ﰡ
مكية، وهي سبع وتسعون آية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (١) أي: القيامة. عبّر عنها بالواقعة، دلالة على تحقق وقوعها لا محالة كقولك: حدثت الحادثة. و " إذا " ظرف لليس، أو نصب بـ " اذكر "، أو لمقدر أي: إذا وقعت يكون كيت وكيت وهذا أجزل.(لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (٢) نفس تكذِّب في الإخبار عن عدم وقوعها كاليوم كقوله: (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ)، أو من كذبته نفسه عند الخطب إذا شجعته على أمر لا طاقة له به. كأنه قال: هذا الخطب ليس من الخطوب التي تقدر نفس على الكذب مع صاحبها في احتماله. وعلى الوجهين اللام للوقت. مثلها في (قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي)، أو هو
(خَافِضَةٌ... (٣) لأقوام (رَافِعَةٌ) لِأُخَرَ. لقوم ويل ولقوم نيل.
(إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (٤) حركت تحريكاً عنيفاً كقوله: (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ).
(وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (٥) سيرت. وفي الحديث: " إذا فُتحت العراقُ يأتي قوم يبسون بأهليهمْ "، أو فتتتْ، لقوله: (فَكَانَتْ هَبَاءً... (٦) غباراً (مُنْبَثًّا) منتشراً.
(وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا... (٧) أصنافاً (ثَلَاثَةً).
(فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (٨) أي: أصحاب الجنة هل تدري ما صفتهم، وما هم فيه؟. أقام المظهر مقام المضمر؛ لما فيه من الفخامة. والميمنة: الجهة التي تسامن أقوى الجانين، من اليمن وهو البركة. والعرب تتايمن باليمين، وتتشاءم بالشمال ويسمونها الشُّؤْمى، أو لأن أهل السعادة يؤخذ بهم ذات اليمن، وأهل الشقاوة ذات الشمال.
(وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) مبتدأ وخبر أي: السابقون إلى الإيمان هم الذين بلغك خبرهم في علوّ الرتية ورفعة الشأن كقوله: " أنا أبو النجم وشعري شعري. وتخصيصهم بالأنبياء مما لا وجه له.
(أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (١١) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (١٢) أي: للوصوفوف بالسبق هم الذين قربت درجاتهم من اللَّه، وأعلت منازلهم في الجنة. استئناف لبيان ذلك الإبهام.
(ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣) جماعة كثيرون، من الثَّل وهو الصب والهدم. خبر محذوف أي: هم.
(وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (١٤) وفي تفسير الأولين وجهان. قيل: السابقون على هذه الأمة من لدن آدم إلى محمد عليه السلام فالسابقون من أولئك أكثر من سابقي هذه الأمة.
(عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (١٥) منسوجة بالدر والياقوت داخلاً بعضها في بعض كحلق الدرع، وقيل. متدانية، أدنى بعضها من بعض.
(مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (١٦) حالان من الضمير في (عَلَى سُرُرٍ).
(بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ... (١٨) متعلق بـ يطوف، والكوب: ما ليس له عروة ولا خرطوم، والإبريق عكس ذلك، وهذا التنوع على طريقة أهل الشرب في الدنيا. (وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ) هو القدح الذي يشرب به، والمعين: الجاري أي: ليس مثل خمر الدنيا توخمت من مجاورة الدِّنِّ.
(لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا... (١٩) لا يحصل لهم بشربها صداع (وَلَا يُنْزِفُونَ) يسكرون يقال: أنزف سَكِرَ. قال:
لَعَمْري لَئِنْ أَنْزَفْتُمُ أو صَحَوْتُمُ | لبِئْسَ النَّدامى أنتمُ آلَ أَبْجرا |
(وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (٢٠) يرتضون (وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢١) يستلذون.
(وَحُورٌ عِينٌ (٢٢) بيض نجل العيون. عطف على ولدان معنىً. أي: لهم ولدان وعندهم حور، أو على فاعل متكئين؛ لوجود الفاصل كقوله (مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا). وقرأ حمزة والكسائي بالجر عطفاً على جنات أي: في جنات ومعاشرة حور عين،
(كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (٢٣) في الصدف في الصفاء والطراوة، أو المخزون لشرفه وبهائه.
(جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤) مفعول له. أي: هذا الذي أتحفناهم به جزاء أعمالهم.
(لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا... (٢٥) كلاماً باطلا، (وَلَا تَأْثِيمًا) ولا شيئاً لو كان في الدنيا أوجب إثماً كما يقع من أَهل السُّكْر في مجالسهم.
(إِلَّا قِيلًا... (٢٦) قولا (سَلَامًا) سالماً عن ذلك (سَلَامًا) بدل منه، أو إلا سلاماً إثر سلام. (تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ).
(وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (٢٧) أي: لهم شَأن وأي شأن، ثم شرع يفصله.
(وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (٢٩) نُضِدَ بالثمر من أسفله إلى أعلاه وهو شجر الموز أو أمُّ غيلان، وقيل: شجر في البادية. والظاهر أنه إنما خُصَّا بالذكر؛ لكثرتهما في أرض العرب وليس لهما ثمر فاخر. فأشار إلى أنهما في الجنة ليسا على ما كانا عليه، وقيل؛ إنما ذكر المعنى، التظليل دون الثمر وليس بوجه؛ لذكر الظل بعده، ولكون الوصف بالخضد والنضد غير ملائم، وقيل. هذا كلام مع أهل الوبر وأم غيلان: له رائحة طيبة، وله شوك، فأشار إلى أن ما في الجنة لا شوك له مع كونه موقراً بالثمر.
(وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (٣٠) لا فُرَج فيه ولا يتقلص، كما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس. (وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (٣١) على الدوام كيف شاءوا (وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (٣٢) الأنواع (لَا مَقْطُوعَةٍ... (٣٣) في وقت كفاكهة الدنيا (وَلَا مَمْنُوعَةٍ) من الوصول إليها.
(إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (٣٥) أي: خلقناهن خلقاً جديداً، إما ابتداء وهن الحور أو نساء الدنيا. والضمير للفرش إن كان كناية عن النساء، أو لما دل عليه ذكر الفُرُش وإن لم يسبق له ذكر. وعن أم سلمة رضي اللَّه عنها سألت رسول اللَّه - ﷺ - عن قوله: (إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ) قال: هُنَّ اللَّاتِي كُنَّ في الدّنْيَا شُمْطًا رُمْصًا، عَجَائِزَ.
(فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (٣٦) عُرُبًا... (٣٧) جمع عَرُوب. متحببات إلى أزواجهن. قرأ أبو بكر بسكون الراء مخففاً. (أَتْرَابًا) لدات، هن والأزواج [في سن واحد وثلاثين] (١) وطول آدم ستين ذراعاً في عرض سبعة أذرع.
(ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (٣٩) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (٤٠) خبر مبتدأ محذوف.
(وَأَصْحَابُ الشِمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِمَالِ (٤١) في سوء الحال.
(فِي سَمُومٍ... (٤٢) في نار تتقد في المسام. (وَحَمِيمٍ) وماء تناهت في الحرارة. (وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (٤٣) دخان أسود، من الحمة وهي السواد.
(لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (٤٤) ليس فيه برد وروح كسائر الظلال. أثبت لهم الظل، ثم نفى برده ورَوْحه؛ تهكمًا وتعريضاً بأن ذلك إنما يستحقه أضدادهم.
(إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ (٤٥) متنعمين، أذهبوا طيباتهم في الحياة الدنيا. من أترفته النعمة: أطغته.
(وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (٤٦) الكفر باللَّه
(وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٤٧) منكرين ذلك مكذبين للرسل، نافين لقدرة المقتدر.
(قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (٤٩) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (٥٠) الميقات: ما يوقت به الشيء، ومنه ميقات الإحرام أي: إلى وقت معين من يوم معلوم. الإضافة بمعنى " من ".
(ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (٥١) المكذبون بالبعث. قدم الضلالة؛ لأنها منشأ الكذب.
(لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (٥٢) " من " الأولى لابتداء الغاية، والثانية بيان.
(فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٥٣) لغلبة الجوع.
(فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (٥٤) الماء المتناهي في الحرارة. وتأنيث الضمير أولاً ثم تذكيره ثانياً باعتبار اللفظ والمعنى، وحمل التذكير على الأكل يفك الضمائر.
(فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (٥٥) جمع هيماء: وهي التي لا تروى من العطش لداء بها.
قال ذو الرمة.
فأصبَحْتُ كالهَيْماءِ لا الماءُ مُبْرِدٌ صَداها | ولا يَقْضي عليها هُيامُها |