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ﴾ هَذَا اللَّفْظ فِي الْعَرَبيَّة مجْرَاه مجْرى التَّعَجُّب، كَأَنَّهُ قَالَ: أَي شَيْء هُمْ؟ يُقَال فِي الْكَلَام: فلانٌ مَا فلانٌ، وَمَجْرَاهُ من اللَّه - عز وجلّ - فِي مُخَاطبَة الْعباد مَجْرى مَا يُعَظمُ بِهِ الشَّأْن عندهُمْ، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي قَوْله: ﴿مَا أَصْحَاب المشأمة﴾ أَي: أيّ شَيْء
336
هم؟! وَيَقُول: يَمَنَ فلَان على الْقَوْم ويَمُن وَهُوَ ميمونٌ، وشأم الْقَوْم وشُئمَ عَلَيْهِم فَهُوَ مشئوم.
تَفْسِير سُورَة الْوَاقِعَة من الْآيَة ١٠ إِلَى الْآيَة ٢٦.
337
﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ﴾ تَفْسِير الْحسن: السَّابِقُونَ أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأصحابُ الْأَنْبِيَاء
﴿ثلة من الْأَوَّلين﴾ والثلة: الطَّائِفَة
﴿وَقَلِيل من الآخرين﴾ يَعْنِي: أَن سابقي جَمِيع الْأُمَم أَكثر من سابقي أمة محمدٍ
﴿على سرر موضونة﴾ (ل ٣٥٠) مَرْمولة، ورَمَلها نسجها بالياقوت واللُّؤْلؤ
﴿متكئين عَلَيْهَا مُتَقَابلين﴾ لَا ينظر بعضُهم إِلَى قَفَا بعضٍ.
قَالَ يحيى: بَلغنِي أَن ذَلِك إِذا تزاوروا
﴿يطوف عَلَيْهِم ولدان مخلدون﴾ لَا يموتون وَلَا يشيبون على منَازِل الوُصَفاء، خُلِدوا على تِلْكَ الْحَال لَا يتحولون عَنْهَا
﴿لَا يصدعون عَنْهَا﴾ لَا يصيبهم عَلَيْهَا صُدَاعٌ ﴿وَلا ينزفون﴾ لَا تذْهب
337
عُقُولهمْ أَي: لَا يسكرون
338
﴿وَفَاكِهَة مِمَّا يتخيرون﴾ إِذا اشْتهوا الشعْبَ من الشَّجَرَة انقض إِلَيْهِم فَأَكَلُوا مِنْهُ أيَّ الثِّمَار شَاءُوا؛ إِن شَاءُوا قيَاما، وَإِن شَاءُوا مستلقين.
﴿وَلحم طير مِمَّا يشتهون﴾ قَالَ سَعِيد بْن رَاشد: بَلغنِي أَن الطير تُصَفُّ بَين يَدي الرجل؛ فَإِذا اشْتهى أَحدهَا اضْطربَ ثمَّ صَار بَين يَدَيْهِ نَضِيجًا
﴿وحور عين﴾ أَي: بيضٌ، عينٌ أَي: عِظَام الْعُيُون، الْوَاحِدَة مِنْهُنَّ عَيْنَاء.
وَقَالَ مُحَمَّد: ﴿وحور عين﴾ مَرْفوعٌ بِمَعْنى: ولهُمْ حورٌ عين.
﴿كأمثال اللُّؤْلُؤ الْمكنون﴾ يَعْنِي: صفاء ألوانهن، والمكنون الَّذِي فِي أصدافه
﴿جَزَاء بِمَا كَانُوا يعْملُونَ﴾.
قَالَ مُحَمَّد: ﴿جَزَاء﴾ مصدرٌ، الْمَعْنى: يجازون بأعمالهم جَزَاء.
﴿لَا يسمعُونَ فِيهَا لَغوا﴾ أَي: بَاطِلا ﴿وَلَا تأثيما﴾ لَا يؤثم بَعضهم بَعْضًا
﴿إِلَّا قيلا سَلاما سَلاما﴾ تَفْسِير بَعضهم: إِلَّا خيرا خيرا.
قَالَ مُحَمَّدٌ: الْمَعْنَى عَلَى هَذَا التَّفْسِير: لَا يسمعُونَ فِيهَا إِلَّا قيلًا يُسْلَمُ فِيهِ من اللَّغْو وَالْإِثْم.
تَفْسِير سُورَة الْوَاقِعَة من الْآيَة ٢٧ إِلَى الْآيَة ٤٠.
﴿وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ﴾ يَعْنِي: أهل الْجنَّة من غير السَّابِقين، وَأهل الْجنَّة كلهم أَصْحَاب الْيَمين
﴿فِي سدر مخضود﴾ المخضودُ: الَّذِي لَا شوك لَهُ
﴿وطلح منضود﴾ أَي: بعضه على بعضٍ يَعْنِي بالطلح: الشّجر الَّذِي بطرِيق مَكَّة. قَالَ مُجَاهِد: كَانُوا يعْجبُونَ من وَج وظلاله من طَلْحٍ وسِدْرٍ، فَخُوطِبُوا ووعدوا بِمَا يحبونَ مثله.
قَوْله: ﴿وظل مَمْدُود﴾ أَي: مُتَّصِل دَائِم أبدا
﴿وَمَاء مسكوب﴾ ينسكب بعضُه على بعض، وَلَيْسَ بالمطر
﴿وفرش مَرْفُوعَة﴾ قَالَ أَبُو أُمَامَة: ارتفاعها من الأَرْض قدر مائَة سنة
﴿إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إنْشَاء﴾ خلَقْناهُنّ؛ يَعْنِي: نسَاء أهل الْجنَّة
﴿فجعلناهن أَبْكَارًا﴾ عذارى
﴿عربا﴾ يَعْنِي: متحبِّبات إِلَى أَزوَاجهنَّ ﴿أَتْرَابًا﴾ أَي: على سنٍّ وَاحِدَة بَنَات ثَلَاث وَثَلَاثِينَ سنة.
قَالَ محمدٌ: ﴿عربا﴾ جمع عَرُوبٍ، وأصل الْكَلِمَة: المُعَارَبة؛ وَهِي المداعَبة وَقَالَ: ﴿إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إنْشَاء﴾ وَلم يذكر النِّسَاء قبل ذَلِك؛ لِأَن الْفرش مَحل النِّسَاء، فَاكْتفى بِذكر الفُرش، الْمَعْنى: أنشأنا الصبية والعجوز إنْشَاء جَدِيدا.
قَوْله: ﴿ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ من الآخرين﴾ الثلَّة: الطَّائِفَة.
تَفْسِير سُورَة الْوَاقِعَة من الْآيَة ٤١ إِلَى الْآيَة ٥٦.
﴿ وثلة من الآخرين( ٤٠ ) ﴾ الثلة : الطائفة.
﴿وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ﴾ وهم أهلُ النَّار.
يَحْيَى: عَنْ فِطْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ: " خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ فَكَانُوا قَبْضَتَهُ، فَقَالَ لِمَنْ فِي يَمِينِهِ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلامٍ. وَقَالَ لِمَنْ فِي يَدِهِ الأُخْرَى: ادْخُلُوا النَّارَ وَلا أُبَالِي. فَذَهَبَتْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ".
قَالَ يحيى: وَبَلغنِي أَنه قَوْله: ﴿وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمين﴾ ﴿وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ﴾.
قَوْله: ﴿فِي سموم وحميم﴾ فِي نَار وحميم؛ يَعْنِي: الشَّرَاب الشَّديد الْحر
﴿وظل من يحموم﴾ اليحموم: الدُّخان الشَّديد السوَاد
﴿لَا بَارِدٍ﴾ فِي الظِّلِ ﴿وَلا كريم﴾ فِي الْمنزل، والكريم: الْحسن
﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ﴾ والمترفون أهل السَّعَة وَالنعْمَة فِي الدُّنْيَا
﴿وَكَانُوا يصرون﴾ يُقِيمُونَ ﴿على الْحِنْث﴾ يَعْنِي: الذَّنب ﴿الْعَظِيم﴾ وَهُوَ الشّرك
﴿وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا﴾ الْآيَة لَا نبعث نَحن وَلَا آبَاؤُنَا
﴿فشاربون شرب الهيم﴾ يَعْنِي: الْإِبِل العطاش؛ فِي تَفْسِير الْكَلْبِيّ.
قَالَ محمدٌ: بعيرٌ أهْيَمُ وناقة هيماء.
﴿هَذَا نزلهم يَوْم الدّين﴾ يَوْم الْحساب.
قَالَ محمدٌ: نزلهم أَي: رزقهم وطعامهم.
تَفْسِير سُورَة الْوَاقِعَة من الْآيَة ٥٧ إِلَى الْآيَة ٦٢.
﴿نَحن خَلَقْنَاكُمْ﴾ يَقُوله للْمُشْرِكين ﴿فلولا﴾ فَهَلا ﴿تصدقُونَ﴾ بِالْبَعْثِ
﴿أَفَرَأَيْتُم مَا تمنون﴾ يَعْنِي: النُّطْفَة
﴿أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ﴾ على الِاسْتِفْهَام أَي: لَسْتُم الَّذين تخلقونه (ل ٣٥١)
﴿نَحن قَدرنَا بَيْنكُم الْمَوْت﴾ لكل عبد وَقت لَا يعدوه ﴿وَمَا نَحن بمسبوقين﴾ بمغلوبين
﴿على أَن نبدل أمثالكم﴾ آدميين خيرا مِنْكُم يَقُوله للْمُشْرِكين ﴿وننشئكم﴾ نخلقكم (فِيمَا لاَ
341
تَعْلَمُونَ} قَالَ مُجَاهِد: يَعْنِي فِي أَي خلق شِئْنَا
342
﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأُولَى﴾ خلق آدم وَذريته بعده ﴿فَلَوْلاَ﴾ فَهَلا ﴿تَذكَّرُونَ﴾ فتؤمنوا بِالْبَعْثِ.
تَفْسِير سُورَة الْوَاقِعَة من الْآيَة ٦٣ إِلَى الْآيَة ٧٤.
342
﴿ ولقد علمتم النشأة الأولى ﴾ خلق آدم وذريته بعده ﴿ فلولا ﴾ فهلا ﴿ تذكرون( ٦٢ ) ﴾ فتؤمنوا بالبعث.
﴿أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ﴾ أَي تنبتونه يَقُوله لَهُم على الِاسْتِفْهَام ﴿أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ﴾ أَي: لَسْتُم الَّذين تزرعونه، وَلَكِن نَحن الزارعون المنبتون
﴿لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ﴾ يَعْنِي: الزَّرْع ﴿حُطَامًا فَظَلَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ﴾ تَفْسِير بَعضهم: تعْجبُونَ، الْمَعْنى: يعْجبُونَ لهلاكه بعد خضرته
﴿إِنَّا لَمُغْرَمُونَ﴾ أَي: مهلكون
﴿بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ﴾ حرمنا الزَّرْع.
﴿أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ﴾ من السَّحَاب.
قَالَ محمدٌ: وَاحِدهَا مزنة.
﴿لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا﴾ ﴿مرا﴾ (فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ} هلا تؤمنون؛ يَقُوله للْمُشْرِكين
﴿أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ﴾ أَي: تستخرجون من الزنود
﴿أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا﴾ الَّتِي تخرج مِنْهَا ﴿أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ﴾.
342
قَالَ محمدٌ: تَقول: أوْرَيْتُ النَّار إيراءً، ولغة أُخْرَى: وَرَيْتُها وَرْيًا إِذا قَدَحْتَها، وَوَرَتْ هِيَ إِذا ظهرتْ، وَمن كَلَامهم: وَرِيَتْ بك زنادي.
343
﴿نَحن جعلناها تذكرة﴾ للنار الْكُبْرَى ﴿ومتاعا للمقوين﴾ للمسافرين يَنْتَفِعُونَ بهَا؛ فِي تَفْسِير الْحسن.
قَالَ محمدٌ: المقوي: الَّذِي ينزل بالقَوَاء، وَهِي الأَرْض القفر.
﴿فسبح باسم رَبك الْعَظِيم﴾ يَقُوله لنَبيه، فنزِّه اللَّهَ مِمَّا يَقُولُونَ.
قَالَ يحيى: وَبَلغنِي أَنَّهَا لما نزلت قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " اجْعَلُوهَا فِي ركوعكم. وَلما نزلت: ﴿سَبِّحِ اسْم رَبك الْأَعْلَى﴾ قَالَ: اجْعَلُوهَا فِي سُجُودكُمْ ".
تَفْسِير سُورَة الْوَاقِعَة من الْآيَة ٧٥ إِلَى الْآيَة ٨٢.
قَوْله: ﴿فَلَا أقسم﴾ أَي: أقسم، و (لَا) زَائِدَة ﴿بمواقع النُّجُوم﴾ نُجُوم الْقُرْآن إِذْ نزل جِبْرِيل على النَّبِي
﴿إِنَّه لقرآن كريم﴾ على الله
﴿فِي كتاب مَكْنُون﴾ عِنْد الله
﴿لَا يمسهُ إِلَّا الْمُطهرُونَ﴾ من الذُّنُوب؛ يَعْنِي: الْمَلَائِكَة
﴿تَنْزِيل من رب الْعَالمين﴾ نزل بِهِ جِبْرِيل، وفيهَا تقديمٌ يَقُول: تَنْزِيل من رب الْعَالمين فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطهرُونَ.
﴿أفبهذا الحَدِيث﴾ يَعْنِي: الْقُرْآن ﴿أَنْتُم مدهنون﴾ أَي: تاركون لَهُ، يَقُوله للْمُشْرِكين.
قَالَ محمدٌ: يُقَال: أدهن فِي أمره وداهن؛ وَهُوَ الْكذَّاب الْمُنَافِق.
﴿وتجعلون رزقكم أَنكُمْ تكذبون﴾ أَي: تَجْعَلُونَ مَكَان الرزق التَّكْذِيب.
قَالَ مُحَمَّد: جَاءَ عَنِ ابْن عَبَّاس " أَنه كَانَ يقْرَأ: وتجعلون شكركم أَنكُمْ تكذبون ". وَقيل: إِن لُغَة أَزْد شنُوءَة مَا رزق فلَان أَي: مَا شكر فلَان.
تَفْسِير سُورَة الْوَاقِعَة من الْآيَة ٨٣ إِلَى الْآيَة ٩٦.
﴿فلولا﴾ فَهَلا ﴿إِذا بلغت﴾ النَّفس الَّتِي زعمتم أَن اللَّه لَا يبعثها ﴿الْحُلْقُومَ﴾
﴿فلولا﴾ فَهَلا ﴿إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ﴾ غير محاسبين
﴿ترجعونها إِن كُنْتُم صَادِقين﴾ بأنكم لَا تبعثون
﴿فَروح وَرَيْحَان﴾ تقْرَأ: (رَوْحٌ) بِفَتْح الرَّاء وَضمّهَا، فَمن قَرَأَهَا بِالْفَتْح فمعناها: الرَّاحَة، وَمن قَرَأَهَا بِالرَّفْع فمعناها: الْحَيَاة الطَّوِيلَة فِي الْجنَّة. وَالريحَان: الرزق.
قوله :﴿ وأما إن كان من أصحاب اليمين( ٩٠ ) ﴾ تفسيرها في الآية : ٩١.
قَوْله: ﴿فسلام لَك﴾ أَي: خيرٌ لَك ﴿مِنْ أَصْحَابِ الْيَمين﴾ وَهَؤُلَاء أَصْحَاب الْيَمين من غير المقربين.
﴿وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالّين﴾ الْآيَة.
يَحْيَى: عَنْ صَاحِبٍ لَهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَن الْمَيِّتَ تَحْضُرُهُ الْمَلائِكَةُ؛ فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ قَالُوا: اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ، اخْرُجِي حَمِيدَةً وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَانَ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ. فَيُقَالُ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى تَخْرُجَ، فَيُصْعَدُ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ فَيُسْتَفْتَحُ لَهَا؛ فَيُقَالُ: مَنْ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: فُلانٌ. فَيُقَالُ: مَرْحَبًا بِالنَّفْسِ الطَّيِّبَةِ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطِّيِّبِ، ادْخُلِي حَمِيدَةً، وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَانَ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَان، فيقل لَهَا ذَلِكَ حَتَّى تَنْتَهِي إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي فِيهَا اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ السَّوْءُ قَالُوا: اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الْخَبِيثِ، اخْرُجِي ذَمِيمَةً وَأَبْشِرِي بِحَمِيمٍ
345
وَغَسَّاقٌ، وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ، فَيَقُولُونَ ذَلِكَ لَهُ حَتَّى تَخْرُجَ، ثُمَّ يُعْرَجَ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ فَيُسْتَفْتَحُ لَهَا، فَيُقَالُ: مَنْ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: فُلانُ. فَيُقَالُ: لَا مَرْحَبًا بِالنَّفْسِ الْخَبِيثَةِ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الْخَبِيثِ، ارْجِعِي ذَمِيمَةً، فَإِنَّهُ لَنْ يُفْتَحَ لَكِ! فَتُرْمَى مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ، ثُمَّ تَصِيرُ فِي الْقَبْرِ ".
يَحْيَى: عُنْ حَمَّادٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَن (ل ٣٥٢) بْنِ أَبِي عَنْ يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ
346
أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ ".
347
قَوْله: ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِين﴾ هَذَا الَّذِي قَصَصنَا عَلَيْك فِي هَذِه السُّورَة ليقين حق
﴿فسبح باسم رَبك الْعَظِيم﴾ أَي: نزِّه اللَّه من السوء.
347
تَفْسِير سُورَة الْحَدِيد وَهِي مَدَنِيَّة كلهَا

بِسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

تَفْسِير سُورَة الْحَدِيد من الْآيَة ١ إِلَى آيَة ٦.
348
سورة الواقعة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الواقعة) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (طه)، وقد جاءت بتذكيرِ الناس بوقوع يوم القيامة؛ للدَّلالة على عظمة الله عز وجل، وترهيبًا لهم من مخالفة أوامره، ودعوةً لهم إلى اتباع الدِّين الحق وتركِ الباطل، وخُتمت السورة الكريمة بتعظيمِ القرآن، وصدقِ أخباره وما جاء به، وقد أُثر عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءتُه لها في صلاة الفجر.

ترتيبها المصحفي
56
نوعها
مكية
ألفاظها
380
ترتيب نزولها
46
العد المدني الأول
99
العد المدني الأخير
99
العد البصري
97
العد الكوفي
96
العد الشامي
99

* قوله تعالى: {فَلَآ أُقْسِمُ بِمَوَٰقِعِ اْلنُّجُومِ ٧٥ وَإِنَّهُۥ لَقَسَمٞ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ٧٦ إِنَّهُۥ لَقُرْءَانٞ كَرِيمٞ ٧٧ فِي كِتَٰبٖ مَّكْنُونٖ ٧٨ لَّا يَمَسُّهُۥٓ إِلَّا اْلْمُطَهَّرُونَ ٧٩ تَنزِيلٞ مِّن رَّبِّ اْلْعَٰلَمِينَ ٨٠ أَفَبِهَٰذَا اْلْحَدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ ٨١ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة: 75-82]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «مُطِرَ الناسُ على عهدِ النبيِّ ﷺ، فقال النبيُّ ﷺ: «أصبَحَ مِن الناسِ شاكرٌ، ومنهم كافرٌ، قالوا: هذه رحمةُ اللهِ، وقال بعضُهم: لقد صدَقَ نَوْءُ كذا وكذا»، قال: فنزَلتْ هذه الآيةُ: {فَلَآ أُقْسِمُ بِمَوَٰقِعِ اْلنُّجُومِ} [الواقعة: 75]، حتى بلَغَ: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة: 82]». أخرجه مسلم (٧٣).

* سورة (الواقعة):

سُمِّيت هذه السورة بـ(الواقعة)؛ لافتتاحِها بهذا اللفظ، ولتسميةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لها بذلك:

عن أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه، قال: «سألتُ رسولَ اللهِ ﷺ: ما شيَّبَكَ؟ قال: «سورةُ هودٍ، والواقعةِ، و{عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ}، و{إِذَا اْلشَّمْسُ كُوِّرَتْ}»». أخرجه الترمذي (٣٢٩٧).

و(الواقعةُ): اسمٌ من أسماءِ يوم القيامة.

* سورة (الواقعة) من السُّوَر التي شيَّبتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم:

عن أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه، قال: «سألتُ رسولَ اللهِ ﷺ: ما شيَّبَكَ؟ قال: «سورةُ هودٍ، والواقعةِ، و{عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ}، و{إِذَا اْلشَّمْسُ كُوِّرَتْ}»». أخرجه الترمذي (٣٢٩٧).

* أُثِر عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءتُه لسورة (الواقعة) في صلاة الفجر:

عن جابرِ بن سَمُرةَ رضي الله عنه، قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يُصلِّي الصَّلواتِ كنَحْوٍ مِن صلاتِكم التي تُصَلُّون اليومَ، ولكنَّه كان يُخفِّفُ، كانت صَلاتُه أخَفَّ مِن صَلاتِكم، وكان يَقرأُ في الفجرِ الواقعةَ، ونحوَها مِن السُّوَرِ». أخرجه أحمد (٢٠٩٩٥).

1. تحقيق القيامة (١-٥٦).

2. دلائلُ البعث والجزاء (٥٧-٧٤).

3. تعظيم القرآن، وصدقُ أخباره (٧٥-٩٦).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (7 /598).

مقصدُ سورة (الواقعة) هو التذكيرُ بوقوع يوم القيامة وهَوْلِه، ووصفُ ما يحدُثُ به؛ لتخويف الناس وترهيبهم من معصية الله عز وجل ومخالفة أمره، وفي ذلك دعوةٌ لهم للرجوع إلى الحق، والاستجابة لأمر الله.

ويُبيِّن ابن عاشور محورَها فيقول: «هو التذكيرُ بيوم القيامة، وتحقيق وقوعه.

ووصفُ ما يَعرِض لهذا العالَمِ الأرضي عند ساعة القيامة.

ثم صفة أهل الجنة وبعض نعيمهم.

وصفة أهل النار وما هم فيه من العذاب، وأن ذلك لتكذيبهم بالبعث.

وإثبات الحشر والجزاء.

والاستدلال على إمكان الخَلْق الثاني بما أبدعه الله من الموجودات بعد أن لم تكن.

والاستدلال بدلائل قدرة الله تعالى.

والاستدلال بنزعِ الله الأرواحَ من الأجساد والناس كارهون لا يستطيع أحدٌ مَنْعَها من الخروج، على أن الذي قدَرَ على نزعها بدون مُدافعٍ قادرٌ على إرجاعها متى أراد على أن يُمِيتَهم.

وتأكيد أن القرآن منزلٌ من عند الله، وأنه نعمةٌ أنعم الله بها عليهم فلم يشكروها، وكذَّبوا بما فيه». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (27 /280).