تفسير سورة الواقعة

تفسير ابن عباس

تفسير سورة سورة الواقعة من كتاب تنوير المقباس من تفسير ابن عباس المعروف بـتفسير ابن عباس.
لمؤلفه الفيروزآبادي . المتوفي سنة 817 هـ

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله جلّ ذكره ﴿إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَة﴾ يَقُول إِذا قَامَت الْقِيَامَة
﴿لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا﴾ لقيامها ﴿كَاذِبَةٌ﴾ راد وَلَا خلف وَلَا مثنوية
﴿خافضة﴾ تخْفض قوما بأعمالهم فتدخلهم النَّار ﴿رَّافِعَةٌ﴾ ترفع قوما بأعمالهم فتدخلهم الْجنَّة وَيُقَال إِنَّمَا سميت الْوَاقِعَة لشدَّة صَوتهَا يسمع الْقَرِيب والبعيد
﴿إِذَا رُجَّتِ الأَرْض رَجّاً﴾ إِذا زلزلت الأَرْض زَلْزَلَة حَتَّى يطمس كل بُنيان وجبل عَلَيْهَا فَيَعُود فِيهَا
﴿وَبُسَّتِ الْجبَال بَسّاً﴾ سيرت الْجبَال عَن وَجه الأَرْض كسير السَّحَاب وَيُقَال قلعت قلعاً وَيُقَال جثت جثا وَيُقَال فتت فتاً كَمَا يبس السويق أَو علف الْبَعِير
﴿فَكَانَتْ﴾ صَارَت ﴿هَبَآءً﴾ غباراً كالغبار الَّذِي يسطع من حوافر الدَّوَابّ أَو كشعاع الشَّمْس يدْخل فِي كوَّة تكون فِي الْبَيْت أَو خرق يكون فِي الْبَاب ﴿مُّنبَثّاً﴾ يحور بعضه فِي بعض
﴿وَكُنتُمْ﴾ صرتم يَوْم الْقِيَامَة ﴿أَزْوَاجاً﴾ أصنافاً ﴿ثَلاَثَةً﴾
﴿فَأَصْحَابُ الميمنة﴾ وهم أهل الْجنَّة الَّذين يُعْطون كِتَابهمْ بيمينهم وهم الَّذين قَالَ الله لَهُم هَؤُلَاءِ فِي الْجنَّة وَلَا أُبَالِي ﴿مَآ أَصْحَابُ الميمنة﴾ يعجب نبيه بذلك يَقُول وَمَا يدْريك يَا مُحَمَّد مَا لأهل الْجنَّة من النَّعيم وَالسُّرُور والكرامة
﴿وَأَصْحَابُ المشأمة﴾ وهم أهل النَّار الَّذين يُعْطون كِتَابهمْ بشمالهم وهم الَّذين قَالَ الله لَهُم هَؤُلَاءِ فِي النَّار وَلَا أُبَالِي ﴿مَآ أَصْحَابُ المشأمة﴾ يعجب نبيه بذلك وَيَقُول وَمَا يدْريك يَا مُحَمَّد مَا لأهل النَّار فِي النَّار من الهوان والعقوبة وَالْعَذَاب
﴿وَالسَّابِقُونَ﴾ فِي الدُّنْيَا إِلَى الْإِيمَان وَالْهجْرَة وَالْجهَاد وَالتَّكْبِيرَة الأولى والخيرات كلهَا هم ﴿السَّابِقُونَ﴾ فِي الْآخِرَة إِلَى الْجنَّة
﴿أُولَئِكَ المقربون﴾ إِلَى الله
﴿فِي جَنَّاتِ النَّعيم﴾ نعيمها دَائِم
﴿ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلين﴾ جمَاعَة من أَوَائِل الْأُمَم كلهَا قبل أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
﴿وَقَلِيلٌ مِّنَ الآخرين﴾ من أَوَاخِر الْأُمَم كلهَا وهى أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيَقُول كلتاهما أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا نزلت هَذِه الْآيَة اغتم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه بذلك حَتَّى نزل قَوْله تَعَالَى ثلة من الْأَوَّلين وثلة من الآخرين
﴿على سُرُرٍ﴾ جالسين على سرر ﴿مَّوْضُونَةٍ﴾ مَوْصُولَة بقضبان الذَّهَب وَالْفِضَّة منسوجة بالدر والياقوت
﴿مُّتَّكِئِينَ﴾ ناعمين ﴿عَلَيْهَا﴾ على السرر ﴿مُتَقَابِلِينَ﴾ فِي الزِّيَارَة
﴿يَطُوفُ عَلَيْهِمْ﴾ فِي الْخدمَة ﴿وِلْدَانٌ﴾ وصفاء وَيُقَال هم أَوْلَاد الْكفَّار جعلُوا خدماً لأهل الْجنَّة ﴿مُّخَلَّدُونَ﴾ خلدوا لَا يموتون فِيهَا وَلَا يخرجُون مِنْهَا وَيُقَال يحلونَ فِي الْجنَّة يطوف عَلَيْهِم
﴿بِأَكْوَابٍ﴾ بكيزان لَا آذان لَهَا وَلَا عراً ﴿وأباريق﴾ مَالهَا آذان وعراً وخراطيم ﴿وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ﴾ خمر طَاهِر تجرى
﴿لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا﴾ يَقُول لَا يصدع رؤوسهم من شربهَا وَيُقَال لَا يصدع الْخمر رؤوسهم كخمر الدُّنْيَا وَيُقَال لَا يمْنَعُونَ عَنْهَا ﴿وَلاَ يُنزِفُونَ﴾ لَا يسكرون بشربها وَيُقَال لَا تسكرهم الْخمر وَيُقَال لَا ينْفد شرابهم إِن قَرَأت بخفض الزاى
﴿وَفَاكِهَةٍ﴾ وألوان الْفَاكِهَة ﴿مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ﴾ مِمَّا يشتهون
﴿وَلَحْمِ طَيْرٍ﴾ وألوان لحم طير ﴿مِّمَّا يَشْتَهُونَ﴾ مِمَّا يتمنون
﴿وَحُورٌ﴾ وَيَطوف عَلَيْهِم جوَار بيض ﴿عِينٌ﴾ عِظَام الْأَعْين حسان الْوُجُوه
﴿كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤ الْمكنون﴾ قد كن من الْحر وَالْبرد
﴿جَزَآءً﴾ هُوَ ثَوَاب لأهل الْجنَّة ﴿بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ وَيَقُولُونَ من الْخيرَات فِي الدُّنْيَا
﴿لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا﴾ فِي الْجنَّة ﴿لَغْواً﴾ بَاطِلا وَلَا حلفا كَاذِبًا ﴿وَلاَ تَأْثِيماً﴾ لَا شتماً وَيُقَال لَا إِثْم عَلَيْهِم فِيهِ
﴿إِلَّا قَلِيلا﴾ قولا ﴿سَلاَماً سَلاَماً﴾ يحيي بَعضهم بَعْضًا بِالسَّلَامِ والتحية من الله
﴿وَأَصْحَابُ الْيَمين﴾ أهل الْجنَّة ﴿مَآ أَصْحَابُ الْيَمين﴾ مَا يدْريك يَا مُحَمَّد مَا لأهل الْجنَّة من النعم وَالسُّرُور
﴿فِي سِدْرٍ﴾ فِي ظلال سمر ثمَّ بَين ذَلِك فَقَالَ ﴿مَّخْضُودٍ﴾ موقر بِلَا شوك
﴿وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ﴾ موز مُجْتَمع وَيُقَال دَائِم لَا يَنْقَطِع
﴿وَظِلٍّ﴾ ظلّ الشّجر وَيُقَال ظلّ الْعَرْش ﴿مَّمْدُودٍ﴾ دَائِم عَلَيْهِ بِلَا شمس
﴿وَمَآءٍ مَّسْكُوبٍ﴾ مصبوب من سَاق الْعَرْش
﴿وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ﴾ ألوان الْفَاكِهَة الْكَثِيرَة
﴿لاَّ مَقْطُوعَةٍ﴾ لَا تَنْقَطِع عَنْهُم فِي حِين وتجيء فِي حِين ﴿وَلاَ مَمْنُوعَةٍ﴾ عَنْهُم إِذا نظرُوا إِلَيْهَا
﴿وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ﴾ فِي الْهَوَاء لأَهْلهَا
﴿إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ﴾ خلقنَا نسَاء أهل الدُّنْيَا ﴿إِنشَآءً﴾ خلقا بعد الْعَجز والعمش وَالْمَرَض وَالْمَوْت
﴿فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً﴾ عذارى
﴿عُرُباً﴾ شكلات غنجات عاشقات مُتَحَببَات إِلَى أَزوَاجهنَّ ﴿أَتْرَاباً﴾ مستويات فِي السن والميلاد على مِقْدَار ثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ سنة
﴿لأَصْحَاب الْيَمين﴾ لأهل الْجنَّة وَكلهمْ أهل الْجنَّة
﴿ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلين﴾ جمَاعَة من أَوَائِل الْأُمَم كلهَا قبل أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
﴿وَثُلَّةٌ مِّنَ الآخرين﴾ جمَاعَة من أَوَاخِر الْأُمَم كلهَا وهى أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيُقَال كلتا الثلتين من أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
﴿وَأَصْحَابُ الشمَال﴾ أهل النَّار ﴿مَآ أَصْحَابُ الشمَال﴾ مَا يدْريك يَا مُحَمَّد مَا لأهل النَّار من الهوان وَالْعَذَاب
﴿فِي سَمُومٍ﴾ فِي لَهب النَّار وَيُقَال لفيح النَّار وَيُقَال فِي ريح بَارِدَة وَيُقَال حارة ﴿وَحَمِيمٍ﴾ مَاء حَار
﴿وَظِلٍّ﴾ عَلَيْهِم ﴿مِّن يَحْمُومٍ﴾ من دُخان جَهَنَّم أسود
﴿لاَّ بَارِدٍ﴾ مقيلهم ﴿وَلاَ كَرِيمٍ﴾ حسن وَيُقَال لَا بَارِد شرابهم وَلَا كريم عَذَاب
﴿إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ﴾ فِي الدُّنْيَا ﴿مُتْرَفِينَ﴾ مسرفين وَيُقَال متنعمين وَيُقَال متحيرين
﴿وَكَانُواْ يُصِرُّونَ﴾ فِي الدُّنْيَا يُقِيمُونَ ويمكثون ﴿عَلَى الْحِنْث الْعَظِيم﴾ على الذَّنب الْعَظِيم يَعْنِي الشّرك بِاللَّه وَيُقَال الْيَمين الْغمُوس
﴿وَكَانُواْ يِقُولُونَ﴾ إِذا كَانُوا فِي الدُّنْيَا ﴿أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا﴾ صرنا ﴿تُرَاباً﴾ رميماً ﴿وَعِظَاماً﴾ بالية ﴿أئنا لَمَبْعُوثُونَ﴾ لمحيون فَقَالَ لَهُم الْأَنْبِيَاء نعم فَقَالُوا للأنبياء
﴿أَوَ آبَآؤُنَا الْأَولونَ﴾ قبلنَا
﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة ﴿إِنَّ الْأَوَّلين والآخرين﴾
﴿لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ﴾ ميعاد ﴿يَوْمٍ مَّعْلُومٍ﴾ مَعْرُوف يجْتَمع فِيهِ الْأَولونَ وَالْآخرُونَ وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة
﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضآلون﴾ عَن الْإِيمَان وَالْهدى ﴿المكذبون﴾ بِاللَّه وَالرَّسُول وَالْكتاب يَعْنِي أَبَا جهل وَأَصْحَابه
﴿لأَكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ﴾ من شجر الزقوم
﴿فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُون﴾ من شجر الزقوم الْبُطُون وَهِي شَجَرَة نابتة فِي أصل الْجَحِيم
﴿فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ﴾ على الزقوم ﴿مِنَ الْحَمِيم﴾ المَاء الْحَار
﴿فَشَارِبُونَ شُرْبَ الهيم﴾ شرب الْإِبِل الظماء إِذا أَخذهَا الدَّاء الهيام لَا تكَاد أَن تروي وَيُقَال كشرب الْإِبِل العطاش إِذا أكلت الحمض وَيُقَال الهيم هِيَ الأَرْض السهلة
﴿هَذَا نُزُلُهُمْ﴾ طعامهم وشرابهم ﴿يَوْمَ الدّين﴾ يَوْم الْحساب
﴿نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ﴾ يَا أهل مَكَّة ﴿فَلَوْلاَ تُصَدِّقُونَ﴾ فَهَلا تصدقُونَ بالرسول
﴿أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ﴾ مَا تهريقون فِي أَرْحَام النِّسَاء
﴿أأنتم﴾ يَا أهل مَكَّة ﴿تَخْلُقُونَهُ﴾ نسماً فِي الْأَرْحَام ذكرا أَو أُنْثَى شقياً أَو سعيداً ﴿أَم نَحْنُ الْخَالِقُونَ﴾ بل نَحن الْخَالِقُونَ لَا أَنْتُم
﴿نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْت﴾ سوينا بَيْنكُم بِالْمَوْتِ تموتون كلكُمْ وَيُقَال قسمنا بَيْنكُم الْآجَال إِلَى الْمَوْت فمنكم
454
من يعِيش مائَة سنة أَو ثَمَانِينَ سنة أَو خمسين سنة أَو أقل أَو أَكثر من ذَلِك ﴿وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ﴾ بعاجزين
455
﴿على أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ﴾ نهلككم ونأتي بغيركم خيرا مِنْكُم وأطوع لله ﴿وَنُنشِئَكُمْ﴾ نخلقكم يَوْم الْقِيَامَة ﴿فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ فِي صُورَة لَا تعرفُون سود الْوُجُوه زرق الْأَعْين وَيُقَال فِي صُورَة القردة والخنازير وَيُقَال نجْعَل أرواحكم فِيمَا لَا تعلمُونَ فِيمَا لَا تصدقُونَ وَهِي النَّار
﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ﴾ يَا أهل مَكَّة ﴿النشأة الأولى﴾ الْخلق الأول فِي بطُون الْأُمَّهَات وَيُقَال خلق آدم ﴿فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ﴾ فَهَلا تتعظون بالخلق الأول فتؤمنوا بالخلق الآخر
﴿أَفَرَأَيْتُم مَا تَحْرُثُونَ﴾ تبذرون من الْحُبُوب
﴿أأنتم﴾ يَا أهل مَكَّة ﴿تَزْرَعُونَهُ﴾ تنبتونه ﴿أَمْ نَحْنُ الزارعون﴾ المنبتون
﴿لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ﴾ يَعْنِي الزَّرْع ﴿حُطَاماً﴾ يَابسا بعد خضرته ﴿فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ﴾ فصرتم تعْجبُونَ من يبوسته وهلاكه وتقولون
﴿إِنَّا لَمُغْرَمُونَ﴾ معذبون بِهَلَاك زروعنا
﴿بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ﴾ حرمنا مَنْفَعَة زروعنا وَيُقَال محاربون
﴿أَفَرَأَيْتُمُ المآء﴾ العذب ﴿الَّذِي تَشْرَبُونَ﴾ وتسقون دوابكم وجناتكم
﴿أأنتم﴾ يَا أهل مَكَّة ﴿أَنزَلْتُمُوهُ﴾ المَاء العذب ﴿مِنَ المزن﴾ من السَّحَاب عَلَيْكُم ﴿أَمْ نَحْنُ المنزلون﴾ بل نَحن المنزلون عَلَيْكُم لَا أَنْتُم
﴿لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ﴾ يَعْنِي المَاء العذب ﴿أُجَاجاً﴾ مراماً لحاً زعاقاً ﴿فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ﴾ فَلَا تشكرون عذوبته فتؤمنوا بِهِ
﴿أَفَرَأَيْتُمُ النَّار الَّتِي تُورُونَ﴾ تقدحون عَن كل عود غير الْعنَّاب وَهُوَ الشّجر الْأَحْمَر
﴿أأنتم﴾ يَا أهل مَكَّة ﴿أَنشَأْتُمْ﴾ خلقْتُمْ ﴿شَجَرَتَهَآ﴾ شَجَرَة النَّار ﴿أَمْ نَحْنُ المنشئون﴾ الْخَالِقُونَ
﴿نَحْنُ جَعَلْنَاهَا﴾ هَذِه النَّار ﴿تَذْكِرَةً﴾ عظة النَّار الْآخِرَة ﴿وَمَتَاعاً﴾ مَنْفَعَة لِّلْمُقْوِينَ الْمُسَافِرين فِي الأَرْض القواء وَهِي القفر الَّذين فني زادهم
﴿فَسَبِّحْ باسم رَبِّكَ الْعَظِيم﴾ فصل باسم رَبك الْعَظِيم وَيُقَال اذكر تَوْحِيد رَبك الْعَظِيم
﴿فَلاَ أُقْسِمُ﴾ يَقُول أقسم ﴿بِمَوَاقِعِ النُّجُوم﴾ بنزول الْقُرْآن على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نجوماً نجوماً وَلم ينزله جملَة وَاحِدَة
﴿وَإِنَّهُ﴾ يَعْنِي الْقُرْآن ﴿لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ﴾ لَو تصدقُونَ وَيُقَال فَلَا أقسم يَقُول أقسم بمواقع النُّجُوم بمساقط النُّجُوم عِنْد الْغَدَاة وَإنَّهُ وَالَّذِي ذكرت لقسم عَظِيم لَو تعلمُونَ لَو تصدقُونَ
﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ﴾ شرِيف حسن
﴿فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ﴾ فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ مَكْتُوب وَلِهَذَا كَانَ الْقسم
﴿لاَّ يَمَسُّهُ﴾ يَعْنِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ ﴿إِلاَّ الْمُطهرُونَ﴾ من الْأَحْدَاث والذنُوب فهم الْمَلَائِكَة وَيُقَال لَا يعْمل بِالْقُرْآنِ إِلَّا الموفقون
﴿تَنزِيلٌ﴾ تكليم ﴿مِّن رَّبِّ الْعَالمين﴾ على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
﴿أفبهذا الحَدِيث﴾ أَي الْقُرْآن الَّذِي يقْرَأ عَلَيْكُم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿أَنتُمْ﴾ يَا أهل مَكَّة ﴿مُّدْهِنُونَ﴾ مكذبون أَنه لَيْسَ كَمَا قَالَ من الْجنَّة وَالنَّار والبعث والحساب
﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ﴾ تَقولُونَ للمطر الَّذِي سقيتم ﴿أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ﴾ تَقولُونَ سقينا بالنوء الْفُلَانِيّ
﴿فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ﴾ الرّوح ﴿الْحُلْقُوم﴾ يَعْنِي نفس الْجَسَد إِلَى الْحُلْقُوم
﴿وَأَنتُمْ﴾ يَا أهل مَكَّة ﴿حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ﴾ مَتى تخرج نَفسه
﴿وَنحن أقرب إِلَيْهِ﴾ ملك الْمَوْت وأعوانه أقرب إِلَى الْمَيِّت ﴿مِنكُمْ﴾ من أَهله ﴿وَلَكِن لاَّ تُبْصِرُونَ﴾ ملك الْمَوْت وأعوانه
﴿فَلَوْلاَ﴾ فَهَلا ﴿إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ﴾ غير ملومين وَغير مجازين ومحاسبين
﴿تَرْجِعُونَهَآ﴾ روح الْجَسَد إِلَى الْجَسَد ﴿إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ أَنكُمْ غير مدينين
﴿فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ المقربين﴾ إِلَى جنَّة عدن
﴿فَرَوْحٌ﴾ فراحة لَهُم فِي الْقَبْر وَيُقَال رَحْمَة إِن قَرَأت بِضَم الرَّاء ﴿وَرَيْحَانٌ﴾ إِذا خَرجُوا من الْقُبُور وَيُقَال رزق ﴿وجنة نَعِيمٍ﴾ يَوْم الْقِيَامَة لَا يفنى نعيمها
﴿وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمين﴾ من أهل الْجنَّة فكلهم اصحاب الْيَمين
﴿فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمين﴾ فسلام لَك وَأمن لَك من أهل الْجنَّة قد سلم الله أَمرهم ونجاهم وَيُقَال يسلم عَلَيْك أهل الْجنَّة
﴿وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ المكذبين﴾ بِاللَّه وَالرَّسُول وَالْكتاب ﴿الضآلين﴾ عَن الْإِيمَان
﴿فَنُزُلٌ﴾ فطعامهم من زقوم وشرابهم
455
مِّنْ حَمِيمٍ مَاء حَار
456
﴿وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ﴾ دُخُولهمْ فِي النَّار
﴿إِنَّ هَذَا﴾ الَّذِي وَصفنَا لَهُم ﴿لَهُوَ حَقُّ الْيَقِين﴾ حَقًا يَقِينا كَائِنا
﴿فَسَبِّحْ باسم رَبِّكَ الْعَظِيم﴾ فصل بِأَمْر رَبك الْعَظِيم وَيُقَال اذكر تَوْحِيد رَبك الْعَظِيم أعظم من كل شىء
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْحَدِيد وهى كلهَا مَكِّيَّة أَو مَدَنِيَّة آياتها تسع وَعِشْرُونَ وكلماتها خَمْسمِائَة وَأَرْبع وَأَرْبَعُونَ وحروفها أَلفَانِ وَأَرْبَعمِائَة وست وَسَبْعُونَ
﴿بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم﴾
سورة الواقعة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الواقعة) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (طه)، وقد جاءت بتذكيرِ الناس بوقوع يوم القيامة؛ للدَّلالة على عظمة الله عز وجل، وترهيبًا لهم من مخالفة أوامره، ودعوةً لهم إلى اتباع الدِّين الحق وتركِ الباطل، وخُتمت السورة الكريمة بتعظيمِ القرآن، وصدقِ أخباره وما جاء به، وقد أُثر عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءتُه لها في صلاة الفجر.

ترتيبها المصحفي
56
نوعها
مكية
ألفاظها
380
ترتيب نزولها
46
العد المدني الأول
99
العد المدني الأخير
99
العد البصري
97
العد الكوفي
96
العد الشامي
99

* قوله تعالى: {فَلَآ أُقْسِمُ بِمَوَٰقِعِ اْلنُّجُومِ ٧٥ وَإِنَّهُۥ لَقَسَمٞ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ٧٦ إِنَّهُۥ لَقُرْءَانٞ كَرِيمٞ ٧٧ فِي كِتَٰبٖ مَّكْنُونٖ ٧٨ لَّا يَمَسُّهُۥٓ إِلَّا اْلْمُطَهَّرُونَ ٧٩ تَنزِيلٞ مِّن رَّبِّ اْلْعَٰلَمِينَ ٨٠ أَفَبِهَٰذَا اْلْحَدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ ٨١ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة: 75-82]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «مُطِرَ الناسُ على عهدِ النبيِّ ﷺ، فقال النبيُّ ﷺ: «أصبَحَ مِن الناسِ شاكرٌ، ومنهم كافرٌ، قالوا: هذه رحمةُ اللهِ، وقال بعضُهم: لقد صدَقَ نَوْءُ كذا وكذا»، قال: فنزَلتْ هذه الآيةُ: {فَلَآ أُقْسِمُ بِمَوَٰقِعِ اْلنُّجُومِ} [الواقعة: 75]، حتى بلَغَ: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة: 82]». أخرجه مسلم (٧٣).

* سورة (الواقعة):

سُمِّيت هذه السورة بـ(الواقعة)؛ لافتتاحِها بهذا اللفظ، ولتسميةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لها بذلك:

عن أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه، قال: «سألتُ رسولَ اللهِ ﷺ: ما شيَّبَكَ؟ قال: «سورةُ هودٍ، والواقعةِ، و{عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ}، و{إِذَا اْلشَّمْسُ كُوِّرَتْ}»». أخرجه الترمذي (٣٢٩٧).

و(الواقعةُ): اسمٌ من أسماءِ يوم القيامة.

* سورة (الواقعة) من السُّوَر التي شيَّبتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم:

عن أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه، قال: «سألتُ رسولَ اللهِ ﷺ: ما شيَّبَكَ؟ قال: «سورةُ هودٍ، والواقعةِ، و{عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ}، و{إِذَا اْلشَّمْسُ كُوِّرَتْ}»». أخرجه الترمذي (٣٢٩٧).

* أُثِر عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءتُه لسورة (الواقعة) في صلاة الفجر:

عن جابرِ بن سَمُرةَ رضي الله عنه، قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يُصلِّي الصَّلواتِ كنَحْوٍ مِن صلاتِكم التي تُصَلُّون اليومَ، ولكنَّه كان يُخفِّفُ، كانت صَلاتُه أخَفَّ مِن صَلاتِكم، وكان يَقرأُ في الفجرِ الواقعةَ، ونحوَها مِن السُّوَرِ». أخرجه أحمد (٢٠٩٩٥).

1. تحقيق القيامة (١-٥٦).

2. دلائلُ البعث والجزاء (٥٧-٧٤).

3. تعظيم القرآن، وصدقُ أخباره (٧٥-٩٦).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (7 /598).

مقصدُ سورة (الواقعة) هو التذكيرُ بوقوع يوم القيامة وهَوْلِه، ووصفُ ما يحدُثُ به؛ لتخويف الناس وترهيبهم من معصية الله عز وجل ومخالفة أمره، وفي ذلك دعوةٌ لهم للرجوع إلى الحق، والاستجابة لأمر الله.

ويُبيِّن ابن عاشور محورَها فيقول: «هو التذكيرُ بيوم القيامة، وتحقيق وقوعه.

ووصفُ ما يَعرِض لهذا العالَمِ الأرضي عند ساعة القيامة.

ثم صفة أهل الجنة وبعض نعيمهم.

وصفة أهل النار وما هم فيه من العذاب، وأن ذلك لتكذيبهم بالبعث.

وإثبات الحشر والجزاء.

والاستدلال على إمكان الخَلْق الثاني بما أبدعه الله من الموجودات بعد أن لم تكن.

والاستدلال بدلائل قدرة الله تعالى.

والاستدلال بنزعِ الله الأرواحَ من الأجساد والناس كارهون لا يستطيع أحدٌ مَنْعَها من الخروج، على أن الذي قدَرَ على نزعها بدون مُدافعٍ قادرٌ على إرجاعها متى أراد على أن يُمِيتَهم.

وتأكيد أن القرآن منزلٌ من عند الله، وأنه نعمةٌ أنعم الله بها عليهم فلم يشكروها، وكذَّبوا بما فيه». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (27 /280).